أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-6-2017
2307
التاريخ: 21-9-2019
2690
التاريخ: 12-08-2015
1807
التاريخ: 10-08-2015
2370
|
ولد أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتريّ في مدينة منبج، شرق حلب، سنة 206 ه(822 م) ، و نشأ فيها و في باديتها، في قبائل من بني طيّئ، عربيا خالصا و فصيحا بارعا.
طاف البحتريّ في بلدان الشام يتكسّب بمديح أشخاص عاديين حتّى اتّفق له لقاء أبي تمّام. قال البحتريّ عن نفسه (1): «كان أول أمري في الشعر و نباهتي فيه أن صرت إلى أبي تمّام، و هو بحمص، و عرضت عليه شعري-و كان الناس يعرضون عليه أشعارهم-فأقبل عليّ و ترك سائر الناس. فلمّا تفرّقوا قال لي: أنت أشعر من أنشدني، فكيف حالك؟ فشكوت اليه خلّة (2)، فكتب إلى أهل معرّة النعمان و شهد لي بالحذق و شفع لي إليهم. و قال امتدحهم (و كان نصّ الكتاب: يصل كتابي مع الوليد أبي عبادة البحتري الطائيّ. و هو على بذاذته (3) شاعر فأكرموه) ، فأكرموني و وظّفوا لي أربعة آلاف درهم (في العام) . فكان (ذلك) أول مال أصبته بالشعر» .
و كان أبو تمّام أعظم شعراء زمانه فاحتاز جوائز الممدوحين حتى قال الأصفهانيّ (غ 15-98) : «ما كان أحد من الشعراء يقدر أن يأخذ درهما بالشعر في حياة أبي تمّام؛ فلما مات اقتسم الناس ما كان يأخذه» . فلما توفّي أبو تمّام (232 ه-846-847 م) ، أو قبل ذلك بزمن يسير كما يبدو لي، أمّ البحتريّ العراق ليتكسّب بشعره فلم ينل حظوة عند أحد، فعاد وشيكا إلى الشام خائبا حزينا ناقما. ثم توفّي الخليفة الواثق و خلفه أخوه المتوكّل (233 ه-847 م) فعاد البحتريّ إلى العراق، في رجب أو شعبان من السنة 233 ه (4) (آذار 848 م) و اتصل بالفتح ابن خاقان وزير المتوكّل و بالمتوكّل نفسه (233-247 ه) و تكسّب منهما مالا جزيلا. فلما قتلا عاد البحتري إلى منبج، و لكن سرعان ما نازعته نفسه إلى التكسّب فرجع إلى بغداد و مدح من الخلفاء المنتصر و المستعين و المعتزّ و المعتمد. و لكنّ الحظوة التي كان قد نالها لدى المتوكّل و الفتح ابن خاقان لم ينل مثلها و لا قريبا منها عند هؤلاء الخلفاء الذين كانوا خلفاء اسما لا يملكون شيئا من تصريف أمور الدولة و لا من التصرّف ببيت المال.
و غادر البحتريّ العراق نهائيا سنة 279 ه (5) إلى الشام-و الدولة الطولونية يومذاك مستطيلة في مصر و الشام-. و يرى الدكتور صالح الأشتر في مقدمته لأخبار البحتري (ص 8-9) أن البحتريّ تكسب من الطولونيين، و لكن أخبار هذا التكسب لم يعمّ انتشارها و لا تضمّنت النسخ المشهورة من ديوان البحتري ذلك المديح.
ثم اعتزل البحتريّ في منبج و توفّي فيها بمرض السكتة سنة 286 ه (6).
خصائصه الفنّيّة:
كان البحتريّ قبيح الوجه أسمر طويل اللحية، و كان وسخ الثوب ثقيل الظل يتزاور في مشيه ذات اليمين و ذات الشمال. و كذلك كان قليل الوفاء متقلّب الهوى يحبّ المال حتى جمع ثروة طائلة عينا و عقارا. و كان شديد البخل بما يملك.
شعر البحتري قريب الأغراض ظاهر المعاني حلو الالفاظ سهل التراكيب.
قال الآمديّ (7): «البحتريّ أعرابيّ الشعر مطبوع و على مذهب الأوائل، ما فارق عمود الشعر قطّ. و كان يتجنّب التعقيد و مستكره الألفاظ و وحشيّ الكلام» . و قال الثعالبيّ (8): «الإجماع واقع على أنه أطبع المحدثين و المولّدين، و أنّ كلامه يجمع الجزالة و الحلاوة و الفصاحة و السلاسة» . و قال فيه ابن رشيق (9): «و أما البحتريّ فكان أملح صنعة (10) و أحسن مذهبا في الكلام: يسلك فيه دماثة و سهولة مع إحكام الصنعة و قرب المأخذ لا يظهر عليه كلفة و لا مشقّة» . و قال فيه ابن الأثير: «إن مكانه من الشعراء لا يجهل. و شعره هو السهل الممتنع الذي تراه كالشمس قريبا ضوءها بعيدا مكانها. و هو على الحقيقة قينة (11) الشعراء في الإطراب و عنقاؤهم (12) في الإغراب» . و كذلك قال الصوليّ (13): «و لا أعرف أحدا بعد أبي تمّام أشعر من البحتريّ، و لا أغضّ كلاما، و لا أحسن ديباجة. و هو مستوي الشعر (14) حلو الألفاظ مقبول الكلام» .
و البحتريّ شاعر مكثر متكسّب يحسن المديح و يجيد العتاب، بل هو أحسن المحدثين عتابا و اعتذارا. قال عبد اللّه بن المعتزّ: «و اعذاراته في قصائده إلى الفتح بن خاقان ليس للعرب، بعد اعتذارات النابغة إلى النعمان، مثلها» . و فخره جيّد قليل، و رثاؤه و هجاؤه قليلان رديئان. و غزله عذب جميل و لكنه تقليديّ لا يصدر عن عاطفة. و أحسن خصائصه في الغزل حسن العتاب و براعة الوصف و ذكر الطيف و الخيال. أما الفن الذي فاق البحتريّ فيه أقرانه فالوصف بنوعيه و بأوجهه جميعها، و لقد غلب الوصف على فنون البحتري كلّها و كثرت عنده أوصاف القصور و الرياض.
و مدح عبد اللّه بن المعتزّ سينيّة البحتريّ في إيوان كسرى فقال (15): «ليس للعرب سينية مثلها» .
و ذكر ابن رشيق (العمدة 1:204) أن البحتريّ كان يصنع الابتداء (مطلع القصيدة) سهلا و يأتي به عفوا، و كان كلّما تمادى (طالت قصائده) قوي كلامه. غير أنّ تخلّصه (انتقاله في القصيدة من غرض إلى غرض- كالانتقال من الغزل إلى المديح مثلا) رديء في أحيان كثيرة.
أبو تمّام و البحتري
أبو تمّام و البحتريّ من أتباع المذهب الشاميّ (16)، إلاّ أنّ أبا تمّام أكثر تكلّفا في الصناعة المعنوية و الصناعة اللفظية و أشدّ غوصا على المعاني من البحتريّ:
كان أبو تمّام يوغل في الغوص على المعنى ثم يحاول أن يعرضه عرضا غريبا عن المألوف في صور مبتكرة، بعدئذ يحاول أن يزحم البيت الواحد من القصيدة بأوجه الصناعتين اللفظية و المعنوية، كقوله مثلا:
السيف أصدق إنباء من الكتب... في حدّه الحدّ بين الجدّ و اللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهنّ جلاء الشكّ و الريب
أما البحتريّ فكان يتناول الأوجه الظاهرة من المعنى ثم يسوقها في أسهل ما يمكن من التركيب مع الاقتصاد في أوجه الصناعة، يمثّل ذلك كلّه ما يلي:
- وصف أبو تمّام الأرض التي انقطع عنها المطر مدّة فصوّر لنا تلك الأرض العطشى لا تريد أن تصبر حتّى ينزل عليها المطر، بل أرادت أن لو تنهض هي إلى لقاء ماء المطر قبل أن ينزل هو عليها، فقال عن السحابة المقبلة تحمل ذلك المطر:
لذّ شؤبوبها و طاب، فلو... تسطيع قامت فعانقتها القلوب
- أعجب البحتريّ بالصورة الشعرية التي في بيت أستاذه أبي تمّام، و لكنّه وجدها مزحومة جدّا، و اتّفق أنه أراد أن يمدح الخليفة المتوكّل عند خروجه إلى المسجد لإلقاء خطبة العيد و الإمامة في الصلاة، فقال يخاطب الخليفة المتوكّل مشيرا إلى أن المنبر في المسجد لم يبق في استطاعته أن ينتظر وصول الخليفة إلى المسجد فودّ أن لو كان باستطاعته هو أن يخرج للقائه، فقال:
فلو انّ مشتاقا تكلّف فوق ما... في وسعه لسعى إليك المنبر
و الذي أجمع عليه النقّاد القدماء أنّ في شعر أبي تمّام معاني و صورا شعرية مبتكرة لم يأت أحد بها من قبل، و أنّ له أيضا أبياتا جيادا يقصّر عن مثلها جميع الشعراء. غير أن في قصائد أبي تمّام أيضا أبياتا رديئة أخرجها التكلّف عن مألوف الشعر و مألوف اللغة العربية كلّها فأصبحت تعدّ في معائب أبي تمّام. و لهذا قال النقّاد: إنّ شعر أبي تمّام متفاوت (تجد فيه أبياتا جيادا من الطبقة العليا و أبياتا رديئة من درجة دنيا ثم أبياتا وسطا بين هذه و بين تلك. أما البحتريّ فشعره مستو (يشبه بعضه بعضا) و كلّ أبياته وسط في الجودة: ليس فيها الجياد الجياد من أمثال الأبيات الجياد في شعر أبي تمّام، و لا فيها الأبيات الرديئة التي تلفى أحيانا عند أبي تمّام. و لقد أنصف الآمديّ لمّا قال (في مطلع «الموازنة») : «. . . . إنّ شعر أبي تمّام لا يتعلّق بجيّده جيّد أمثاله، و رديّه مطروح مرذول؛ فلهذا كان مختلفا لا يتشابه. و انّ شعر البحتريّ صحيح السبك حسن الديباج و ليس فيه سفساف و لا رديء مطروح، و لهذا صار مستويا يشبه بعضه بعضا» .
المختار من شعره:
-قدوم الربيع:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا...من الحسن حتى كاد أن يتكلّما
و قد نبّه النوروز في غلس الدجى...أوائل ورد كنّ بالأمس نوّما (17)
يفتّقها برد الندى فكأنما... يبثّ حديثا كان قبل مكتّما
و من شجر كان الربيع لباسه...عليه كما نشّرت وشيا منمنما (18)
أحلّ فأبدى للعيون بشاشةً... و كان قذى للعين إذ كان محرما (19)
- مصرع الذئب:
و ليل كأنّ الصبح في أخرياته...حشاشة نصل ضمّ إفرنده غمد (20)
تسربلته و الذئب و سنان هاجع ... بعين ابن ليل ما له بالكرى عهد(21)
أثير القطا الكدريّ عن جثماته...و تألفني فيه الثعالب و الربد (22)
سما لي، و بي من شدّة الجوع ما به... ببيداء لم تعرف بها عيشة رغد
كلانا بها ذئب يحدّث نفسه... بصاحبه، و الجدّ يتعسه الجدّ (23)
عوى ثم أقعى، فارتجزت فهجته... فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد (24)
فأوجرته خرقاء تحسب ريشها....على كوكب ينقضّ و الليل مسودّ (25)
فما ازداد إلا جرأة و صرامةً... و أيقنت أن الأمر منه هو الجدّ (26)
فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها...بحيث يكون اللبّ و الرعب و الحقد (27)
فخرّ، و قد أوردته منهل الردى ...على ظمأ لو أنه عذب الورد (28)
و قمت فجمّعت الحصى فاشتويته...عليها و للرمضاء من تحته و قد (29)
- وصف بركة المتوكّل في سامرّا:
يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها... و الغانيات إذا لاحت مغانيها (30)
بحسبها أنها في فضل رتبتها...تعدّ واحدة و البحر ثانيها (31)
كأن جنّ سليمان الذين ولوا... إبداعها فأدقّوا في معانيها
فلو تمرّ بها بلقيس عن عرضٍ... قالت: هي الصّرح تمثيلا و تشبيها (32)
تنصبّ فيها وفود الماء معجلة... كالخيل خارجة من حبل مجريها
كأنما الفضّة البيضاء سائلة... من السبائك تجري في مجاريها
إذا علتها الصبا أبدت لها حبكا... مثل الجواشن مصقولا حواشيها (33)
فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها... و ريّق الغيث أحيانا يباكيها (34)
إذا النجوم تراءت في جوانبها... ليلا حسبت سماء ركّبت فيها
لا يبلغ السمك المحصور غايتها... لبعد ما بين قاصيها و دانيها
- خروج المتوكّل إلى عيد الفطر (أول شوال 233 ه؛9-5-848 م) :
أخفي هوى لك في الضلوع و أظهر... و ألام من كمد عليك و أعذر
و أراك خنت على النوى من لم يخن... عهد الهوى و غدرت من لا يغدر
و طلبت منك مودّة لم أعطها... إنّ المعنّى طالب لا يظفر (35)
هل دين علوة يستطاع فيقتضى... أو ظلم علوة يستفيق فيقصر (36)
بيضاء يعطيك القضيب قوامها... و يريك عينيها الغزال الأحور (37)
إنّي و إن جانبت بعض بطالتي... و توهّم الواشون أنّي مقصر (38)
ليشوقني سحر العيون المجتلى...و يروقني ورد الخدود الأحمر
بالبرّ صمت، و أنت أفضل صائم....و بسنّة اللّه الرضيّة تفطر
فانعم بيوم الفطر عينا إنه... يوم أغرّ من الزمان مشهّر
أظهرت عزّ الملك فيه بجحفلٍ... لجب يحاط الدين فيه و ينصر(39)
خلنا الجبال تسير فيه و قد غدت...عددا يسير بها العديد الاكثر
فالخيل تصهل و الفوارس تدّعي...و البيض تلمع و الأسنة تزهر (40)
و الأرض خاشعة تميد بثقلها... و الجوّ معتكر الجوانب أغبر
و الشمس ماتعة توقّد بالضحى ...طورا، و يطفئها العجاج الأكدر (41)
حتى طلعت بضوء وجهك فانجلت... تلك الدجى و انجاب ذاك العثير (42)
و افتنّ فيك الناظرون، فإصبع... يوما إليك بها و عين تنظر (43)
يجدون رؤيتك التي فازوا بها... من أنعم اللّه التي لا تكفر (44)
ذكروا بطلعتك النبيّ فهلّلوا... لما طلعت من الصفوف و كبّروا
حتى انتهيت إلى المصلّى لابسا... نور الهدى يبدو عليك و يظهر
و مشيت مشية خاشع متواضعٍ... للّه لا يزهى و لا يتكبّر (45)
فلو انّ مشتاقا تكلّف فوق ما... في وسعه لسعى اليك المنبر
- إيوان كسرى:
لما جاء البحتريّ إلى بغداد في المرة الأولى و لم يلق حظوة فيها أراد أن يبثّ شكواه فذهب إلى المدينة البيضاء أو المدائن، و هي على عشرين ميلا من بغداد شرقا، و فيها إلى اليوم بقايا قصر كان لكسرى. و لكن يبدو من وصف البحتريّ أنّ القصر كان لا يزال سالما في ذلك الحين، و خصوصا بما كان فيه من رسوم لمعركة أنطاكية، بين الروم و الفرس، تتصل على جدران الإيوان. و الأبيات السبعة التي تلي البيت الحادي و العشرين من أحسن نماذج الوصف الحسّي عند البحتريّ:
صنت نفسي عمّا يدنّس نفسي ... و ترفّعت عن جدا كلّ جبس (46)
و تماسكت حين زعزعني الدهـ...ـر التماسا منه لتعسي و نكسي
بلغ من صبابة العيش عندي... طفّفتها الأيام تطفيف بخس (47)
و بعيد ما بين وارد رفهٍ... علل شربه، و وارد خمس (48)
و كأنّ الزمان أصبح محمو....لا هواه مع الأخس الأخسّ
و اشترائي العراق خطّة غبنٍ... بعد بيعي الشآم بيعة و كس (49)
لا ترزني مزاولا لاختباري... بعد هذي البلوى، فتنكر مسّي (50)
و قديما عهدتني ذا هناتٍ...آبيات على الدنيئات شمس (51)
و لقد رابني نبوّ ابن عمّي... بعد لين من جانبيه و أنس
و إذا ما جفيت كنت حريّا...أن أرى غير مصبح حيث أمسي (52)
حضرت رحلي الهموم فوجّـ...ـهت إلى أبيض المدائن عنسي (53)
أتسلّى عن الحظوظ و آسى...لمحلّ من آل ساسان درس (54)
ذكّرتنيهم الخطوب التوالي...و لقد تذكر الخطوب و تنسي
و هم خافضون في ظلّ عالم...شرف يحسر العيون و يخسي (55)
مغلق بابه على جبل القبق... إلى دارتي خلاط و مكس (56)
حلل لم تكن كأطلال سعدى...في ديار من البسابس ملس (57)
و مساع لو لا المحاباة مني...لم تطقها مسعاة عنس و عبس (58)
نقل الدهر عهدهنّ عن الجدّ...ة حتى غدون أنضاء لبس (59)
فكأنّ الجرماز من عدم الأنـ...ـس و إخلاله بنيّة رمس (60)
لو تراه علمت أن اللّيالي... جعلت فيه مأتما بعد عرس
و هو ينبيك عن عجائب قوم...لا يشاب البيان فيهم بلبس (61)
فإذا ما رأيت صورة أنطاكيّة... ارتعت بين روم و فرس
و المنايا مواثل و أنوشروا...ن يزجي الصّفوف تحت الدرفس (62)
في اخضرار من الثياب على أصـ...ـفر يختال في صبيغة ورس (63)
و عراك الرجال بين يديه...في خفوت منهم و إغماض جرس (64)
من مشيح يهوي بعامل رمح...و مليح من السنان بترس (65)
تصف العين أنهم جدّ أحيا...ء لهم بينهم إشارة خرس
يغتلي فيهم ارتيابي حتى...تتقرّاهم يداي بلمس
حلم مطبق على الشكّ عيني...أم أمان غيرن ظني و حدسي
و كأن الإيوان من عجب الصنـ...ـعة جوب في جنب أرعن جلس (66)
عكست حظّه الليالي و بات الـ...ـمشتري فيه و هو كوكب نحس
فهو يبدي تجلّدا و عليه...كلكل من كلاكل الدهر مرس
لم يعبه أن بزّ من بسط الديـ...ـباج و استلّ من ستور الدمقس
مشمخرّ تعلو له شرفات...رفعت في رؤوس رضوى و قدس (67)
ليس يدرى أصنع إنس لجنّ...سكنوه أم صنع جنّ لإنس
ذاك عندي، و ليست الدار داري...باقتراب منها و لا الجنس جنسي (68)
غير نعمى لأهلها عند أهلي...غرسوا من ذكائها خير غرس
أيّدوا ملكنا و شدّوا قواه...بجنود تحت السنوّر حمس (69)
و أعانوا على كتائب أريا...ط بطعن على النحور و دعس
و أراني من بعد أكلف بالاشـ...ـراف طرّا من كل سنخ و إس(70)
-و للبحتري البيت المشهور (ديوان 2:183) :
عليّ نحت القوافي من معادنها... و ما عليّ إذا لم تفهم البقر
_________________
1) راجع أخبار البحتري 65.
2) حاجة، فقر.
3) سوء حاله و رثاثة مظهره.
4) راجع أخبار البحتري 83-84.
5) مثله 111.
6) مثله 49-50، راجع اجتهاد الدكتور صالح الاشتر في الصفحات 5،6،50 الحاشية الأولى.
7) الموازنة 2.
8) ثمار القلوب، مستشهدا به في أمراء الشعر 194.
9) العمدة 1:109.
10) المقصود: من أبي تمام.
11) الجارية المغنية (الجميلة) .
12) العنقاء طائر خرافي. يقصد أن شعر البحتري لا يمكن النسج على مثاله.
13) أخبار البحتري 148.
14) متقارب في الجودة، ليس فيه رديء بالغ و لا جيد بالغ.
15) أخبار البحتري 72.
16) راجع، فوق، ص 41 و ما بعدها.
17) النوروز أول الربيع (أول السنة الفارسية) . -كانت براعم الورد نائمة (مطبقة) ، ففي صباح النوروز بدت و قد أخذت تتفتح (كأنها تستفيق من ليل الشتاء) .
18) الوشي: الثوب الموشى (المطرز، المزخرف) . منمنم: مزدحم بالزخرف الدقيق.
19) هذه استعارة مأخوذة من الحج في الإسلام: قبل أن يدخل الحاج إلى مكة يحرم (يلبس ثوبا أبيض غير مخيط) فيبدو جميع الحجاج في شكل واحد فيه مساواة و خشوع و تواضع و لكن ليس فيه تنوع يلفت النظر. و كذلك الأشجار في الشتاء لا يكون عليها إلا لحاؤها (قشرها) . فاذا انتهت مناسك الحج أحل الحجاج (لبسوا ثيابهم العادية بأشكالها المختلفة و ألوانها المتعددة. و هكذا الأشجار، إذا جاء الربيع بدأت تكتسي بأوراقها و أزهارها المختلفة الأشكال و الألوان) .
20) الفرند (بكسر فكسر) و الافرند (بكسر فسكون فكسر) : نصل السيف.
21) تسربلته: لبسته، سرت فيه و هو مظلم. و سنان: نعسان. هاجع: نائم. ابن ليل: اللص، و عمله يقوم على السهر.
22) القطا: طير صغير شهير بالسرعة و بقلة النوم. -بينما كانت الذئاب و القطا نائمة، و هي المشهورة بالسهر، كنت أنا يقظان أقطع البادية. الربد جمع أربد و ربداء، يقصد النعام. -ان الثعالب و النعام، و هي المشهورة بنفارها، قد أصبحت تألفه لطول ما سكن معها.
23) الجد يتعسه الجد: الحظ يتحول شؤما إذا اصطدم بحظ (أكبر منه) .
24) أقعى: اعتمد قليلا على مؤخرته متهيئا للوثوب. ارتجزت: أنشدت شعرا من بحر الرجز انتمى فيه (أذكر مفاخري و مفاخر قومي في القتال) . هجته: أثرته، هيجته.
25) أوجرته: طعنته بالرمح طعنة. خرقاء: تخرق الجسم، تنفذ فيه من جانب إلى آخر. تحسب ريشها. . . سريعة كأن نصلها الابيض شهاب يسقط في ليلة مظلمة.
26) صرامة: حدة.
27) بحيث يكون اللب. . . : في القلب.
28) سقيته من منهل (نبع) الموت، و لكن لم يكن ورده (الماء الذي شربه) عذبا حلوا.
29) الرمضاء: الرمل الحار.
30) المغاني جمع مغنى: المسكن، الديار.
31) بحسبها: يكفيها. واحدة: الأولى.
32) بلقيس: ملكة سبأ في اليمن. الصرح: القصر. -في هذا البيت اشارة إلى قصة سليمان و بلقيس (راجع القصة في سورة النمل،27:44) ؛ يقصد هذه البركة تشبه قصر بلقيس العجيب.
33) الصبا: ريح الشرق. الحبك: الغيم. الجواشن: الدروع. -إذا هبت الريح على سطح هذه البركة تموّج وسطها و ظلت أطرافها هادئة ملساء.
34) تنعكس عنها أشعة الشمس و هي تبرق فكان البركة و الشمس تتضاحكان. و أحيانا يسقط رذاذ المطر على سطح البركة فتبدو كأنها و الغيم يتباكيان.
35) المعنى: الذي يتكلف الأمور و يريد الحصول عليها بسرعة و من كل وجه.
36) علوة بنت زريقة الحلبية، و زريقة أمها، كان البحتري يكثر ذكرها في شعره؛ و هو يدعي حبها.
37) الأحور من كان في عينيه حور (بفتح الحاء المهملة و فتح الواو) : شدة سواد العين و شدة بياض بياضها.
38) البطالة (بفتح الباء) : الهزل.
39) الجحفل: الجيش. اللجب: الكثير الاصوات لكثرة ما فيه من المقاتلين و من آلات القتال.
40) تدعي: تنتمي، تفتخر بمحامدها و محامد أقوامها في القتال. تزهر: تلمع.
41) ماتعة: مشرقة. العجاج: غبار الحرب.
42) العثير: الغبار الثائر فوق رءوس المتحاربين.
43) يوما هي يوما: يشار.
44) لا تكفر: لا تنكر. لا يستقل شأنها.
45) زهي الرجل: اغتر بنفسه.
46) الجبس: اللئيم.
47) بلغ جمع بلغة: ما يتبلغ به الإنسان، ما يسد رمقه فقط. طفف: نقص الكيل. البخس: أن تنقص شيئا بعض حقه.
48) وارد رفه: يشرب الماء متى شاء. الخمس: أن ترد الإبل الماء مرة في كل أربعة أيام لا يدخل فيها اليوم الذي شربت فيه (فيكون ورودها كل خمسة أيام) .
49) هجرت الشام لأتكسب في العراق فكان أن خسرت الشام و لم أربح العراق.
50) لا تحاول معرفة وزني (قيمتي) بعد هذه البلوى (المصيبة، مجيئي إلى العراق) فترى وزني قليلا جدا.
51) و أنت تعرفني منذ أمد أن لي خصالا (بكسر الخاء) شمس (حرونة، عنيدة) لا ترضى الذل.
52) حريا: خليقا بي، جديرا بي.
53) كثرت همومي في وطني فركبت نياقي إلى المدينة البيضاء. الرحل (بفتح الراء) : متاع البيت، سرج الدابة.
54) أحاول أن أتناسى ما ناله غيري من الحظوظ. آسى: أحزن (لما أصاب قصر بني ساسان ملوك الفرس الذين غدر بهم الدهر، فاتخذهم اسوة) . درس: ممحو، بال.
55) خافض: يعيش عيشة منعمة. في ظل (قصر) عال. يحسر العيون و يخسي: يردها كليلة عاجزة عن موالاة النظر.
56) القبق: جبل في آخر حدود أرمينية متصل بباب الأبواب و اللان (في فارس) . خلاط: قصبة أرمينية الوسطى. مكس: موضع في أرمينية قرب قاليقلا. -يشرف على كل هذه الأراضي الشاسعة.
57) حلل جمع حلة (بكسر فتشديد) : مدينة. البسابس: القفار. الملس: التي لا نبات فيها.
58) مساع: محامد، آثار حضارية. لو لا المحاباة مني: لو لا أنني عربي أميل بطبعي إلى العرب لقلت ان عنسا (من عرب الجنوب) و عبسا (من عرب الشمال) ، يقصد جميع العرب، لا يستطيعون أن يجيئوا بمثلها.
59) أبلاها (أبلى تلك القصور) الدهر حتى أصبحت كالثياب البالية المتهرئة.
60) الجرماز: بناء عظيم كان عند المدائن ثم عفا (امحى) أثره. -هذا القصر قد هجر حتى أصبح كأنه مدفن.
61) اللبس: الغموض، الابهام. فضائلهم مشهورة لا تحتاج إلى شرح و تبيان.
62) كسرى أنوشروان (535-578 م) أشهر ملوك الفرس عند العرب. يزجي: يرسل، يوجه. الدرفس (الدرفش) : راية ملوك الفرس، و كانت من جلد.
63) الورس: نبات أحمر.
64) الجرس: الصوت.
65) مشيح يهوي بعامل رمح: هاجم بالرمح (على خصمه) . العامل: صدر الرمح. مليح من السنان بترس: الذي يحتمي بالترس من سنان الرمح الموجه اليه.
66) جوب: الدلو العظيمة، الدرع، الترس، الحفرة. الأرعن: الأحمق. الجلس: الفدم، الرجل الغليظ -ان التشبيه في هذا البيت غامض.
67)مشمخر: عال. رضوى: جبل بالمدينة قرب ينبع، جبل منيف(عال) ذو شعاب وأودية. قدس: جبل عظيم بارض نجد.-القصر عال جدا كأن شرفاته على الجبال.
68)في هذا البيت والابيات التي تليه يبرر البحتري إشادته بالفرس مع إنه ليس من بلاد فارس وليس اصله من الفرس. غير ان الفرس اسرعوا الى نجدة اليمن(والبحتري طائي من اليمن) لما أرياط الحبشي.
69)أيدوا(ساعدوا، نصروا) .كماة : أبطال . السنور: الدروع . الحمس: الشجعان.
70) السنخ أو الاس : الاصل . انا اعجب (بضم الهمزة وفتح الجيم) بالأشراف من أي اصل كانوا.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|