أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-12-2015
4784
التاريخ: 9-11-2014
4975
التاريخ: 2024-06-12
628
التاريخ: 11-1-2023
1196
|
إنّ الصفات الخمس المذكورة أعلاه من صفات الفعل أيضاً، وهي مجموعة من الصفات المبينة لأنواع النّعَم والمواهب الإلهيّة، وحماية ودفاع الباري تعالى عن عباده، لهذا يُلاحظ وجود ترابُط وثيق فيما بينها، ولهذا السبب أوردناها هنا في مجموعة واحدة.
لنعود إلى القرآن الكريم ونمعن خاشعين في الآيات التالية :
1- {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}. (1) (الشورى/ 23)
2- {فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}. (2) (البقرة/ 158)
3- {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ}. (3) (الأنعام/ 51)
4- {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيْلٌ}. (4) (الأنعام/ 102)
5- {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}. (5) (الزمر/ 36)
إنّ كلمتي (شاكر) و (شكور) مشتقتان من مادّة (شُكر) وهي تعني- كما جاءَ في (فروق اللغة)- الإعتراف بالنعمة من باب تعظيم المنعم، وقال صاحب (مصباح اللغة) : الشكر هو الإعتراف بالنعمة واداء الطاعة وترك المعصية، لهذا فقد يحصل أحياناً باللسان وأحياناً اخرى بالعمل. وقال الراغب في مفرداته : إنَّ معناه الأصلي هو «تصوّر النعمة وإظهارها»، ويقابله (الكفر) و (الكفران) : وهو نسيان النعمة وسَترُها، ويُطلق تعبير (الشكور) على الحيوان الذي يُطهِرُ آثار عناية واهتمام صاحبه من خلال السمنة، ثم قسّم الشكر إلى ثلاثة أقسام : الشكر القلبي، الشكر اللساني، والشكر العملي.
ولهذه الكلمة عدّة معان في حالة استعمالها في ما يخص الباري تعالى، منها :
إنّه يتقبّل القليل من الطاعة ويعطي الكثير من الثواب، أو الذي يُعطي جزيل النعم ويرضى بما قلَ من الشّكْر. وهو في الحقيقة يعني المجازاة والمكافأة على العمل، ولكن ليس بمقدار العمل بل بمقدار لطف الخالق تعالى.
واعتقد البعضُ كالمرحوم الكفعمي في «المصباح» والمرحوم الصدوق في «التوحيد» بأنّ كلمة (الشُّكر) عندما تُستعمل بخصوص الباري تعالى تكون ذات صفةٍ مجازيّة.
ولكن لو قلنا بأنّ معناها اللغوي هو ما ورد في كتاب (العين) أي (معرفة الإحسان)، لصدق استعمالها الحقيقي بالنسبة إلى الباري تعالى.
إنّ الوحي الإلهي الذي بين لنا هذه الصفة الإلهيّة يدعونا من جهة إلى معرفة الحق تعالى الذي هو من العظمة بحيث يكافىء بالثواب الجزيل على أقل الأعمال الحسنة، فيتشكر بهذه الطريقة من عباده، ومعرفة هذه الحقيقة من قبل العباد يُعد حافزاً مهماً باتجاه عمل البر و الخير، ومن جهة أُخرى تعلمنا كيفية رد جميل وإحسان الآخرين، وأن لا يقتصر الرد على مقابلة ما قدّمه الآخرون لنا بالمثل، بل يتعدى رد الجميل إلى مضاعفة الاحسان والبر.
وقد ورد في الدعاء المأثور عن الإمام الصادق عليه السلام : «يا مَنْ يشكُرُ اليسيَر ويعفو عَنِ الكثيرِ وهُوَ الغفورُ الرحيم، إغفرْ ليَ الذنوبَ التي ذهبتْ لذّتُها وبقيتْ تَبعتُها» (6).
كما ورد عنه عليه السلام أنّه كُتبَ في التوراة : «اشكرْ على مَنْ أنعَمَ عليك، وأَنْعِمْ على مَنْ شَكَرَكْ» (7).
اشتقت كلمة (شفيع) من مادّة (شفع) على وزن نفع- التي هي في الأصل تعني ضم شيءٍ إلى آخر للحصول على نتيجة مطلوبة، وفي مقابلها (وَتر). ويقال للشاة التي يرافقها وليدها في التنقُّل : (شافع)، ويُستعمل مصطلح حق الشفعة بخصوص شريكين باع أحدهما حصته
لرجُلٍ ثالث، لكن شريكه يريد شراء الحصّة التي باعها للشخص الثالث بنفس المبلغ، ليضم حصّة شريكه إلى حصته بهذه الطريقة.
ويُطلق على العين الحولاء (شافعة) أيضاً، لأنّها ترى الواحد إثنين، وقد وردت هذه الكلمة بمعنى المعين والمساعد أيضاً (8).
واستُعملت كلمة (الشفاعة) في مورد «طلب العفو عن ذنب شخصٍ من قبل فردٍ ذي شخصيّة مرموقة»، وكأنّ الشخص المحترم- صاحب المقام- يقف إلى جوار المذنب ليتلطف صاحب الحق على المذنب ويرقّ له.
والشفاعة في القرآن ذات بحوث واسعة، وسنبحثها بصورة مفصّلة في سلسلة مباحث التفسير الموضوعي إن شاء اللَّه (9)، وما نبحثه هنا هو انتخاب هذه الصفة كواحدة من الصفات الإلهيّة.
وعلى أيّة حال فإنّ إطلاق كلمة (شفيع) على اللَّه سبحانه، وخاصة في يوم القيامة، يشتقّ من سلطته المطلقة، وعدم قدرة أي أحدٍ على فعل شيءٍ دون إذنه سبحانه، وحتى شفاعة الشفعاء كالأنبياء والأئمة والملائكة والمؤمنين المخلصين فانّها لا تُقبَل إلّا بإذنه : {مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}. (البقرة/ 255)
ولهذا السبب خاطب سبحانه رسوله الكريم في الآية : {قُل للَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلكُ السَّماوَاتِ وَالأَرضِ}. (الزمر/ 44)
ولأنّه سبحانه يُعطي إذن الشفاعة، فالشفيع الواقعي هو تعالى، وكأنهّ سبحانه يشفع عند ذاته المقدّسة لعبادِهِ المذنبين، وهذه أسمى مراتب العظمة.
وقال جماعة أيضاً : إنّ سبب إطلاق اسم شفع او (شفيع) على اللَّه سبحانه هو حضوره مع عباده في كل مكان، حيث قال : {مَا يَكُونُ مِن نَّجوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم} (10).
(المجادلة/ 7).
لكننا نستبعد هذا المعنى لأنّ كلمة الشفيع تُعطي في مفهومها نوعاً من المساعدة والحماية والتكامل والتربية.
وتجدر الإشارة إلى وجود نوعين من الشفاعة : «تكوينيّة وتشريعيّة»، فالشفاعة التشريعيّة هي ما عُرف من شفاعة شخصٍ وجيه عند صاحب حقٍّ لتخليص مذنبٍ من عقوبة معيّنة، وأمّا الشفاعة التكوينيّة فهي ربوبيّة اللَّه على الموجودات وسوقهم نحو التكامل وفق قوانين الخلق والتكوين.
وما توحي لنا هذه الصفة من بلاغٍ تربوي : هو الإنتباه إلى هذه الحقيقة، وهي عدم جواز القنوط من لطف اللَّه وعفوهِ ورحمته، لأنّه يشفع عند ذاته المقدّسة لعباده أيضاً، ويأمر الأنبياء والملائكة والأئمّة أيضاً ليشفعوا لمذنبي الأمم (طبعاً في المحل اللائق للشفاعة).
ومن المعلوم أنّ الإنتباه إلى هذه المسألة له أثر عميق في المنع من تكرار الذنب لكي يبقى الأمل في الشفاعة، وتبقى قابليته لنيلها محفوظة. هذا من جهة، ومن جهةٍ اخرى أنّها تعلّم العباد ليتأسّوا بذلك أيضاً ويشفعوا للنادمين والمحرومين والضعفاء.
وقد ورد في الحديث الشريف «إشفعوا تؤجروا» (11).
أمّا كلمة (وكيل) فهي مشتقّة من مادّة (وَكْل)- على وزن وصل- وهي في الأصل تعني الإعتماد على الآخرين، ولكون لازمَ هذا المعنى الضعف والعجز في بعض الجوانب فقد أُطلقت كلمة (وكل) على الضعفاء والعاجزين، ويُطْلق (وكال) على الدواب التي تسير دائماً في مؤخّرة القافلة أو القطيع، وكأنّها تعتمد في المسير على غيرها (12).
وطبقاً لذلك فإنّ «وكيل» من يعتمد عليه، ويلتجأ إليه الإنسان في حل مشاكله.
وعليه عندما تستعمل هذه الكلمة بخصوص الباري تعالى- كما قال المرحوم الصدوق في كتاب التوحيد : «فإنّها تعني حافظنا وحامينا ومعتمدنا وملجأنا، نحن وجميع موجودات عالم الوجود» (13).
قال المرحوم الكفعمي في المصباح : «بأنّها تعني من وُكِلَتْ إليه جميع أمورنا» (14). وما قاله البعض في تفسيرها بتكفُّل الرزق هو في الواقع تبيان مصداقٍ واحدٍ، وإلّا فهي ليست محدودة بالرزق فقط.
يقول الزبيدي في تاج العروس في شرح القاموس : (التوكُّل) هو إظهار العجز والإتّكاء على الغير، هذا من حيث اللغة، وأمّا عند أصحاب الحقيقة، فهو الأعتماد على ما عند اللَّه واليأس ممّا في أيدي النّاس، «المتوكّل على اللَّه» يُطلق على من يعتقد بأنّ اللَّه يكفيه رزقه وجميع أموره، يتكّل على اللَّه وحده لا على غيره (15).
يُستنتج من الآيات القرآنية بوضوح أن توكّل المؤمنين على اللَّه وحده من شؤون التوحيد، لأنّ كلّ شيءٍ وكلَّ أمرٍ يرجع إليه، كما ورد في قوله تعالى : {وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعْبُدهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ}. (هود/ 123)
وكذا في قوله تعالى : {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ}. (إبراهيم/ 12)
لِمَ لا نتوكّل عليه ونعتمد عليه في جميع أمورنا وهو العزيز الرحيم!؟ قال تعالى : {وَتَوَكَّل عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}. (الشعراء/ 217)
إنّ البلاغ الذي تعطينا إيّاه هذه الصفة الإلهيّة هو أنّها توصينا بعدم الضياع في عالم الماديّات وعدم الإنخداع بالقدرات الماديّة الظاهريّة، وعدم الاعتماد والإتّكال على المخلوقات الضعيفة العاجزة، بل التوكُّل فقط على الذات الإلهيّة المقدّسة، والإستعانة به سبحانه فقط والوثوق به والخضوع لحضرته جلّ وعلا فقط.
ومن جهةٍ اخرى علينا أن نسعى ونبذل ما في وسْعنا لنكون عوناً للآخرين من باب التخلّق بأخلاق اللَّه، ونحاول حل مشاكلهم تقرّباً إلى اللَّه تعالى.
وقد ورد في حديثٍ عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال : «التوكُّل على اللَّه نجاة من كُلّ سوء وحرزٌ من كُلّ عدو» (16).
أمّا كلمة (كافي) فهي مأخوذة من مادّة (كفاية) طبقاً لما جاء في مقاييس اللغة ولسان العرب- وهي تعني الإقدام على عملٍ معيّن والتمكُّن منه، ولكن الراغب يقول في مفرداته : (الكفاية) هي رفع حاجةٍ والوصول إلى المقصود، و (كُفية)- على وزن كنية- تعني الغذاء الكافي، و (كفيّ)- على وزن (خفيّ)- تعني المطر الذي يحلُّ مشكلة الجفاف (17).
وعندما تُستعمل هذه الكلمة بخصوص اللَّه سبحانه فإنّها تعني المدير لأمور عباده وحلّال مشاكلهم والمبلّغ- من يتوكّل عليه- مناه دون أن يكله إلى غيره.
وقد مرّ علينا في الدعاء : (يا كافي المهمّات) أو مثله (يَا كافي مِن كُلِّ شَىء).
إنّ مفهوم هذه الصفة الإلهيّة ذو جانبين، فمن جهة يزيل سُحُب اليأس والقنوط المظلمة عن سماء روح الإنسان، ويمنع من استسلام وركوع الإنسان لعظمة حجم المشاكل، لأنّه (أيّ الإنسان المؤمن) يعلم أنّ معبوده يُدعى بالكافي ويكفيه ما يهمّه من أموره ومشكلاته، قال تعالى : {أَلَيسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبدَهُ!؟}. (الزمر/ 36)
ومن جهة اخرى، ومن باب التخلُّق بأخلاق اللَّه، يلهمه الجدّ والاجتهاد في كفاية الضعفاء والمحرومين أمورهم مهما أمكنه، ويعكس شعاعاً من أنوار الصفات الإلهيّة في نفسه في هذا المجال.
___________________________
(1) وردت كلمة «شكور» في تسعة مواضع من القرآن، أربعة منها كصفة للباري (فاطر، 30 و 34؛ الشورى، 23؛ التغابن، 17).
(2) وردت كلمة «شاكر» في أربعة مواضع من القرآن، إثنان منها فقط كصفة للَّه سبحانه (البقرة، 158؛ النساء، 147).
(3) وردت كلمة «شفيع» في خمسة مواضع من القرآن، في ثلاثة منها فقط كصفة للباري سبحانه (الأنعام، 51 و 70؛ السجدة، 4).
(4) وردت كلمة «وكيل» في أربعة وعشرين موضعاً من القرآن، وفي بعض هذه المواضع فقط كصفة للباري مثل : (آل عمران، 173؛ هود، 12؛ يوسف، 66؛ القصص، 28؛ النساء، 81 و 109؛ و ...).
(5) وردت كلمة «كافي» في موضعٍ واحدٍ فقط من القرآن الكريم وهو المذكور أعلاه.
(6) اصول الكافي، ج 2، ص 589، باب الدعوات الموجزات، ح 28.
(7) سفينة البحار، ج 1، ص 711، مادة (شكر)؛ وأصول الكافي ج 2، ص 94، باب الشكر، ح 3.
(8) مصباح اللغة، مقاييس اللغة، لسان العرب، نهاية ابن الأثير، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، وكتاب العين.
(9) هنالك بحث مفصّل حول هذه المسألة في التفسير الأمثل، ذيل الآية 48 من سورة البقرة.
(10) مصباح الكفعمي، ص 344، قاموس اللغة مادّة (شفع).
(11) تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 84، ذيل الآية 85 من سورة النساء.
(12) مقاييس اللغة؛ مفردات الراغب؛ ولسان العرب.
(13) توحيد الصدوق، ص 215.
(14) مصباح الكفعمي، ص 326.
(15) تاج العروس، مادّة (وكل).
(16) بحار الأنوار، ج 75، ص 79، باب ما جُمع من جوامع الكلم، ح 56،.
(17) تاج العروس في شرح القاموس، مادّة (كفيّ).
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|