أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-8-2017
387
التاريخ: 23-8-2017
513
|
تخصيص الدلالة
يتحدث المناطقة والفلاسفة عن دلالة اللفظ، ويسموئها بالدلالة العامة لأنها تنطبق علي كل فرد من طائفة كبيرة، ويصفون اللفظ حينئذ بأنه «كلي» مثل كلمة «شجرة» التي تطلق علي كل ما في الكون من الأشجار. فإذا تحددت الدلالة أو ضاق مجالها قيل إن اللفظ أصبح جزئياً، وقيل إن الدلالة قد تح..صحت. فقولنا «شجرة البرتقال» يستبعد الافاً أو ملايين من أنواع الأشجار الأخري، فهي لذلك أخص في دلالتها من كلمة «شجرة» . وقولنا «شجرة البرتقال المصرية» أخص في الدلالة من «شجرة البرتقال». ولا تزال الدلالة تتخصص حتي تصل إلي العلمية أو ما يشبهها فقولنا «شجرة البرتقال في حديقتنا» يصل بالدلالة إلي أضيق الحدود. وتكاد تكون الدلالة هنا كالدلالة في الأعلام وأسماء الأشخاص كمحمد وعلي وأحمد ونحو ذلك.
والألفاظ في معظم اللغات البشرية تتذبذب دلالاتها بين أقصي العموم كما في الكليات، وأقصي الخصوص كما في الأعلام. فهناك درجات من العموم، وهناك درجات من الخصوص، وهناك حالات وسطي. وإدراك الدلالة الخاصة أو الشبيهة بالخاصة أيسر من إدراك الدلالة الكلبة، التي يقل التعامل بها في الحياة العامة وبين جمهور الناس. فالفلاسفة وأصحاب العقول الكبيرة هم وحدهم الشغوفون بتلك الألفاظ
ص117
الكلية في تفكيرهم وتأملاتهم.
وعلي قدر ما يصيب الذهن من رقي يكون استعداده لتقبل تلك الدلالات الكلية، وحرصه علي التعامل بها. وكذلك الأمم علي قدر لهوضها، وسمو التفكير بين أبنائها، تكون لغلتها مستعدة لتلك الدلالات الكلبة. فلغات الأمم الناهضة تتضمن قدراً كبيراً جداً من تلك الألفاظ، علي حين أن لغات الأمم البدائية لاتكاد تشتمل علي شئ منها.
فيقال لنا إن الهورونيين (السكان الأصليون لأمريكا الشمالية) ليس لديهم لفظ للتعبير عن «الأ كل» ، بل يصطنعون عدة ألفاظ متباينة أحدها للتعبير عن «أكل اللحم» . والآخر عن «أكل الخبر» ، والثالث عن «اكل الوز» وهكذا (1) .
وعرفنا آنفا أن الأطفال يدركون الدلالة الخاصة قبل إدراكهم للدلالة العامة، فيبدأ الطفل حياته بأن يجعل من كل لفظ جديد علي سمعه «علما» علي شئ معين. فحين يسمع كلمة «السرير» ويربطها عهده ومكان نومه تظل في ذهنه زمنا ما أشبه يعلم علي سريره هو وحده.
والناس في حياتهم العامة ينفرون عادة من تلك الكليات التي لا وجود لها إلا في لأذهان، ويؤترون الدلالات الخاصة التي تعيش معهم فيرونها ويسمعونها
ويلمسونها، ولذا يسهل عليهم تداولها والتعامل بها في حياة أكثر ما فيها ملموس محسوس. وهم لقصور في الذهن حينا، أو بسبب الكسل والتماس أيسر السبل حينا آخر، يعمدون إلي بعض تلك الدلالات العامة ويستعملونها استعمالا خاص اولا يتردد الفرد العادي في هذا الصنيع متي وثق أن كلامه سيكون مفهوما، وأنه سيحقق الغرض أو الهدف من النطق. فإذا قدر لثل هذا الاستعمال في الدلالة أن يشيع ويذيع بين جمهور الناس رأبنا اللفظ تتطور دلالته من العموم إلي الخصوص، ويضيق مجالها، وتقتصر علي ناحية منها. وذلك هو العرض الذي نسميه بتخصيص الدلالة ، وهو الذي يصيب كثيراً من ألفاظ اللغات في العالم.
فكلمة «meat» التي تعني الآن في اللغة الإنجليزية «اللحم» ، كانت دلالتها فيما مضي أعم، وكانت تعني مجرد «الطعام» ، وكلمة «Hound» التي تعني الآن في تلك اللغة نوعا خاصا من الكلاب ، كانت فيما مضي تعبر عن اي كلب.
ص118
وكذلك الحال في لهجات الخطاب عندنا إذ تخصصت كلمة «الطهارة» وأصبحت تعني «الختان» ، وتخصصت كلمة «الحريم» فبعد أن كانت تطلق علي كل محرم لا يمس، أصبحت الآن تطلق علي «النساء» ، وكذلك كلمة «العيش» حين تطلق علي «الخبز».
ص119
_________________
(1) L Evolution de aide ... , p. 110
وعلم اللغة للدكتور علي عبدالواحد ص 24.
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|