أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2016
3298
التاريخ: 29-3-2016
3454
التاريخ: 29-3-2016
3050
التاريخ: 23-6-2019
3900
|
برز جعفر بن أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمه أم البنين وكان له من العمر تسع عشرة سنة فجعل يقاتل قتال الأبطال فشد عليه هانئ بن ثبيت فقتله .
وبرز عثمان بن أمير المؤمنين وأمه أمّ البنين وهو ابن إحدى وعشرين سنة فرماه خولى بسهم فاضعفه وشدّ عليه رجل من بني دارم فقتله وأخذ رأسه ليتقرب به إلى سيده ابن مرجانة.
وليس في تأريخ الانسانية قديما ولا حديثا أخوة اصدق ولا أنبل ولا أوفى من أخوة أبي الفضل لأخيه الامام الحسين فقد حفلت بجميع القيم الانسانية والمثل الكريمة , وكان البارز من مثل تلك الأخوة النادرة الإيثار والمواساة والفداء فقد آثر ابو الفضل أخاه وفداه بروحه وواساه في أقسى المحن والخطوب وقد أشاد الامام زين العابدين (عليه السلام) بهذه المواساة النادرة من عمه يقول (عليه السلام) : رحم اللّه عمي العباس فلقد آثر وابلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله اللّه عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب وان للعباس عند اللّه تعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة , وقد أثارت هذه الأخوة الصادقة الاكبار والاعجاب عند جميع الناس وصارت مضرب المثل في جميع الأحقاب والآباد وقد اعتز بها حفيده الفضل بن محمد يقول :
أحق الناس أن يبكى عليه فتى ابكى الحسين بكربلاء
أخوه وابن والده علي ابو الفضل المضرج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شيء وجاد له على عطش بماء
ويقول الكميت :
وابو الفضل إن ذكرهم الحلو شفاء النفوس من اسقام
قتل الادعياء إذ قتلوه اكرم الشاربين صوب الغمام
لقد كان ابو الفضل يملك طاقات هائلة من التقوى والدين وكانت اسارير النور بادية على وجهه الكريم حتى لقب بقمر بني هاشم كما كان من الأبطال البارزين في الاسلام وكان اذا ركب الفرس المطهم تخطان رجلاه في الأرض وقد ورث صفات أبيه من الشجاعة والنضال , واسند إليه الامام (عليه السلام) يوم الطف قيادة جيشه ودفع إليه رايته فرفعها عالية خفاقة وقد قاتل اعنف القتال واشده ولما رأى وحدة أخيه وقتل أصحابه وأهل بيته الذين باعوا نفوسهم للّه انبرى إليه يطلب منه الرخصة ليلاقي مصيره المشرق فلم يسمح له الامام وقال له بصوت خافت حزين النبرات : أنت صاحب لوائي .
لقد كان الامام يشعر بالقوة والمنعة ما دام أبو الفضل حيا فهو كجيش إلى جانبه يحميه ويذب عنه وألح عليه ابو الفضل قائلا : لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين واريد أن آخذ ثأري منهم.
لقد ضاق صدره وسئم من الحياة حينما رأى الكواكب المشرقة من اخوته وابناء اخوته وعمومته صرعى مجزر بن على رمال كربلاء فتحرق شوقا للالتحاق بهم والأخذ بثأرهم وطلب منه الامام أن يسعى لتحصيل الماء الى الاطفال الذين صرعهم العطش فاندفع الشهم النبيل نحو اولئك الممسوخين فجعل يعظهم ويحذرهم غضب اللّه ونقمته وخاطب ابن سعد قائلا : يا ابن سعد هذا الحسين بن بنت رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قد قتلتم أصحابه وأهل بيته وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء قد احرق الظمأ قلوبهم وهو مع ذلك يقول : دعوني اذهب إلى الروم أو الهند وأخلي لكم الحجاز والعراق , وزلزلت الأرض تحت اقدامهم وودوا أن تخيس بهم وبكى بعضهم وساد عليهم صمت رهيب فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فرد عليه قائلا : يا ابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة الا أن تدخلوا في بيعة يزيد , وقفل أبو الفضل راجعا إلى أخيه فاخبره بعتو القوم وطغيانهم وسمع الأبي الشهم صراخ الأطفال وهم يستغيثون وينادون : العطش العطش ...
الماء الماء ؛ فرآهم ابو الفضل العباس قد ذبلت شفاههم وتغيرت الوانهم وأشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ فالتاع كأشد ما يكون الالتياع وسرى الألم العاصف في محياه واندفع ببسالة لإغاثتهم فركب جواده وأخذ معه القربة فاقتحم الفرات وقد استطاع بقوة بأسه أن يفك الحصار الذي فرض على الماء وقد انهزم الجيش من بين يديه فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطم فلول الشرك وقد انتهى الى الماء وكان قلبه الشريف قد تفتت من العطش واغترف من الماء غرفة ليشرب منه الا انه تذكر عطش أخيه ومن معه من النساء والأطفال فرمى الماء من يده وامتنع أن يروي غليله وهو يقول :
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون وتشربين بارد المعين
تالله ما هذا فعال ديني
ان الانسانية بكل اجلال واكبار لتحيي هذه الروح العظيمة التي تألفت في دنيا الفضيلة والاسلام وهي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة الانسانية والمثل العليا , لقد كان هذا الايثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان من ابرز الذاتيات في خلق أبي الفضل فلم تمكنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان لأخيه أن يشرب من الماء قبله فأي ايثار أنبل أو اصدق من هذا الايثار لقد امتزجت نفسه بنفس أخيه وتفاعلت روحه مع روحه فلم يعد هناك أي تعدد في الوجود بينهما واتجه فخر هاشم مزهوا نحو المخيم بعد ما ملأ القربة وهي عنده اغلى واثمن من الحياة والتحم مع الأعداء التحاما رهيبا فقد أحاطوا به ليمنعوه من ايصال الماء إلى عطاشى أهل البيت وأشاع فيهم البطل القتل فأخذ يحصد الرؤوس ويجندل الأبطال وهو يرتجز :
لا أرهب الموت اذا الموت زقا حتى اوارى في المصاليت لقى
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا إني أنا العباس اغدو بالسقا
ولا اخاف الشر يوم الملتقى
لقد اعلن لهم عن شجاعته النادرة وبطولاته العظيمة فهو لا يرهب الموت وانما يستقبله بثغر باسم دفاعا عن الحق ودفاعا عن أخيه رائد العدالة الاجتماعية في الأرض , وانه لفخور اذ يغدو بالسقاء مملوءا من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.
وانهزمت جيوش الباطل بطاردها الرعب والفزع فقد أبدى أبو الفضل من البطولات ما يفوق حد الوصف وقد أيقنوا أنهم عاجزون عن مقاومته الا ان الوضر الجبان زيد بن الرقاد الجهني قد كمن له من وراء نخلة ولم يستقبله بوجهه فضربه على يمينه فبراها .
لقد قطع تلك اليد التي كانت تفيض سماحا وبرا على الناس ودفاعا عن حقوق المظلومين والمضطهدين , ولم يعن ابو الفضل بيمينه وانما راح يرتجز :
واللّه ان قطعتم يميني اني أحامي أبدا عن ديني
وعن امام صادق يقيني نجل النبي الطاهر الأمين
ودلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة التي يناضل من اجلها فهو انما يناضل دفاعا عن الدين ودفاعا عن امام المسلمين , ولم يبعد العباس قليلا حتى كمن له من وراء نخلة رجس من ارجاس البشرية وهو الحكيم بن الطفيل الطائي فضربه على يساره فبراها وتنص بعض المقاتل انه حمل القربة باسنانه وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وألم الجروح وشدة الظمأ ؛ لقد كان ذلك منتهى ما وصلت إليه الانسانية في جميع ادوارها من الوفاء والرحمة والحنان , وبينما هو يركض وهو بتلك الحالة اذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها ووقف البطل الشهم حزينا فقد كان اراقة الماء عنده أشد عليه من ضرب السيوف وطعن الرماح وشد عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته وهوى الى الأرض وهو يؤدي تحيته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلا : عليك مني السلام أبا عبد اللّه , وحمل الأثير كلماته إلى أخيه فخرقت قلبه ومزقت احشاءه وانطلق وهو خائر القوى منهد الركن فاقتحم بجواده جيوش الأعداء ووقف على الجثمان المقدس وهو يعاني آلام الاحتضار والقى بنفسه عليه فجعل يشمه ويضمخه بدموع عينيه وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزقته الكوارث قائلا : الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي ؛ وجعل الامام يطيل النظر إلى جثمان أخيه وهو يذكر اخوته الصادقة ووفاءه النادر وشهامته الفذة , وتبددت جميع آماله وكان مما يهون عليه اهوال هذه الكارثة سرعة اللحاق به وعدم بقائه بعده الا لحاظات ولكنها كانت عنده كالسنين فقد ودّ أن المنية قد وافته قبله , وقام الثاكل الحزين وقد انهارت قواه وهو لا يتمكن ان يقل قدميه وقد بان عليه الانكسار والحزن واتجه صوب المخيم وهو يكفكف دموعه فاستقبلته سكينة قائلة : أين عمي؟
فأخبرها بشهادته وهو غارق بالبكاء والشجون وذعرت حفيدة الرسول (صلى الله عليه واله) زينب واستولى عليها الفزع حينما سمعت بمقتل أخيها ووضعت يدها على قلبها المذاب وهي تصيح : وا أخاه وا عباساه وا ضيعتنا بعدك , وشارك الامام شقيقته في النياحة على أخيه البار واندفع رافعا عقيرته وهو الصبور : وا ضيعتنا بعدك يا أبا الفضل .
لقد شعر بالوحدة والضيعة بعد فقده لأخيه الذي لم يترك لونا من الوان البر والمواساة الا قدمها لأخيه ؛ فسلام على سيرتك وذكراك يا أبا الفضل فلقد مضيت الى مصيرك العظيم وأنت من أعظم الشهداء اشراقا وتضحية , وداعا يا قمر بني هاشم , وداعا يا بطل كربلاء , وسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|