أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-23
769
التاريخ: 2024-08-10
448
التاريخ: 4-2-2016
3093
التاريخ: 2024-05-16
712
|
إنّ الخصائص الأخلاقية هي احدى أفضل الطرق إلى معرفة الدعاة الصادقين من الكاذبين ، فهذه الخصائص يمكن اعتمادها كقرائن وأدلة واضحة لنفي أو إثبات احقية الداعي ، وكلما شوهدت مظاهر الطهارة والتقوى ، والعظمة والتسامح والرأفة والمحبّة ، والزهد والتقشف ، والشجاعة والشهامة والماضي الاجتماعي الحسن في المدّعي ، فمن الصعوبة بمكان أن لا نعتبره صادقاً ، وبالعكس فاذا كان محبّاً للدنيا ، ومنكباً على المادة ، ومتعلقاً بالمال ، والمقام ، والجاه ، والقدرة المصحوبة بالتهور والكذب ، والحقد وحب الانتقام ، وما شابه ذلك من رذائل خلقية (لا سمح اللَّه) ، فلا يمكن اعتبار مدعي النبوة هذا صادقاً مطلقاً.
ولحسن الحظ فإنّ سوابق النبي الأكرم صلى الله عليه و آله قبل نبوته هي سوابق ساطعة ومضيئة حيث قضى أربعين عاماً بين ظهرانيهم والتاريخ الذي كتبته أيادي الأصدقاء والأعداء يعطي صورة ناطقة ومعبرة عن ذلك.
ففي كل التواريخ اعتبرت نزاهة النبي صلى الله عليه و آله وأمانته بأنّها مسألة متفق عليها وأن لقب (الأمين) سمعوه يطلق عليه من قبل الجميع.
والملفت للنظر هو أنّ الناس- بالرغم من مخالفتهم له- بعد بداية دعوته للإسلام بقوا يودعون أماناتهم عنده ، ولذا أمر صلى الله عليه و آله علياً عليه السلام أثناء الهجرة إلى المدينة المنورة- أي بعد مرور ثلاثة عشر عاماً من البعثة- بأنّ يبقى في مكة ليؤدّي عنه الأمانات إلى أهلها ، ثم يهاجر إلى المدينة.
إنّ حسن خلق النبي صلى الله عليه وآله وحسن معاشرته وسخائه وكرمه ، وخلاصة الصفات التي تليق بقائد إلهي عظيم يمكن مشاهدتها به صلى الله عليه و آله بوضوح خلال الوقائع المختلفة في حياته ، وخاصةً أثناء فتح مكة ، ومعركة احد ، وكذلك في تعامله مع أسرى الحرب ، والرقيق ، وطبقات المجتمع المحرومة ، إلى الحد الذي اعتبروا فيه هذه المسألة بأنّها نقطة ضعف عنده ، وأنّ دينه هو دين العبيد والمحرومين ، وابتعد عنه الأغنياء والأثرياء ، وعرضوا عليه طرد الحفاة والمستضعفين وإبعادهم مقابل تأييدهم له وتقربهم منه صلى الله عليه و آله ، وقد جاء هذا المعنى بإشارة واضحة في قوله تعالى :
{وَاصْبِر نَفسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ والعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِيَنةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ اغْفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (الكهف/ 28).
وهو الذي صفح عن (أبو سفيان) ألدّ اعدائه والمؤجج الخطير لنيران الحروب ضد الإسلام ، وجعل من بيته أثناء فتح مكة ملجأً ومأمناً لأهل مكة ، وأعلن العفو العام عن المكيّين الذين ارتكبوا جرائم كثيرة ضده وضد أتباعه ، وهذا الخُلق الحسن والتسامح واللُّطف والكرم صار السبب في جعلهم يلتفون حوله.
وفي (معركة احد) أيضاً عندما فرّ جماعة من حديثي الدخول في الإسلام من أرض المعركة وتركوه وحيداً بين الأعداء متحملا ضربات شديدة منهم ، عاد وأعلن العفو العام ، وصفح عن الجميع إلى درجة استوجبت نزول الآية المباركة : {فَبما رَحمةٍ مَن اللهِ لِنْتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظّاً غَليظَ القلبِ لَانْفَضُّوا مِن حَولك فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُم فِى الأَمْرِ}. (آل عمران/ 159)
فقد بيّنت هذه الآية لين قلب وباطن النبي صلى الله عليه و آله وصفاء سريرته وكذلك لهجته الرقيقة والمليئة بالعاطفة التي لم تأمره بالعفو عن أخطائهم فحسب ، بل أمرته أيضاً بطلب المغفرة لهم من اللَّه تعالى ، وأن يحترم شخصياتهم ويشاورهم.
لقد كان صلى الله عليه و آله رحيماً بالمؤمنين وغير المؤمنين بالقدر الذي يجعله يتألم بشدّة من عدم إيمان البعض ، وإلى حد يوشك فيه على الهلاك أسفاً عليهم.
ونقرأ في قوله تعالى ما يتضّمن معنى التسلية للنبي صلى الله عليه و آله : {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفسَكَ عَلَى آثَارِهِم انْ لَّمْ يُؤمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ اسَفَاً}. (الكهف/ 6)
وشبيه هذا المعنى جاء في قوله تعالى : {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ الَّا يَكُونُوا مُؤمِنينَ} (1).
(الشعراء/ 3)
وحقاً إذا لم يتصف القائد بهذه الصفات فلا يستطيع أن يجسّد المعنى الحقيقي والواقعي للقيادة ، وقد جاء في قوله تعالى : {لَقَدْ جَاءَكُم رَسُولٌ مِّن انفُسِكُم عَزِيزٌ عَليَهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. (التوبة/ 138)
ومن المسلَّم به أنّ البحث حول الملكات الخلقية للرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وخصائصه الأخلاقية أوسع وأشمل من أن يضمها حديث قصير ، وأنّ غايتنا فقط هي الإشارة العابرة لهذه المسألة باعتبارها إحدى القرائن.
__________________
(1) «باخع» من مادة «بَخْع» على وزن «نَقْع» تعنى الهلكة من شدة الغم والحزن ، وبتعبير آخر ، الموت غصة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|