المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

النسب والقرابة والرحم
29-9-2016
الانفصال عن الماضي
15-1-2023
emic/etic (adj.)
2023-08-22
أصناف الموجات الصوتية
26-7-2019
مفاعلات نووية
1-3-2017
Halides of germanium, tin and lead
6-2-2018


موقف الإمام الحسين من قضية الصلح  
  
13641   03:01 مساءاً   التاريخ: 7-4-2016
المؤلف : باقر شريف القرشي
الكتاب أو المصدر : حياة الامام الحسن دراسة وتحليل
الجزء والصفحة : ج2 ، ص245-254
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسن بن علي المجتبى / صلح الامام الحسن (عليه السّلام) /

كان موقف سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) من قضية الصلح كموقف أخيه الحسن (عليه السلام) فكان يرى ضرورة المهادنة ولزوم المسالمة وانه ليس من الحكمة ولا من الصالح فتح باب الحرب مع معاوية فانه يعود بالمضاعفات السيئة على الإسلام ويجر الويلات والخطوب للمسلمين وذلك لتفلل الجيش الذي نزح معهم فقد ذكرنا فى البحوث السابقة الخيانات المفضوحة التي ظهرت من أغلب الأمراء والوجوه والتحاقهم بمعسكر معاوية وضمانهم له الفتك بالامام الحسن أو تسليمه أسيرا له فكيف يحاربه بهذه القوى الغادرة التي تبغي له الغوائل وتتربص به الفرص للفتك به؟

إن الإمام الحسين (عليه السلام) كان من رأيه أن يستجيب أخوه للصلح ولا يناجز معاوية نظرا للعوامل المريرة التي أحاطت به حتى جعلت من المستحيل التغلب على معاوية والانتصار عليه فما عمله الامام الحسن من الصلح كان أمرا متعينا ولا سبيل لغيره ؛ فكيف يخالف الإمام الحسين أخاه في ذلك ولا يقره عليه ؛ وزعم بعض المؤرخين ان الإمام الحسين (عليه السلام) كان كارها لما فعله أخوه وانه قال له : أنشدك الله أن تصدق احدوثة معاوية وتكذب احدوثة أبيك!! فأجابه الحسن : أنا أعلم بهذا الأمر منك ؛ ورووا أيضا : ان الحسن (عليه السلام) قال لابن عمه عبد الله بن جعفر : إني رأيت رأيا أحب أن تتابعني عليه فانبرى إليه ابن جعفر قائلا : ما هو ؟ قال : رأيت أن أعمد الى المدينة فأنزلها وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث فقد طالت الفتنة وسفكت فيها الدماء وقطعت الأرحام وعطلت الفروج ؛ فأيد ابن جعفر رأيه قائلا : جزاك الله عن أمّة محمد خيرا وأنا معك ؛ ثم بعث نحو الحسين فلما مثل بين يديه قال له : إني رأيت رأيا وأحب أن تتابعني عليه ؛ ما هو؟  فذكر له رأيه في ذلك ؛ فانبرى الحسين وهو غضبان قائلا : أعيذك بالله أن تكذب عليا في قبره وتصدق معاوية ؛ فتأثر الحسن من كلامه وقال له : والله ما أردت أمرا إلا خالفتني عليه الى غيره والله لقد هممت أن أقذفك فى بيت فأطينه عليك حتى أقضى أمري ؛ فلما رأى الحسين غضب أخيه وجدّه في الأمر انسحب عن فكرته وتنازل عن رأيه وقال له بصوت خافت : أنت أكبر ولد عليّ وأنت خليفتي وأمرنا لأمرك متبع فافعل ما بدا لك ؛ لا شك في افتعال ذلك كله وانه من الموضوعات لأن الامام الحسين (عليه السلام) كان عالما بالعلل والأسباب التي الجأت أخاه الى الصلح والزمته بالمسالمة فان رأيه في الصلح كان موافقا لرأي أخيه لا يخالفه ولا يختلف عنه ويدل على ذلك ان الإمام الحسن لما أبرم الصلح أقبلت الى الامام الحسين طائفة من الزعماء والوجوه يطلبون منه أن ينقض ما أبرمه أخوه ويناجز معاوية فأبى (عليه السلام) وامتنع ولو كان رأيه مخالفا لرأي أخيه لأجابهم الى ذلك ولما انتقل الإمام الحسن (عليه السلام) الى حظيرة القدس رفعت إليه طوائف من زعماء العراق عدة رسائل يطلبون منه اعلان الثورة على معاوية فامتنع من اجابتهم وقال لهم : ما دام معاوية في قيد الحياة فلا اتحرك بكل شيء وإذا مات نظرت في الأمر .

إن امتناعه من القيام بالأمر ما دام معاوية حيا يدل بصراحة أنه كان يرى ضرورة المهادنة والمسالمة المؤقتة فان الثورة لا تنتج ولا التضحية تجدي شيئا مع وجود معاوية لأنه يلبسها ثوبا يخرجها عن اطار الإصلاح ؛ نعم لا شك ان الصلح قد ترك في نفس الحسين أسى مريرا وحزنا مرهقا كما ترك في نفس الحسن أيضا لوعة وحزنا ولكنهما (سلام الله عليهما) ما ذا يصنعان والظروف لم تكن مواتية لهما حتى يقوما بمناجزة معاوية ؛ ومما يدل على وضع ذلك وعدم صحته انه جاء في الرواية الثانية ان الإمام قال لأخيه الحسين : ما أردت أمرا إلا خالفتني عليه.

ان هذا الكلام شاهد على الافتعال والوضع لأن الإمام الحسين (عليه السلام) تصده مثله العليا عن مخالفة أخيه وعدم طاعته له فقد تربيا معا في حجر المشرع الأعظم وأفاض عليهما مثله وتهذيبه وهديه حتى صارا صورة صادقة عنه فكيف يخالف أوامر أخيه ولا يطيعه فى أمر يعود بالصالح العام لجميع المسلمين إن الامام الحسين كان يكبر أخاه ويجله ولا يخالف له أمرا ؛ فقد روى حفيده الإمام الباقر (عليه السلام) عن مدى اجلاله وتعظيمه له قال : ما تكلم الحسين بين يدي الحسن اعظاما له ؛ وبعد هذا التقدير والإكبار هل يصح أن يقول الحسن لأخيه ما أردت أمرا إلا خالفتني عليه ؛ وانجرف الدكتور طه حسين بهذه الرواية المفتعلة فقال : كره صلح أخيه وهمّ أن يعارض فأنذره أخوه بأن يشدّه في الحديد حتى يتم الصلح ؛ وقال : وكان الحسين يعيب الصلح لأنه إنكار لسيرة أبيه ؛ وقال أيضا : رأى الوفاء لأخيه حقا فوفى له وأطاعه كما أطاع أباه من قبله ؛ وما أشك في أنه أثناء هذه السنين التي قضاها فى المدينة بعد صلح أخيه كان يتحرق تشوقا الى الفرصة التي تتيح له استئناف الجهاد حيث تركه أبوه ؛ أما قوله : كره صلح أخيه وهمّ بالمعارضة فأنذره أخوه بأن يوثقه في الحديد وانه كان يعيب عليه لأنه إنكار لسيرة أبيه فيرده انه لو كان كارها لذلك لأجاب الكوفيين الى مناجزة معاوية بعد ما جرى الصلح ولأعلن الثورة عليه بعد موت أخيه مضافا الى انه لو كان الصلح مخالفا لسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) لما سكت الحسين لحظة واحدة لأن السكوت عن الحق جبن ومعصية ولو كان مخالفا لسيرة أمير المؤمنين التي هي سيرة رسول الله (صلى الله عليه واله) لما أبرم الحسن (عليه السلام) الصلح ونفذه نعم كان الحسين يتحرق شوقا الى الجهاد تحرق الظمان الى الماء قد انطوى قلبه على شجى مكتوم وحزن مرهق ولكنه لم ينفرد بذلك فقد شاركه أخوه في جميع محنه وأشجانه وكانا معا يترقبان بفارغ الصبر الفرصة السانحة للثورة على حكومة أميّة ولكن الفرصة التي يؤمل بها النصر والفتح كانت معدومة ما دام معاوية حيا فان فتح باب الحرب معه يعود بالضرر البالغ على الإسلام والمسلمين ؛ بقي هنا شيء لم نذكره في أسباب الصلح وهو انه لما ذا لم يفتح الإمام الحسن باب الحرب مع معاوية وإن عدم الناصر والمعين فيستشهد كما استشهد أخوه سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) وهذه الشبهة قد ذهب إليها بعض الناقدين للصلح ولندع الجواب الى إمام من أئمة المسلمين وهو آية الله المغفور له السيد عبد الحسين شرف الدين فقد كشف الغطاء عنها في مقال عنوانه ثورة الحسين صدى لصلح الحسن  وقد نشر في أغلب الصحف المحلية نذكره بأسره لما فيه من مزيد الفائدة قال : كان بنفسي من قديم أن أعني ببحث هذه المسألة بحثا يدفع هذه الشبهة عن أبي محمد فى نفوس غير المتمكنين فى فهم التأريخ فهما صحيحا وكثير من هؤلاء لا يرجعون الى مصدر علمي في وزن هؤلاء النفر من أهل البيت واخضاع حركاتهم في حالتي مدها وجزرها للمبدأ الأسمى ، الذي طوعهم لخدمته وأفنى ذواتهم في ذاته فكانوا ينقبضون حين يشاء لهم الانقباض وينبسطون حين يشاء لهم الانبساط كذلك .

كان بنفسي أن أرد هذه الشبهة عن أبي محمد السبط باقامة هذا الميزان العلمي الذي يجلو هذه الحقيقة ويكشف خدرها غير أن واردا ثقيلا من المشاغل التي تنتهي كان يصرفني عما بنفسي من ذلك , فها أنا الآن أوجز الإشارة الى هذه الشبهة ودفعها وعسى أن تعود هذه النواة غرسا أتعهده أنا بما ينميه إن سنحت الفرصة أولا فينميه قلم من هذه الأقلام الصقيلة المغموسة بقلوب الأحرار وعقول العلماء من خدام الحقائق ؛ أما الشبهة فقديمة كقدم النظر القاصر فيمن يأخذون من الأشياء بالظاهر والملمون بتأريخ الحسن (عليه السلام) يعرفون أن قوما من صحابته أخذوا عليه قعوده عن حرب معاوية ومناجزته إياه القتال حتى لأوشك أن يذهب يومئذ ضحية هذه الفتنة وحتى دخل عليه خاصته بسلام غليظ يقولون فيه : السلام عليك يا مذل المؤمنين ؛ وقد يكون لهؤلاء عذر بحماستهم التي نعرفها لذوي النجدة من فتيان الايمان الذين تغلب فيهم عاطفة الحماسة واستقرار الروية وبعد النظر؛ وقد يكون ذلك ولكنا لا نقصد الآن الى الاعتذار لهم بل نريد أن نثبت طرف هذه الشبهة عن الأول لنراها تتسلسل منه فتظهر بين حين وآخر طورا على لسان أوليائه وتارة على لسان أعدائه وهي هنا وهناك لا تظهر إلا لتدل على جهل هؤلاء وأولئك

فنحن حين نزن صلحه (عليه السلام) وحربه ترجح كفة الصلح من حيث اعتبرت المعايير المرعية وكن إن شئت ماديا أو كن روحيا تتجاوز بإيمانك وفهمك مدى المحسوسات المرئية.

كن أول الأمر ماديا وناقش حرب الحسن في جيش حكم على نفسه بالهزيمة قبل أن يخوض المعركة وغزاه معاوية الذي ثبت لعلي من قبل ولعلي معنوية عسكرية ترجف الأرض من خيفتها مضافا الى معنوياته الأخرى التي لم يكن الحس يتمتع بمثلها فى نفوس معاصريه بحكم انضوائه الى لواء أبيه ؛ نعم لك أن تقول كان على الحسن أن يستشهد فيموت عزيزا ولكن أعد النظر في تاريخ هذه الفترة لترى أن الاستشهاد فيها ينمسخ الى معنى من معاني الخروج فلم تكن يومئذ حقيقة وطنية ثابتة ولا روح مبدئية مستقرة لتكون التضحية تضحية مقررة القواعد وليس أتفه من الموت يعين على صاحبه ويميته مرة أخرى فى معناه.

كانت الحياة الإسلامية تنتكس حقا وتتحول الى ملك عضوض وكانت المطامع تتجند في ركاب الملك هاربة من حواشي الخلافة ولكنها كانت ما تزال تحتفظ بوسيلة الإسلام وظاهر مبادئه في وصولية صاغها معاوية بدهائه وكان هذا وحده عذرا للحسن من ناحيتين :

1 ـ كان عذره في الصلح لأن الدنيا كانت تظاهر معاوية فتستلب منه ابن عمه وقائد عسكره.

2 ـ ثم كان عذره في القعود عن الشهادة لأن ذلك بعينه ليس ظرف الشهادة لأنه كان قادرا على مسخها ؛ فأي ربح مادي في الموت لو اختاره الحسن كما يريد هؤلاء غير انه يعين معاوية على نفسه حيا وميتا.

إنني لا أرى شيئا أدل على عظمة الحسن من هذه السياسة المادية التي حددت موقفه على هذا النحو في أخطر دور مرّ به الإسلام ؛ فكانت نواة لقلب الحكم الأموي وفضح كما كانت مادة ذلك البارود الجبار الذي انفجر في مصرع الحسين (عليه السلام) ذلك الانفجار ولو لم يكن موقف الحسن هذا لأتيح لمعاوية سلطان لا يعرف الناس منطوياته ولما اتيح للحسين أن يكون الفداء الخالد للمبدأ الخالد ؛ وبعد إن كنت ماديا فكن روحيا وناقش حرب الحسن لتجتمع لك الاعتبارات كلها على رجحان كفة الصلح ؛ الحسن (عليه السلام) ليس من طلاب لذات الامرة بل هو ممن يريدون الخلافة وسيلة للإصلاح وإقامة العدل والسلام بين الناس وما أظن هذه العقيدة الروحية تعدم دليلها المادي فأبوه وجده أثبتا فى الإسلام انهما كذلك وله قبل الإسلام إرث ينهض دليلا على انه من معدن مصلح لا يطلب النفوذ إذا استغنى عن فعل الخير.

ومن هنا كان سهلا عليه أن يتنازل عن الخلافة لأنه في فترة لا تقدر هي على ابداء الخير في ظل ذلك الجيل المكبوت المشتاق الى الشهوات يصيب منها فوق كفايته على موائد معاوية بل لقد كان الواجب عليه أن يتنازل مع عدم القدرة على تذليل العقبة من اخضاع الأموية المندفعة لأن تنازله يأتي وفق الخطة التي رسمتها له مبادئه ؛ وليس عائبو تنازله أشد احساسا منه بالام التنازل وهو المجروح ولكنها التضحية الضخمة فرضت عليه أن يتحمل آلام القعود التي كتبتها عليه مثله العليا ومبادئه الحسنى ؛ وهي تضحية لا تقل قدرا إن لم تزد عن تضحية الحسين (عليه السلام) وكن الآن ما شئت كن ماديا أو كن روحيا فستنتهي آخر الأمر الى نتيجة رائعة وهي ان صلح الحسن مصدر من أكبر مصادر ثورة الحسين التحريرية والى أن جوهر التضحية واحد عند الاماميين وإن اختلف مظهرهما ؛ والحق ان يوم الطف كان صدى ليوم المدائن صلى الله على سيدي شباب أهل الجنة ونفع المسلمين بذكرياتهما المجددة المتجددة ووفق العرب والمسلمين الى الاهتداء بهديهما فى مرحلتهم الصعبة هذه ؛ ورأي سماحة الامام شرف الدين رأي وثيق تعضده الأدلة ويسنده المنطق العلمي من جميع جهاته والحق إنه (عليه السلام) لو ضحّى بنفسه لذهبت تضحيته معدومة الأثر لا تقيم حقا ولا تغير باطلا لأن معاوية بمكره وخداعه يلقي المسؤولية على الحسن ويبرئ نفسه عن ارتكاب الجريمة فيقول للناس : إني دعوت الحسن للصلح ولكن الحسن أبى إلا الحرب وكنت اريد له الحياة ولكنه أراد لي القتل وأردت حقن الدماء ولكنه أراد هلاك الناس بينى وبينه , ومعاوية له هذه القابليات التي يظهر بها نفسه مظهر العادل المنصف وبذلك تكون التضحية مسلوبة الأثر معدومة الفائدة ؛ وأما الحسين (عليه السلام) فقد جاءت تضحيته الخالدة موافقة لظرفها الملائم ومنسجمة مع مقتضيات الزمن لأن الأثيم يزيد ليس معه من يدير شؤونه ويردعه عن طيشه وغروره فقد هلكت تلك العصابة التي كان يعتمد عليها معاوية في تدبير شؤونه كابن العاص والمغيرة وأمثالهما من دهاة العرب ولم يبق منهم معه أحد فلذا نهض الامام الحسين (عليه السلام) بتلك النهضة الموفقة التي جاءت بالنهاية المحتومة لدولة أميّة ؛ وبالجملة إن مهادنة الحسن وشهادة الحسين (عليه السلام) قائمتان على فكرة عميقة منبعثة من وحي جدهما الرسول (صلى الله عليه واله) ولو لا صلح الامام الحسن وشهادة أخيه سيد الشهداء لما بقي للإسلام اسم ولا رسم وقد صرّح بهذا الامام كاشف الغطاء في مقدمته للجزء الأول من هذا الكتاب قال : إنه كما كان الواجب والمتعين الذي لا محيص عنه في الظروف التي ثار بها الحسين (سلام الله عليه) على طاغوت زمانه أن يحارب ويقاتل حتى يقتل هو وأصحابه وتسبى عياله ودائع رسول الله (صلى الله عليه واله) كما كان هذا هو المتعين فى فن السياسة وقوانين الغلبة والكياسة مع قطع النظر عن الأوامر الالهية والمشيئة الأزلية كذلك كان المتعين والواجب الذي لا محيص عنه في ظروف الحسن (عليه السلام) وملابساته هو الصلح مع فرعون زمانه ولو لا صلح الحسن وشهادة الحسين (عليه السلام) لما بقي للإسلام اسم ولا رسم ولضاعت كل جهود محمد (صلى الله عليه واله) وما جاء به للناس من خير وبركة ورحمة ؛ نعم : لو لا صلح الحسن وشهادة الحسين لقضي على الاسلام ولف لواؤه فإن الحسن (عليه السلام) بصلحه فضح معاوية وأظهر عداءه السافر للإسلام والمسلمين والحسين (عليه السلام) بتضحيته وشهادته فتك بدولة أميّة وقضى عليها وعلى كل ظالم مستبد وأعطى الدروس الخلاقة لكل مصلح يريد أن يثور على الظلم والطغيان والاستغلال.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.