أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-04-2015
2812
التاريخ: 25-04-2015
4551
التاريخ: 13-10-2014
2024
التاريخ: 13-10-2014
2140
|
قال الراغب : «اختلف الناس في تفسير القرآن ، هل يجوز لكلّ ذي علم الخوضُ فيه؟ فبعض تشدّد في ذلك ، وقال : لا يجوز لأحد تفسيرُ شيء من القرآن ، وإن كان عالماً أديباً ، متّسعاً في معرفة الأدلّة والفقه والنحو والأخبار والآثار. وإنّما له أن ينتهي إلى ما رُوي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعن الذين شهدوا التنزيل من الصحابة ، والذين أخذوا عنهم من التابعين! واحتجّوا في ذلك بما روي عنه (عليه السلام) : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» ، وقول : «من فسّر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ». وفي خبر : «من قال في القرآن برأيه فقد كفر»...».
قال : «وذكر آخرون أنّ من كان ذا أدب وسيع ، فموسّع له أن يفسّره ، فالعقلاء الأُدباء فوضى فَضَاً في معرفة الأغراض. واحتجّوا في ذلك بقوله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص : 29].
وذكر بعض المحقّقين أنّ المذهبين هما : الغلوّ والتقصير ، فمن اقتصر على المنقول إليه فقد ترك كثيراً ممّا يحتاج إليه ، ومن أجاز لكلّ أحد الخوض فيه فقد عرّضه للتخليط ، ولم يعتبر حقيقة قوله تعالى : {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الألْبَابِ}».
قال : والواجب أن يبيّن أوّلا ما ينطوي عليه القرآن ، وما يحتاج إليه من العلوم ، فنقول وبالله التوفيق : إنّ جميع شرائط الإيمان والإسلام التي دُعينا إليها ، واشتمل القرآن عليها ضربان : علم غايته الاعتقاد وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وعلم غايته العمل وهو معرفة أحكام الدين والعمل بها.
والعلم مبدأ ، والعمل تمام. ولا يتمّ العلم من دون عمل ، ولا يخلص العمل دون
العلم; ولذلك لم يفرد تعالى أحدهما من الآخر في عامّة القرآن ، نحو قوله : {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا} [التغابن : 9] ، {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [غافر : 40] ، {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد : 29].
ولا يمكن تحصيل هذين (العلم والعمل) إلاّ بعلوم لفظيّة ، وعقليّة ، وموهبيّة : فالأوّل : معرفة الألفاظ وهو علم اللّغة.
والثاني : مناسبة بعض الألفاظ إلى بعض ، وهو علم الاشتقاق.
والثالث : معرفة أحكام ما يعرض الألفاظ من الأبنية والتصاريف والإعراب ، وهو النحو.
والرابع : ما يتعلّق بذات التنزيل ، وهو معرفة القراءات.
والخامس : ما يتعلّق بالأسباب التي نزلت عندها الآيات ، وشرح الأقاصيص التي تنطوي عليها السُوَر ، من ذكر الأنبياء (عليهم السلام) والقرون الماضية ، وهو علم الآثار والأخبار.
والسادس : ذكر السنن المنقولة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعمّن شهد الوحي ، وما اتّفقوا عليه وما اختلفوا فيه ، ممّا هو بيان لمجمل ، أو تفسير لمبهم المنبأ عنه بقوله تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل : 44] وبقوله : {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام : 90] وذلك علم السنن.
والسابع : معرفة الناسخ والمنسوخ ، والعموم والخصوص ، والإجماع والاختلاف ، والمجمل والمفسّر ، والقياسات الشرعيّة ، والمواضع التي يصحّ فيها القياس والتي
لا يصحّ ، وهو علم أُصول الفقه.
والثامن : أحكام الدين وآدابه ، وآداب السياسات الثلاث التي هي سياسة النفس والأقارب والرعيّة; مع التمسّك بالعدالة فيها ، وهو علم الفقه والزهد.
والتاسع : معرفة الأدلّة العقليّة ، والبراهين الحقيقيّة ، والتقسيم والتحديد ، والفرق بين المعقولات والمظنونات وغير ذلك ، وهو علم الكلام.
والعاشر : وهو علم الموهبة ، وذلك يُورثه الله مَن عمل بما علم. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قالت الحكمة : «من أرادني فليعمل بأحسن ما علم» ، ثمّ تلا {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر : 18]. وروي عنه (عليه السلام) حيث سُئل : هل عندك علم عن النبي لم يقع إلى غيرك؟ قال : «لا ، إلاّ كتاب الله ، وما في صحيفتي ، وفهْم يؤتيه الله من يشاء».
وهذا هو التذكّر الذي رجّانا الله تعالى إدراكه بفعل الصالحات; حيث قال : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل : 90] ، وهو الهداية المزيدة للمهتدي في قوله : {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد : 17] ، وهو الطيّب من القول المذكور : {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج : 24].
فجملة العلوم التي هي كالآلة للمفسّر ، و لا تتمّ صناعته إلاّ بها ، هي هذه العشرة : علم اللغة ، والاشتقاق ، والنحو ، والقراءات ، والسِيَر ، والحديث ، وأُصول الفقه ، وعلم الأحكام ، وعلم الكلام ، وعلم الموهبة.
فمن تكاملت فيه هذه العشرة واستعملها ، خرج عن كونه مفسّراً للقرآن برأيه.
ومن نقص عن بعض ذلك ممّا ليس بواجب معرفته في تفسير القرآن ، وأحسّ من نفسه في ذلك بنقصه ، واستعان بأربابه ، واقتبس منهم ، واستضاء بأقوالهم ، لم يكن ـ إن شاء الله ـ من المفسّرين برأيهم.
وأخيراً قال : «ومن حقّ مَن تصدّى للتفسير أن يكون مستشعراً لتقوى الله ، مستعيذاً من شرور نفسه والإعجاب بها ، فالإعجاب أُسّ كلّ فساد. وأن يكون اتّهامه لفهمه أكثر من اتّهامه لفهم أسلافه الذين عاشروا الرسول وشاهدوا التنزيل ، وبالله التوفيق» (1).
ولقد أحسن وأجاد فيما أفاد ، وأدّى الكلام حقّه في بيان الشرائط التي يجب توفّرها في كلّ مفسّر ، حتّى يخرج عن كونه مفسّراً برأيه ، وبشرط أن يراعي تقوى الله ، فلا يقول في شيء بغير علم ولا كتاب منير.
قال جلال الدين السيوطي : «ولعلّك تستشكل علم الموهبة ، وتقول : هذا شيء ليس في قدرة الإنسان! وليس كما ظننت من الإشكال ، والطريق في تحصيله ارتكاب الأسباب الموجبة له من العمل والزهد. قال الإمام بدر الدين الزركشي : اعلم أنّه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي ، ولا يظهر له أسراره ، وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوىً أو حبّ الدنيا ، أو هو مصرّ على ذنب ، أو غير متحقّق بالإيمان ، أو ضعيف التحقيق ، أو يعتمد على قول مفسّر ليس عنده علم ، أو راجع إلى معقوله ، وهذه كلّها حُجُب وموانع بعضها أكد من البعض». قال السيوطي : «وفي هذا المعنى قوله تعالى : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } [الأعراف : 146]. قال سفيان بن عيينة : يقول تعالى : أنزع عنهم فهم القرآن فأصرفهم عن آياتي» (2) قلت : وهكذا قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة : 77 - 79]. فلا تتجلّى حقائق القرآن ومعارفه الرشيدة ، إلاّ لمن خلص باطنه ، وزكت نفسه عن الأدناس والأرجاس.
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة خطبها بذي قار : «إنّ علم القرآن ليس يعلم ما هو إلاّ من ذاق طعمه ، فعلم بالعلم جهله ، وبصر به عماه ، وسمع به صممه ، وأدرك به علم ما فات ، وحيي به بعد إذ مات ، وأثبت به عند الله الحسنات ، ومحا به السيّئات ، وأدرك به رضواناً من الله تبارك وتعالى ، فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصّة» (3).
وقال في حديث آخر : «إنّ الله قسّم كلامه ثلاثة أقسام ، فجعل قسماً منه
يعرفه العالم والجاهل ، وقسماً لا يعرفه إلاّ من صفا ذهنه ولطف حسُّه وصحّ
تمييزه ، ممّن شرح الله صدره للإسلام ، وقسماً لا يعلمه إلاّ الله وأُمناؤه والراسخون في العلم»(4).
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال : 29] ، وقال : {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } [البقرة : 282].
___________________
1 . مقدّمته في التفسير : 93 ـ 97.
2 . تفسير ابن أبي حاتم 5 : 1567. وانظر : الإتقان 4 : 188.
3 . الكافي 8 : 390 ـ 391 ، رقم 586 ، الوسائل 18 : 137 ، رقم 26.
4 . الاحتجاج 1 : 376 ، الوسائل 18 : 143 ، رقم 44.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|