المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الأخلاق والأدعية والزيارات
عدد المواضيع في هذا القسم 6463 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

النحت الصاعد
7/9/2022
Phonetic similarity and defective distribution
19-3-2022
Copeland-Erdős Constant Digits
14-3-2020
الاسرة في تدمر
13-11-2016
تفسير آية (48) من سورة النساء
10-2-2017
التكبّر والتواضع
11-10-2016


البحث المنطقي والجدال والمراء في القرآن  
  
53   12:31 مساءً   التاريخ: 2025-02-03
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج3/ ص233-242
القسم : الأخلاق والأدعية والزيارات / أخلاقيات عامة /

تنويه :

إنّ أفضل طريق لتبيين الحقائق والوصول إلى الأفكار الصحيحة والنتائج السليمة هو البحث المنطقي الخالي من كل أشكال التعصب والعناد ، لأنّ الأفكار عند ما تتلاقح وتضم بعضها إلى البعض الآخر وتتصل القابليات والعقول فسيسطع نور المعرفة ليضيء كل شيء.

ولكن إذا كانت أجواء البحث يسودها التعصّب واللجاجة والأنانيّة والخشونة ، وبكلمة واحدة المراء ، فإنّ ذلك من شأنه أن يغطي على الحقائق الواضحة ويسدل ستار الظلمة على الواقعيات ، فمهما استمر البحث والجدال فإنّ الحجب تزداد على وجه الواقع.

ولهذا السبب فإنّ الإسلام وقف من الجدال والمراء ، أو بتعبير آخر : التعصّب بالبحث وإثبات تفوّق الأنا على الطرف المقابل وليس ذلك لغرض تبين الحق وكشف الحقيقة ، موقفاً سلبياً وعدّ ذلك من الذنوب الكبيرة ، لأنّ المراء بإمكانه أن يجعل سدّاً كبيراً في طريق فهم الحقيقة والوصول إلى الواقعيات.

وبالطبع سوف نشير لاحقاً إلى الفرق بين الجدال والمراء بإذن الله تعالى ، ولكنّ الهدف هنا الإشارة السريعة إلى موقف الإسلام السلبي من هذا الخلق الذميم أي الجدل والمراء ، وموقفه الإيجابي وثنائه على الأشخاص الذين يتحرّكون في بحثهم العلمي ومناقشاتهم الفكرية من موقع البحث المنطقي لغرض الكشف عن الحقيقة وتوخّي العدالة.

وبهذه الإشارة السريعة نعود إلى القرآن الكريم لنرى موقفه من هاتين الخصلتين :

1 ـ (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)([1]).

2 ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)([2]).

3 ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ)([3]).

4 ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ)([4]).

5 ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)([5]).

6 ـ (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)([6]).

7 ـ (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)([7]).

8 ـ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ)([8]).

9 ـ (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)([9]).

10 ـ (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ)([10]).

تفسير واستنتاج :

«الآية الأولى» : من الآيات محل البحث تتعرض لطائفة من المؤمنين الضعيفي الإيمان من موقع الذم والتوبيخ بسبب ترددهم وجبنهم في ميدان القتال وتثاقلهم عن الجهاد في سبيل الله فتقول : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ).

القرائن تشير إلى أنّ جماعة من المسلمين الجدد الذين لم تكن لهم تجربة كافية في الحرب قد تملكهم الخوف وسيطر عليهم الجبن عند ما سمعوا الأمر بالجهاد في سبيل الله ، ومع أنّ النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) قال لهم بصراحة : أنا مأمور بأمر من الله تعالى في هذا الطريق ، ورغم ذلك فإنّهم يجادلون النبي (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) ليثنوه عن عزمه ويعيدوه إلى المدينة وكأنّما يرون الموت على بعد خطوات منهم ، وفي الواقع فإنّ ضعف الإيمان والخوف من الموت والشهادة في سبيل الله دفعهم إلى التذرع بالحجج الواهية والتبريرات المختلفة لإضعاف عزم النبي (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) ، القرآن الكريم يذم هذه الحالة ويصرح في الآيات اللاحقة أنّ مشيئة الله قد قررت تقوية الحق وقطع جذور الكافرين (رغم سيطرة الأوهام والتخيلات على هذه الفئة من ضعفاء الإيمان).

ويستفاد جيداً من هذه الآية أنّ أحد أسباب الجدل والمراء والمناقشات غير المنطقية هو ضعف النفس والخوف من تحديات الواقع والحالة الانهزامية لدى الشخص في مواجهة الظروف الصعبة.

وقد ورد في التواريخ الإسلامية المعروفة أنّه عند ما سمع المسلمون بخبر تحرك جيش قريش من مكة لإنقاذ القافلة التجارية المتحركة في الطريق إلى مكة حيث تعرضت لتهديد المسلمين فانّ جماعة من ضعفاء المسلمين أصروا على النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أن يعود إلى مكة لأنّ المسلمين في نظرهم ليست لديهم القدرة الكافية على مواجهة جيش المشركين ، وأساساً أنّهم لم يخرجوا طلباً للحرب والقتال.

ويذكر أنّ أبا بكر قام فقال : يا رسول الله ، إنّها قريش وخيلاؤها ، ما آمنت منذ كفرت ، وما ذلّت منذ عزّت ، ولم تخرج على هيئة حرب ..

فقال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) : اجلس ، فجلس ، فقال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) : اشيروا عليَّ.

فقام عمر فقال : مثل مقالة أبي بكر.

فأمره النبي (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) بالجلوس فجلس.

ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله ، إنّها قريش وخيلاؤها ، وقد آمنّا بك وصدقناك ، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا (نوع من الشجر الصلب) وشوك الهراس لخضناه معك ، ولا نقول لك ما قالت بنو اسرائيل لموسى : اذهب أنت وربّك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ، ولكنا نقول : اذهب أنت وربّك فقاتلا ، وإنّا معكم مقاتلون ... الخ.

فأشرق وجه النبي (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) ودعا له وسرّ لذلك ([11])

والعجيب أنّ ابن هشام في سيرته والطبري أوردا قصة الشورى التي شكلها النبي (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) قبيل غزوة بدر ولكن عند ما وصلا إلى كلام الخليفة الأول والثاني قالا بكثير من التلخيص : «قالَ أَبُو بَكر وَاحْسَنَ ، ثُمَّ قامَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ وَقالَ وَأَحْسَنَ».

واكتفيا بذلك دون أن يذكرا كلام الأول والثاني في حين أنّه لو كان الأول والثاني قد أحسنا في كلامهما لكان المفروض من هذين المؤرخين أن يذكرا مقولتهما ، والحال أنّهما ذكرا كلام المقداد بتمامه ، ومن هنا يتبين أنّ نقل هذين المؤرخين لا يخلو من تعصب مذهبي بإمكانه تزييف الحقائق التاريخية.

«الآية الثانية» : تتحدث عن جميع الأشخاص الذين يتحركون في حياتهم من موقع العناد والتعصب وعدم النضج الفكري والنفسي وتقول : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذا الْقُرآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْانْسانُ اكْثَرَ شَيءٍ جَدَلاً).

فلأجل هداية الناس فقد صرفنا وذكرنا في القرآن الكريم قصص الأوائل وحوادث التاريخ البشري وحياة الأقوام التي عاشت الظلم والجور ، ولكن الإنسان يعيش حالة الجدل أمام الحق وبذلك يقطع على نفسه طريق الوصول إلى الحقيقة ويوصد أبواب نور المعرفة أمامه ويستفاد جيداً من هذا التعبير أنّ الأشخاص الذين يعيشون الطفولة الفكرية وعدم النضج في شخصيتهم هم أكثر الموجودات جدلاً ومراءً ، وعلى أية حال فانّ هذا التعبير يشير إلى أنّ الإنسان إذا انحرف عن فطرته السليمة فأنّه يتّجه صوب الجدل ويتحرك في خط المراء والباطل ويقف أمام الحق بدافع من التعصبات والأهواء الذاتية ويوصد طريق الهداية أمامه ، وهذا يمثل أكبر بلاء على الإنسان في طول التاريخ البشري.

وتستعرض «الآية الثالثة» : تعريفاً واضحاً للمجادلة بالباطل وتبيّن مصير أهل الجدل والمراء وتقول : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ».

ورغم أنّ شأن نزول هذه الآية كما ذكره جماعة من المفسرين أنها نزلت في (النظر بن الحارث) الذي كان من المشركين المعاندين والمتعصبين جداً وكان يتحدث عن القرآن بكلمات واهية ويتصور أنّ الملائكة هم بنات الله ، ولكن من الواضح أنّ مفهوم هذه الآية عام وشامل لجميع الأشخاص الذين يناقشون ويجادلون بدافع من التعصب والعناد ومن دون علم ومعرفة.

واللطيف أنّ الآية تذكر في آخرها أنّ هؤلاء المجادلين يتحركون في خط الشيطان المتمرد ويتبعونه ، وهذا التعبير يشير إلى أنّ الجدال بالباطل هو طريق الشيطان ، بل إنّ الشيطان الرجيم ينفذ في كل شخص يسعى لإثبات وجهة نظره من موقع التعصب والعناد فيسيره إلى حيث يريد.

أما وصف الشيطان بأنّه (مريد) أي المتمرد ، فهو يبين هذه الحقيقة ، وهي أنّ الذين يتحركون من موقع الجدل والمراء هم في صف واحد مع المتمردين على الله والحق ويمثلون جبهة واحدة مقابل جبهة الحق.

والمراد من جملة (يجادل في الله) هو الجدال في صفة من صفات الله أو في أصل وجود الله أو في قدرته وعلمه أو في أفعاله ، وعلى أيّة حال فإنّ الآية الشريفة تنطلق من موقع الذم الشديد للجدال بالباطل.

قد ورد وهذا المعنى نفسه مع بعض الإضافات كذلك في (الآية الثامنة) من سورة الحج حيث تقول الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ)

وهذه إشارة إلى أنّ البحث والنقاش إذا كان مقترناً مع العلم والمعرفة ، أو مع هداية أولياء الدين والأنبياء الإلهيين ، أو يكون مستنداً إلى كتاب من الكتب السماوية فليس لا ضرر فيه فحسب بل يمكنه أن يكون مفتاحاً لحل الكثير من المشاكل والأزمات الفكرية والعقائدية.

ولكن عند ما لا تكون هذه العناصر الثلاثة الإيجابية على طاولة البحث والنقاش (أي العلم الشخصي ، وهداية الأولياء ، والاستناد إلى الكتب السماوية) فانّ الجدال سوف ينزلق في طريق الأهواء والتعصبات ويتحرك الإنسان معه في خط الباطل والانحراف وبالتالي لا تكون نتيجته سوى الضلال والشقاء.

ويستفاد من الآية التاسعة من هذه السورة التي وردت بعد هذه الآية محل البحث أنّ أحد دوافع الجدال بالباطل هو التكبر والغرور والعجب والذي يتسبب في إضلال الآخرين أيضاً ، فمثل هؤلاء الأشخاص يكون مصيرهم إلى الفضيحة في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة كما تقول الآية : «ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْىٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ».

«الآية الخامسة» : من الآيات محل البحث وضمن وصفها وتعريفها لمفهوم المجادلة بالباطل تشير إلى أحد الدوافع والجذور الأصلية لهذه الرذيلة الأخلاقية في واقع الإنسان وتقول : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) هؤلاء لا يوجد في قلوبهم سوى التكبر والغرور حيث يريدون تحقيق نظراتهم من وحي الأهواء والتعصّب ولكنّهم لا يصلون إلى مرادهم ومقصودهم : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ).

كلمة (سلطان) تستعمل في مثل هذه الموارد بمعنى الدليل والحجّة والبرهان والتي وردت في الآية السابقة وتشمل العلم الشخصي ، وهداية الأولياء ، وإرشاد الكتب السماويّة ، ومن الملفت للنظر أنّ الآية تقول : أنّ المصدر الأصلي للمجادلة والعناد هو حالة التكبر التي يعيشها هؤلاء الأشخاص حيث يريدون التوصّل إلى غاياتهم وطموحاتهم الدنيوّية من خلال المجادلة بالباطل ولكنّهم بدلاً أن يحققوّا ذلك لأنفسهم في حياتهم فأنّهم سوف يعيشون الذّلة والمهانة.

وبما أنّ هذه الرذيلة الأخلاقيّة هي أحد المصائد الخطرة للشيطان الرجيم فانّ الآية الكريمة تقول في ختامها : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)

وتنطلق «الآية السادسة» : لتتحدّث عن المشركين الذّين يتحرّكون في شركهم وكفرهم من موقع الإصرار والعناد ويجادلون النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) في عمليّة تبرير أعمالهم وسلوكيّاتهم الخاطئة وعند ما يقول لهم القرآن الكريم : إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم فأنّهم يجادلون في ذلك ويقولون : (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ).

ثمّ إنّ القرآن الكريم يضيف إلى ذلك أنّ هؤلاء يدركون الحقيقة جيّداً ولكنّهم يتكلّمون معك من موقع الجدل والخصام والعناد : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ).

ثمّ يبيّن القرآن الكريم الفرق بين المسيح والأصنام فيقول بالنسبة إلى المسيح : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ)([12]).

وهو إشارة إلى أنّ المسيح هو عبدٌ من عبيد الله لا يقبل أن يعبده النصارى أبداً ، ولو أنّ بعض الناس انحرف عن جادّة الصواب وتصوّر أنّ المسيح أحد الأقاليم الثلاثة في مقام الالوهيّة فلا ذنب على المسيح نفسه ولا ينبغي أن يكون من أهل النار ، وعليه فانّ هذا المثل لا يقبل المقارنة مع الأصنام أو الأشخاص من أمثال فرعون وجملة : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) تشير إلى أنّ أحد مصادر ودوافع الجدال بالباطل هو حالة الخصومة والعداوة التي يعيشها الإنسان الجاهل وغير المنطقي ، والغالب أنّه يعلم أنّه يسير في خط الباطل ولكنّ الحقد والعداوة لا يسمحان له بالتسليم في مقابل الحق والإذعان للحقيقة.

«الآية السابعة» : وبعد الإشارة إلى حرمة الميتة والأنعام التي ذبحت للأصنام أو ما ذبح بدون أن يذكر اسم الله عليه فتقول (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)([13]).

ثمّ تشير إلى أنّ الشياطين يوحون إلى أتباعهم بمفاهيم خاطئة لتبرير أفعالهم وتقول : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).

المجادلة بالباطل هنا كما يذكر جماعة من المفسّرين الكبار أمثال الطبرسي وأبو الفتوح الرازي وسيد قطب هو أنّهم كانوا يقولون أننا إذا أكلنا من لحوم الميتة ، فإنّ ذلك بسبب أنّ الله تعالى قد قتلها وبالتالي فهي أفضل من لحوم الحيوانات التي نقتلها بأيدينا ، وفي الحقيقة فانّهم أهملوا تحريم الميتة الوارد في الشريعة الإلهية من هذا الموقع الزائف.

وهذا التبرير السخيف والباطل لأكل الميتة هو ما أوحى به شياطين الإنس والجن لأوليائهم وأتباعهم ليعينوهم على مجادلة كلام الحق بمثل هذه التبريرات الزائفة ويقارنوا بين اللّحوم الملّوثة والميتة مع اللّحوم الطاهرة التي ذبحت على اسم الله تعالى ويفضّلون الاولى على الثانية.

ويستفاد من هذه العبارة أنّ مثل هذه المجادلة بالباطل تنطلق من دوافع شيطانية.

ويستفاد من بعض الروايات أنّ هذه التبريرات الواهية قد كتبها بعض المجوس في كتاب وأرسلها إلى المشركين من قريش.

«الآية الثامنة» : تتحدّث عن الجدال في حالة الاحرام للحج وتقول : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ).

ونعلم أنّ حالة الاحرام هي حالة معنويّة وروحانية سامية تصعد بالإنسان إلى حيث القرب الإلهي وأن يعيش أجواء الملكوت ، ولهذا السبب فإنّ الكثير من الأعمال المباحة تصبح ممنوعة في حالة الاحرام هذه ، بل إنّ بعض الامور المحرّمة تتضاعف حرمتها في هذه الحالة المقدّسة.

والمعروف حرمة 25 عمل أثناء الإحرام وأحدها هو الجدال ، ورغم أنّ المشهور بين الفقهاء هو أنّ المراد من الجدال هنا هو

قول (بلى والله) أو قول (لا والله) فالأول لإثبات المطلب والثاني لنفي المطلب ، والمراد من الفسوق الكذب والتهمة والسب والشتم وإظهار التفوق على الآخرين في حال الإحرام ، ولكن لا يبعد أن تكون كلمة (جدال) شاملة لكل أنواع المجادلة والمخاصمة الكلامية ، وعلى أية حال فإنّ المنع من الجدال في حال الإحرام يشير إلى أنّ هذا العمل يتقاطع بشدّة مع هذه العبادة الروحانية المهمّة وتبعد الإنسان عن الله تعالى.

وتتابع الآية بالقول في جملة خبريّة بأنّه (لا جدال في الحج) ممّا يبيّن تأكيداً أكثر على هذا الموضوع وكأنّها تقول : (إنّ هذا العمل يتنافى مع روح الحج).

«الآية التاسعة» : تتحدّث عن (المراء) وهو كلام يشبه الجدال وتقول : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).

وبديهي إنّ الهداية تتفرع في واقعها على أن يكون الإنسان طالباً للحق بحيث يقبله من أي مكان ويتقبّله برحابة صدر دون أن يجد في نفسه تعصّباً وتكبراً عليه ، وكلّما عاش الإنسان حالة الكبر والغرور والتعصّب فإنّ ذلك من شأنه أن يكون مانعاً جدياً من التسليم أمام الحق وأن ينزلق الإنسان في وادي الضلالة والانحراف الشديد.

أمّا الفرق بين الجدال والمراء وكذلك النقاط المشتركة بينهما فسيأتي لاحقاً.

«الآية العاشرة» : والأخيرة من الآيات مورد البحث تتحدّث عن عناد قوم لوط وأنّ نبيّهم الكريم حذّرهم من عذاب الله وأنّ هذا العذاب ينتظرهم بالتأكيد إذا استمروا على غيّهم وعصيانهم ، فلم يقبلوا كلامه وقاموا بوجهه من موقع المجادلة والمراء ، تقول الآية : (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ).

وكان هذا هو السبب في أن يبقى قوم النبي لوط (عليه‌ السلام) في حجاب الغفلة والجهل إلى أن صدر أمر الله تعالى بعذابهم فأصاب الزلزال الشديد مدنهم وأمطرت عليهم السماء حجارة فلم يبق من بيوتهم وأجسامهم إلّا الدمار والخراب ، أجل فإنّ هذه هي نتيجة الجدال والمراء في مقابل الحق.

هذه الآيات الشريفة توضح جيداً أخطار هاتين الرذيلتين الأخلاقيتين وتبيّن كيف أنّ الإنسان وبسبب الجدال والمراء يتأخر عن قافلة الهداية والرشاد ويكون من أتباع الشيطان ويلبس ثياب ولايته ويتحرّك في الضلال البعيد ويقع بالتالي في دوامة العذاب الإلهي الخالد.


[1] سورة الانفال ، الآية 6.

[2] سورة الكهف ، الآية 54.

[3] سورة الحج ، الآية 3.

[4] سورة الحج ، الآية 8.

[5] سورة غافر ، الآية 56.

[6] سورة الزخرف ، الآية 58.

[7] سورة الانعام ، الآية 121.

[8] سورة البقرة ، الآية 197.

[9] سورة الشورى ، الآية 18.

[10] سورة القمر ، الآية 36.

[11] المغازي للواقدي ، ج 1 ، ص 48 ؛ قاموس الرجال ، ج 9 ، ص 15.

[12] سورة الزخرف ، الآية 59.

[13] سورة الأنعام ، الآية 121.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.