أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-12-2015
1991
التاريخ: 24-12-2015
3079
التاريخ: 24-12-2016
1246
التاريخ: 23-12-2015
2990
|
(حذيفة بن اليمان) واسم اليمان (حسيل) بمهملتين مصغرا ويقال (حسل) بكسر ثم سكون ابن جابر العبسي بموحدة ثم الأشهل حليفهم يكنى أبو عبد الله وكان أبوه اليمان صحابيا أيضا استشهد بأحد قال ابن هشام في سيرته قال ابن إسحاق لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أحد رفع حسل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش في الأطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران فقال أحدهما لصاحبه لا أبالك ما تنتظر فوالله ان بقى لواحد منا من عمره الا ظمؤ حمار وانما نحن هامة اليوم أو غد فلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وآله لعل الله يرزقنا مع شهادة ان لا إله إلا الله شهادة مع رسول الله فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما! فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، واما حسل ابن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه فقال حذيفة أبى قالوا والله ما عرفنا وصدقوا فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله ان يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا.
قال ابن حجر العسقلاني في التقريب كان حذيفة جليلا من السابقين.
صح في مسلم عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة.
قال الذهبي في الكاشف كان صاحب السر منعه وأباه شهود بدر استخلاف المشركين لهما.
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وأبصركم بالحلال والحرام وسئل أمير المؤمنين " عليه السلام " فقال كان عارفا بالمنافقين، وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المعضلات فان سألتموه وجدتموه بها خبيرا.
وكان حذيفة يسمى صاحب السر وكان عمر لا يصلى على جنازة لا يحضرها حذيفة، ويقال ان عمر سأله هل انا منهم.
وروى المفضل بن عمر عن جعفر بن محمد " عليه السلام " انه قال كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لا يعرفون الا ببغض علي بن أبي طالب " عليه السلام " وكان حذيفة يعرفهم لأنه كان ليلة العقبة يقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وعمار يسوقها وقد قعد المنافقون على العقبة ليلا لرسول الله عند منصرفه من غزاة تبوك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله خلف عليا بالمدينة على أهله ونسائه فقال المنافقون بعضهم لبعض ان محمدا بغض نفسه إلى أصحابه بسبب على وعلى هو الذاب عنه والمجاهد دونه لا يعمل فيه الحر والبر والسيف والسنان وفد استخلفه بالمدينة فبادروا هذا الذي لولا على لكان أهون من فقع قرقر ولولا أبو طالب بمكة لم يتبعه أحد فإنه آواه ونصره وذب عنه وجاهد قريشا فيه حتى استفحل أمره وعظم شأنه فلما استقر قراره أعاد الملك والسلطان إلى بنى أبيه من دون قريش، أفقريش لبني هاشم خول واتباع وقد اجتمعت كلمتهم بالإسلام بعد أن كنتم مختلفين فبعدوا واخشوشنوا، واجمعوا امركم وشركائكم ثم اطلبوا بثأركم ممن اختدعكم عن دينكم وأدخلكم في دينه ثم جعلكم أتباعه وأتباع بنى هاشم ومواليهم وعبيدهم إلى أن تقوم الساعة والا فعيشوا أشقياء عباد يد بعد الآلهة أذلة ما بقيتم وكان القائل عمر يحرض أصحابه ليلة العقبة على قتل رسول الله فضرب الله وجوههم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان حذيفة في خلافة أبى بكر وعمر يشكوه إلى أبى بكر وأبو بكر يقول دعه إنا ان حركناه آثرناه على أنفسنا من ليلة العقبة لا حاجة لنا إليه فاضرب عنه فالسكوت خير من الخوض في امره فلما ملك عمر بعث إليه فقال له ما زلت نحدث أصحاب محمد صلى الله عليه وآله في خلافة أبى بكر انى باب من أبواب جهنم ثم رفع عمر عليه بالدرة فقال حذيفة أسكن يا خليفة المسلمين فإنك باب من أبواب جهنم تمنع المنافقين ان يدخلوها فتبسم عمر عند ذلك ثم أقبل على أصحابه فقال لهم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلم أصحابه بالمنافقين فكان حذيفة يقول السكينة تنطق على لسانك بقوله لحذيفة انك أعرف الناس بالمنافقين.
وأخرج الكشي بإسناده عن أبي جعفر " عليه السلام " عن أبيه عن جده عن علي ابن أبي طالب قال ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة وكان على " عليه السلام " يقول وانا امامهم وهم صلوا على فاطمة " عليه السلام ".
وأخرج الترمذي عن حذيفة قال سألتني أمي متى عهدك برسول الله صلى الله عليه وآله فقلت منه كذا وكذا فنالت منى فقلت لها دعيني آتي رسول الله وأصلي معه المغرب وأسأله ان يستغفر لي ولك فأتيته وصليت معه المغرب ثم قام فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعه فسمع صوتي فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال ما حاجتك غفر الله لك ولأمك ان هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه ان يسلم على ويبشرني ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
وأخرج الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن خالد بن خالد اليشكري قال خرجت سنة فتح تستر حتى قدمت الكوفة فدخلت المسجد فإذا انا بحلقة فيها رجل جهم من الرجال فقلت من هذا فقال القوم اما تعرفه قلت لا قالوا هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال فقعدت إليه فحدث القوم فقال إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة ان أقع فيه فأنكر القوم ذلك عليه فقال سأحدثكم بما أنكرتم انه جاء أمر الإسلام فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية وكنت أعطيت من القرآن فقها وكانوا يجيئون فيسألون النبي فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أيكون بعد هذا الخير شر قال نعم قلت فما العصمة منه قال صلى الله عليه وآله السيف قال قلت وهل بعد السيف بقية قال نعم تكون إمارة على اقذاء أو هدنة على دخن قال قلت ثم ماذا قال ثم تنشأ دعاة الضلالة فان رأيت يومئذ خليفة عدل فالزمه وإلا فمت عاضا على جذل شجرة.
وروى ابن شهرآشوب مرفوعا عن حذيفة قال لو أحدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لرجمتموني قالوا سبحان الله نحن نفعل قال لو أحدثكم ان بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها تقاتلكم ما صدقتم قالوا سبحان الله ومن يصدق بهذا قال تأتيكم أمكم الحميراء في كتيبة يسوق بها أعلاجها من حيث تسوء وجوهكم.
وذكر أبو موسى الأشعري عند حذيفة بالدين فقال اما أنتم فتقولون ذلك واما انا فاشهد انه عدو لله ولرسوله وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار وروى إن عمارا سئل عن أبي موسى فقال لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما سمعته يقول صاحب البرنس الأسود ثم كلح كلوحا علمت أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط وكان حذيفة عارفا بهم.
وروى ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى حذيفة بن اليمان قال آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين وكان يواخي بين الرجل ونظيره ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب " عليه السلام " فقال هذا أحي قال حذيفة فرسول الله صلى الله عليه وآله سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ليس له شبيه ولا نظير وعلى أخوه.
وإلى هذا المعنى أشار الصفي الحلي (ره).
أنت سر النبي والصنو وابن * العم والصهر والأخ السجاد
لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد
وروى أن عليا " عليه السلام " لما أدرك عمرو بن عبد ود ولم يضربه فوقع الناس في علي فرد عنه حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله يا حذيفة فان عليا سيذكر سبب وقفته ثم أنه ضربه فلما جاء سأله النبي عن ذلك فقال " عليه السلام " قد كان شتم أمي وتفل في وجهي فخشيت ان أضربه لحظ نفسي فتركته حتى سكن ما بي ثم قتلته في الله قال المؤلف وإنما ذكرنا هذا الحديث لما يعلم به من إخلاص حذيفة لأمير المؤمنين " عليه السلام " من زمن النبي صلى الله عليه وآله.
وروى أبو مخنف قال لما بلغ حذيفة بن اليمان ان عليا قد قدم ذا قار واستنفر الناس دعا أصحابه فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم ورغبهم في الآخر وقال لهم الحقوا بأمير المؤمنين " عليه السلام " وسيد الوصيين فان من الحق ان تنصروه وهذا ابنه الحسن وعمار قد قدما الكوفة يستنفرون الناس فانفروا قال فنفر أصحاب حذيفة إلى أمير المؤمنين " عليه السلام " ومكث حذيفة بعد ذلك خمسة عشر ليلة وتوفى (رض) وقال المسعودي في مروج الذهب كان حذيفة عليلا بالمدائن في سنة ست وثلاثين فبلغه قتل عثمان وبيعة على " عليه السلام " فقال أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة فوضع على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال أيها الناس ان الناس قد بايعوا عليا " عليه السلام " فعليكم بتقوى الله وانصروا عليا وآزروه فو الله أنه لعلى الحق أولا وآخرا وانه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بعد نبيكم ومن بقى إلى يوم القيامة ثم أطبق يمينه على يساره وقال اللهم إني أشهدك انى قد بايعت عليا وقال الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم وقال لأبنيه صفوان وسعد إذا أنا مت احملاني وكونا معه فسيكون له حرب يهلك فيها كثير من الناس فاجهدا ان تشهدا معه فإنه والله على الحق ومن خالفه على الباطل.
ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام وقيل بأربعين يوما هذا كلام المسعودي.
قال المؤلف وشهد أبناه المذكوران بعد ذلك صفين مع أمير المؤمنين " عليه السلام " وقتلا بها شهيدين رحمهما الله.
وعن أبي الحسن الرضا " عليه السلام " لما حضرته الوفاة قال لابنته أية ساعة هذه قالت آخر الليل قال الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ ولم أوال ظالما على صاحب حق ولم أعاد صاحب حق.
وروى الديلمي في ارشاد القلوب مرفوعا قال لما استخلف عثمان بن عفان آوى إليه عمه الحكم بن العاص وولده مروان بن الحكم ووجه عماله في الأمصار وكان فيمن وجه الحرث بن الحكم إلى المدائن فأقام بها مدة يتعسف أهلها ويسئ معاملتهم فوفد منهم إلى عثمان وفد يشكونه وأعلموه بسوء ما يعاملهم به وأغلظوا عليه بالقول فولى حذيفة بن اليمان عليهم وذلك آخر أيامه فلم ينصرف حذيفة عن المدائن إلى أن قتل عثمان واستخلف علي بن أبي طالب فأقام حذيفة عليها وكتب " عليه السلام " إليه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى حذيفة بن اليمان سلام عليك اما بعد فإني قد وليتك ما كنت عليه لمن كان قبلي من حرف المدائن وقد جعلت إليك اعمال الخراج والرستاق وجباية أهل الذمة فاجمع إليك ثقاتك ومن أحببت ممن ترضى دينه وأمانته واستعز بهم على أعمالك فان ذلك أعز إليك ولو ليك واكبت لعدوك وإني امرك بتقوى الله وطاعته في السر والعلانية وأحذرك عقابه في الغيب والمشهد وأتقدم إليك بالإحسان إلى المحسن والشدة على المعاند وآمرك بالرفق في أمورك والدين والعدل في رعيتك فإنك مسائل عن ذلك وانصاف المظلوم والعفو عن الناس وحسن السيرة ما استطعت فان الله يجزى المحسنين وآمرك ان تجبى خراج الأرضين على الحق والنصفة ولا تجاوز ما تقدمت به إليك ولا تدع منه شيئا ولا تبدع فيه أمرا ثم أقسم بين أهله بالسوية والعدل واخفض لرعيتك جناحك وواس بينهم في مجلسك وليكن القريب والبعيد عندك في الحق سواء واحكم بين الناس بالحق واقم فيهم بالقسط ولا تتبع الهوى ولا تخف في الله لومة لائم فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقد وجهت إليك لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم وفى جميع المسلمين فاحضرهم وأقرأ عليهم وخذ البيعة لنا على الصغير والكبير منهم إن شاء الله تعالى. فلما وصل عهد أمير المؤمنين إلى حذيقة جمع الناس فصلى بهم ثم أمر بالكتاب فقرأ عليهم وهو بسم الله الرحمن الرحيم من علي بن أبي طالب إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلام عليكم فإني احمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو واسأله ان يصلى على محمد وآله اما بعد فان الله تعالى اختار الاسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله إحكاما لصنعه وحسن تدبيره ونظرا منه لعباده وخص به من أحبه من خلقه فبعث إليهم محمدا فعلمهم الكتاب والحكمة إكراما وتفضلا لهذه الأمة وأدبهم لكي يهتدوا وجمعهم لئلا يتفرقوا ووقفهم لئلا يجوروا فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة الله به حميدا محمودا ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا بهديهما وسيرتهما فأقاما ما شاء الله ثم توفاهما الله عز وجل ثم ولوا بعدهما الثالث فأحدث احداثا ووجدت الأمة عليه فعالا فاتفقوا عليه ثم نقموا منه فغيروا ثم جاؤني كتتابع الخيل فبايعوني انى استهدى الله بهداه وأستعينه على التقوى ألا وان لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والقيام عليكم بحقه وإحياء سنته والنصح لكم بالمغيب والمشهد وبالله نستعين على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل وقد وليت أموركم حذيفة بن اليمان وهو ممن أرضى بهداه وأرجوا صلاحه وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بجميعكم اسأل الله لنا ولكم حسن الخيرة والإسلام ورحمته الواسعة في الدنيا والآخرة ورحمة الله وبركاته، قال ثم إن حذيفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: الحمد لله الذي أحيى الحق وأمات الباطل وجاء بالعدل ودحض الجور وكبت الظالمين أيها الناس إنه ولا كم الله أمير المؤمنين " عليه السلام " حقا حقا وخير من نعلمه بعد نبينا وأولى الناس بالناس وأحقهم بالأمر وأقربهم إلى الصدق وأرشدهم إلى العدل وأهداهم سبيلا وأدناهم إلى الله وسبيله وأمسهم برسول الله صلى الله عليه وآله رحما أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلما وأكثرهم علما وأقصدهم طريقة وأسبقهم إيمانا وأحسنهم يقينا وأكثرهم معروفا وأقدمهم جهادا وأعزهم مقاما أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وابن عمه وأبى الحسن والحسين وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه فان لله في ذلك رضى ولكم مقنع وصلاح والسلام فقام الناس فبايعوا أمير المؤمنين " عليه السلام " أحسن بيعة وأجمعها فلما استتمت البيعة قام إليه فتى من أبناء العجم وولاة الأنصار لمحمد بن عمارة بن التيهان يقال له مسلم متقلدا سيفا فناداه من أقصى الناس أيها الأمير إنا سمعناك تقول في أول كلامك قد ولا كم الله أمير المؤمنين حقا حقا تعرض بمن كان قبله من الخلفاء انهم لم يكونوا أمراء المؤمنين حقا حقا فعرفنا ذلك أيها الأمير رحمك الله ولا تكتمنا فإنك ممن شهد وعاين ونحن مقلدون ذلك أعناقكم والله شاهد عليكم فيما تأتون به من النصيحة لأمتكم وصدق الخبر عن نبيكم فقال حذيفة أيها الرجل أما إذا سألت وفحصت هكذا فاسمع وافهم ما أخبرك به اما من تقدم من الخلفاء قبل علي بن أبي طالب من تسمى بأمير المؤمنين فإنهم تسموا بذلك وسماهم الناس واما علي بن أبي طالب " عليه السلام " فان جبرئيل سماه بذلك الاسم عن الله تعالى شهد له، ورسول الله عن سلام جبرئيل بإمرة المؤمنين وكان أصحاب رسول الله يدعونه في حياة رسول الله بإمرة المؤمنين قال الفتى كيف كان ذلك يرحمك الله؟ قال حذيفة ان الناس كانوا يدخلون على رسول الله قبل الحجاب فنهاهم رسول الله ان يدخل أحد إليه وعنده دحية بن خليفة الكلبي وكان رسول الله يراسل قيصر ملك الروم وبنى حنيفة وبنى غسان على يده وكان جبرئيل " ع " يهبط عليه في صورته ولذلك نهى رسول الله ان يدخل المسلمون عليه إذا كان عنده دحية قال حذيفة وإني أقبلت يوما لبعض أموري إلى رسول الله مهجرا رجاء ان ألقاه خاليا فلما صرت بالباب فإذا انا بشملة قد سدلت على الباب فرفعتها وهممت بالدخول وكذلك كنا نصنع فإذا انا بدحية قاعد عند رسول الله والنبي صلى الله عليه وآله نائم ورأسه في حجر دحية الكلبي فلما رأيته انصرفت فلقيني علي بن أبي طالب " عليه السلام " في بعض الطريق فقال يا بن اليمان من أين أقبلت قلت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله قال وماذا صنعت عنده قال قلت أردت الدخول عليه في كذا وكذا وذكرت الأمر الذي جئت له فلم يتهيأ لي ذلك قال ولم قلت كان عنده دحية الكلبي وسألت عليا معونتي على رسول في ذلك الأمر قال فارجع معي فرجعت معه فلما صرنا إلى باب الدار جلست بالباب ورفع على " عليه السلام " الشملة ودخل فسلم فسمعت دحية يقول وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم قال له أجلس فخذ رأس أخيك وابن عمك من حجري فأنت أولى الناس به فجلس على " عليه السلام " واخذ رأس رسول الله فجعله في حجره وخرج دحية من البيت فقال على أدخل يا حذيفة فدخلت وجلست فما كان بأسرع من أن أنتبه رسول الله فضحك في وجه على ثم قال يا أبا الحسن من حجر من أخذت رأسي قال من حجر دحية الكلبي فقال ذلك جبرئيل فما قلت له حين دخلت وما قال لك قال دخلت فسلمت فقال لي وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال رسول الله يا علي سلمت عليك ملائكة الله وسكان سماواته بإمرة المؤمنين من قبل ان يسلم عليك أهل الأرض. يا علي أن جبرئيل فعل ذلك عن أمر الله تعالى وقد أوحى إلى عن ربي عز وجل من قبل دخولك ان أفرض ذلك على الناس وانا فاعل ذلك أن شاء الله تعالى فلما كان من الغد بعثني رسول الله إلى ناحية فدك في حاجة فلبثت أياما ثم قدمت فوجدت الناس يتحدثون ان رسول الله أمر الناس ان يسلموا على بإمرة المؤمنين وان جبرئيل اتاه بذلك عن الله عز وجل فقلت صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا فقد سمعت جبرئيل يسلم على بإمرة المؤمنين فحدثتهم الحديث فسمعني عمر بن الخطاب وانا أحدث الناس في المسجد فقال لي أنت رأيت جبرئيل وسمعته اتق القول فقد قلت قولا عظيما وقد خولط بك فقلت نعم انا رأيت ذلك وسمعته فأرغم الله أنف من رغم فقال يا أبا عبد الله لقد رأيت وسمعت عجبا.
قال حذيفة فسمعني بريدة بن الخصيب الأسلمي وانا أحدث ببعض ما رأيت وسمعت فقال لي والله يا بن اليمان لقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالسلام على علي " عليه السلام " بإمرة المؤمنين فاستجابت له طائفة يسيرة من الناس ورد ذلك عليه وأباه كثير من الناس فقلت يا بريدة أكنت شاهدا ذلك اليوم فقال نعم من أوله إلى آخره فقلت له حدثني به يرحمك الله فان كنت عن ذلك اليوم غائبا فقال بريدة كنت انا وعمار أخي مع رسول الله في نخيل بنى النجار فدخل علينا علي بن أبي طالب فسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وآله عليه السلام ورددنا ثم قال له يا علي اجلس هناك فجلس فدخل رجال فأمرهم رسول الله بالسلام على علي " عليه السلام " بإمرة المؤمنين فقال الأمر عن الله ورسوله فقال نعم ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فقال لهما رسول الله سلما على بإمرة المؤمنين فقالا عن الله ورسوله فقال نعم قالا سمعنا وأطعنا ثم دخل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري فسلما فرد عليهما السلام ثم قال سلما على على بإمرة المؤمنين فسلما ولم يقولا شيئا ثم دخل عمار والمقداد فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على علي " عليه السلام " بإمرة المؤمنين ففعلا لم يقولا شيئا ثم دخل عثمان وأبو عبيدة فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على على بإمرة المؤمنين قالا عن الله ورسوله؟ قال نعم: ثم دخل فلان وفلان وعد جماعة من المهاجرين والأنصار كل ذلك يقول رسول الله سلموا على على بإمرة المؤمنين فبعض سلم ولم يقل شيئا وبعض يقول للنبي عن الله ورسوله فيقول نعم حتى غص المجلس باهله وامتلأت الحجرة وجلس بعض على الباب وفى الطريق وكانوا يدخلون فيسلمون ويخرجون ثم قال لي ولأخي قم يا بريدة أنت وأخوك فسلما على علي " عليه السلام " بإمرة المؤمنين فقمنا وسلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا ثم أقبل رسول الله عليهم جميعا فقال اسمعوا وعوا انى أمرتكم ان تسلموا على على بإمرة المؤمنين وان رجالا سألوني إذا لك عن أمر الله وامر رسوله ما كان لمحمد ان يأتي أمرا من تلقاء نفسه بل بوحي ربه وأمره أفرأيتم والذي نفسي بيده لأن أبيتم ونقضتموه لتكفرون ولتفارقون ما بعثني به ربى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال بريدة فلما خرجنا سمعت بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على علي " عليه السلام " بإمرة المؤمنين من قريش يقول لصحابه وقد التقت بهما طائفة من الجفاة البغاة عن الإسلام من قريش اما رأيت ما صنع محمد ص بابن عمه من علو المنزلة والمكان لو يستطيع والله لجعله نبيا من بعده فقال له صاحبه أمسك ولا يكبرن عليك هذا فانا لو فقدنا محمدا لكان فعله هذا تحت أقدامنا قال حذيفة ومضى بريدة إلى بعض طريق الشام ورجع وقد قبض رسول الله وبايع الناس أبا بكر فاقبل بريدة ودخل المسجد وأبو بكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة فناداهما من ناحية المسجد يا أبا بكر ويا عمر فقال أبو بكر مالك يا بريدة أجننت قال لهما والله ما جننت ولكن أين سلامكما بالأمس على على بإمرة المؤمنين فقال له أبو بكر يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر وانك غبت وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال لهما رأيتما ما لم ير الله ورسول الله ولكن وفى لك صاحبك بقوله لو فقدنا محمدا صلى الله عليه وآله لكان قوله هذا تحت أقدامنا الا ان المدينة حرام على أن أسكنها ابدا حتى أموت فخرج بريدة باهله وولده فنزل بين قومه بنى أسلم فكان يطلع في الوقت دون الوقت فما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين سار إليه وكان معه حتى قدم العراق فلما أصيب أمير المؤمنين سار إلى خراسان فنزلها ولبث هناك إلى أن مات رحمه الله، قال حذيفة فهذا أنباء ما سألتني عنده فقال الفتى لا جزى الله الذين شهدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعوه يقول هذا القول لعلى " عليه السلام " خيرا فقد خانوا الله ورسوله وأزالوا الامر عمن رضيه الله ورسوله وأقروه فيمن لم يره الله ولا رسوله لذلك أهلا لا جرم والله لن يفلحوا بعدها فنزل حذيفة عن منبره فقال يا أخا الأنصار ان الامر كان أعظم مما تظن انه غرب والله البصير وذهب اليقين وكثر المخالف وقل الناصر لأهل الحق فقال له الفتى فهلا انتضيتم أسيافكم ووضعتموها على رقابكم وضربتم بها الزائلين عن الحق قدما قدما حتى تموتوا أو تدركوا الامر الذي تحبونه من طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله فقال له أيها الفتى أنه أخذوا والله بأسماعنا وأبصارنا وكرهنا الموت وتزينت لنا الحياة وسبق علم الله بإمرة الظالمين ونحن نسأل الله التغمد لذنوبنا والعصمة فيما بقى من آجالنا فإنه مالك رحيم ثم أنصرف حذيفة إلى منزله وتفرق الناس، قال عبد الله فبينا أنا ذات يوم عند حذيفة أعوده في مرضه الذي مات فيه وقد كان يوم قدمت فيه من الكوفة وذلك من قبل قدوم علي عليه السلام إلى العراق فبينما انا عنده إذ جاء الفتى الأنصاري فدخل على حذيفة فرحب به وأدناه وقرب مجلسه وخرج من كان عند حذيفة من عواده وأقبل عليه الفتى فقال يا أبا عبد الله سمعتك يوما تحدث عن بريدة بن الخصيب الأسلمي أنه سمع بعض القوم الذين أمرهم رسول الله أن يسلموا على على بإمرة المؤمنين يقول لصاحبه اما رأيت اليوم ما صنع محمد بابن عمه من التشريف وعلو المنزلة حتى لو قدر ان يجعله نبيا لفعل فأجابه صاحبه وقال لا يكبرن عليك فلو فقدنا محمدا لكان قوله تحت أقدامنا وقد ظننت نداء بريدة لهما وهما على المنبر انهما صاحبا القوم قال حذيفة أجل القائل عمر والمجيب أبو بكر فقال الفتى إنا لله وإنا إليه راجعون هلك والله القوم وضلت أعمالهم قال حذيفة ولم يزل القوم على ذلك من الارتداد وما يعلم الله منهم أكثر فقال الفتى قد كنت أحب ان أتعرف هذا الأمر من فعله ولكني أجدك مريضا وانا أكره ان أملك بحديثي ومسألتي وقام لينصرف فقال حذيفة لا بل أجلس يا بن أخي وتلق منى حديثهم وان كربني ذلك فلا أحسبني إلا مفارقكم إني لا أحب ان لا تغتر منزلتهما في الناس فهذا ما أقدر عليه من النصيحة لك ولأمير المؤمنين من الطاعة له ولرسوله وذكر منزلته فقال يا أبا عبد الله حدثني بما عندك من أمورهم لأكون على بصيرة من ذلك فقال حذيفة إذا والله لأخبرنك بخبر سمعته ورأيته ولقد والله دلنا ذلك من فعلهم على أنهم والله ما آمنوا بالله ولا برسوله طرفة عين وأخبرك ان الله تعالى أمر رسوله في سنة عشر من مهاجرته من مكة إلى المدينة ان يحج هو ويحج الناس معه فأوحى الله بذلك (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) فامر رسول الله صلى الله عليه وآله المؤذنين فأذنوا في أهل السافلة والعالية ألا ان رسول الله قد عزم على الحج في عامه هذا ليفهم الناس حجهم ويعلمهم مناسكهم فيكون سنة لهم إلى آخر الدهر قال فلم يبق أحد ممن دخل في الإسلام الا حج مع رسول الله سنة عشر ليشهدوا منافع لهم ويعلمهم حجهم ويعرفهم مناسكهم وخرج رسول الله بالناس وبنسائه معه وهي حجة الوداع فلما أستتم حجهم وقضوا مناسكهم وعرف الناس جميع ما احتاجوا إليه وأعلمهم أنه قد أقام لهم ملة إبراهيم " عليه السلام " وقد أزال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده ورد الحج إلى حالته الأولى ودخل مكة فأقام بها يوما واحدا فهبط الأمين جبرئيل بأول سورة العنكبوت فقال أقرأ يا محمد: بسم الله الرحمن الرحيم: ألم أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون) فقال رسول الله يا جبرئيل وما هذه الفتنة فقال يا محمد ان الله يقرئك السلام ويقول لك إني ما أرسلت نبيا قبلك إلا أمرته عند انقضاء أجله أن يستخلف على أمته من بعده من يقوم مقامه ويحيى لهم سنته وأحكامه فالمطيعون لله فيما يأمرهم به رسول الله هم الصادقون والمخالفون على أمره هم الكاذبون وقد دنا يا محمد مصيرك إلى ربك وجنته وهو يأمرك أن تنصب لامتك من بعدك علي بن أبي طالب وتعهد إليه فهو الخليفة القائم برعيتك وأمتك ان أطاعوه وإن عصوه وسيفعلون ذلك وهي الفتنة التي تلوت عليك الآية فيها وان الله عز وجل يأمرك ان تعلمه جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما حفظك واستودعك فهو الأمين المؤتمن.
يا محمد اخترتك من عبادي نبيا وأخترته وصيا. قال فدعا رسول الله عليا فخلا به يومه ذلك وليلته واستودعه العلم والحكمة التي آتاه الله إياها وعرفه ما قال جبرئيل وكان ذلك في يوم عائشة أبنة أبى بكر، فقالت يا رسول الله لقد طال استخلاؤك بعلي منذ اليوم، قال فاعرض عنها رسول الله فقالت لم تعرض عنى يا رسول الله بأمر لعله يكون لي صلاحا فقال صدقت وأيم الله أنه لأمر صلاح لمن أسعده الله بقوله والايمان به وقد أمرت بدعاء الناس جميعا إليه وستعلمين ذلك إذا أنا قمت به في الناس. قالت يا رسول الله ولم لا تخبرني به الآن لا تقدم بالعمل به والأخذ بما فيه الصلاح قال سأخبرك فاحتفظيه إلى أن أؤمر بالقيام به في الناس جميعا فإنك ان حفظتيه حفظك في العاجلة والآجلة جميعا وكانت لك الفضيلة بسبقه والمسارعة إلى الأيمان بالله ورسوله وان أضعتيه وتركت رعاية ما ألقى إليك منه كفرت نربك وحبط أجرك وبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله وكنت من الخاسرين ولم يضر الله ذلك ولا رسوله فضمنت له حفظه والايمان به ورعايته فقال إن الله تعالى أخبرني ان عمري قد انقضى وأمرني ان أنصب عليا للناس علما وأجعله فيهم إماما وأستخلفه كما أستخلف الأنبياء من قبلي أوصياءها وأنا صائر إلى أمر ربى وآخذ فيه بأمره فليكن هذا الامر منك نحت سويداء قلبك إلى أن يأذن الله بالقيام به فضمنت له ذلك وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله على ما يكون منها فيه ومن صاحبتها حفصة وأبويهما فلم تلبث أن أخبرت حفصة وأخبرت كل واحدة منهما أباها فاجتمعا فأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالأمر فاقبل بعضهم على بعض وقالوا ان محمدا يريد أن يجعل هذا الامر في بيته كسنة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر ولا والله مالكم في الحياة من حظ إن أفضى هذا الامر إلى علي بن أبي طالب وأن محمدا عاملكم على ظاهركم وان عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم فاحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأحالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة الهرشا وقد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك فصرف الله السوء عن نبيه صلى الله عليه وآله واجتمعوا في أمر رسول الله من القتل والاغتيال واسقاء السم على غير وجه وقد كان اجتمع أعداء رسول الله من الطلقاء من قريش والمنافقين من الأنصار ومن كان في قلبه الارتداد من العرب في المدينة وما حولها فتعاقدوا وتحالفوا على أن ينفروا به ناقته وكانوا (أربعة عشر رجلا) وكان من عزم رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عليا وينصبه للناس بالمدينة إذا قدم فسار رسول الله صلى الله عليه وآله يومين وليلتين فلما كان في اليوم الثالث أتاه جبرئيل " عليه السلام " بآخر سورة الحجر فقال أقرأ (ليسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين) قال ورحل رسول الله صلى الله عليه وآله يعدوا السير مسرعا على دخول المدينة لينصب عليا " عليه السلام " علما للناس فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرئيل " عليه السلام " في آخر الليل فقرأ عليه (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدى القوم الكافرين) وهم الذين هموا برسول الله صلى الله عليه وآله فقال أما تراني يا جبرئيل أعدو السير مجدا فيه لا دخل المدينة فأفرض ولاية على " عليه السلام " على الشاهد والغائب فقال له جبرئيل إن الله يأمرك ان تفرض ولاية على غدا إذ نزلت منزلك فقال رسول الله نعم يا جبرئيل غدا أفعل ذلك أن شاء الله تعالى. وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بالرحيل من وقته وسار الناس معه حتى نزل (بغدير خم) فصلى بالناس وأمرهم ان يجتمعوا إليه ودعا عليا " عليه السلام " فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يد على " عليه السلام " اليسرى بيده اليمنى ورفع صوته بالولاية لعلى " عليه السلام " على الناس أجمعين وفرض طاعته عليهم وأمرهم ان لا يختلفوا عليه بعده وخبرهم ان ذلك من أمر الله تعالى وقال لهم:
الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: فمن كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله، ثم أمر الناس ان يبايعوه فبايعه الناس جميعا ولم يتكلم منهم أحد وقد كان أبو بكر وعمر تقدما إلى الجحفة فبعث وردهما ثم قال لهما النبي صلى الله عليه وآله متجهما لهما يا بن أبي قحافة ويا عمر بايعا عليا بالولاية من بعدي فقالا: أمر من الله ومن رسوله فقال؟ وهل يكون مثل هذا من غير أمر من الله ومن رسوله نعم أمر من الله ومن رسوله فبايعا. ثم انصرفا وسار رسول الله صلى الله عليه وآله باقي يومه وليلته حتى إذا دنو من عقبة (هرشا) فقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة وقد حملوا معهم دبابا وطرحوا فيها الحصى فقال حذيفة فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا عمار بن ياسر وأمره ان يسوق ناقته وأنا أقودها حتى إذا سرنا في رأس العقبة ثار القوم من ورائنا ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت وكادت ان تنفر برسول الله فصاح بها النبي ان أسكني فليس عليك بأس فأنطقها الله بقول عربي فصيح فقالت والله يا رسول الله لا أزلت بدا عن مستقرا يد ولا رجلا عن موضع رجل وأنت ظهري. فتقدم القوم إلى الناقة ليدفعوها فأقبلت انا وعمار لنضرب وجوههم بأسيافنا وكانت ليلة مظلمة فزالوا عنا وآيسوا مما ظنوا وأدبروا، فقلت يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى؟ فقال يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة فقلت ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطا فيأتوا برؤوسهم؟ فقال إن الله أمرني أن أعرض عنهم وأكره ان يقول الناس انه دعا أناسا من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوه ثم أقبل عليهم فقتلهم ولكن دعهم يا حذيفة فان الله لهم بالمرصاد وسيمهلهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ. فقلت من هؤلاء المنافقون يا رسول الله أمن المهاجرين أم من الأنصار؟ فسماهم إلى رجلا رجلا حتى فرغ منهم ولقد كان فيهم أناس كنت كارها ان يكون فيهم فأمسكت عند ذلك فقال رسول الله يا حذيفة كأنك شاك في بعض من سميت لك أرفع رأسك إليهم فرفعت طرفي إلى القوم وهم وقوف على الثنية فبرقت برقة أضاءت ما حولنا وثبتت البرقة حتى خلتها شمسا طالعة فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلا رجلا فإذا هم كما قال رسول الله وعدد القوم (أربعة عشر رجلا) تسعة من قريش وخمسة من سائر الناس فقال له الفتى سمهم لنا يرحمك الله؟ فقال حذيفة هم والله أبو بكر. وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص هؤلاء من قريش: وأما الخمسة الأخر: فأبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس بن الحدثان البصري، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاري. قال حذيفة ثم انحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله فتوضأ وأنتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا فرأيت هؤلاء بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أنصرف رسول الله من صلاته التفت فنظر إلى أبى بكر وعمر وأبى عبيدة يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر وأرتحل رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبى حذيفة أبا بكر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم وقال أليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ان لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر والله لتخبروني فيما أنتم وإلا أتيت رسول الله فأخبره بذلك منكم فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه فان نحن خبرناك بالذي نحن فيه وبما اجتمعنا فان أحببت ان تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منا وان كرهته كتمته علينا: فقال سالم لكم ذلك وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه وكان سالم شديد البغض والعداوة لعلي بن أبي طالب عليه السلام: وعرفوا ذلك منه فقالوا إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية على ابن أبي طالب بعده فقال لهم سالم عليكم عهد الله وميثاقه ان في هذا الأمر كنتم تخوضون وتناجون؟ قالوا أجل علينا عهد الله وميثاقه إنما كنا في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه قال سالم وانا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا أخالفكم عليه انه والله ما طلعت شمس على أهل بيت أبغض إلى من بنى هاشم ولا في بنى هاشم أبغض إلى ولا أمقت من علي بن أبي طالب فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم فإني واحد منكم فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا.
فلما أراد رسول الله المسير أتوه فقال لهم فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى فقالوا يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وآله مليا ثم قال لهم أنتم أعلم أم الله (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) ثم سار صلى الله عليه وآله حتى دخل المدينة وأجتمع القوم جميعا وكتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاقدوا عليه في هذا الأمر وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب " عليه السلام " وان الأمر لأبي بكر وعمر وأبى عبيدة وسالم معهم ليس بخارج منهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا أصحاب العقبة وعشرون رجلا أخر واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح وجعلوه أمينهم عليها قال فقال الفتى يا أبا عبد الله يرحمك الله هبنا ان نقول هؤلاء القوم رضوا أبا بكر وعمر وأبا عبيدة لأنهم من مشيخة قريش ومن المهاجرين الأولين فما بالهم رضوا بسالم وليس هو من قريش ولا من المهاجرين والأنصار وانما هو لا مرؤ من الأنصار قال حذيفة ان القوم أجمع تعاقدوا على إزالة هذا الأمر عن علي بن أبي طالب حسدا منهم له وكراهة لأمرته وأجتمع لهم مع ذلك ما كان في قلوب قريش عليه في سفك الدماء وكان خاصة رسول الله وكانوا يطلبون الثأر الذي أوقعه رسول الله بهم عند على من بنى هاشم فإنما العقد على إزالة الأمر عن علي ابن أبي طالب " عليه السلام " هؤلاء الأربعة عشر وكانوا يرون ان سالم رجل منهم فقال الفتى فخبرني يرحمك الله عما كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه فقال حذيفة حدثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة أبى بكر ان القوم اجتمعوا في منزل أبى بكر فتآمروا في ذلك وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يديرونه في ذلك حتى أجتمع رأيهم على ذلك فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب لهم الصحيفة باتفاق منهم وكانت نسخة الصحيفة بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملا من أصحاب محمد رسول الله من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله تعالى في كتابه على لسان نبيه اتفقوا جميعا بعد أن اجتهدوا في آرائهم وتشاوروا في أمورهم وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيام وباقي الدهور وليقتدى بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين اما بعد فان الله بمنه وكرمه بعث محمدا رسولا إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده فأدى من ذلك وبلغ ما امره الله به وأوجب علينا القيام بجميعه حتى إذا أكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السنن اختار الله له ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا من غير أن يستخلف أحدا من بعده وجعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم ما وثقوا برأيه ونصحه وان للمسلمين في رسول الله أسوة حسنة قال الله تعالى (ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ان رسول الله لم يستخلف أحدا لئلا يجرى ذلك في بيت واحد فيكون إرثا دون سائر المسلمين ولئلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ولئلا يقول المستخلف ان هذا الامر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة والذي يجب على المسلمين عند مضى خليفة من الخلفاء ان يجتمع ذووا الرأي والصلاح منهم فيتشاوروا في أمورهم فمن رأوه مستحقا له ولوه أمورهم وجعلوه القيم عليهم فإنه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة فان ادعى مدع من الناس جميعا ان رسول الله أستخلف رجلا بعينه نصبه للناس ونص عليه باسمه ونسبه فقد أبطل في قوله وأتى بخلاف ما تعرفه أصحاب رسول الله وخالف جماعة المسلمين ان ادعى مدع ان خلافة رسول الله ارث وان رسول الله صلى الله عليه وآله يورث فقد أحال في قوله لأن رسول الله قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وان أدعى مدع ان الخلافة لا تصلح إلا لرجل واحد من بين الناس جميعا وانها مقصورة فيه لا ينبغي لغيره لأنها تتلوا النبوة فقد كذب لان النبي قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وإذا أدعى مدع أنه يستحق الخلافة والإمامة بقربه من رسول الله ثم هي مقصورة عليه وعلى عقبه يرثها الولد منهم عن والده ثم هي كذلك في كل عصر وزمان لا تصلح لغيرهم ولا ينبغي ان تكون لأحد سواهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فليس له ولا لولده وان دنا من النبي نسبه لأن الله يقول وقوله القاضي على كل أحد ان أكرمكم عند الله أتقاكم وقال رسول الله ان ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وكلهم يد واحده على من سواهم فمن آمن بكتاب الله وأقر بسنة رسول الله فقد استقام وأناب واخذ بالصواب ومن كره ذلك من فعلهم فقد خالف الحق والكتاب وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه فان قتله صلاح الأمة وقد قال رسول الله من جاء إلى أمتي وهم جميع ففرق بينهم فاقتلوه واقتلوا الفرد كائنا ما كان فان الاجتماع رحمة والفرقة عذاب ولا يجتمع أمتي على ضلال ابدا وان المسلمين يد واحدة على من سواهم فإنه لا يخرج من جماعة إلا مفارق معاند لهم مظاهر عليهم أعداءهم فقد أباح الله ورسوله دمه وأحل قتله. وكتبها سعيد بن العاص باتفاق ممن أثبت أسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشر من الهجرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا النبي وآله. ثم دفعت الصحيفة إلى أبى عبيده بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم نزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أن ولى الامر عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين " ع " عليه لما توفى عمر فوقف عليه وهو مسجى بثوبه فقال ما أحب ان ألقى الله الا بصحيفة هذا المسجى ثم انصرفوا وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس صلاة الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله عز وجل حتى طلعت الشمس فالتفت إلى أبى عبيدة بن الجراح فقال بخ بخ من مثلك لقد أصبحت أمين هذه الأمة ثم تلا (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيدهم وويل لهم مما يكسبون) لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمة يستخفون من الناس ولا يستحقون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ثم قال صلى الله عليه وآله لقد أصبح في هذه الأمة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا وعلقوها في الكعبة وان الله تعالى يعذبهم عذابا ليبتليهم ويبتلي من يأتي من بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيب ولولا أنه تعالى أمرني بالإعراض عنهم للأمر الذي هو بالغه لقدمتهم فضربت أعناقهم قال حذيفة فو الله لقد رأينا هؤلاء النفر عند ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله هذه المقالة ولقد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد من نفسه شيئا ولم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله ذلك اليوم ان رسول الله إياهم عنى بقول ولهم ضرب تلك الأمثال بما تلا من القرآن قال ولما قدم رسول الله من سفره ذلك نزل منزل أم سلمة زوجته فأقام بها شهرا لا ينزل منزلا سواه من منازل أزواجه كما كان يفعل قبل ذلك قال فشكت عائشة وحفصة ذلك إلى أبويهما فقالا لهما انا لا نعلم لم صنع ذلك ولأي شيء هو أمضيا إليه فلاطفاه في الكلام وخادعاه عن نفسه فإنكما تجد أنه حييا كريما فلعلكما تسلان ما في قلبه وتستخرجان سخيمته قال فمضت عائشة وحدها إليه فأصابته في منزل أم سلمة وعنده علي بن أبي طالب " عليه السلام " فقال لها النبي ما جاء بك يا حميراء قالت يا رسول الله أنكرت نخلفك عن منزلك هذه المدة وانا أعوذ بالله من سخطك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله لو كان الامر كما تقولين لما أظهرت سرا أوصيتك بكتمانه لقد هلكت وأهلكت أمة من الناس قال ثم أمر خادمة أم سلمة فقال اجمعي لي هؤلاء يعنى نساءه فجمعتهن له في منزل أم سلمة فقال لهن أسمعن ما أقول لكن وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب " عليه السلام " فقال لهن هذا أخي ووصى ووارثي والقائم فيكن وفى الأمة من بعدي فاطعنه فيما يأمركن ولا تعصينه فتهلكن بمعصيته ثم قال يا علي أوصيك بهن فامسكهن ما أطعن الله وأطعنك وأنفق عليهن من مالك وأمرهن بأمرك وانههن عما يريبك وخل سبيلهن ان عصينك فقال على " عليه السلام " يا رسول الله إنهن نساء وفيهن الوهن وضعف الرأي فقال ارفق بهن ما كان الرفق بهن أمثل فمن عصاك منهن فطلقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها قال وكان نساء النبي قد صمتن فلم يقلن شيئا وتكلمت عائشة فقالت يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بالشيء فنخالفه إلى ما سواه فقال لها بلى يا حميراء قد خالفت أمري أشد الخلاف وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصينه بعدي ولتخرجن من البيت الذي أخلفك فيه متبرجة قد حف بك فئام من الناس فتخالفيه ظالمة عاصية لربك ولينبحنك في طريقك كلاب الحوأب ألا ان ذلك كائن ثم قال قمن فانصرفن إلى منازلكن فقمن وانصرفن قال ثم إن رسول الله جمع أولئك النفر ومن مالاهم على علي " عليه السلام " وطابقهم على عداوته ومن كان من الطلقاء والمنافقين وكانوا زها. أربعة آلاف رجل فجعلهم تحت يد أسامة بن زيد مولاه وأمره عليهم وأمرهم بالخروج إلى ناحية من الشام فقالوا يا رسول الله انا قدمنا من سفرنا الذي كنا فيه معك ونحن نسألك ان تأذن لنا في المقام لنصلح من شأننا يصلحنا في سفرنا قال فأمرهم ان يكونوا في المدينة ربث اصلاح ما يحتاجون إليه وامر أسامة بن زيد فعسكر بهم على أميال من المدينة فأقام بهم بمكانه الذي حده له رسول الله صلى الله عليه وآله منتظرا القوم ان يوافوه إذا فرغوا من أمورهم وقضاء حوائجهم وإنما أراد رسول الله بما صنع من ذلك أن تخلوا المدينة منهم ولا يبقى بها أحد من المنافقين قال فهم على ذلك من شأنهم ورسول الله يحثهم ويأمرهم بالخروج والتعجيل إلى الوجه الذي نديهم إليه إذ مرض رسول الله مرضه الذي توفى فيه فلما رأوا ذلك تباطؤا عما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله من الخروج فامر قيس بن عبادة وكان سياف رسول الله والحباب بن المنذر في جماعة من الأنصار ان يرحلوا بهم إلى عسكرهم فأخرجهم قيس بن سعد والحباب بن المنذر حتى ألقاهم بعسكرهم وقالا لأسامة ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرخص لك في التخلف فسر من وقتك هذا ليعلم رسول الله ذلك فارتحل بهم أسامة وأنصرف قيس والحباب بن المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبراه برحلة القوم فقال صلى الله عليه وآله لهما ان القوم غير سائرين من مكانهم قال وخلا أبو بكر وعمرو أبو عبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه فقالوا إلى أين تنطلق وتخلى المدينة أحوج ما كنا إليها والى المقام بها فقال لهم وما ذلك قالوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد نزل به الموت والله لئن خلينا المدينة ليحدثن بها أمور لا يمكن اصلاحها فننظر ما يكون من أمر رسول الله ثم المسير بين أيدينا قال فرجع القوم إلى المعسكر الأول فأقاموا به وبعثوا رسولا يتعرف لهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى الرسول عائشة فسألها عن ذلك سرا فقالت أمض إلى أبى بكر وعمر ومن معهما فقل لهما ان رسول الله قد ثقل فلا يبرحن أحد منكم وانا أعلمكم بالخبر وقتا بعد وقت واشتدت علة رسول الله فدعت عائشة صهيبا فقالت أمض إلى أبى بكر وأعلمه ان محمدا في حال لا يرجى فهلم إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم ان يدخل معكم وليكن دخولكم المدينة في الليل قال فأتاهم الخبر فاخذوا بيد صهيب فأدخلوه على أسامة بن زيد فأخبره الخبر وقالوا له كيف ينبغي لنا ان نتخلف عن مشاهدة رسول الله صلى الله عليه وآله واستأذنوه في الدخول فأذن لهم في الدخول وأمرهم ان لا يعلم بدخولهم أحد فان عوفي رسول الله صلى الله عليه وآله رجعتم إلى عسكركم وان حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل فأفاق بعض الإفاقة فقال صلى الله عليه وآله لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم فقيل له وما هو يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر مخالفون لأمري ألا انى إلى الله منهم برئ ويحكم نفذوا جيش أسامة فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة قال وكان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذنه بالصلاة في كل وقت صلاة فان قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس وان هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب عليه السلام يصلى بالناس وكان علي بن أبي طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله من ليلته التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة اذن بلال ثم اتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل فمنع من الدخول عليه فأمرت عائشة صيهبا ان يمضى إلى أبيها فيعلمه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلى ابن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس فإنها حيلة تهنيك وحجة لك بعد اليوم قال فلم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وآله أو عليا يصلى بهم كعادته التي عرفوها في مرضه إذ دخل أبو بكر المسجد وقال إن رسول الله قد ثقل وقد امرني ان أصلى بالناس فقال له رجل من أصحاب رسول الله وأنى لك ذلك وأنت في جيش أسامة ولا والله ما أعلم أحدا بعث إليك ولا أمرك بالصلاة ثم نادى الناس بلالا فقال على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقا شديدا فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ما هذا الدق العنيف فانظروا ما هو قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال فقال ما وراءك فقال إن أبا بكر دخل المسجد وتقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم أن رسول الله أمره بذلك فقال أو ليس أبو بكر مع أسامة في الجيش هذا والله هو الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسول الله بذلك ودخل الفضل وادخل بلال معه فقال صلى الله عليه وآله ما وراءك يا بلال فأخبر رسول الله الخبر فقال صلى الله عليه وآله أقيموني أقيموني أخرجوني إلى المسجد والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين على " عليه السلام " والفضل بن العباس ورجلاه تجران في الأرض حتى دخل المسجد وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا معه وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال فلما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك وتقدم رسول الله فجذب أبا بكر من ورائه فنحاه عن المحراب وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ثم التفت فلم ير أبا بكر فقال أيها الناس الا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يد أسامة وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة ألا وان الله قد أركسهم فيها عرجوا بي إلى المنبر فقام وهو مربوط حتى قعد على أدبي مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس انني قد جاءني من أمر ربى ما الناس صائرون إليه وإن قد تركتكم على المحجة الواضحة ليلها كنهارها فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل أيها الناس لأحل لكم إلا ما أحله القرآن ولا أحرم عليكم إلا ما حرمه القرآن وإني مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ولن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي هما الخليفتان وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فأسألكم ماذا خلفتموني فيهما وليذادن يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل فيقول انا فلان وانا فلان فنقول اما الأسماء ففد عرفت ولكنكم ارتددتم من بعدي فسحقا لكم سحقا ثم نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته ولم يظهر أبو بكر وأصحابه حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من أمر الأنصار وسعيد في السقيفة ما كان فمنعوا أهل بيت نبيهم حقوقهم التي جعلها الله عز وجل واما كتاب الله فمزقوه كل ممزق وفيما أخبرتك يا أخا الأنصار من خطب معتبر لمن أحب الله هدايته فقال الفتى صم لي القوم الآخرين الذين حضروا الصحيفة فقال حذيفة هم أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية بن خلف وسعيد بن العاص وعياش بن أبي ربيعة وبشر بن سعيد وسهيل بن عمر وحكيم بن حزام وصهيب بن سنان وأبو الأعور السلمي ومطيع بن الأسود المدوي وجماعة من هؤلاء ممن سقط عنى إحصاء عددهم فقال الفتى يا أبا عبد الله ما هؤلاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أنقلب الناس أجمعون بسببهم فقال حذيفة إن في هؤلاء رؤوس القبائل وأشرافها وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه خلق عظيم يسمعون له ويطيعونه واشربوا في قلوبهم من أبى بكر كما اشرب في قلوب بني إسرائيل من حب العجل والسامري حتى تركوا هارون واستضعفوه قال الفتى فإني أقسم بالله حقا حقا إني لا أزال لهم مبغضا وإلى الله منهم ومن أفعالهم متبرئا ولازلت لأمير المؤمنين " عليه السلام " مواليا ولأعدائه معاديا ولألحقن به وإني لأؤمل ان ارزق الشهادة معه وشيكا إن شاء الله ثم ودع حذيفة وقال هذا وجهي إلى أمير المؤمنين " عليه السلام " فخرج إلى المدينة واستقبله أمير المؤمنين وقد شخص من المدينة يريد العراق فصار معه إلى البصرة فلما التقى أمير المؤمنين " عليه السلام " مع أصحاب الجمل كان ذلك الفتى أول من قتل من أصحاب أمير المؤمنين وذلك لما صف القوم واجتمعوا على الحرب أحب أمير المؤمنين " عليه السلام " ان يستظهر عليهم بدعائهم إلى القرآن وحكمه فدعا بمصحف وقال من يأخذ هذا المصحف يعرضه عليهم ويدعوهم إلى ما فيه فيحيى ما أحياه ويميت ما أماته قال وقد شرعت الرماح بين العسكرين حتى لو أراد أمرؤ ان يمشى عليها لمشى قال فقام الفتى فقال يا أمير المؤمنين انا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه قال فاعرض عنه أمير المؤمنين ثم نادى الثانية من يأخذ هذا المصحف فيعرضه عليهم ويدعوهم إلى ما فيه فلم يقم إليه أحد فقام الفتى فقال يا أمير المؤمنين أنا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه قال فاعرض عنه أمير المؤمنين " عليه السلام " ثم نادى الثالثة فلم يقم إليه أحد من الناس إلا الفتى فقال انا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه فقال أمير المؤمنين انك أن فعلت فأنت مقتول فقال والله يا أمير المؤمنين ما شيء أحب إلى من أن ارزق الشهادة بين يديك وان اقتل في طاعتك فأعطاه أمير المؤمنين " عليه السلام " المصحف فتوجه به نحو عسكرهم فنظر إليه أمير المؤمنين " عليه السلام " وقال إن الفتى ممن حشا الله قلبه نورا وإيمانا وهو مقتول ولقد أشفقت عليه ولن يفلح القوم بعد قتلهم إياه فمضى الفتى بالمصحف حتى وقف بإزاء عسكر عائشة وطلحة والزبير حينئذ عن يمين الهودج وشماله وكان له صوت فنادى بأعلى صوته معاشر الناس هذا كتاب الله وان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام " يدعوكم إلى كتاب الله والحكم بما انزل الله فيه فأنيبوا إلى طاعة الله والعمل بكتابه قال وكانت عائشة وطلحة والزبير يسمعون قوله فأمسكوا فلما رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى والمصحف في يمينه فقطعوا يده اليمنى فتناول المصحف بيده اليسرى وناداهم بأعلى صوته مثل ندائه أول مرة فبادروا إليه فقطعوا يده اليسرى فتناول المصحف واحتضنه ودماؤه تجرى عليه فناداهم مثل ذلك فشدوا عليه فقتلوه ووقع ميتا فقطعوه إربا إربا ولقد رأينا شحم بطنه اصفر، قال وأمير المؤمنين واقف يراهم فاقبل على أصحابه وقال إني والله ما كنت في شك ولا لبس من ضلالة القوم وباطلهم ولكن أحببت ان يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال صالحين معه ووثوبهم بهذا الفتى وهو يدعوهم إلى كتاب الله والحكم والعمل بموجبه فثاروا عليه فقتلوه لا يرتاب بقتلهم إياه مسلم ووقعت الحرب واشتدت فقال أمير المؤمنين " عليه السلام " احملوا عليهم بسم الله حم لا ينصرون وحمل عليه السلام هو بنفسه والحسنان " عليه السلام " وأصحاب رسول الله معه فغاص في القوم بنفسه فو الله ما كانت ألا ساعة من نهار حتى رأينا القوم شلايا يمينا وشمالا صرعى تحت سنابك الخيل ورجع أمير المؤمنين مؤيدا منصورا فتح الله عليه ومنحه أكتافهم فامر بذلك الفتى وجميع من قتل معه فلفوا في ثيابهم بدمائهم لم تنزع عنهم ثيابهم وصلى عليهم ودفنهم وأمرهم ان لا يجهزوا على جريح ولا يتبعوا لهم مدبرا وامر بما حوى العسكر فجمع له فقسمه بين أصحابه وامر محمدا ابن أبي بكر ان يدخل أخته إلى البصرة فتقيم بها أياما ثم يرحلها إلى منزلها بالمدينة.
قال عبد الله بن مسلمة كنت ممن شهد حرب الجمل فلما وضعت الحرب أوزارها رأيت أم ذلك الفتى واقفة عليه فجعلت تبكي وتقبله ثم أنشأت تقول:
يا رب ان مسلما أتاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم
يأمرهم بالأمر من مولاهم * فخضبوا من دمه قناهم
وأمهم قائمة تراهم * تأمرهم بالبغي لا تنهاهم.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|