أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-06-2015
1622
التاريخ: 14-06-2015
1793
التاريخ: 12-06-2015
2210
التاريخ: 12-06-2015
1529
|
قال تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفاتحة : 1-3]
القراءة
المشهور على ضم الدال من كلمة الحمد ، وكسر اللام من كلمة الله وقرأ بعضهم بكسر الدال إتباعا له لما بعده ، وقرأ بعضهم بضم اللام إتباعا له لما قبله ، وكلتا القراءتين شاذة لا يعتنى بها.
واختلفت القراءات في كلمة مالك ، والمعروف منها اثنتان : إحداهما على زنة فاعل وثانيتهما على زنة كتف. وقرأ بعضهم على زنة فلس وقرأ بعضهم على زنة فعيل. وقرأ أبو حنيفة بصيغة الماضي ، وغير الاوليين من القراءات شاذ لا اعتبار به.
وجوه ترجيح القراءتين :
وقد ذكروا لترجيح كل واحدة من القراءتين الاوليين زنة فاعل وفعل على الاخرى وجوها ، منها :
1 ـ أن مفهوم مالك أوسع وأشمل ، فإذا قيل : مالك القوم استفيد منه كونه ملكا لهم. وإذا قيل : ملك القوم لم يستفد منه كونه مالكهم ، فقراءة مالك أرجح من قراءة ملك.
2 ـ أن الزمان لا تضاف إليه كلمة مالك غالبا ، وإنما تضاف إليه كلمة ملك ، فيقال : ملك العصر ، وملوك الاعصار المتقدمة ، فقراءة ملك أرجح من قراءة مالك.
عدم جدوى الترجيح :
والصحيح أن الترجيح في القراءات المعروفة لا محصل له ، فان القراءات إن ثبت تواترها عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم ) فلا معنى للترجيح ما بينها ، وإن لم يثبت كما هو الحق (1) فان أوجب الترجيح الجزم ببطلان القراءة المرجوحة فهو ، ودون إثباته خرط القتاد. وإن لم يوجب ذلك ـ كما هو الغالب ـ فلا فائدة في الترجيح بعد أن ثبت جواز القراءة بكل واحدة منها (2).
والترجيح في المقام باطل على الخصوص ، فإن اختلاف معنى مالك ومعنى ملك إنما يكون إذا كان الملك ـ السلطنة والجدة ـ أمرا اعتباريا فإنه يختلف حينئذ باختلاف موارده ، وهذا الاختلاف يكون في غير الله تعالى ، وأما ملك الله سبحانه فإنه حقيقي ناشئ عن إحاطته القيومية بجميع الموجودات ، فهذه الاحاطة بذاتها منشأ صدق مالك وملك عليه تعالى ، ومن ذلك يتضح أن نسبة مالك إلى الزمان إذا لم تصح في غير الله فلا يلزمها عدم صحتها فيه سبحانه فهو مالك للزمان كما هو مالك لغيره.
وقد يقال :
إضافة مالك إلى يوم الدين إضافة لفظية لا تفيد التعريف فلا يصح أن تقع الجملة وصفا للمعرفة ، فالمتعين قراءة ملك ، فإن المراد به السلطان وهو في حكم الجامد ، وإضافته إضافة معنوية.
وأجيب عنه :
في الكشاف وغيره بأن إضافة اسم الفاعل ونحوه تكون لفظية إذا كان بمعنى الحال والاستقبال ، ومعنوية إذا كان بمعنى الماضي أو أريد به الدوام.
ومن الاول قوله تعالى :
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} [فاطر : 1].
ومن الثاني قوله تعالى :
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر : 2، 3] .
والمقام من قبيل الثاني ، فإن مالكيته تعالى ليوم الدين صفة ثابتة له لا تختص بزمان دون زمان ، فيصح كون الجملة صفة للمعرفة.
والتحقيق أن الاضافة مطلقا لا تفيد تعريفا ، وإنما تفيد التخصيص والتضييق والتعريف إنما يستفاد من عهد خارجي.
ودليل ذلك.
انه لا فرق بالضرورة بين قولنا غلام لزيد ولنا غلام زيد فكما أن القول الاول لا يفيد إلا التخصيص كذلك القول الثاني ، والتخصيص يتحقق في موارد الاضافة اللفظية كما يتحقق في موارد الاضافة المعنوية.
والفارق : أن التخصيص في الاولى لم ينشأ من الاضافة ، بل هو حاصل بدونها ، وأن الاضافة لم تفد إلا التخفيف إلا أن هذا لا يوجب أن لا يقع المضاف فيها صفة للمعرفة ، فإن المصحح لذلك إن كان هو التخصيص فهو موجود في مواردها ، وإن كان هو التعريف الحاصل من العهد الخارجي فهو مشترك بين الاضافتين معا ، فلا فرق في مقام الثبوت ، بلحاظ ذات المعنى بين موارد الاضافتين.
وجميع ما ذكروه لا يرجع إلى محصل : نعم يبقى الكلام في مقام الاثبات ، وقد ادعي الاتفاق على أن المضاف بالاضافة اللفظية لا يقع صفة لمعرفة إذا كان المضاف من الصفات المشبهة ، وأما غيرها فقد نقل سيبويه عن يونس والخليل وقوعه صفة للمعرفة في كلام العرب كثيرا (3) وعليه يحمل ما ورد في القرآن من ذلك ، كما في المقام.
وأما قول الكشاف : إن اسم الفاعل هنا بمعنى الاستمرار فهو واضح البطلان فإن إحاطة الله تعالى بالموجودات ، ومالكيته لها وإن كانت استمرارية إلا أن كلمة مالك في الآية المباركة قد اضيفت إلى يوم الدين ، وهو متأخر في الوجود ، فلا بد من أن يكون اسم الفاعل المضاف إليه بمعنى الاستقبال.
وأما التفرقة التي ذكرها بعضهم في اسم الفاعل المضاف بين ما إذا كان بمعنى الماضي فيصح وقوعه صفة للمعرفة ، وبين غيره فلا يصح ، لان حدوث الشيء يوجب تعينه ، فهي بينة الفساد ، فإن حدوث الشيء لا يستلزم ـ في الغالب ـ العلم به ، وإذا كانت العبرة بالعلم الشخصي فلا فرق بين تعلقه بالماضي وتعلقه بغيره.
والحاصل أن المتبع في الكلام العربي هو القواعد المتخذة من استعمالات العرب الفصحى : ولا اعتماد على الوجوه الاستحسانية الواهية التي يذكرها النحويون.
اللغة
الحمد :
ضد اللوم ، وهو لا يكون إلا على الفعل الاختياري الحسن ، سواء أكان إحسانا للحامد أم لم يكن ، والشكر مقابل الكفران ، وهو لا يكون إلا للإنعام والاحسان ، والمدح يقابل الذم ، ولا يعتبر أن يكون على الفعل الاختياري فضلا عن كونه إحسانا ، والالف واللام في كلمة الحمد للجنس إذ لا عهد ، وتقدم معنى كلمات : الله. الرحمن. الرحيم.
الرب :
مأخوذ من ربب ، وهو المالك المصلح والمربي ، ومنه الربيبة ، وهو لا يطلق على غيره تعالى إلا مضافا إلي شيء ، فيقال : رب السفينة ، رب الدار.
العالم :
جمع لا مفرد له كرهط وقوم ، وهو قد يطلق على مجموعة من الخلق متماثلة ، كما يقال : عالم الجماد ، عالم النبات ، عالم الحيوان. وقد يطلق على مجموعة يؤلف بين أجزائها اجتماعها في زمان أو مكان ، فيقال : عالم الصبا ، عالم الذر ، عالم الدنيا ، عالم الاخرة. وقد يطلق ويراد به الخلق كله على اختلاف حقائق وحداته ، ويجمع بالواو والنون ، فيقال : عالمون ويجمع على فواعل ، فيقال : عوالم ، ولم يوجد في لغة العرب ما هو على زنة فاعل ، ويجمع بالواو والنون غير هذه الكلمة.
الملك :
الاحاطة والسلطة ، وهذه قد تكون خارجية حقيقية كما في إحاطته تعالى بالموجودات ، فإن كل موجود إنما يتقوم في ذاته بخالقه وموجده ، وليس له واقع مستقل سوى التدلي والارتباط بعلته الموجدة ، والممكن فقير محتاج إلى المؤثر في حدوثه وفي بقائه ، فهو لا ينفك عن الحاجة أبدا :
{ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ } [محمد : 38]
وقد تكون اعتبارية ، كما في ملكية الناس للأشياء ، فإن ملكية زيد لما بيده مثلا ليست إلا اعتبار كونه مالكا لذلك الشيء ، وأن زمان أمره بيده ، وذلك عند حدوث سبب يقتضيه من عقد أو إيقاع أو حيازة أو إرث أو غير ذلك ، حسب ما توجبه المصلحة في نظر الشارع أو العقلاء. والملكية عند الفلاسفة هيئة حاصلة من إحاطة شيء بشيء ، وهي أحد الاعراض التسعة ، ويعبر عنها بمقولة الجدة ، كالهيئة الحاصلة من إحاطة العمامة بالرأس أو الخاتم بالاصبع.
الدين :
بمعنى الجزاء والحساب ، وكلاهما مناسب للمقام ، فان الحساب مقدمة للجزاء ويوم الحساب هو يوم الجزاء بعينه.
التفسير
بين سبحانه أن طبيعة الحمد وجنسه تختص به تعالى ، وذلك لأمور :
الامر الاول :
إن حسن الفعل وكماله ينشأ من حسن الفاعل وكماله ، والله سبحانه هو الكامل المطلق الذي لا نقص فيه من جهة أبدا ، ففعله هو الفعل الكامل الذي لا نقص فيه أبدا :
{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } [الإسراء : 84]
وأما غيره فلا يخلو عن نقيصة ذاتية بل نقائص ، فأفعاله لا محالة تكون كذلك. والفعل الحسن المحض يختص به سبحانه ، ويمتنع صدوره من سواه ، فهو المختص بالحمد ويمتنع أن يستحقه أحد سواه. وقد أشير إلى هذا بقوله : الحمد لله فقد عرفت أن كلمة الله علم للذات المقدسة المستجمعة لجميع صفات الكمال. وقد ورد عن الصادق (عليه السلام)أنه قال : فقد لابي بغلة فقال : لئن ردها الله علي لاحمدنه بمحامد يرضاها ، فما لبث أن جئ بها بسرجها ولجامها ، ولما استوى وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال : الحمد لله ، ولم يزد ، ثم قال : ما تركت ولا أبقيت شيئا جعلت جميع أنواع المحامد لله عز وجل فما من حمد إلا وهو داخل فيما قلت (4). وعنه ـ سلام الله عليه ـ : ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال : الحمد لله ، إلا أدى شكرها (5).
الامر الثاني :
إن الكمال الاول لكل ممكن من العقول والنفوس والارواح والاشباح إنما هو وجوده ولا ريب في أنه فعل الله سبحانه وهو مبدعه وموجده. وأما الكمال الثاني وهى الامور التي توجب الفضل والميز ، فما كان منه خارجا عن اختيار المخلوق فهو أيضا من أفعال الله تعالى بلا ريب. وذلك كما في نمو النبات وإدراك الحيوان منافعه ومضاره ، وقدرة الانسان على بيان مقاصده. وما كان منه صادرا عن المخلوقين باختيارهم ، فهي وإن كانت اختيارية إلا أنها منتهية إلى الله سبحانه ، فانه الموفق للصواب ، والهادي إلى الرشاد. وقد ورد : إن الله أولى بحسنات العبد منه (6) وقد أشير إلى ذلك بجملة رب العالمين.
الامر الثالث :
إن الفعل الحسن الصادر من الله تعالى لا يرجع نفعه إليه ، لأنه الكامل المطلق الذي يستحيل عليه الاستكمال. وفعله إنما هو إحسان محض يرجع نفعه إلى المخلوقين. وأما الفعل الحسن الصادر من غيره فهو وإن كان إحسانا إلى أحد في بعض الاحيان ، إلا أنه إحسان إلى نفسه أولا وبالذات ، وبه يدرك كماله :
{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ } [الإسراء : 7]
فالإحسان المحض إنما هو فعل الله تعالى لا غير فهو المستحق للحمد دون غيره وإلى ذلك أشير بجملة : « الرحمن الرحيم ».
ثم إن الثناء على الفعل الجميل قد يكون ناشئا عن إدراك الحامد حسن ذات الفاعل وصفاته من دون نظر إلى إنعامه ، أو الرغبة فيه ، أو الرهبة منه. وقد يكون ناشئا عن النظر إلى أحد هذه الامور الثلاثة ، فقد أشير إلى المنشأ الاول بجملة : الحمد لله فالحامد يحمده تعالى بما أنه مستحق للحمد في ذاته ، وبما أنه مستجمع لجميع صفات الكمال منزه عن جميع جهات النقص. وأشير إلى المنشأ الثاني بجملة : رب العالمين فانه المنعم على عباده بالخلق والايجاد ، ثم بالتربية والتكميل. وأشير إلى المنشأ الثالث بجملة : ( الرحمن الرحيم ).
فان صفة الرحمة تستدعي الرغبة في نعمائه تعالى وطلب الخير منه. وأشير إلى المنشأ الرابع بقوله : مالك يوم الدين ، فان من تنتهي إليه الامور ويكون إليه المنقلب جدير بأن ترهب سطوته ، وتحذر مخالفته. وقد يكون الوجه هو بيان أن يوم الدين هو يوم ظهور العدل والفضل الالهيين ، وكلاهما جميل لا بد من حمده تعالى لأجله ، فكما أن أفعاله في الدنيا من الخلق والتربية والاحسان كلها أفعال جميلة يستحق عليها الحمد فكذلك أفعاله في الاخرة من العفو والغفران وإثابة المطيعين ، وعقاب العاصين كلها أفعال جميلة يستوجب الحمد بها.
ومما بيناه يتضح أن جملة : الرحمن الرحيم ليس تكرارا أتي بها للتأكيد ـ كما زعمه بعض المفسرين ـ بل هي لبيان منشأ اختصاص الحمد به تعالى فلا يغني عنه ذكرها أولا في مقام التيمن والتبرك ، وهو ظاهر.
_____________________
1 ـ تقدمت أدلة ذلك في الصفحة 151 من هذا الكتاب.
2 ـ تقدم بيان ذلك في الصفحة 167 من هذا الكتاب.
3 ـ تفسير أبي حيان ج 1 ص 21.
4 ـ تفسير البرهان ج 1 ص 29 وقريب منه في اصول الكافي باب الشكر ص 356.
5 ـ اصول الكافي باب الشكر ص 356.
6 ـ الوافي باب الخير والقدر ج 1 ص 119.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|