تعفنات الخشب المتسببة عن الفطريات البازيدية

Wood Rots Caused by Basidiomycota

تعتبر الأخشاب من المواد العضوية الغنية بالطاقة كونها تتكون من مواد كاربوهيدراتية معقدة. لذلك فإن الأخشاب تكون هدفا لمهاجمة الأحياء الدقيقة الباحثة عن مصادر الطاقة في الطبيعة. لكن الأخشاب بسبب تركيبها الكيميائي المعقد تبقى عصية على التحليل المكروبي إلا من قبل أنواع قليلة تمتلك الإنزيمات المحللة والقدرة على تحمل المواد المضادة التي تحتويها. وهكذا تسبب الفطريات المحللة او المعفنة للأخشاب خسائر كبيرة في الأخشاب الخام والمصنعة على نطاق العالم. تقدر خسائر الأخشاب المتسببة عن التعفن بالفطريات بثلث كمية الأخشاب المنتجة سنويا في الولايات المتحدة وهي تزيد عن الخسائر المتسببة عن الحرائق والحشرات وغيرها (1999 Anonymous,). في الوقت نفسه تقدم هذه الفطريات الى جانب بعض أنواع البكتريا دورا بيئيا هاما للغاية في دورة الكاربون في الطبيعة ويستفاد من الإنزيمات المحللة التي تنتجها الفطريات في إبطال سمية بعض الملوثات وتحليل اللكنين في المخلفات الزراعية واستخدامها في صناعة الورق وغيرها (2005 Deacon,).

يواجه الفطر المحلل للأخشاب ثلاث صعوبات هي:

1. تعقيد المواد العضوية المكونة للخشب. حيث ان الخشب يحتوي على نسبة قليلة من المواد السكرية البسيطة السهلة الاستغلال من قبل معظم الأحياء الدقيقة بينما معظم مكوناته هي سكريات معقدة حيث يحتوي على السليلوز بنسبة 40 - 50 % من الوزن الجاف وهو بوليمر لجزيئات الكلوكوز مرتبطة بأواصر -1,4 ꞵ، وأشباه السليلوز بنسبة 25 - 40% وهو بوليمرات مختلطة من الكلوكوز والمانوز والزايلوز والأرابينوز وغيرها. واللكنين بنسبة 20 - 35% وهو بوليمر ثلاثي الأبعاد لثلاثة أنواع من وحدات فنايل بروبين وهو الذي يكسب الخشب مرونته. إن اللكنين هو أصعب المواد المكونة للخشب على التحليل وإن وجوده مختلطا مع المواد الأخرى يكسب تلك المواد ايضا مقاومة لعمل الإنزيمات المحللة. كما يحتوي الخشب على البكتين الذي يلصق الخلايا المتجاورة وهو ايضا بوليمر الحامض الكلكتورونيك، هذا علاوة على مواد بروتينية مختلفة.

2. قلة نسبة النتروجين والفسفور إن النتروجين وكذلك الفسفور عنصرين أساسيين الى جانب الكاربون في تغذية الأحياء الدقيقة. ولكي يحصل نموا طبيعيا يتوجب توفر هذه العناصر بنسب معينة وهذا غير متوفر في الخشب الذي لا تزيد فيه نسبة النتروجين عن 0.1 %

3. وجود المواد المضادة للفطريات. تحتوي الأخشاب خصوصا الخشب الصميمي غير الحي على التانينات في أخشاب الأشجار العريضة الأوراق ومواد فينولية مختلفة (تربينات وستلبينات وفلافينويدات وتروبولونات) في اشجار المخروطيات. وتعتبر التروبولونات Thujaplicins أكثر هذه المواد سمية حيث تعمل كمواد فاصلة للفسفرة عن الأكسدة في سلسلة التنفس النهائي. إن وجود مثل هذه المركبات وغيرها بنسب مختلفة هي التي تكسب أخشاب الأشجار المختلفة نوعيتها ودرجة مقاومتها لفطريات التعفن ( 1999 Deacon 2005 Anonymous).

شكل 1 : الفطريات البازيدية المعفنة للخشب الشائعة. الحامل البوغي (a)، مقطع في الحامل البوغي (b) ، سطح الطبقة الخصيبة (c)، الأبواغ البازيدية (d)

عن: (1999،Anonymous )

أنواع الفطريات المعفنة للأخشاب

يمكن تقسيم الفطريات المعفنة للأخشاب بطرق مختلفة:

1. حسب طريقة تحليل الخشب التي تعكس اختلافات إنزيمية وتشمل فطريات التعفن الأبيض والتعفن البني والتعفن الطري.

2. حسب طريقة التغذية ما إذا كانت تطفلية ( مهاجمة خشب الأشجار الحية ) أو رمية (مهاجمة الخشب الميت ).

3. على اساس الأولوية، ما إذا كانت مستعمرة أولية أو ثانوية، تهاجم خشب الأشجار القائمة أو الساقطة، محدودة العائل او واسعة المدى العوائلي.

ثمة أكثر من 1000 نوع من الفطريات التي يمكن ان تسبب ضررا للأخشاب معظمها تعود إلى الفطريات البازيدية المسببة للتعفن البني والتعفن الأبيض مع بعض أنواع الفطريات الكيسية مثل Daldinia و Hypoxylon و Xylaris (شكل 1).

في الأشجار الحية تقوم الفطريات المحللة للأخشاب بمهاجمة الخشب الصميمي الذي يكون في قلب الجذع او الجذور والأفرع. أما على الأشجار المقطوعة او الساقطة فتهاجم الفطريات الخشب الخارجي الذي يسمى بالخشب العصيري. بينما تهاجم فطريات التعفن الطري والبكتريا خلايا الأشعة اللبية في الخشب التي تحتوي على مواد سكرية بسيطة.

تقوم الفطريات المسببة للتعفن البني بالنمو داخل خلايا الخشب لأشجار المخروطيات مكونة إنزيمات محللة للسليلوز واشباه السليلوز تاركة معظم اللكنين دون تحليل. النتيجة تكون خشب متعفن مشوب باللون البني وفي مراحله المتقدمة يصبح الخشب خيطيا ذو جيوب او قد يتشقق بهيئة تكعيبية ويصبح سهل التفتت.

اما قطريات التعفن الأبيض فتنتج إنزيمات محللة للسليلوز واللكنين مختزلة الخشب الى لون فاتح إسفنجي القوام أو الى كتلة خيطية مع جيوب أو خطوط بيضاء مفصولة بمناطق رقيقة من الخشب القوي. إن هذه الفطريات تهاجم الخشب الصلب للأشجار النفضية الذي يقاوم عادة هجوم فطريات التعفن البني.

وتسبب بعض الفطريات الكيسية تعفنا ابيضا بطيئا مع خطوط سوداء داخل وحول الخشب المتعفن لخشب الأشجار القائمة الذي يترافق مع الجروح والتسوسات أو خشب الألواح كما تتسبب بعض التعفنات خصوصا على الخشب الذي يحتوي على نسبة عالية من الرطوبة عن بعض الفطريات المسببة للتعفن الطري من الفطريات الكيسية والناقصة مثل Alternaria و Bisporomyces و Diplodia و Paecilomyces والبكتريا والتي تحلل المواد السليلوزيه واللكنين. وعادة ينحصر تأثير هذه الأحياء على جيوب موضعية على الطبقات السطحية للأخشاب المعرضة للرطوبة (1999،Anonymous).

هناك الفطريات الصابغة للأخشاب التي تهاجم سطوح الخشب الحديثة القطع وتكسب الخشب لون أبواغها التي تكونها مثل فطريات Penicillium التي تكسبها الصبغة الخضراء او الصفراء وكذلك فطريات Aspergillus التي تصبغها باللون الأسود او الأخضر وفطريات Fusarium التي تكوّن صبغة حمراء وفطريات Rhizopus التي تكسبها لونا رماديا.

ومن الفطريات الصابغة للأخشاب تلك المعروفة بفطريات الصبغة العصيرية ( Sapstain ) أو الصبغة الزرقاء ( Blue-stain ) حيث تسبب تلون الخشب العصيري بتكوينها الخيوط فطرية ملونة تنمو أساسا في خلايا الأشعة اللبية البرنكيمية وغيرها وتسبب خطوطا ملونة. ومن بين هذه الفطريات Xylarias ,Ceratocystis و Graphium و Diplodia و Cladosporium . يمثل قلف الأشجار عدد من الطبقات المحتوية على خلايا فلينية غير منفذة وخلايا برنكيمية تمثل القشرة الثانوية وهي تحتوي على مواد مضادة للمسببات المرضية، وهكذا يمثل القلف دور الجلد الذي يحيط بالأنسجة الداخلية في الإنسان أو الحيوان (2003 Wong).

تطور المرض (Development of Disease)

تحصل إصابة الأخشاب من خلال الجروح او التشققات الرطبة في القلف حيث يصبح الخشب مكشوفا. تتسبب هذه المنافذ عن عمليات التقليم وكذلك الأضرار الميكانيكية المختلفة الناتجة عن استخدام الآلات، اضرار البرد او الحر الشديد آثار الحروق وضربات البرق، تشققات الانجماد أو الجفاف والتكسر الناتج عن تأثير الرياح وتضرر الجذور وتأثير الحشرات وغيرها تقوم البكتريا والفطريات غير المعفنة للأخشاب عند سقوطها على هذه المنافذ محمولة بواسطة قطرات المطر أو الحشرات والطيور او الهواء بالنمو على الخلايا حول الجرح مسببة زيادة الرطوبة والعناصر الغذائية في منطقة الجرح وهنا يسمى هذا بالخشب الرطب أو القلب الأحمر أو القلب الأسود. وعندما يكون مستوى الرطوبة اعلى من درجة تشبع ألياف الخشب تنشط الفطريات البازيدية المعفنة للأخشاب وتحدث الإصابة إذا توفرت ايضا درجات الحرارة المناسبة وغاب التأثير المضاد للأحياء الدقيقة الرمية. ينبت البوغ البازيدي مكونا انبوب إنبات يتطور الى خيط فطري يتفرع ويغزو ألياف واوعية الخشب ليكون غزلا فطريا. يحصل الفطر على المواد الغذائية من خلال التحليل الأنزيمي لجدران ومحتويات الخلايا. كما يمكن ان تحصل الإصابة بواسطة الغزل الفطري مباشرة إذا وصل منطقة الجرح المناسبة.

إذا كان الجرح صغيرا وحصل اثناء الربيع تحصل حلقة نمو جديدة فوق الجرح تعمل كمنطقة معيقة لنمو الفطريات المحللة. كما تكوّن الشجرة نسيج كالوس عند حواف الجرح فإذا تم ذلك بسرعة يمكن ان يلتئم الجرح ويغلق نهائيا بواسطة نسيج الكالوس. أما في الجروح الكبيرة خصوصا في الخشب الصلب فإن التعفن يستمر متقدما ببطيء نحو المركز والجوانب. وينشأ عمود من التعفن محاط بخلايا معيقة يمتد طوليا بحدود 25 سم في السنة. عموما تنحصر الفطريات البازيدية المعفنة للخشب في هذا العمود ولا تهاجم النموات الجديدة لكن الخشب فيه يتحلل كلية، بينما يستمر دخول الأحياء الدقيقة الثانوية الى منطقة الجرح. إن عملية التحليل والتلون يمكن ان تستغرق 50 الى 100 سنة وتكون أسرع وأكثر شيوعا على الأشجار الأقدم والأكبر والأكثر نضجا. أما في تعفنات الخشب الأخرى مثل أخشاب المخروطيات تنمو أسطوانة التعفن باستمرار عرضيا لتشمل قطر الشجرة كله مؤدية الى موتها أو سقوطها بسبب الرياح. كما يمكن ان يتوقف التعفن كما ذكر سابقا.

تكون الفطريات البازيدية المعفنة للخشب اجسامها الثمرية عند او بالقرب من منطقة اختراقها للشجرة قرب خط التربة او في التسوسات أو الأفرع المتعفنة او في العقد المنتفخة أو على طول جذع الشجرة او الفرع الحي او على طول جذع الشجرة بعد موتها (شكل 2). تتكون الأجسام الثمرية لمعظم الفطريات البازيدية المعفنة للخشب (مثل Hericium, Daedaleopsis, Collybia, Cerrena, Bjerkandera, Armillaria JPleurotus, Piptoporus, Pholiota, Lentinus, Laetiporus, Hypsizygus,Polyporus و Schizophyllum و Trametes و Trichaptum ) سنويا ولا تكوّن أبواغا لمدة تزيد على السنة بينما الفطريات Fomes و Phellinus, Oxyporus تكون أجسام ثمرية معمرة وتضيف سنويا انسجة مولدة للأبواغ ولمدة 50 سنة أو أكثر. تتكون الأبواغ البازيدية في المنطقة الخصيبة على الجسم الثمري وتحمل بواسطة الهواء أو وسائل الانتشار الأخرى الى جروح جديدة لتكرر الدورة. إن الجسم الثمري الكبير الواحد يمكن ان يكون 100 مليون بوغ بازيدي في اليوم الواحد وحيث أن الجروح تحصل كثيرا وباستمرار على الشجرة لذلك فهي معرضة إلى الإصابة باستمرار (1999،Anonymous).

شكل 2 : الأجسام الثمرية للفطر Phellinus gilvus (يمين) والأجسام الثمرية للفطر Pleurotus djamor (يسار)

عن: (2003،Wong)

تعفن ألواح الخشب التجاري

Rot of Commercial Wood Logs

إن الخشب التجاري المقطع يبقى معرض لمهاجمة الفطريات المحللة وتختلف درجة مقاومة الخشب حسب نوع الشجرة ونوع الخشب نفسه ما إذا كان قويا وداكن اللون حيث يكون أكثر مقاومة أو كان فاتح اللون خفيف الوزن حيث يكون أقل مقاومة. إن العامل المحدد لتعرض الخشب المصنع لمهاجمة الفطريات هو نسبة الرطوبة فيه حيث يكون سليما إذا كان محتواه الرطوبي 25 - 30 %. وعليه فإن صبغ الأخشاب من اجل تقليل امتصاصها للرطوبة يمكن ان يكون عاملا مساعدا لكنه لا يمنع الفطريات من مهاجمتها فالفطر Aureobasidium pullulans يمكن ان ينمو سطحيا على الصبغة. كما يعتمد تعفن الخشب على احتمال كونه مصابا قبل تجفيفه وفي هذه الحالة فإن نمو الفطر يكون بطيئا ويسترجع نشاطه عند تعرض الخشب للرطوبة. ومن الفطريات المسببة لتعفن الخشب الفطر Serpula lacrymans الذي يكون خطيرا في أوربا لكنه اقل خطورة في أمريكا الشمالية، فهذا الفطر يسبب خسائر سنوية تزيد عن 400 مليون جنيه أسترليني في بريطانيا وحدها (شكل 3) (2001،Barron).

توجد مواد كيميائية يمكن ان تؤخر تعفن الخشب لكن أي منها لا يمكنه منعه. وفي هذا المجال تستخدم بعض المواد مثل Pentachlorophenol والزيت الخفيف وقطران الوقود Creosote كمواد حافظة لأعمدة الخطوط التلفونية وغيرها وعوارض سكك الحديد (2001،Barron).

شكل 3 : الأجسام الثمرية للفطر Serpula lacrymans وهي جيلاتينية مجعدة صدأية اللون قطر 1 ملم وسمك 10 ملم

عن (2001،Barron)

السيطرة على المرض (Control)

1. زراعة الأشجار المتكيفة أصلا مع البيئة واستخدام الشتلات السليمة القوية. وحفظ المسافات المناسبة ما بين الشتلات.

2. الاهتمام بصحة الأشجار من خلال التسميد والري المناسب.

3. إزالة الأفرع الميتة وتقليم الأفرع والأغصان المكسورة.

4. مكافحة الحفارات والحشرات وتجنب إحداث الجروح.

5 تجفيف الأخشاب ومعاملتها بالمواد الكيميائية الحافظة.

6. المكافحة الحيوية للأصول المقطوعة او الجروح حيث تتوفر بعض الأحياء المضادة للإصابة بفطريات تعفن الخشب كما هو الحال مع الفطر Phlebiopsis gigantear المضاد لفطر التعفن Deacon 2005 ) Heterobasidion annosum ).