يمكن القول أن الخرائط كعلم وفن لا يمكن تحديده بتاريخ محدد ⁽¹⁾ ، كما أنه من الثابت تاريخياً أن بعض الخرائط المبكرة استخدام في رسمها الأًصباغ والألوان ، وكما اتضح سلفاً من هذه الدراسة أن خريطة العالم "لمارنيوس" تعد بحق البداية الحقيقية لاستخدام الألوان بالخرائط ، وقد كان لهذه الخريطة أثرها الواضح على خرائط بطليموس ، وقد نقل المسلمون  خرائط بطليموس بنفس ألوانها ⁽²⁾، وبعد ذلك شاع استخدام الألوان في خرائط المسلمين كخريطة الزهري والإصطخري ، والملاحظ على هاتين الخريطتين استخدامها للألوان والرموز التصويرية معاً كصور الطيور (الرخ) في خريطة الزهري، وصور النباتات (الشجرتان اللتان تمثلان بداية حدود مصر الشرقية الشمالية على الدرب السلطاني) كما في خريطة الاصطخري، وعلى الرغم من أهمية الخريطتين إلا أن أهم خرائط المسلمين الملونة تعد بحق الخريطة المأمونية التي توضح صورة الأرض.

وعلى صعيد آخر فقط ظهرت مجموعة خرائط البورتلانو ، كما هو معروف أن أصل هذه الخرائط محاط بالغموض وأقدم نموذج لها هو كارت بيزا الصادر سنة 1300م ، وقد صممت هذه الخرائط ملونة وأوضحت العديد من المناطق البحرية الهامة كبحر الروم (البحر المتوسط)  وقد عرفت هذه الخرائط بجاذبية ألوانها وظهرت فيها خطوط السواحل باللون الأسود وجاءت الموانئ بلون أحمر فاتح والجزر البحرية بلون ذهبي.

ومع بداية عصر النهضة ازدهرت الخرائط الملونة ، ويرجع هذا إلى ثلاثة أسباب هي : إحياء جغرافية بطليموس، واستخدام الطباعة والحفر ، والكشوف الجغرافية. وقد كانت الكشوف الجغرافية بمثابة المورد الأصيل لظهور الخرائط الملونة عن العديد من المناطق التي تم اكتشافها.

لقد كان لتقدم رسم الخرائط الفضل الأكبر في ازدهار بعض فروع الجغرافيا وخاصة الإقليمية ، فالنهضة التي حققتها الجغرافيا الإقليمية اعتمدت إلى حد كبير على ظهور كثير من خرائط التوزيعات ، وأيضاً كما خدمت الخرائط الفروع الأصلية ذات النشأة القديمة من الجغرافيا كالإقليمية ، خدمت أيضاً الاهتمامات الحديثة كالجغرافية الطبية حيث استخدمت الألوان في تصميم بعض الخرائط التي تناولت توزيع الأمراض مثل (الكوليرا) كما في خريطة "ليدز" 1883 حيث ظهرت المناطق التي انتشر بها المرض باللون الأحمر، وصممت خريطة أخرى لمدينة لندن أخذت المناطق المصابة اللون الأسود، كما نشر بيترمان في عام 1852م خريطة بعنوان "توزيع الكوليرا بالجزر البريطانية " ولعل ظهور هذه الخرائط كان دافعاً لنشر اطلس "جونسون" 1956 الذي تناول توزيع الأمراض في العالم.

وفي الواقع فلم تكن الجغرافيا الطبية فقط في هذا المجال بمفردها ، بل إن الخرائط بأساليب تقنيتها المعروفة (الألوان والرموز) احتضنت الاهتمامات الجغرافية الحديثة وبخاصة البيئة والتنمية ــ قطباً اهتمام الجغرافيا ــ وذلك بحكم الموضوع والمنهج والهدف الكرتوجرافي . وقد نوقشت بعض الدراسات بالجمعيات الجغرافية الأوروبية وأكدت على أهمية استخدام الألوان بشكل أكبر في الخرائط ، ومن هذه الدراسات دراسة "سير كلمنتس مارخام" Clements Markham بالجمعية الجغرافية الملكية في عام 1959م والذي أوضح فيها اهتمام التوسع في انتاج الخرائط الملونة ذات الإخراج الجيد والطباعة المناسبة ؛ لكون هذا له أكبر الأثر على التوصيات ونتائج البحوث الجغرافية المختلفة.

وفي الواقع شهد إنتاج الخرائط في الآونة الأخيرة تطوراً كبيراً وقد أخذ هذا التطور عدة اتجاهات هي:

أ- تطور دقة استخدام الألوان بحيث تكون معبرة إلى حد كبير عن الظاهرات الطبيعية والبشرية.

ب- تطور شكل الخريطة من خلال تناسق الألوان ووضوح الكتابة بهدف تسهيل القرادة والتحليل.

جـ- استخدام الالوان في توضيح أبعاد الظاهرة الجغرافية كميا.

تطوير وسائل الإنتاج والفصل الإلكتروني للألوان وذلك لطباعة أسهل وأسرع وحجم إنتاج أكبر.

هـ- تطوير معلومات الخريطة والمصطلحات من خلال توحيد دلالات الألوان ؛ وذلك لضمان وحدة المفاهيم ، وقد وضعت الأمم المتحدة بالفعل برنامجا لإنتاج مجموعة من الخرائط على مستوى العالم بمقياس 1/1000,000 ⁽³⁾.

_________________

(1) إن اقدم المحاولات لرسم الخرائط جاءت على أيدي البابليين وقدماء المصريين ، إلا أن الخرائط الإغريقية تعد نقطة البداية الحقيقية في تاريخ علم الخرائط ، وهناك من يعتبر الخرائط البابلية والمصرية القديمة والاغريقية معاً نوعاً من الكارتوجراماً أكثر منها كرتوجرافيا.

* الكارتوجراماً : عبارة عن خرائط بيانية تحمل وجهة نظر مصممها وتركز على إبراز ظاهرات معينة دون غيرها ، وهي ليست دقيقة المقياس.

وللاستزادة راجع:

Raisz E., Preinciples of Cartograohy , London , 1985, P.9-16.

(2) ذكر المسعودي في دراسته :"مروج الذهب ومعان الجوهر" أن بطليموس أوضح في كتابة الجغرافيا صفة الأرض ومدنها وجبالها ، وحدد الألوان التي استخدمت في رسم هذه المعالم.

راجع:

أ- المسعودي : "مروج الذهب ومعادن الجوهر ، جـ1 ، ص88-89.

ب- ــــــــ : "التنبيه والاشراف"  30-31.

(3) يقوم هذا النظام على تقسيم سطح الأرض على أشكال رباعية أبعادها ست درجات طويلة من الغرب إلى الشرق × أربع درجات عرضة من الجنوب إلى الشمال في نصفي الكرة الجنوبي . والشمالي، وقد رمز لنصف الكرة الجنوبي بالرموز ولنصف الكرة الشمالي بالرمز.