المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



القواعد الآمرة للقانون الدولي الإنساني  
  
14760   11:11 صباحاً   التاريخ: 6-4-2016
المؤلف : صلاح جبير البصيصي
الكتاب أو المصدر : دور محكمة العدل الدولية في تطوير مبادئ القانون الدولي الانساني
الجزء والصفحة : ص80-89
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدولي العام و المنظمات الدولية / القانون الدولي العام /

لقد اقتضى تطور النظام القانوني للمجتمع الدولي صياغة وبلورة عدد من القواعد القانونية الجوهرية والعامة التي لا يستساغ إغفالها والخروج عليها من الدولة فيما تعقده من معاهدات واتفاقيات(1)، ويعد عام 1969 منعطفا هاما في مجال الأخذ  بنظرية القواعد الدولية الآمرة في النظام القانوني الدولي، فبعد أن كان من المستقر تقليديا أن قواعد القانون الدولي تعد متساوية في قيمتها القانونية وقوتها الإلزامية جاءت اتفاقية فينا بشان قانون المعاهدات لتضع نوعا من التدرج وتقيم نوعا من التفرقة بين القواعد الدولية الآمرة وبين غيرها من القواعد القانونية الدولية(2) ورغم أن المناقشات الفقهية لم تستقر على رأي معين لاعتبار بعض القواعد من القواعد الآمرة إلا انه يكاد يوجد إجماع من الفقهاء على أن المبادئ ذات الطابع الإنساني التي تنبثق من ضمير المجتمع الدولي والتي تمثل القيم العليا فيه تعد من قبيل القواعد الآمرة التي لا يجوز مخالفتها ومثالها المبادئ التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف لعام 1949 واتفاقية منع إبادة الجنس البشري لعام 1948 والاتفاقية الخاصة بإزالة كافة أشكال التمييز العنصري وغير ذلك من الاتفاقيات الدولية ذات الأبعاد الإنسانية . ولكل ما تقدم فإننا سنبحث في الفرع الأول مفهوم القواعد الآمرة أما في الفرع الثاني فنبحث فيه قواعد القانون الدولي الإنساني الآمرة.

الفرع الأول

مفهوم القواعد الآمرة

قبل أن ندخل في موضوع القواعد الآمرة للقانون الدولي الإنساني يبدو من اللازم إعطاء فكرة مختصرة عن المقصود بالقواعد الآمرة بشكل عام وبيان شروط هذه القاعدة وذلك لكي يتسنى لنا ملاحظة انطباق مفهوم هذه القواعد ومدى انسجامها مع قواعد القانون الدولي الإنساني

أولا: تعريف القاعدة الآمرة

نصت المادة (53) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 على أن (تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا كانت -وقت إبرامها- متعارضة مع قواعد آمرة من قواعد القانون الدولي العام ولأغراض هذه الاتفاقية تعتبر قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، القاعدة المقبولة والمعترف بها من الجماعة الدولية في مجموعها كقاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام لها ذات الصفة). وتقضي المادة (64) بأنه (إذ ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام فان أية معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة وينتهي العمل بها). وهكذا تكتفي اتفاقية فينا لقانون المعاهدات بتعريف القاعدة الآمرة على أنها القاعدة المقبولة والمعترف بها من الجماعة الدولة في مجموعها...الخ، أما لجنة القانون الدولي التي شغلها الموضوع أكثر من إي موضوع آخر في قانون المعاهدات فتسوق في تقريرها بعض الأمثلة على معاهدات دولية تخالف النظام العام الدولي مثل المعاهدات التي تنص على استخدام القوة على خلاف ميثاق الأمم المتحدة وتلك التي تنظم الاسترقاق أو الاتجار بالبشر أو القرصنة أو الإبادة الجماعية والمعاهدات التي تمس بالقواعد الحامية للأفراد ...الخ. وهذه القائمة جاءت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر وقد امتنعت اللجنة عن اقتراح إي نص يتضمن تعداد للقواعد الآمرة مؤثرة بذلك أن يتم تحديد هذه القواعد تدريجيا وعلى ضوء ما يجري عليه عمل الدول والمحاكم الدولية(3).  إن القواعد التي تتعلق بالمصلحة العامة الدولية وتمنع استعمال القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية وتدعو إلى مبدأ حرية البحار العامة وتلك التي يكون موضوعها إنساني أو تمدني أو أخلاقي تعتبر قواعد آمرة لا يجوز مخالفاتها لان انتهاكها يأتي بالضرر على النظام العام الدولي، فالقوة الآمرة التي تتميز بها هذه القواعد إنما تستمدها من النظام العام الذي على ما يبدو يمثل البيئة والمناخ الفلسفي والخلقي الذي تترعرع فيه القواعد الآمرة وتقوم لحمايته(4)، والقواعد الآمرة الدولية يمكن أن تنشأ عن طريق المعاهدات الدولية أو العرف الدولي أو المبادئ العامة للقانون، ورغم الخلاف الفقهي على قبول فكرة القواعد الآمرة وتباين موقف الدول حيال هذه الفكرة فان الأمر انتهى بانتصار أصحاب النظرية الموضوعية الذين يعترفون بوجود نظام عام دولي وبالتالي وجود (قواعد آمرة) في القانون الدولي لحماية هذا النظام وعليه فقد أصبح وجود القواعد الآمرة حقيقة مؤكدة وان القانون الدولي قد بات يعرف بسببها تدرجا بمستوى إلزام قواعده .

ثانيا: خصائص القواعد الآمرة

إن القاعدة الآمرة الدولية هي قاعدة عامة من القواعد العامة للقانون الدولي تمثل بالنظر لأهميتها للمجتمع الدولي مرتبة أسمى من القواعد الأخرى في النظام القانوني  الدولي ويمكن التعرف عليها من خلال بيان خصائصها وهي:

1-القاعدة الآمرة ليست مجرد قاعدة ملزمة لان جميع قواعد القانون الدولي ملزمة للمخاطبين بها، إنها قاعدة آمرة (Norme imperative) لأنها قاعدة حظرية (Prohibitive) يمتنع مخالفتها وهي من هذه الزاوية تشكل قيدا على الحرية التعاقدية للدولة والسبب في عدم جواز مخالفتها راجع إلى أهميتها القصوى في الحياة الدولية لان الهدف منها ليس مجرد إشباع حاجات الدول فرادى وإنما هو تحقيق المصلحة العليا للمجتمع الدولي بأسره(5).

2-أن تكون القاعدة الآمرة مستمدة من احد مصادر القانون الدولي ومن ثم فلا يتصور أن  تكون القاعدة الأخلاقية قاعدة آمرة وذلك ما لم تكن قد تحولت إلى قاعدة دولية ملزمة فالمعاهدات التي توصف بأنها غير أخلاقية لا تعني المعاهدات التي تخالف قاعدة أخلاقية دولية وإنما المقصود أن قواعد الأخلاق التي تفرض احترامها قاعدة من قواعد القانون الدولي وبعبارة أخرى تلك المعاهدات التي تخالف قاعدة قانونية تحمي قيمة أخلاقية(6).

3-يتعين أن تتصف القاعدة الآمرة بالعموم أي أن تكون مقبولة ومعترف بها من المجتمع الدولي كله وليس المقصود من ذلك اشتراط العالمية في القاعدة الآمرة لان مثل هذا الاشتراط يعني استحالة وجود القاعدة وعلى ذلك فان معارضة دولة واحدة أو عدد محدود من الدول لا يحول دون مولد قاعدة آمرة وعليه فانه يكتفي بان تكون القاعدة مقبولة ومعترف بها من أغلبية واسعة من الدول على نحو يقترب من شبه الإجماع ومن هنا فان المادة (53) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 قد حرصت على إبراز أن القاعدة الآمرة يجب أن تكون مقبولة من جانب (جماعة الدول في مجموعها).

4-يجب أن تتميز القاعدة الدولية الآمرة فوق ذلك كله بصفة خاصة بأهميتها في الحياة الدولية ولا يكفي أن تكون القاعدة متعلقة بمصلحة مشتركة وإنما يتعين أن تكون تلك المصلحة حيوية وأساسية بحيث تكون مخالفتها والخروج على أحكامها صدمة للضمير الدولي وقد ذهب بعض الفقه للقول إنّ هذه المصلحة العليا توجد في ثلاث مجموعات للمبادئ وهي:

أ-مجموعة المبادئ التي تتعلق بأمن المجتمع الدولي، كالقواعد المتعلقة بتحريم استعمال القوة وتقرير اللجوء إلى الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية.

ب-مجموعة المبادئ الإنسانية والأخلاقية، ومثالها القواعد التي تتعلق بالحقوق الأساسية للفرد مثل معاملة أسرى الحرب وتحريم إبادة الجنس البشري.

ج-مجموعة المبادئ التي تعتمد على المجموعتين السابقتين معا، ومثالها حق تقرير المصير وحرية البحار(7) .

5-أن القاعدة الآمرة غير ثابتة وهي قابلة للتغيير فمن المتصور بحسب المادة (53) من اتفاقية فينا تعديل القاعدة الآمرة بقاعدة لاحقة لها ذات الصفة كما انه من الممكن وبموجب المادة (64) من الاتفاقية نشوء قاعدة آمرة جديدة في المستقبل تكون على خلاف معاهدة دولية نافذة.

الفرع الثاني

قواعد القانون الدولي الإنساني الآمرة

من أكثر المسائل القانونية العامة المختلف عليها هي مسالة ما إذا كانت القوانين الإنسانية هي قواعد وضعية مستقلة أم أنَّها ذات صلة بغيرها من القواعد التي نشأت في فترة مبكرة وكان موقف لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة يميل إلى ترجيح الرأي الثاني، أي أن تلك القوانين ذات صلة بغيرها من القواعد التي نشأت في فترة مبكرة، فعند إعداد مشروع اتفاقية فينا بمعرفة اللجنة المذكورة لم تعترض على هذا الاتجاه إلا دولة واحدة وكانت الأغلبية تؤيد أن حرية الدول في التعاقد ليست بالحرية المطلقة وان القانون الدولي ذاته فيه العديد من القواعد التي تحد من حرية الدول في التعاقد وبناءً على ذلك كان في تقدير اللجنة انه يصح النص على أن المعاهدة تصبح باطلة إذا تعارضت مع قاعدة من قواعد القانون الدولي الإنساني إلا أن نص المادة (53) جاء بصياغة عامة أقرتها اللجنة وان كان هناك من يؤيدها وآخر معارضا لها(8). ولا شك أن احترام الحقوق الأساسية للإنسان هو هدف مشترك للدول في المجتمع الدولي مهما اختلفت نظمها الاجتماعية وتعددت وسائل تنفيذها لتعهداتها في هذا الشأن، فنصوص القانون الدولي الإنساني تنص على حماية الحقوق الأساسية للإنسان في ظروف المنازعات المسلحة، وتتضمن المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني الالتزام بمعاملة من هم خارج ساحة القتال معاملة إنسانية وحظر المعاملة التي تنطوي على قسوة وإذلال وإلحاق الإصابة بهم أو تعذيبهم أو قسرهم على الاستعباد وقد نظمتها القواعد الدولية الآمرة(9). وتأخذ الصفة الآمرة لقواعد اتفاقيات جنيف أهميتها من كونها عالمية التطبيق من حيث مجالها وتخدم المصالح العامة للجماعة الدولية فضلا عن أنها متأصلة في ضمير الجماعة ولا يجوز المساس بها أو الخروج على أحكامها، فالقانون الدولي الإنساني فيه جملة من الحقوق الأساسية للضحايا التي تعتبر منطقيا جزءا من القواعد الآمرة وبالتالي فان أية معاهدة قد تكون معارضة لها تصبح باطلة(10).

أولا: اعتبار قواعد القانون الدولي الإنساني قواعد آمرة

من السهل على الأقل من الناحية النظرية التقرير بان هناك فئتين من القواعد الآمرة وهي:

الفئة الأولى: تمثل عددا من المصالح المحمية التي لا يجوز بأي حال من الأحوال ترك الحرية للمتعاقدين لان ينالوا منها وهي مصالح اقل تحديدا في القانون الدولي مقارنةً بالقانون الداخلي ولكنها تستفيد من جوهر وبنيان القانون الدولي ذاته وهذا هو حال استقلال الدول لسبب بسيط هو أن هذا الاستقلال يشكل شرطا لوجود القانون الدولي الذي لا يمكن أن يجد تطبيقه إلا على جماعة الدول المستقلة كما أن هذا هو الحال أيضا بالنسبة لمبدأ حرية أعالي البحار .

الفئة الثانية: تمثل عددا من المصالح التي أصبح وجودها يشكل ركيزة أساسية من ركائز القانون الدولي ونتجت عن التطور الدائم لهذا القانون وفي هذا الصدد غالبا ما يشار إلى المبادئ المتعلقة بالنظام الإنساني(11)، وإذا كان من السهل التعرف على الفئة الأولى فان الحال ليس كذلك بالنسبة للقواعد التي تتضمنها الفئة الثانية إذ يقتضي الأمر تحديدها في كل فترة زمنية معينة، إلا أن العديد من الشراح يؤكدون أن اغلب قواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان تنتمي إلى طائفة القواعد الآمرة التي لا يجوز النيل منها بأي حال من الأحوال(12) وقد قدمت لهذا الرأي عدد من الأسانيد ومنها:

1-أن قواعد القانون الدولي الإنساني ليست اختيارية: فلا يجوز للشخص الذي وضعت من اجله هذه الحرية والضمانات في اتفاقيات جنيف أن يتنازل عنها جزئيا أو كليا واذا تم مثل هذا التنازل فهو باطل والهدف من وراء ذلك حماية المستفيدين من الاتفاقيات ليس من العدو فقط بل من أنفسهم أيضا، كذلك الحال إنّ النص العام المشترك في اتفاقيات جنيف يفيد صراحة أن الأطراف السامية المتعاقدة لا يمكن أن تعقد اتفاقيات خاصة تؤثر تأثيرا ضارا بحالة الأشخاص المحميين من هذه الاتفاقية، ويستفاد من هذا النص أيضا أن الاتفاقيات المخالفة لذلك هي اتفاقيات باطلة وليس لها أي اثر ذلك لأنّ الأشخاص المحمييّن يتمتعون بحقوق الإنسان بشكل مستقل عن حقوق دولهم(13)، ويلاحظ على هذه القواعد الدولية الإنسانية أنَّها لا يوجد فيها ما يتيح لمن قررت له مجال للرفض أو القبول لأن ذلك ينافي جوهر القاعدة القانونية الآمرة لأن عنصر الاختيار معدوم في مواجهة حكمها ولو كانت الإرادة حرة الاختيار إزاء حكم القاعدة القانونية الآمرة لا تفقد صفتها الآمرة وصارت مجرد (قاعدة مكملة) والقاعدة الدولية الآمرة بعد صيرورتها لا يمكن إطلاقا الإخلال بها والاتفاق على خلافها إلا بولادة قاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام لها الصفة نفسها وتكون بقدر تعلق الأمر بالقانون الدولي الإنساني أكثر إنسانية من القاعدة الأولى.

2-تأييد المفاهيم الموضوعية للطبيعة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني: تؤيد المفاهيم الموضوعية الثلاثة (القاعدية والمثالية والاجتماعية) الصفة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني . فمن حيث الموضوعية القاعدية يرى الأستاذ فيردروس أنَّ القانون الدولي العام ينظم عددا من القواعد القانونية الآمرة التي تكمن علة وجودها في المصلحة العليا للجماعة الدولية وقام بتصنيف هذه القواعد إلى عدة مجموعات من بينها قواعد القانون الدولي التي تتعلق بالمصلحة العليا للإنسانية في مجموعها فالمعاهدات التي عقدت بالمخالفة للقواعد التي تحرم الرق وتؤثم الاتجار بالنساء والأطفال أو التي تحدد حقوق أسرى الحرب هي معاهدات باطلة، ويترتب على ثبوت الطابع الأمر لهذه القواعد أن المعاهدات الثنائية أو الجماعية التي تتضمن ما يخالفها تعتبر باطلة ولا تلزم أطرافها أنفسهم ولا يمكن للقضاء الدولي أن يقر حكمها، ولدى الموضوعية المثالية أن حرية الدول ليست مطلقة في تحديد مضمون المعاهدة وان تلك الحرية مقيدة بقواعد النظام العام الدولي ومن أمثلة قواعد النظام العام الدولي لدى فقه هذه الموضوعية القاعدة التي تحرم استخدام القوة وقواعد حماية حقوق الإنسان الأساسية فهذه تتجاوب مع الضمير القانوني العالمي، وتؤيد الموضوعية الاجتماعية فكرة القاعدة الدولية الآمرة وهي فكرة ترسم حدودها بما سماه الأستاذ جورج سل (المشروعية الدولية العليا) ومؤداها إن القانون الدولي العرفي يشتمل على قواعد معينة تمتلك قيمة عليا وتلتزم بها الدول كافة سواء فيما تمارسه من نشاط داخل إقليمها أو فيما تبرمه من اتفاقيات مع غيرها ولا يكون لها حق في استبعادها وتطبيق أحكام أخرى مغايرة لها ومن بين هذه القواعد تلك التي تحمي الحريات والحقوق الفردية كالحق في الحياة الذي لا يتوائم مع الحروب والحق في سلامة الجسم الذي يتأذى من الاتجار بالرقيق والحق في المرور والتجارة الذي يتعارض مع الغلق التعسفي للحدود(14).

3-العوامل المتصلة بطبيعة القانون الدولي، وهي:

أ- الاتجاه نحو إعطاء الفرد أهمية اكبر: من سمات النظام القانوني على وجه عام انه نظام متطور ومفتوح وهو في تطوره قد يهجر بعض المفاهيم القديمة وفي انفتاحه قد يستقبل بعض المفاهيم الجديدة. فقد تزايدت عناية القانون الدولي المعاصر بالفرد فبعد الحرب العالمية الأولى صار ينظر إلى المعاهدات التي تستهدف حماية الأقليات ورعاية الأقاليم الخاضعة لنظام الانتداب على إنها تخول حقوقا مباشرة للأفراد كما تقرر مسؤولية هؤلاء عن جرائم القرصنة والاتجار بالرقيق، وعلى اثر محاكمات نورمبرغ وطوكيو في أعقاب الحرب العالمية الثانية تقررت مسؤولية الأفراد عن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية فأصبح القانون الدولي يفرض التزامات دولية مباشرة على الفرد وإذا كانت هذه الالتزامات تلقى بأعباء على الفرد إلا إنها توفر في الوقت نفسه حماية للإنسان عن طريق مكافحة الحروب، وتتابعت حلقات التطور حتى بات الفرد اليوم وفي بعض الحالات له الحق في أنْ يقاضي الدولة أمام جهات معينة ابتغاء إلزامها باحترام قواعد القانون الدولي الخاصة بحقوق الإنسان.

ب-تضييق مدلول السيادة الوطنية: لقد تخلى القانون الدولي المعاصر عن مفهوم السيادة المطلقة واخذ بمفهوم السيادة النسبية ومن هنا صارت ممارسة السيادة مقيدة بأحكام القانون وأصبحت السيادة حاليا مجموعة السلطات التي تتمتع بها الدولة في الحدود التي تقررها القواعد الدولية، وفيما يتعلق بتطبيق اتفاقيات جنيف فان النصوص لم تقضي ببطلان الاتفاقيات التي تحد من حقوق الأشخاص المعنيين بحماية تلك الاتفاقيات ولكنها شانها شان ميثاق الأمم المتحدة اكتفت بالإشارة إلى أنَّ الالتزام بتلك الاتفاقيات هي الأولى بالتنفيذ ولا يمكن الجزم بان عقد اتفاقيات خاصة تتعارض مع تلك الاتفاقيات يجعل مثل هذه الاتفاقية المخالفة باطلة وأقصى ما يمكن قوله: إن النصوص الواردة في اتفاقيات جنيف تحد من الحقوق السيادية للدول للتعاقد على خلاف مضمونها .

ثانيا: النص في الاتفاقيات الدولية على الطبيعة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني

تضمنت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وسائر الاتفاقيات الدولية ذات الطابع العام مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، قائمة بعدد من الحقوق التي لا يجوز تقيدها أو تعطيل العمل بها أو استبعاد تطبيقها أو التحلل منها سواء في زمن الحرب أو زمن السلم وتختلف الحقوق المدرجة ضمن هذه القائمة من اتفاقية إلى أخرى، إلا إن هناك توافقا بين الاتفاقيات السابقة بشان عدد من هذه الحقوق وهي الحق في الحياة، الحق في السلامة البدنية وعدم الخضوع للتعذيب أو لمعاملة غير إنسانية، وحظر الرق والعبودية وعدم رجعية قوانين العقوبات فهذه الحقوق الأربعة تشكل (النواة الأساسية) لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني التي يجدر احترامها زمن السلم أو زمن الحرب(15) وهي تمثل في الوقت ذاته - الحد الأدنى- من الحماية الإنسانية الواجب أنْ يعامل بها أفراد القوات المسلحة الذين سلموا أسلحتهم أو ابعدوا عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الأسر كما نصت على ذلك المادة(3) المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، فقد استقرت الدول على تطبيق أحكام المادة الثالثة في مواجهة النزاعات المسلحة التي اندلعت فيها على الرغم من عدم نفاذ تلك الاتفاقيات في مواجهتها بسبب عدم انضمامها لها، ذلك أن تلك القواعد الإنسانية قد استقرت في العرف الدولي إذ هي أضحت قواعد آمرة من قواعد القانون الدولي العام التي عبرت عنها صراحة محكمة العدل الدولية بمناسبة حكمها في قضية الأنشطة العسكرية في نيكاراكوا وكذلك في قضية برشلونة (16). ووفقا لنص الفقرة الخامسة من المادة (60) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 لا ينطبق وقف سريان أو فسخ المعاهدة على النصوص المتعلقة بحماية الشخص الإنساني الواردة في المعاهدات ذات الطابع الإنساني لا سيما النصوص التي تحرم كل شكل من أشكال الانتقام قبل الأشخاص المحمييّن بمقتضى هذه المعاهدات. إن النصوص التي تنطوي عليها اتفاقيات القانون الدولي الإنساني وإعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان ليست مجرد أحكام سامية ذات طابع أدبي أو أخلاقي أو توجيهي بقدر ما هي قواعد قانونية ملزمة وان خرقها وعدم الالتزام بها يشكل مخالفة لقواعد القانون الدولي فهي من قواعده الآمرة التي لا يجوز مخالفتها وما يأتي خلافها فهو باطل(17)، وتعزز هذا الاتجاه عندما قررت الدول المشاركة في مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي عام 1994 في بودابست التأكيد على أنَّ العديد من الحقوق الإنسانية (سميت بالحد الأدنى للصيغ الإنساني) يجب أنْ تطبق في جميع الظروف وبدون تمييز وحتى في حالات الطوارئ بعيدا عن بحث طبيعة النزاع سواء كان داخلياَ أم دولياً(18) .

____________________

1- د.خليل إسماعيل الحديثي، المعاهدات غير المتكافئة المعقودة وقت السلم، دراسة قانونية سياسية، مطبعة جامعة بغداد، 1981، ص314.

2- د.صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص143.

3-  كان السيد هيرش لوتر باخت المقرر الثاني للجنة القانون الدولي قد اقترح عام 1953 أن يقوم القضاء بتحديد القاعدة الآمرة وفي هذا الحل المؤسسي فانه ينزع عن الدولة سلطة تكييف القاعدة ولكن هذا الاقتراح يؤدي إلى قيام القضاء الدولي بلعب دور المشرع الدولي وهو ما لا ترتضيه الدول ومع ذلك فقد اخذ مؤتمر فيينا بالاقتراح بشكل جزئي في نص المادة 66/1 التي تضمنت (يجوز لكل طرف في نزاع خاص بتطبيق المادتين 53، 64، أن يرفعه كتابة إلى محكمة العدل الدولية إلا إذا قرر الأطراف باتفاق مشترك إخضاعه للتحكيم).- انظر: د. محمد يوسف علوان ، القانون الدولي العام، مرجع سابق، هامش ص248.

4- عبد الله عبد الجليل الحديثي، مرجع سابق، ص26.

5- انظر :   Verdross opicit P.55.

6-  د. صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص145.

7-  اللواء محمد عبد الجواد الشريف، مرجع سابق، ص215.

8- د.محمد مصطفى يونس، ملامح التطور...، مرجع سابق، ص76.

9- د.محمد مصطفى يونس، المرجع نفسه، ص81.

10-  انظر د.رشاد عارف السيد، نظرات حول حقوق الإنسان في النزاع المسلح، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلة الواحد والأربعون، 1985، ص100.

11- عزت سعد الدين، مرجع سابق، ص273.

12- انظر:-AGO(R), Droit des traites a la Lumiere de la Convention  devienue                                

-RC.A.D.I 1971 P324

-Me Dougal, Human rights and world public order, london 1980 p-p 274-345

-Verdross op.cit p.59

13- الأستاذ جيرالدفيتزموريس يرى أن قواعد قانون الحرب من طبيعة آمرة لأنها لم تقرر لمصلحة الدول وإنما تقررت لمصلحة الأفراد ولأغراض إنسانية انظر:

-Fitz Mourice(Girald), Some problems regarding the formal Sources of internotional law. Nighoff 1958 p123.

14-  د.عادل محمد عبد العزيز، الطبيعة القانونية لحقوق الإنسان، رسالة دكتوراه مقدمة لجامعة عين شمس-كلية الحقوق، 1997، ص139-141.

15- انظر المواد(18،16،15،11،8،7،6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 التي تضمن ثمانية حقوق غير قابلة للمساس كما تضمنت الاتفاقية الأوربية خمسة حقوق من هذا النوع وهي مقررة في المواد (7،4،3،2) من الاتفاقية. 

16- د.حازم محمد عتلم ، مرجع سابق، ص172-173.

17- د. حكمت شبر، القواعد الآمرة في القانون الدولي، دراسة مقارنة، مجلة القانون المقارن(ع. 1)، بغداد، 1979، ص31، وما بعدها.

18- د. إبراهيم احمد عبد السامرائي، الحماية الدولية لحقوق الإنسان..، في ظل الأمم المتحدة، رسالة دكتوراه، جامعة بغداد-كلية القانون، 1997،  ص22.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .