المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



من جمع القرآن ؟  
  
2406   04:50 مساءاً   التاريخ: 4-1-2016
المؤلف : السيد مير محمدي زرندي
الكتاب أو المصدر : بحوث في تاريخ القرآن
الجزء والصفحة : ص 118-128 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / تاريخ القرآن / جمع وتدوين القرآن /

قد اختلفوا في جمع القرآن : متى جمع ودون ؟ ومن الآمر بذلك ؟ وفيه أقوال :

١ - إن الجمع كان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله).

٢ - إنه جمع في عهد أبي بكر ، بمعنى أنه جمع من الصحف المتفرقة ، أو جمع من صدور الرجال بشهادة شهود.

٣ - إنه جمع في عصر عمر بن الخطاب.

٤ - إن ابتداء جمعه كان في عصر أبي بكر ، وتمامه كان في عصر عمر.

٥ - إنه جمع في عهد عثمان.

والحق هو القول الأول ، وقد ذهب إليه كثير من العلماء ، منهم : المحقق الإمام الخوئي دام ظله ، وبالغ في نفي غيره من الأقوال ، واعتبرها مخالفة للكتاب والسنة والعقل (١).

ومنهم : العلامة الرافعي ، حيث قال : وللنبي (صلى الله عليه وآله) صحابة كانوا يكتبون القرآن إذا انزل ، إما بأمره أو من عند أنفسهم تاما وناقصا. وأما الذين جمعوا القرآن بتمامه بالاتفاق فهم خمسة ، ثم عدهم (٢).

ومنهم : مناع القطان ، حيث قال : قد عرفنا أن القرآن كان مكتوبا من قبل في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسيب ، فأمر أبو بكر بجمعه في مصحف واحد - إلى أن قال : - فكان أبو بكر أول من جمع القرآن بهذه الصفة في مصحف (3).

فلاحظ تعبيره بأن أبا بكر أمر بجمعه في مصحف واحد ، المشير إلى أنه كان في صحف موجودة متعددة ، خلافا لمن قال : إن القرآن جمع من صدور الصحابة بشاهدين أو بشاهد واحد ، إذا كان ذلك الواحد هو ذا الشهادتين.

ومنهم الزرقاني الذي يرى أن الجمع ليس من محدثات الأمور الخارجة ولا من البدع والإضافات الفاسقة ، بل هو مستمد من القواعد التي وضعها الرسول بتشريع كتابة القرآن ، واتخاذ كتاب الوحي ، وجمع ما كتبوه عنده حتى مات (صلى الله عليه وآله).

ثم قال : قال الإمام أبو عبد الله المحاسبي في كتاب " فهم السنن " ما نصه : كتابة القرآن ليست بمحدثة ، فإنه (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بكتابته ، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب ، فإنها أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا ، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها القرآن منتشرا ، فجمعها جامع وربطها بخيط ، حتى لا يضيع منه شئ (4).

هذا كلام عدة من المتأخرين الذاهبين إلى القول الأول.

وأما المتقدمون فمنهم : السيد المرتضى علم الهدى (رحمه الله) على ما نقله عنه الشيخ الطبرسي حيث قال (رحمه الله) : إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار مما توفرت الدواعي على نقله - إلى أن قال : - إن القرآن كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن. ثم استدل بأدلة منها أن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) عدة ختمات ، وهو يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير منشود ولا مبثوث (5).

ومنهم السيوطي ، ومن نقل السيوطي عنهم ، حيث قال : الإجماع والنصوص على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك. أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن زبير في مناسباته وعبارته : ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه (صلى الله عليه وآله) وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين. ثم قال السيوطي : وأما النصوص فمنها حديث زيد السابق : كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) نؤلف القرآن من الرقاع (6).

وهذا - كما ترى - يدل على أن جمع وترتيب الآيات في السور كان بأمر منه (صلى الله عليه وآله) كما عليه الإجماع ، ويدل أيضا على جمع القرآن بأجمعه من الرقاع بيد زيد وشركائه في عصره (صلى الله عليه وآله).

ونقل أيضا في الإتقان عن القاضي أبي بكر في الانتصار قوله : الذي نذهب إليه أن جمع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله هذا بين الدفتين. ثم قال : وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى ورتبه عليه رسوله من آي السور (7).

ونقل أيضا عن البغوي في شرح السنة قوله : الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن يكونوا زادوا أو نقصوا (8) ،  إنتهى.

هذا ، ولا يسع المجال لتعداد كل من ذهب إلى هذا القول ، فإنهم كثيرون.

ما المقصود من الجمع في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ؟

ثم إن هذا القول - وهو الأولى بالقبول - لا يستلزم أن يكون القرآن مجموعا في مصحف واحد ، قد خيط بخيوط ، ووضع له جلد ، بل المهم فيه هو إثبات أنه جمع بأمره (صلى الله عليه وآله) ، ولو في ضمن قراطيس متعددة كثيرة. وقد أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) إلى وصيه أن يجمعه في مصحف واحد حتى لا يضيع منه شئ ، ويكون النسخة الأولى التي تنسخ عنها المصاحف كلها ، ويثق الجميع به وبقرآنيته ، بخلاف ما لو قلنا بعدم وجود مصحف عند النبي (صلى الله عليه وآله) ، فإن معنى ذلك أن لا يكون لدى المسلمين ثمة قرآن مضبوط ومرتب. وإذا أخذنا بقول من يقول : إن القرآن جمع من صدور الرجال ، جمعه زيد بن ثابت اعتمادا على شهادة شاهدين بأن ما عنده قرآن ،  وربما يكتفي بشهادة شخص واحد كذي الشهادتين - إذا أخذنا بهذا - فعلى القرآن السلام ، إذ أن معنى ذلك : أن القرآن قد وصل إلينا اعتمادا على أخبار الآحاد ، مع أن مما لا شك فيه لدى كل مسلم هو أن القرآن متواتر سندا ، ومستند إلى النبي (صلى الله عليه وآله) استنادا قطعيا لا شك فيه. ولا ندري ما هو السر في أقوال كهذه ، ولعلها ترجع إلى تعصب ، وإن كان ذلك على حساب القرآن والعقيدة والدين ، نسأل الله أن يهبنا وكل من يكتب عن القرآن خلوص النية والإخلاص في العمل والابتعاد عن مزالق التعصب ، والله هو الموفق والمسدد.

أدلة هذا القول :

والدليل على أن الجمع للقرآن كان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) على النحو الذي ذكرناه هو ما يلي :

١ - العقل والاعتبار العقلائي ، فإنهما يدلان على أن القرآن قد جمع في عصره (صلى الله عليه وآله) ، والقول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أهمل القرآن ولم يجمعه حتى جاء زيد وجمعه من صدور الرجال بشاهدين أو بذي الشهادتين لا يصح ، وهل يصح ذلك من رسول الله الذي بلغ من شدة اهتمامه بالقرآن وضبطه وحفظه أن ينهى عن العجلة به في قوله تعالى : {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة : 16، 17] والذي يعلم أن قرآنه سيكون محورا للحضارة الإسلامية إلى يوم الدين ؟ ومعه كيف يمكن تصوره وهو يتركه موزعا في صدور متفرقة ؟

٢ - طوائف من الأخبار دلت على أن القرآن قد جمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله).

الطائفة الأولى : أحاديث الثقلين المشهورة والمعروفة لدى جميع المسلمين ،  وفي هذه الأحاديث قد أطلق الكتاب على ما تركه النبي (صلى الله عليه وآله) في أمته ، عندما قال :  إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي... الخ (9).

والظاهر : أن الكتاب لا يطلق إلا على شئ مكتوب ، ذي خصوصيات معينة ،  فلا يصدق على ما يحفظه الناس في صدورهم وما يقرأه النبي (صلى الله عليه وآله) لهم أنه كتاب بحيث يصح أن يقال : هذا كتاب تركه النبي (صلى الله عليه وآله) لامته ، كما لا يقال لأشعار يحفظها الناس في صدورهم لشاعر معين : إن المحفوظ هو ديوان شعره ، مع أنه لم يكتب منها شئ بل غاية ما يقال : إن هذه أشعار فلان ، ولا يطلق عليها كلمة ديوان. وقال بعض المحققين : إن لفظ " الكتاب " لا يطلق حتى على مكتوبات متفرقة في اللخاف (10) والعسب (11) والأكتاف إلا على نحو المجاز والعناية ، فإن لفظ " الكتاب " ظاهر فيما كان له وجود واحد (12).

 الطائفة الثانية : الأخبار الدالة على أن للنبي (صلى الله عليه وآله) كتاب يكتبون الوحي إذا نزل ، بل كان هو (صلى الله عليه وآله) يرسل في طلبهم إذا نزل الوحي ، ولم يكونوا حاضرين.

وهي مشهورة ومعروفة ، وقد بسطنا الكلام فيها في مقال سابق تحت عنوان " من هم كتاب الوحي ؟ " وذلك يدل على أنه (صلى الله عليه وآله) لم يهمل القرآن في حياته حتى يأتي زيد ويجمعه من صدور الرجال ، وإنما اعتنى به (صلى الله عليه وآله) وكتبه كما هو المنتظر من قائد معصوم مثله.

الطائفة الثالثة : روايات تدل على أن القرآن كان يجمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) من الصحابة ، وهي كثيرة :

منها : ما رواه البخاري عن قتادة قال : سألت أنس بن مالك (رضي الله عنه) : من جمع القرآن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ؟ قال : أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، ونحن ورثناه (13).

قال الشارح العسقلاني : قوله " أبو زيد ونحن ورثناه " القائل ذلك هو أنس ،  وقد تقدم في مناقب زيد بن ثابت. قال قتادة : قلت : ومن أبو زيد ؟ قال : أحد عمومتي (14).

ومنها : ما أخرجه النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال : جمعت القرآن ، فقرأت به كل ليلة ، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) فقال : أقرأه في شهر (15).

ومنها : ما رواه الحاكم عن زيد بن ثابت قال : كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلف القرآن من الرقاع ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وفيه الدليل الواضح على أن القرآن إنما جمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (16).

وثمة روايات أخرى تدل على أن القرآن قد جمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تركنا ذكرها لئلا يطول المقام ، فمن أرادها فليراجع الإتقان للسيوطي (17).

وبعد كل ما تقدم فلا مجال للقول بأن زيدا قد جمع القرآن بعد النبي بشاهد أو بشاهدين من صدور الرجال ، سيما مع وجود هذه الأخبار التي لا يسع من يقول بصحتها إلا الأخذ والالتزام بها بشكل كامل.

وأما احتمال أن يكون المراد في هذه الروايات هو الجمع في الصدور (18) فهو خلاف الظاهر من هذه الأحاديث ، سيما حديث زيد في قوله : كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلف القرآن من الرقاع.

وأما ما يعارض ما ذكرناه :

وإذا ثبت أن القرآن قد جمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) بدليل العقل والاعتبار والأحاديث المعتبرة الصحيحة فلابد وأن ننظر إلى ما يظهر منه المنافاة لما ذكرناه ،  ونوفق بينه وبين ما ذكرناه ولو بأن نحمله على معان غريبة ولكن لا تنافي حكم العقل والاعتبار والروايات على النحو الذي قدمناه ، فنقول : إن ما يظهر منه المنافاة لما قلناه هو :

١ - الأحاديث الدالة على أن زيدا جمع القرآن في عصر أبي بكر.

٢ - ما دل على أن الجمع وقع في عهد عمر.

٣ - ما دل على أن الجمع وقع في عهد عثمان.

٤ - ما دل على أن عليا (عليه السلام) جمع القرآن بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة.

ففي كتاب سليم بن قيس عن سلمان (رضي الله عنه) : أن عليا (عليه السلام) بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتى جمعه ، وكان في الصحف والشظاظ (19) والأسيار (20) والرقاع - إلى أن قال : - فجمعه في ثوب واحد وختمه (21).

ونحن لا نجد في ما ذكر ما يصلح دليلا على خلاف ما قدمناه.

أما بالنسبة لما ورد من أن الجمع كان في زمن أبي بكر فالظاهر أن مقصودهم هو أن أبا بكر قد أمر زيدا أن يستنسخ مصحفا له من تلك الصحف المكتوبة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) والمجموعة في مكان واحد ، وقد أشار إلى هذا أبو شامة حيث قال في المقام : وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) لا من مجرد الحفظ (22).

هذا كله ، مضافا إلى أن روايات الجمع في زمن أبي بكر متعارضة فيما بينها ،  فمثلا نجد البخاري تارة يروي أن عمر أتى أبا بكر وقال له : إني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، فقال له أبو بكر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) - إلى أن قال : - قال أبو بكر لزيد : إنك رجل شاب لا نتهمك... قال زيد : فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال (23).

وتارة يروي عن أنس ما ينافي ذلك ، يقول أنس : مات النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، ونحن ورثناه (24).

وعليه ، فكيف يمكن الجمع بين هاتين الروايتين هنا ؟ إلا إذا قلنا : إن كلمة " صدور الرجال " في الرواية الأولى زيادة من الرواة ، فحينئذ لا يبقى تناقض بين الروايات ، ويصح حينئذ ما ذكره أبو شامة آنفا.

سؤال وجوابه :

وإذا قبلنا أن أبا بكر إنما نقل مصحفه عما كان قد كتب وجمع بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) فإننا نبقى أمام سؤال : هل أن زيدا ومعاونيه قد نقلوا مصحفهم من الأوراق التي كانت جمعت في بيت النبي - كما يراه الحارث المحاسبي في كتاب " فهم السنن " حيث قال : إنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها القرآن فجمعها جامع (25) - ؟ أم أن زيدا كتب المصحف لأبي بكر من الأوراق التي كانت في أيدي الصحابة الجامعين حيث إنهم كانوا يعطون للنبي نسخة مما نسخوه وكتبوه - كما نص عليه البعض (26) - والظاهر أنهم كانوا يحتفظون لأنفسهم أيضا بنسخة مماثلة ، فنسخة أبي بكر كتبت مما في أيديهم ؟

وأما ما كان في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) فأخذه علي (عليه السلام) بأمر الرسول حيث قال له (صلى الله عليه وآله) : يا علي هذا كتاب الله خذه إليك ، فجمعه علي (عليه السلام) في ثوب ومضى إلى منزله ، فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) جلس علي فألفه كما أنزل الله ، وكان به عالما (27).

نحن أمام هذين الاحتمالين ، ولا يسعنا التوسع في البحث عن المتعين منهما في هذه العجالة ، ولكننا نشير إلى أن مما يؤيد هذا الاحتمال الأخير هو ما ورد من أن طلحة قال : ما أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه من القرآن ، ألا تظهره للناس ؟ قال : يا طلحة عمدا كففت عن جوابك فأخبرني عما كتب عمر وعثمان أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن ؟ قال طلحة : بل قرآن كله ، قال : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة... الخ (28).

الافتراءات المغرضة :

وأذكر هنا بالمناسبة أن البعض ينسب إلى الإمامية أنهم يشكون في نسبة هذا القرآن إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، وكل من شك في النسبة إليه فهو كافر ، فالإمامية كفار (29).

وهذا افتراء لا يحتاج إلى تكذيب ، إذ يكفي إلقاء نظرة قصيرة على عقائد الإمامية وكلماتهم الناطقة بأن هذا القرآن هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، بل لقد ذكر الإمام الخوئي في كتابه البيان : إن القول بأن زيدا وأعوانه هم الذين جمعوا القرآن يستلزم عدم تواتر القرآن ، وحيث إن القرآن الذي بين أيدينا لا ريب في تواتره عن النبي (صلى الله عليه وآله) تواترا قطعيا ، فيكون القول بأن زيدا هو جامع القرآن باطلا من أساسه ، وبذلك يثبت أنه إنما جمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) لا بعد عصره.

الجمع في زمان عمر :

وأما القول بأن عمر أول من جمع القرآن في المصحف (30) فهو أضعف ناصرا  وأوهن حجة بعد كل الذي قدمناه. وربما يكون المقصود منه هو الإشارة إلى التسبيب لا المباشرة ، بمعنى أن عمر قد طلب من أبي بكر وأصر عليه بأن يجمع القرآن ، فقبل أبو بكر ما أشار به عمر ، وأقدم على ذلك بأن استنسخ قرآنا مما كان الصحابة يحتفظون به.

الجمع في زمان عثمان :

وأما القول بأن الجمع كان في زمان عثمان فالذي حصل في زمان عثمان هو جمع الناس على قراءة واحدة ، لا الجمع في المصحف. فعن ابن أبي داود عن سويد بن غفلة قال : قال علي : لا تقولوا في عثمان إلا خيرا ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا ، قال : ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفرا ، قلنا : فما ترى ؟ قال : أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ولا اختلاف ، قلنا :  فنعم ما رأيت (31).

ويؤيد ذلك ما عن الحارث المحاسبي ، قال : المشهور عن الناس أن جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار بينه وبين من شهد من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات (32).

جمع علي للقرآن :

وأما جمع علي (عليه السلام) للقرآن فالمقصود : أنه كتبه عما كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأضاف إليه التنزيل والتأويل ، كما في الرواية ، أي أنه أضاف إليه كل ما نزل من الله حول القرآن ، وإن لم يكن منه. والتأويل : معناه أنه أضاف إليه كل ما يرجع إليه الكلام ، فإنه أعرف به من الكل ، كما عن الكلبي ، قال : لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قعد علي بن أبي طالب في بيته فجمعه على ترتيب نزوله ، ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير (33).

وعن محمد بن سيرين : ولو أصيب ذلك الكتاب لكان فيه العلم (34).

وخلاصة القول : إنه لا منافاة بين القول في أن القرآن جمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) وبين القول بأنه جمع بيد باب علمه مع التفسير والتأويل وغيرهما من

خصائص القرآن ودقائقه بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله).

النتيجة والختام :

إن وجه الجمع بين الأخبار هو : أن القرآن الذي بين أيدينا قد جمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأنهم كانوا يؤلفون القرآن بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) من الرقاع ، وكانت المصاحف تكتب عن ذلك المصحف الذي جمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) لا من صدور الصحابة بشاهدين أو شاهد واحد إذا كان ذا الشهادتين (35).

ولعل مصحف النبي (صلى الله عليه وآله) كان مع علي حينئذ يكتب عنه مضيفا التفسير والتأويل فلم يتمكن منه أبو بكر.

هذه هي الصورة التي يمكن استخلاصها من كل تلك الروايات المتقدمة ، ويدل عليها الاعتبار والعقل والأخبار.

وأما تنظيم الآيات والسور وترتيبها على هذا النحو المعروف في القرآن اليوم فلا يبعد أنه أيضا من رسول الله (صلى الله عليه وآله). والوجه الذي ذكروه لعدم إقدام النبي (صلى الله عليه وآله) على ترتيب السور والآيات لا يقنع ، ولهذا موضع آخر نأمل أن نوفق لبحثه في مجال آخر إن شاء الله تعالى.

_______________________

(١) راجع تفسير البيان : ص ١٦٢.

(٢) إعجاز القرآن : ص ٣٦.

(3) مباحث في علوم القرآن لمناع القطان : ص ٧٤.

(4) مناهل العرفان : ج ١ ص ٢٤٢.

(5) تفسير مجمع البيان : ج ١ ص ١٥ الفن الخامس.

(6) الإتقان : ج ١ ص ٦٢.

(7) المصدر السابق : ص ٦٣.

(8) المصدر السابق : ص ٦٣.

(9) رواه الترمذي في سننه : ج ٥ باب مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأحمد في مسنده : ج ٣ ص ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ ، والحاكم في مستدركه : ج ٣ ص ١٠٩ بعدة أسانيد ، وقد صححها على شرط الشيخين. وذكره الذهبي في التلخيص ولم يتعقبه ، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار : ج ٣ ص ١٠٦ باب فضائل أهل البيت (عليهم السلام) بأسانيد كثيرة. وقد جمع الفاضل الوشنوي طرق حديث الثقلين في رسالة خاصة ، نشرتها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة.

(10) اللخاف - بالكسر - : حجارة بيض رقاق واحدها لخفة.

(11) العسب : جمع عسيب جريدة من النخل يكشف خوصها.

(12) تفسير البيان للإمام الخوئي : ص ٢٧١.

(13) صحيح البخاري : ج ٦ ص ٢٣٠. وذكره أيضا في باب مناقب زيد بن ثابت في كتاب المناقب.

(14) فتح الباري في شرح صحيح البخاري : ج ٩ ص ٤٩.

(15) تفسير البيان : ص ١٤٥.

(16) المستدرك على الصحيحين : ج ٢ ص ٦١١.

(17) الإتقان : ج ١ ص ٦٢ و ٦٣.

(18) فتح الباري : ج ٧ ص ٩٦.

(19) الشظاظ : خشبة عقفاء تدخل في عروتي الجواليق.

(20) الأسيار : جمع السير وهو القدة المستطيلة من الجلد.

(21) كتاب سليم بن قيس : ص ٦٥.

(22) نقله عنه السيوطي في الإتقان : ج ١ ص ٦٠.

(23) صحيح البخاري : ج ٦ ص ٩٨ و ١٠٢.

(24) صحيح البخاري : ج ٦ ص ٩٨ و ١٠٢.

(25) نقله عنه السيوطي في الإتقان : ج ١ ص ٦٠.

(26) راجع تاريخ القرآن للدكتور راميار : ص ٧١ (فارسي).

(27) التمهيد في علوم القرآن : ج ١ ص ٢٩١ نقله عن ابن شهرآشوب.

(28) كتاب سليم بن قيس : ص ١٠٠.

(29) مجلة الدعوة السعودية : رقم ٦١٢.

(30) منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد : ج ٢ ص ٤٥.

(31) الإتقان : ج ١ ص ٦١.

(32) نقله عنه السيوطي في الإتقان : ج ١ ص ٦١.

(33) التمهيد في علوم القرآن : ج ١ ص ٢٩٠ نقله عن التسهيل لعلوم التنزيل.

(34) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ١٨٥.

(35) وهو خزيمة بن ثابت. قال في جامع الرواة : قال الفضل بن شاذان : إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام). وفي مجمع البحرين : إنه من كبار الصحابة. وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال : يا خزيمة شهادتك شهادة رجلين.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .