أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-05-2015
5850
التاريخ: 21-7-2016
6450
التاريخ: 9-05-2015
5955
التاريخ: 8-12-2015
5661
|
هذا الجزء من المسائل المتعلقة بالحكومة الإسلامية يعد من أهم الأجزاء وأكثرها حيوية ، لأنّ من الممكن أن نفهم ممّا تقدم عن النظام التنفيذي في الحكومة الإسلامية ، أنّها تسير بنفس الاسلوب الذي يسير عليه الحكام غير الإسلاميين.
أي أن تقسيم المسؤوليات ، وتشكيل الوزارات وانتخاب الوزراء ، والمديرين الكبار والأدنى منهم ، ورئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء مطلوب هنا أيضاً ، وكذا الحال بالنسبة لمسألة الانتخابات الشعبية ، والاستناد إلى آراء وإرادة الشعب ، والانتخاب المباشر أو غير المباشر من قبل نواب الشعب في مجلس الشورى وامثال ذلك ، موجودة هي الاخرى أيضاً.
وبناء على ذلك فإنّ الفرق الوحيد لهذه الحكومة مع سائر الحكومات ، يكمن في الاسم والعنوان فقط !
إلّا أنّ ذلك يعد خطأً فاحشاً ، لأنّ الشيء الاهم الذي يفرّق بين الشعوب والحكومات والجمعيات يكمن في الثقافة الحاكمة عليهم ، خاصة وأن الحكومة أو المؤسسات والجمعيات هي بمنزلة الجسم فقط ، وروحها يكمن في الثقافة الحاكمة عليها.
ولغرض الوقوف على الثقافة الإسلامية الحاكمة على هذه التنظيمات ، يلزمنا المزيد من البحوث ، وهي بحاجة إلى كتاب أو مجموعة من الكتب المستقلة ، وما تطالعونه هنا يمثل في الواقع فهرساً من تلك البحوث ، هذا الفهرس الذي بإمكانه أن يوضح للقراء الكرام الكيفية الاجمالية لهذه المسألة وأهدافها وأهميتها.
وبشكل عام فإنّ ثلاثة أصول أساسية تتحكم بنظام الحكومة الإسلامية. والتي تميّزها عن سائر الحكومات الشعبية :
1- معرفة المسؤولين التنفيذيين بأنّهم المؤتمنون على أمر اللَّه تعالى ، ويجب عليهم المحافظة على ما أودع بأيديهم من أمر الحكومة والمناصب الحكومية كوديعة وامانة إلهيّة ، وبأنهم بمثابة حلقة الوصل بين اللَّه سبحانه وتعالى وعبادة ، وأن ينفّذوا بدقة كل ما أمر به تعالى بشأن عباده ، وليس بأمكانهم مطلقاً أن ينشغلوا بالتفكير في المحافظة على مناصبهم أو مصالحهم الشخصية أو مصالح جماعة معينة.
في حين أنّ الحكام الماديين يفكرون في كيفية المحافظة على مناصبهم ومصالحهم الشخصية أكثر من أي شيء آخر ، ومن الممكن أحياناً ان يعمدوا إلى صرف الملايين من أجل الوصول إلى أحد المناصب ، والمؤكد أنّهم وبعد استلام الحكم يقومون بتعويض ما أنفقوه ويزيدون عليه أضعافاً مضاعفة ، أو على الأقل يتعلق هؤلاء الأفراد بطبقة معينة من المجتمع ، ومن أجل المحافظة على مصالح تلك الطائفة التي ينتمون لها ، والتي رصدت مبالغ طائلة لإيصالهم إلى سدة الحكم ، يقومون بشتى الجهود ، من أجل أن تعود على تلك الطبقة بالمزيد من الفوائد والارباح المضاعفة.
ولذا فإنّ اختلاف هذا المنظار عن المنظار الذي يعمل بموجبه الحكام والمديرون الإسلاميون واضح جدّاً وفي جميع المجالات.
2- ينظر الناس إليهم كمبعوثين من قبل اللَّه تعالى ، ذلك لأنّ طاعتهم تعد فرعاً من طاعة اللَّه تعالى ، وأوامرهم بمنزلة أوامر اللَّه.
ويعتبرون قوانين الحكومة الإسلامية- في حالة قيام تلك الحكومة على الاسس الصحيحة- بمنزلة قانون اللَّه ، ويعتقدون بأنّ طاعتها توجب النجاة في الآخرة ، وأنّ مخالفتها يعد ذنباً ويوجب العذاب يوم القيامة.
هذه النظرة تختلف كثيراً عن النظرة السائدة في الحكومات الماديّة ، إذ يرى الناس أنّ الحكّام عبارة عن أفرادٍ مثلهم ، وهم غالباً في صدد المحافظة على مصالحهم الشخصية أو مصالح الحزب والجماعة التي ينتمون لها ، وإذا شعروا بأنّ النّاس غير راضين بالقوانين المشرعّة ، وأمنوا من العقاب ، فإنّهم سرعان ما يتخلّون عن واجبهم في تحمّل مسؤولياتهم.
3- في الحكومة الإسلامية وبشكل عام يجب أن تلقي الروح المعنوية والقيم الاخلاقية بظلالها على جميع الامور ، وأن تأتي المسائل الاخلاقية والإنسانية على رأس قائمة الاعمال ، ويجب أن تكون الدوافع أبعد بكثير من الدوافع الماديّة ، أوليس الهدف النهائي من تشكيل الحكومة والحياة الأفضل إنّما يتمثل في توفير المقدمات اللازمة للسير إلى اللَّه والقرب من الباري وايجاد التكامل الروحي والمعنوي ؟!
فهل يمكن أن تتساوى هذه الأهداف والدوافع مع أهداف ودوافع الشعب والعاملين في حكومة ماديّة ؟
طبعاً لغرض الوصول إلى تحقق حكومة إلهيّة تامة وكاملة ، لابدّ أن نطوي طريقاً طويلًا وشاقاً ، ولابدّ من اعطاء دروس كثيرة للمجتمع ، ولكن مهما يكن الحال فإنّ محتوى هذه الحكومة قياساً للحكومات المادية ، من حيث العنصر الثقافي «متفاوت» للغاية بل و «متباين» أيضاً.
ومن خلال هذا التحليل ننتقل إلى الآيات القرآنية المباركة ، ومن ثم إلى الروايات الإسلامية ، لغرض الوقوف على الثقافة الحاكمة على المحاور المختلفة للحكومة الإسلامية ومناقشتها :
1- نقرأ في قوله تعالى :
{فَبَما رَحْمةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَليظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَولِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمرِ فَاذِا عَزَمْتَ فَتَوكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّليِنَ} (آل عمران/ 159).
وبناءً على ذلك فإنّ الحاكم الإسلامي وبالإضافة إلى الحزم والعزم الشديدين ، فهو مطالب ومكلف بالعفو والصفح ، وحتى الاستغفار واللين والانسجام ، وأن يرى في اللَّه تعالى السند والملاذ الأول والأخير في كل حال من الأحوال.
2- وفي سورة فصلت المباركة يأمر الباري تعالى بغسل العداوة والبغضاء بماء المحبة والاحسان ، وتلافي مواجهة الأحبّة بالمثل كلما أمكن ذلك ، إذ يقول تعالى : {إِدْفَعْ بالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَاذِا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ} (فصلت/ 34).
إنّ سيطرة مثل هذه الثقافة على النظام الإسلامي التنفيذي والتي تقف على نقيض الثقافة المادية تضفي عليه نورانية وصفاءً ، وتعطي له معنىً ومفهوماً آخرين.
3- ويقول تعالى في سورة الكهف المباركة تجاه اصرار الذين يعتقدون بأنّ واجب النبي الأكرم صلى الله عليه و آله أن يُبعد الفقراء وإن كانوا مؤمنين ومخلصين ، ويقترب من الطبقات الغنية والمتنفذة ، إذ تقول الآية بكل صراحة وحزم :
{واصْبرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَّبّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْههُ وَلاتَعْدُ عَينَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلَا تُطِعْ مَنْ أغْفَلنْا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (الكهف/ 28).
وشتان بين هذا المنطق الذي يرى في الحب والإيمان باللَّه تعالى لدى هؤلاء الأفراد أثمن وأغلى شيء لديهم ، ويأمر بصد الأغنياء الغافلين عن ذكر اللَّه ، وليس الفقراء المخلصين المؤمنين ، وبين منطق الذين يعلنون اليوم بكل صراحة في العالم ، بأنّ القيمة العليا تكمن في المصالح والمنافع المادية ، ويضحّون بجميع القيم الاخرى في سبيل تلك المصالح.
4- وتخاطب سورة ص وبلهجة حازمة وشديدة ، النبي داود عليه السلام :
{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} (ص/ 26).
وكما نرى ، فإنّ الآية الكريمة تنذر هذا النبي المعصوم والقدوة للنّاس بأن يحذر وساوس النفس الأمارة ، لئلا تصبح سبباً لانحرافه عن طريق الحق والعدالة.
وعلى هذا الأساس ، يجب على الحاكم الأسلامي أن يراقب نفسه جيداً ويحذر من الأهواء والدوافع الدنيوية والحبّ والبغض أن تتحكم في أعماله وتصرفاته فيضيع بها حقاً أو يرتكب باطلًا ، وما أشد ما اختلف هذا الميزان للحاكم مع من يقول إنّ القاضي يعتبر مسؤولًا فقط أمام القانون لا أكثر ، ذلك القانون الذي له أكثر من ألف طريقة للفرار والتبرير.
5- وفي سورة النساء يخاطب القرآن الكريم جميع المؤمنين ويذكّرهم بأصل مهم ، وهو تقديم الأصول والضوابط على الروابط ، ويقول :
{يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَى انْفُسِكُمْ اوِ الْوالِدَيْنِ وَالاقْرَبِينَ انْ يَكُنْ غَنِيّاً اوْ فَقِيراً فَاللَّهُ اوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى انْ تَعْدِلُوا وَانْ تَلْوُواْ اوْ تُعْرِضُوا فَانَّ اللَّهَ كَانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء/ 135).
وبهذا لا ينبغي للروابط بين الأب والأم والأبن والأخ أن تكون حجر عثرة أمام تطبيق القانون وإجراء العدالة ، بل حتى المنافع الشخصية لابدّ من نسيانها وتركها في مقابل الحق.
ومن البديهي أنّ مثل هذه الكلمات يمكن أن تطرح في المحافل المادية ، ولكن مضافاً إلى عدم وجود الضمانات العملية في تطبيقها ، لا يمكن تصوّر مفهوم صحيح عنها ، ولهذا نجدهم يقدّمون المنافع الشخصيّة والحزبية دائماً على القيام بالعدل والقسط ، فالروابط حاكمة هنا على الضوابط ، وأحياناً يتم هذا المعنى من تجاوز القوانين علناً في التصرفات المتناقضة للحكّام الماديّين فيما لو تشابهت المفردات ، أحدهم يسير وفق المصلحة ، والآخر على نقيضه ، فهنا يتضح زيف الشعارات المتعلقة بالقسط والعدل وحقوق البشر ويثبت بطلانها.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|