أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2022
1565
التاريخ: 26-09-2014
5502
التاريخ: 22-12-2015
4995
التاريخ: 2-10-2014
4853
|
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [فاطر : 15]
إنّ (للفقر) هنا معانٍ واسعة وتشمل كلّ احتياج لأي شيء في الوجود ، فانّنا ومن أجل مواصلة حياتنا الماديّة بحاجة إلى ضوء الشمس ، والماء ، والهواء ، وأنواع من الغذاء والملبس والمسكن.
ومن أجل بقاء الحياة في أجسامنا نحن بحاجة إلى الأجهزة الداخلية من قلب وعروق وجهاز للتنفّس والمخ والأعصاب.
ونحتاج في الحياة المعنوية - من أجل أن نميّز الطريق السليم عن غيره ونعرف الحقّ من الباطل- إلى قوّة عاقلة ، وأرقى من ذلك نحن بحاجة إلى القادة الإلهيين والكتب السماوية.
وبما أنّ منشأ كل هذه الامور يعود كله إلى اللَّه لذا فانّنا بحاجة إليه في وجودنا كلّه.
إنّ الشهيق والزفير في عملية التنفس يحدثان بتعاضد الآلاف من العوامل وبدونها لا يحدثان ، وكلّ هذه العوامل هي هبات إلهيّة ، ففي كلّ نفس هناك آلاف النعم ، وينبغي الشكر على كلّ نعمة.
هذه الآية وإن كانت تقصد كلام الذين يستغربون من إصرار النبي صلى الله عليه و آله على عبادة اللَّه تعالى كما يذهب إلى ذلك بعض المفسّرين «1» ويقولون هل أنّ اللَّه بحاجة إلى عبادتنا؟
فيجيبهم القرآن : أنتم الفقراء إلى اللَّه وبعبادته تتكامل أرواحكم.
ولكن هذا الكلام لا يحدّد من سعة مفهوم الآية في جهاتها المختلفة ، لأنّ قضيّة استغناء اللَّه واحتياجنا هي الأساس في حلّ الكثير من المشكلات.
وعلى أيّة حال فإنّ الفقر نافذ إلى أعماق ذات البشر أجمع ، بل وكلّ الموجودات ، ولا تقتصر الحاجة إليه في الرزق ومستلزمات الحياة فقط ، بل إنّ وجودَها يحتاج إلى فيضه في كلّ لحظة وآن (فلو تَوقَف لحظة تهدّمت الهياكل).
أجل ، إنّ الغني في عالم الوجود هو الذات المقدّسة ، ولمّا كان البشر- وهم تحفة عالم الخلق- بحاجة إليه في كلّ وجودهم فإنّ حال سائر الموجودات واضحة ولا تحتاج إلى بيان ، ولذا فإنّ الآية تضيف في ذيلها : {وَاللَّهُ هُوَ الغَنىُّ الحَمِيدُ} وبملاحظة أنّ التعبير أعلاه يدلّ على الحصر- وفق القواعد الأدبية- فإنّ مفهومه ليس إلّا هذا ، وهو إنّ الغني المطلق هو الذات المقدّسة للَّه سبحانه ، ولو قسّمنا البشر إلى (فقير) و (غني) فإنّ هذا أمر نسبي غير حقيقي.
وبتعبير آخر ، إنّ الموجودات كلّها فقيرة ومحتاجة ، وإنّ ذات اللَّه المقدّسة تمثل الغنى والإستغناء ، وهذا هو أوّل الكلام وآخره.
على هذا الأساس فإنّ اللَّه سبحانه لا يحتاج إلى عبادتنا وطاعتنا أبداً ، كما لا يحتاج إلى مدح وثناء ، بل إنّ طاعتنا وعبادتنا لهُ ومدحنا وثناءنا عليه هي جزء من احتياجنا إليه وسبب لتكاملنا المعنوي والروحي ، حيث إنّنا كلّما اقتربنا من منبع النور فإنّا نزداد نوراً ، وكلما اقتربنا من المصدر الفيّاض ذاك فإنّا نستفيد أكثر ، وبتمثيل ناقص إنّنا كالنباتات والأشجار التي تستقبل نور الشمس دون أن تحتاج إليها الشمس.
إنّ فهم هذه الحقيقة يقدّم للبشر درساً في التوحيد حتّى لا يخضعوا إلّا إلى اللَّه ولا يُطأطئوا رؤوسهم ويستسلموا لغيره وأن يمدّوا يد الحاجة إليه لأنّهُ (غني وكريم ورحيم وودود).
إنّ الإنتباه إلى هذه الحقيقة له الأثر البالغ في تربية الإنسان ، فمن جهة يخرجه من حالة الغرور وعبادة هوى النفس ، ومن جهة اخرى يحرّره من جميع القيود ويجعله غنيّاً عن سواه ، وبهذه الرؤية والفهم سوف لا يضيع في عالم الماديات ، ويتوجّه دائماً إلى مسبّب الأسباب.
وهنا لابدّ من الإلتفات إلى أمرين :
الأوّل : أنّ اللَّه هنا (في الآية) قد وُصف ب (الحميد) بعد وصفه ب (الغني) ، وكما أشرنا أنّ هذا التعبير قد تكرّر في عشر آيات ممّا يدلّ على وجود نقطة مهمّة فيه- هي كما يحتمل- :
إنّ الكثير من الأغنياء يتّصفون بصفات ذميمة نظير الكبر والغرور والحرص والبخل ، حتّى لو كان لدى أحد إخوانهم نعجة واحدة ولديهم 99 نعجة فانّهم سيصرّون على أن يسلبوه نعجته ، إلى حدّ يتبادر في ذهن الكثير بأنّ لفظ (الغني) تعني الظلم والكبر والبخل ، في حين أنّ اللَّه سبحانه في عين كونه غني فهو رحيم وعفو وغفور ، ولذا هو أهل لكلّ مدح وثناء.
أجل ، إنّ (الغني) الوحيد المُبرَّأ من كلّ عيب ونقص وذو الفضل واللطف والرحمة هي الذات المقدّسة.
الثاني : أنَّ المخاطبين في الآية هم البشر فقط : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} فلماذا لم تذكر الموجودات الاخرى في حين أنّها فقيرة إلى اللَّه أيضاً؟
قال الكثير من المفسّرين إنَّ ذلك ناشي من سعة حاجة الإنسان ، فكلّما كان الموجود أكمل فانّه أكثر احتياجاً في مسيرته ويزداد شعوراً بالحاجة كما هو الحال في الإحتياج المادّي ، فالطير يقنع بشيء من الماء والحبّ والعشّ البسيط في حين لا يقتنع الإنسان بألوان الطعام واللباس والبيوت والقصور! «2».
________________________
(1) تفسير الكبير؛ وتفسير روح المعاني في ذيل آية مورد البحث.
(2) انتبه بعض المفسّرين إلى هذه النقطة أيضاً وهي أنّ ذكر (الفقراء) بصورة معرفة (مع أنّ الخبر يكون نكرة عادةً فلو كان معرفة لما احتاج المخاطب إلى الخبر) هو للتنبيه والتذكير ، أي أنّ المخاطب نفسه يعلم بأنّه فقير إلى اللَّه وهذا تذكير ليس إلّا ، وقد جاء في علم البلاغة أيضاً أنّ المخاطب العالم الذي لا يعمل بعلمه يعتبر جاهلًا وينذر عن طريق الأخبار (تأمّل جيّداً).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|