أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-09-2014
6243
التاريخ: 9-06-2015
4991
التاريخ: 26-09-2014
14734
التاريخ: 25/12/2022
1115
|
لقد حث اللَّه سبحانه على البذل والإنفاق في العديد من آياته ، وفي الكثير منها إيماء إلى أن جميع الأموال ليست ملكا لمن هي في يده ، وانما هي ملك للَّه وحده ، والإنسان أمين عليها ، ومأذون بالتصرف فيها ضمن حدود معينة لا يجوز أن يتعداها ، تماما كالوكيل على الشيء يتبع إرادة الأصيل في جميع التصرفات (1) ومن تلك الآيات هذه الآية : {يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180]. .
والآية 77 من القصص : {وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} . . والآية 47 من سورة يس : {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}. . إلى كثير غيرها . . وفي الحديث القدسي :
المال مالي ، والأغنياء وكلائي ، والفقراء عيالي ، فمن بخل بمالي على عيالي أدخلته النار ، ولا أبالي . وأصرح الآيات دلالة الآية 7 من سورة الحديد : {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} . ومعنى جعله خليفة أقامه مقامه .
فالآيات والأحاديث تفيد ان الإسلام لا يقر ملكية الإنسان للمال بشتى معانيها ، سواء أكانت الملكية فردية مطلقة ، كما هي في المذهب الرأسمالي ، أو ملكية مقيدة ، كما هي في المذهب الاشتراكي ، أو ملكية جماعية ، كما هي في المذهب الشيوعي . . كل هذه الأنواع للملكية ينفيها الإسلام ، ويحصر الملك الحقيقي باللَّه وحده ، ولكنه سبحانه قد أباح للإنسان أن يتصرف في هذا المال ، وينفقه على نفسه وأهله بالمعروف ، وفي سبيل الخير ، على شريطة أن يصل إليه عن طريق ما أحله اللَّه ، لا عن طريق ما حرم ونهى ، كالغش والخداع ، والنهب والسلب ، والرشوة والربا والاحتكار والاتجار بالمسكرات والمحرمات ، فالإذن بالاستيلاء على المال محدود بحدود ، والإذن بالتصرف فيه أيضا محدود ضمن نطاق خاص .
وتسأل : ان بعض الآيات تدل على ان المال ملك للإنسان ، مثل : {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [التوبة: 41]. . {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]. وفي الحديث : « ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام . . الناس مسلطون على أموالهم » أما البيع والإرث فهما من ضرورات الدين ، والشريعة الاسلامية . . إذن ، لا مسوغ للقول بأن الإسلام يلغي الملكية بشتى أنواعها ؟
الجواب : ان الإضافة تصح لأدنى مناسبة ، تقول للضيف : هذا إناؤك ، وللضال : هذا طريقك
، مع العلم بأن الإناء ليس ملكا للضيف ، ولا الطريق ملكا للضال ، وانما القصد ان يسلك الضال الطريق المشار إليه ، ويأكل الضيف الطعام الذي في الإناء . . ومثله تماما إضافة المال للإنسان ، يقصد منها أن يتصرف فيه على سبيل الإباحة والإذن بالتصرف ، لا على سبيل الملك ، ومنه قوله تعالى :
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72]. وقول الرسول (صلى الله عليه واله) :
« أنت ومالك لأبيك » . . وبديهة ان الزوجة ليست ملكا طلقا للزوج ، ولا الولد ملكا حقيقيا للوالد .
أما البيع والإرث فيكفي لجوازهما حق الامتياز والاختصاص ، أي ان الإسلام قد جعل لصاحب اليد امتيازا على غيره في التصرف بالمال ، وفي الوقت نفسه
أباح له أن ينقل الامتياز إلى الوارث والمشتري . . والفرق بعيد بين الملك الحقيقي والامتياز .
والخلاصة ان الإسلام أباح للإنسان حيازة المال بشروط خاصة ، وإنفاقه ضمن نطاق معين ، وشدد على مراعاة تلك الشروط ، وهذا النطاق ، وحرم التجاوز عنهما ، وهذا وحده كاف وصريح في الدلالة على ان الإنسان وكيل على المال ، لا أصيل ، والا جاز له التصرف بلا قيد ولا شرط . وخير ما نختم به هذا الفصل قول الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : المال مال اللَّه وهو ودائع عند عباده ، وجوز لهم أن يأكلوا قصدا - أي مقتصدين - ويلبسوا قصدا ، وينكحوا قصدا ، ويركبوا قصدا ، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ، ويلموا به شعثهم ، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالا ويشرب حلالا ، ويركب وينكح حلالا ، وما عدا ذلك كان عليه حراما .
{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181] . لم تذكر الآية أسماء الذين نطقوا بهذا الكفر ، ولكن المفسرين نقلوا ان اللَّه حين أنزل على نبيه قوله : {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] قال يهود المدينة الذين كانوا في عهد الرسول (صلى الله عليه واله) : « انما يستقرض الفقير من الأغنياء . . اذن ، اللَّه فقير ، ونحن أغنياء » . . وليس هذا بمستبعد على اليهود ، بخاصة الأثرياء منهم ، فان مبادئهم وأعمالهم تدل دلالة واضحة على هذه الروح الشريرة ، واللامبالاة بالقيم والانسانية . . ومن تتبع تاريخهم يجد ان ما من بقعة من بقاع الأرض إلا وتركوا فيها أثرا من مفاسدهم ومقاصدهم الطاغية الباغية . . ولا شيء أصدق وأبلغ في تصوير حقيقة اليهود من قوله تعالى : { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: 62 - 64] ولست أشك إطلاقا في ان كل من يعترض على حكمة اللَّه ، ويقول بلسان المقال أو الحال : ما كان ينبغي للَّه أن يفعل كذا ، وكان عليه أن يفعل كيت ، لست أشك في ان هذا يلتقي من حيث يريد أو لا يريد ، مع الذين قالوا :
يد اللَّه مغلولة .
( سَنَكْتُبُ ما قالُوا ) . هذا تهديد ووعيد للذين قالوا : { إِنَّ اللَّهً فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِياءُ } لأن كتابة الذنب تستدعي العقوبة عليه . { وقَتْلَهُمُ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } .
ونكتب قتل أسلافهم للأنبياء ، ونسب إليهم القتل مع ان القاتل أسلافهم ، لأن الخلف راض بما فعل السلف . . وسبق الشرح عند تفسير الآية 21 من هذه السورة .
{ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وأَنَّ اللَّهً لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } . وكيف يظلم وقد نهى عن الظلم ، واعتبره أكبر الكبائر ، وعبر عنه بالكفر في أكثر من آية ؟ .
هذا ، إلى ان الظالم انما يظلم لأنه مفتقر إلى الظلم ، واللَّه غني عن كل شيء . .
وبهذا الأصل ، وهو غنى اللَّه وعدم افتقاره إلى شيء نثبت عدله سبحانه ، وأيضا نثبت انه ليس بجسم ، لأن الجسم يفتقر إلى حيز .
وبهذا يتبين معنا بطلان مذهب القائلين بأن الشر من اللَّه ، وانه يخلق المعصية في العبد ، ثم يعاقبه عليها . . اللهم الا ان يبرروا مذهبهم بأنه جل وعز قال :
ان اللَّه ليس بظلَّام ، ولم يقل ليس بظالم ، ومعلوم ان ظلَّام من أمثلة الكثرة والمبالغة . . وعليه فإن اللَّه سبحانه نفى عنه كثرة الظلم والمبالغة فيه ، لا أصل الظلم . . تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ بعد أن تنتهي من قراءة هذا الفصل اقرأ فصل « الايمان باللَّه ومشكلة العيش » في تفسير الآية 5 من سورة النساء ، فإنه مرتبط بهذا الفصل .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|