أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014
1451
التاريخ: 1-12-2014
1620
التاريخ: 8-10-2014
1313
التاريخ: 7-12-2015
2176
|
إنّ القضية التي يتفق عليها كل المؤرخين الكبار هي : أنّ العرب قبل بدء الرسول صلى الله عليه وآله بدعوته كانوا في أوضاع سيئة للغاية من ناحية سيطرة المعتقدات الخرافية ، والانحطاط الأخلاقي ، والاختلافات ، والحروب الداخلية المستعرة ، والظروف الاقتصادية السيئة ، ولا تتحرك في تلك البيئة نسمة من رياح العلم والمعرفة ، ولا يوجد حتى أثر من الحضارة الشكلية للبشر ، ولهذا السبب كانوا يعتبرونهم قوما نصف متوحشين ، ويطلقون على عصرهم اسم (العصر الجاهلي).
وللقرآن الكريم تعابير صريحة وواضحة عن ذلك العصر يمكنها رسم ملامح الأوضاع في ذلك الزمان بشكل جيد (حتى لو لم يصدّق أحد بأنَّ القرآن الكريم وحي إلهي ، ولكن لا يمكنه انكار حقيقة أن ذكر تلك الصفات لذلك العصر في القرآن هي دليل على واقعيته وحقيقته ، وإلّا يكون منكراً لكل الجوانب).
فيقول اللَّه تعالى في مكان : {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنيِنَ اذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولًا مِّنْ انْفُسِهِم يَتلُوا عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكّيِهِمْ وَيُعلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَانْ كَانُوا مِنْ قَبلُ لَفى ضَلَالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران/ 164) .
وعبارة (ضلال مبين) في هذه الآية وفي أواخر الآية الثانية من سورة الجمعة أيضاً ، هو إشارة معبرة عن الاوضاع في العصر الجاهلي الذي كانت الضلالة المبينة تسود أركانه ، وأي ضلالة أوضح وأبين من عبادتهم لأصنام من الحجر والخشب صنعوها بأيديهم ، والأسوأ من ذلك هو تلك الأوثان التي يعملونها من التمر ويعبدونها ، ثم يأكلونها أيّام القحط والجفاف.
أو يدفنون بناتهم بأيديهم وهن أحياء ، وهم يفخرون ويتباهون بعملهم هذا بدعوى أنّهم لا يدعون عرضهم وناموسهم يقع بأيدي الأجانب ، أو يقتلون أبناء خوفاً من الإملاق.
وجاء في قوله تعالى : {وَاذا بُشِّرَ احَدُهُم بالانثَى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِن القَومِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ايُمسِكُهُ عَلَى هُونٍ امْ يَدُسُّهُ فِىِ التُّرابِ* الَا سَآءَ مَا يَحكُمُونَ} (النحل/ 58- 59) .
وأي ضلال أوضح من سيطرة أنواع الخرافات والأوهام عليهم ، أو اعتبارهم الملائكة بنات اللَّه : {وَجَعَلُوا المَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحمَنِ انَاثاً}. (الزخرف/ 19)
وفي مكان آخر يقول : {وَيَجعَلُونَ لِلَّهِ البَنَاتِ سُبحَانَهُ}. (النحل/ 57)
وهناك آيات اخرى نظير ما أشرنا إليها.
أيّ ضلالٍ أوضح وأبين من أن تسيطر عليهم الحروب وسفك الدماء في كل أيّام السنة- باستثناء الأشهر الحرم- ، وتوارث الأحقاد القبلية من الآباء للأبناء واستمرارها لسنوات وسنوات ، كما يشير القرآن إلى ذلك بقوله : {وَاذكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم اذْ كُنْتُم اعدَاءً فَالَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَاصبَحْتُم بِنِعمَتِهِ اخوَاناً وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَانقَذَكُم مِّنهَا}. (آل عمران/ 103)
أيّ ضلالة أوضح من أن تكون حتى مراسم صلاتهم ودعائهم مضحكة ومقززة ، فحيناً تطوف النساء حول بيت اللَّه الحرام وهن عاريات تماماً ويحتسبن ذلك عبادة ، وحيناً آخر يقيمون صلاتهم مصحوبة بالتصفيق والصفير : {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُم عِنْدَ البَيتِ الَّا مُكَاءً وَتَصدِيَةً} (الانفال/ 35) .
لقد كانت الخرافات والأوهام تخيم على مجتمعهم ، بضروب شتى وكانت كل قبيلة تسعى إلى إبراز نفسها على أنّها أرفع من القبيلة الاخرى وربّما يؤدّي إلى ظهور الأحقاد والضغائن والحسد ، وأحياناً سفك الدماء بين القبائل إلى الحد الذي يدعهم- من أجل إثبات كثرة عددهم- إلى التوجه صوب القبور لعدّ قبور موتاهم والتفاخر بالعظام النخرة لأجدادهم وهي تحت التراب.
يقول القرآن الكريم : {الَهكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرتُمُ المَقَابِرَ}. (التكاثر/ 1- 2)
وما إلى ذلك من أوهام ومفاسد وكوارث اخرى من هذا القبيل.
إنّ الانحطاط في تلك البيئة والفقر المعنوي والمادي جَعل تلك المنطقة في قائمة أكثر مناطق العالم تخلُّفاً.
ينقل أحد المؤرخين الغربيين عن بعض المؤرخين المعروفين حول بيئة الحجاز في العصر الجاهلي قائلًا : عندما دخل (ديمتريوس) القائد اليوناني الكبير (البتراء)- إحدى مدن الحجاز القديمة- وهو في طريقه لاحتلال المنطقة العربية ، قال له العرب الساكنون هناك : (أيّها الملك ديمتريوس! لماذا تحاربنا؟ إنّنا نعيش في أرض حصباء تفتقر لأبسط متطلبات الحياة ، ومحرومة من كل النعم التي يتمتع بها أهالي المدن والقصبات ، لقد اخترنا السكن في هذه الصحراء القاحلة لأننا لا نريد أن نكون عبيداً لأحد ، ولهذا تقبّل منّا هذه التحف والهدايا التي نقدمها لك وأخرج جيوشك من هنا وعُدْ ...).
وانتهز (ديمتريوس) رسالة الصلح هذه وقبلَ الهدايا وغض النظر عن هكذا حرب تُخلِّف مشاكل كثيرة (1).
ومنطقة (الحجاز) لم تخضع لسيطرة الفاتحين القدامى على مدى التاريخ وقد حافظت على استقلالها ، والسبب كما يقول المحلّلون : هو عدم استحقاق مثل هذه المنطقة- الجرداء التي تفتقر لكل شيء- هذه الجهود والمشاكل ، وأيضاً افتقار منطقة الحجاز لحضارات البلدان القديمة مثل ايران وروما والتي تتواجد في الكثير من نقاط شبه الجزيرة العربية.
وبعد أن تعرفنا على حال الجزيرة العربية لابدّ لنا من النظر إلى حال الإنسان البسيط الذي عاش في محيطها مهما كانت قوة إرادته وقوة تفكيره (لاسيما إذا لم يكن قد تلقّى أي نوع من التعليم).
هل أنّ الذي تربى في محيط موبوء بالجهل والفساد يمكنه أن يكون مؤسسة للعلم والمعرفة والفضائل الأخلاقية؟
و هل سمعتم بأنّ علماء عظماء وفلاسفة نوابغ نهضوا من بين قبائل جاهلية نصف متوحشة؟
إذا نبتت ورود جميلة وحشائش طرية في ارض خصبة ومهيأة فلا عجب في ذلك ، بل العجب عندما تنبت وردة جميلة في ارض سبخة.
وعلى أية حال يمكن أن تكون هذه المسألة بمفردها غير كافية في إثبات أحقية الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ، ولكنها بدون شك تعتبر واحدة من القرائن التي متى ما ألحقناها بالقرائن الاخرى شكلت برهاناً قوياً ومبيناً.
نختم هذا الحديث بقول أمير المؤمنين علي عليه السلام- الذي أدرك العصرين ، عصر الإسلام والجاهلية- وهو يرسم لنا العصر الجاهلي : «أرسله على حين فترة من الرسل ، وطول هجعةٍ من الامم ، واعتزام من الفتن ، وانتشار من الامور ، وتلظ (تلظى) من الحروب ، والدنيا كاسفة النور ، ظاهرة الغرور ، على حين اصفرار من ورقها ، وإياس من ثمرها ، واغورار من مائها ، قد درست منار الهدى وظهرت اعلام الردى ، فهي متجهمة لأهلها ، عابسة في وجه طالبها ، ثمرها الفتنة ، وطعامها الجيفة ، وشعارها الخوف ودثارها السيف» (2).
وفي مكان آخر نقرأ له عليه السلام : «إنّ اللَّه بعث محمداً صلى اللَّه عليه وآله وسلم نذيراً للعالمين ، وأميناً على التنزيل ، وأنتم معشر العرب على شر دينٍ وفي شر دارٍ ، منيخون بين حجارة خُشنٍ وحياتٍ صُمٍ تشربون الكدر ، وتأكلون الجشب ، وتسفكون دماءكم ، وتقطعون أرحامكم ، الأصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة» (3).
وخلاصة القول هي : إنّ البحث في القرآن الكريم والروايات الإسلامية ومجموع التواريخ التي كتبت في الشرق والغرب حول العصر الجاهلي ، تدلل على أنّها متفقة جميعاً على أن البيئة التي ظهر فيها نبي الإسلام صلى الله عليه و آله هي من أحط البيئات وأكثرها تأخراً ، بيئة لا تنسجم أبداً مع ظهور هكذا دين وتعاليم متطورة في الأصعدة كافة.
_____________________
(1) تاريخ حضارة العرب والإسلام تأليف كوستاف لوبون.
(2) نهج البلاغة ، الخطبة 89.
(3) نهج البلاغة ، الخطبة 26.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
معهد الكفيل للنطق والتأهيل: أطلقنا برامج متنوعة لدعم الأطفال وتعزيز مهاراتهم التعليمية والاجتماعية
|
|
|