أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-3-2016
3475
التاريخ: 2024-02-28
1157
التاريخ: 8-7-2022
2535
التاريخ: 30-6-2022
1630
|
من المسلم به انه لا يمكن وضع قاعدة عامة تسري على بني الإنسان وسلوكه جميعاً، وفي الوقت ذاته لا يمكن إنكار دور الأصول السلوكية الغالبة فيه، مما يسمح بوضع نتائج عامة تتناسب مع هذا الدور، إذ ثمة مبادئ وأصول إنسانية تتولد عنها حقوق إجرائية، قد لا تجد أساسها في قانون وضعي مكتوب، وانما تجده في القانون الطبيعي(1)، فمثل هذه النتائج والحقوق تثبت للإنسان لمجرد كونه إنسانا(2). ذلك ان اصل الإنسان في أساسه المجرد، يعتمد على المنطق الطبيعي للأمور، الذي يؤكد ان الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يقتصر ذلك في مجال أو نطاق دون الآخر، بل تشمل مجالات الحياة كافة، التي يصدق عليها المعنى نفسه(3). فالأشياء والأفعال كلها على الإباحة والإطلاق، حتى يأتي الحظر أو التقييد، فكل ما لم يرد بشأنه دليل شرعي أو نص قانوني، فهو في ظل الإباحة والإطلاق(4). ومن جهة أخرى، كل شخص يولد وذمته بريئة، وشغلها يحصل بعد ذلك، أي ان "الأصل في الإنسان براءة الذمة"، وكل من يدعي خلاف الأصل عليه ان يبرهن على ذلك. هذا المبدأ كما انه صحيح في المعاملات المدنية، فهو صحيح ايضا عندما ينسب إلى شخص ما اقتراف فعل يجرمه القانون(5)، اذ ان الجريمة في ذاتها، تعد أمراً غير مألوف في حياة أي فرد، ذلك انه إذا كان طبيعياً ان يجرم احد أفراد المجتمع، فمن غير الطبيعي ان يجرم كل فرد فيه، والقاعدة ان الإنسان يلتزم في تصرفاته، بقواعد المجتمع الذي يعيش فيه والاستثناء هو الخروج عنها، منسجمة في ذلك مع قاعدة فعل الخير لدى الإنسان، والاستثناء فعله للشر، وهذا ما يفسر قول الفقه بأن قرينة البراءة تتفق مع طبائع الأمور(6). ولما كان الأصل هو بقاء ما كان على ما كان، حتى يثبت عكسه ممن يدعيه، ولما كان الاتهام في الدعوى الجنائية، يدعي خلاف الأصل وهو "البراءة"، فإنه إذا لم ينجح في إثبات ادعائه، اثباتاً قاطعاً، تعين الإبقاء على هذا الأصل(7). ومن جهة ثالثة، لا يمكن اغفال ان الأصل في الأشياء غير المألوفة العدم، والعدم يقين، واليقين لا يزول إلا بيقين مثله، فلا يزول بالشك(8). فإذا نسب إلى شخص ما، انه ارتكب جريمة، فإن مجرد هذا الادعاء، لا يلغي اصل البراءة في هذا الشخص، مع الإقرار بأن هذا الأصل لا يعدو ان يكون قرينة قانونية بسيطة، أي يجوز إثبات عكسها، ومن ثم على من يدعي امراً خلاف الأصل، ان يثبت صحة ما يدعيه، لأنه إذا كانت الجريمة أمراً شاذاً وعارضاً، فالقاعدة ان الأصل في الصفات العارضة العدم، وعلى من يدعي وجودها ان يثبتها(9). فضلاً عن ذلك، فإن الدعوى الجنائية تبدأ في صورة "شك" في اسناد واقعة إلى المتهم، وان هدف إجراءاتها التالية هو تحويل هذا الشك إلى يقين، فاذا لم يتحقق ذلك، بقي الشك، وهو عدالة لا يكفي للإدانة(10). ومن ثم يمكن القول – على وفق هذا المنطق – بأن الأصل في الإنسان هو الخير دون الشر، والإطلاق في حياته دون التقييد، الإباحة دون التجريم، والبراءة دون التأثيم. على ان ذلك الفهم يجب استكماله، بالتماس كل ما من شأنه ان يؤدي إلى العودة إلى ذلك الأصل العام، إذا ما التبس الأمر، وذلك على أساس ان القيد أو الخروج على الأصل امر عارض، يجب ان يزول عند الشك في وجوده ومن ثم يتجلى مرة ثانية "الإطلاق، أو الإباحة أو البراءة"(11)، حتى مع الاعتقاد بأن النفس الإنسانية أمارة بالسوء، وقد تدفع صاحبها إلى ارتكاب فعل الشر –أي الجريمة- الا ان هناك العديد من الموانع التي تساند افتراض البراءة في كل فرد، وباتجاه يعكس اهمية هذا الافتراض في الدعوى الجنائية، اذ ان الإنسان في المجتمع، يعيش تحت سيادة وسيطرة جزاءات أو موانع داخلية، واخرى خارجية، تحذر وتنذر، تكافئ وتعاقب في محاولة لتوجيه نشاطه وسلوكه الوجهة الصحيحة، فإن لم يكن للاولى اثر فيه، فلابد للثانية من ذلك الاثر. تتجسد الموانع الداخلية، بالجزاء الديني، والجزاء النفسي أو المعنوي، بينما تتمثل الموانع الخارجية، بالجزاء الاجتماعي، والجزاء القانوني(12). يمكننا تفسير ذلك، على أساس ان الدين –افتراضا- هو المانع الأول لارتكاب الجريمة، لما يخلقه من قوة معنوية تطغى على العقل فتمنعه من التهور، وعلى القلب فتمنعه من الشطط، وعلى الجسد فتمنعه من الهوى. وبعبارة أخرى الخوف من العقاب الإلهي، فاذا فُقد في الإنسان، لعل وعسى ان تكون أخلاقه وتربيته مانعة له من فعل الشر والظلم، فهو إذاً الخوف من عقاب النفس للنفس. فاذا لم يكن لهذا أو ذاك وجود، فقد يكون للعادة أو العرف والأصول الاجتماعية اثر في نفسه، بما فيها من نبذ أو استهجان واستنكار، لمن يخرج عن قواعد المجتمع، وبتعبير آخر الخوف من العقاب الاجتماعي. وألا فهناك الرادع الأخير، المتمثل بالجزاء السياسي أو جزاء الدولة واقتضاء حقها في العقاب، فهو إذاً الخوف من العقاب القانوني (الجنائي ). مما يدفع إلى القول ان تلك الجزاءات، لابد وان يكون لها الدور البارز في منع أو ردع الإنسان من ارتكاب الجريمة، على نحو يجعل افتراض براءة الإنسان، تعبيراً عن واقع تسانده تجربة الحياة، بأكثر منها تعبيراً عن مشاعر طيبة –فحسب- مزروعة في النفس الإنسانية(13).
_________________
1- القانون الطبيعي هو مجموعة من القواعد الطبيعية النابعة من انسانية الإنسان، تنطبق على الجميع دون تمييز، والتي ينبغي ان تسود في المجتمع الانساني.
ليا ليفين،"حقوق الإنسان"، اتحاد المحاميين العرب، اليونسكو، ط1، دار المستقبل العربي، بيروت، 1986، ص13
2- عزمي عبدالفتاح عطية، "واجب القاضي في تحقيق مبدأ المواجهة بعدِّه اهم تطبيق لحق الدفاع"، مجلة المحامي، جمعية المحاميين الكويتية، س10، ع يوليو- اغسطس- سبتمبر، 1987، ص46.
3- انظر: احمد ضياء الدين خليل، "قواعد الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص246.
- عبدالحكم فودة، "البراءة وعدم العقاب في الدعوى الجنائية"، المرجع السابق، ص466.
4- احمد ادريس احمد، "افتراض براءة المتهم"، المرجع السابق، ص187.
5- حسين جميل، "حقوق الإنسان والقانون الجنائي"، المرجع السابق، ص207.
6- انظر في هذا المعنى: محمود محمود مصطفى، "حماية حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية"، مجلة المحامون، س43، ع12، 1978، سوريا، ص319.
7- انظر في ذلك: محمود نجيب حسني، "شرح قانون الإجراءات الجنائية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988، ص424.
8- محمد محي الدين عوض، "حقوق الإنسان والإجراءات المنيعة وإجراءات التحري"، بحث ضمن المؤتمر الثاني للجمعية المصرية للقانون الجنائي ( حماية حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية)، الإسكندرية، 1988، ص109.
9- عمر الفاروق الحسيني، "مدى تعبير الحكم الصادر بالإدانة غير الصادر بالاجماع عن الاقتناع اليقيني للقاضي الجنائي"، ص52. مشار اليه لدى السيد محمد حسن، المرجع السابق، ص475.
10- محمود نجيب حسني، "شرح قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص424.
11- احمد ضياء الدين خليل، "قواعد الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص247.
12- Essaid (M. J.): "La Presomption D'innocence"k Rabat, 1971, P.89.
مشار اليه لدى، السيد محمد حسن شريف، المرجع السابق، ص475.
13- انظر في هذا المعنى: محمد زكي ابو عامر، "الإثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص43.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|