أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-5-2017
1620
التاريخ: 2023-05-25
1336
التاريخ: 24-1-2018
2573
التاريخ: 18-8-2020
2379
|
عندما دخل عضد الدولة «بغداد» خلع عليه الخليفة الطائع، وتوَّجَه بتاج مجوهر وطوَّقه وسوَّره بسوارين — على جري العادة — وقلَّده سيفًا من الذهب، وعقد له لواءين، أحدهما مذهَّب والآخَر مفضَّض، وكتب له عهدًا قُرِئ بحضرته، وأمر أن يُخطَب له على المنابر بالملك، وأن يُضرَب اسمه ولقبه على الدراهم والدنانير، ولما خرج عضد الدولة من قصر الخلافة أرسل إلى الخليفة هدية فاخرة نقلها خمسون حمَّالًا، من جملتها خمسون ألف دينار وألف ألف درهم — مليون — وخمسمائة ثوب من الحرير وثلاثين صينية مذهَّبة فيها المسك والعنبر والكافور والند وغير ذلك من الثياب والفرش والخيل.
أما عز الدولة فإنه لما خرج من «واسط» قاصدًا «سورية» ووصل «حديثة الفرات»، وافاه أبو تغلب بن حمدان في عشرين ألف مقاتل وكان من أنصاره، فاتفق معه على قتال عضد الدولة وإخراجه من «العراق» فزحَفَا على «بغداد»، ودارت الدائرة على جيش ابن حمدان وانتصر عضد الدولة وأسر عز الدولة وقتله وقتل وزيره أبا طاهر محمد بن بقية بن علي الملقَّب «نصير الدولة»، وكانت بينه وبين عضد الدولة عداوة لأسباب طويلة أهمها أنه أغرى عز الدولة على قتال عضد الدولة، وقد طلبه عضد الدولة بعد أن ملك بغداد وقتل عز الدولة، فقبض عليه وألقاه تحت أرجل الفيلة فقُتِل، فأمر بصلب جثته فصُلِبت عند داره بباب الطاق ببغداد، وذلك سنة 367ﻫ، فرثاه أبو الحسن محمد بن عمران الأنباري أحد العدول ببغداد، بقصيدته المشهورة التي مطلعها:
عُلُوٌّ فِي الْحَيَاةِ وَفِي الْمَمَاتِ لَحَقٌّ تِلْكَ إِحْدَى الْمُعْجِزَاتِ
ويُروَى أن عز الدولة لما قصد «سورية» كان معه حمدان بن ناصر الدولة الحمداني، فأغراه حمدان على أخذ «الموصل» من أخيه أبي تغلب بن ناصر الدولة — وكان مغاضبًا لأخيه — فلما وصل «تكريت» أوفد إليه أبو تغلب رسولًا يسأله القبض على حمدان وإرساله إليه، وأنه إذا فعل ذلك سار إليه بنفسه ليقاتِل عضد الدولة ويعيده إلى ملكه، فقبض بختيار على حمدان وسلَّمَه إلى رسل أبي تغلب، فحملوه إليه فحبسه، ثم سار بختيار بعشرين ألف مقاتل واجتمع بأبي تغلب عند «حديثة»، ومن هناك زحَفَا على عضد الدولة وانتشبت الحرب بينهما، فانتصر عضد الدولة وأسر بختيار ثم قتله، وفَرَّ أبو تغلب بأصحابه راجعًا إلى «الموصل»، فنقم عضد الدولة على أبي تغلب لخيانة العهد والولاء، وسار إلى «الموصل» فرحل عنها أبو تغلب إلى «نصيبين»، فأرسل عضد الدولة جيوشه في طلبه، فخرج أبو تغلب من «نصيبين» فتبعته جنود عضد الدولة حتى اضطر إلى الهرب إلى «أرضروم» ومنها إلى غيرها، وسار إلى «سورية» وأخيرًا قُتِل هناك، وانقرضت دولة الحمدانيين من «الموصل» بعد أن دامت نحو أربع وسبعين سنة، أي منذ ولاية أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان في خلافة المكتفي سنة 293ﻫ، إلى أن استولى عضد الدولة عليها سنة 367ﻫ، وطرد أبا تغلب بن ناصر الدولة وضبط بلاده، ولما تمَّ الأمر لعضد الدولة فيها جعل عليها أبا الوفاء طاهر بن محمد، وعاد هو إلى «بغداد«.
ولما تمَّ أمر عضد الدولة في «العراق» طمع في الاستيلاء على «البطيحة»، وأرسل جيشًا بقيادة وزيره المطهر بن عبد الله، فهزمه الحسين بن عمران، ولما لم يكن المطهر هزم قبلًا خاف سقوط منزلته عند عضد الدولة، فقتل نفسه، وعلى أثر ذلك صالَحَ عضد الدولة أمير «البطيحة» الحسين على مال يأخذه منه كل عام.
وفي هذه السنة (367ﻫ) اعتقل عضدُ الدولة أبا إسحق إبراهيم الصابي الكاتب المشهور ببغداد، وعزم على إلقائه تحت أيدي الفيلة، فشفعوا فيه ثم أطلقه سنة 371ﻫ، وسبب ذلك هو أن إبراهيم كان كاتبًا في ديوان الإنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة بختار بن معز الدولة، ثم تقلَّدَ ديوان الرسائل سنة 349ﻫ، وكانت تصدر عنه رسائل إلى عضد الدولة بما يؤلمه فحقد عليه، ولما مات الصابي سنة 380ﻫ رثاه الشريف الرضي بقصيدة بديعة أولها:
أَرَأَيْتَ مَنْ حَمَلُوا عَلَى الْأَعْوَادِ أَرَأَيْتَ كَيْفَ خَبَا ضِيَاءُ النَّادِي
وبعد أن هدأت الأهوال شرع عضد الدولة في عمارة «بغداد»، فعمَّر جوامعها ومدارسها وأسواقها وجدَّد ما اندثر من الأنهار التي حولها، وذلك سنة 369ﻫ، وكانت قد خربت المدينة من توالي الفتن والاضطرابات، ومن الغرق الذي أصابها مرارًا أثناء اشتغال حكوماتها وأهلها في الحروب والثورات التي أشغلتهم عن تحكيم السداد وعن تعمير كل ما خرب.
وفتح عضد الدولة صدره للعماء وناظَرَهم في المسائل وأكرمهم وشجَّعَهم على نشر العلوم والفنون، ورغَّبَ الناس في الاشتغال بذلك ونشَّطهم على توسيع نطاق الزراعة والتجارة، فزهت «بغداد» في أيامه وتوفَّرت فيها الأموال وامتلأ بيت المال، وقصدها جماعات من رجال العلم صنَّفوا له كتبًا عديدة في علوم مختلفة، فاشتهر ببغداد في أيامه جماعة من العلماء والحكماء والأدباء والأطباء وغيرهم، وبنى في سنة 371ﻫ مارستانًا كبيرًا على طرف الجسر في الجانب الغربي من «بغداد»، نقل إليه كل ما يلزم له من الأدوية والآلات، ورتب له 24 طبيبًا، وفيهم الجرَّاحون والكحَّالون والمجبرون، وممَّن كان يدرس صناعة الطب فيه الطبيب إبراهيم بن بكس، وكان رئيس هذا المارستان الشيخ أبو منصور صاعد بن بشر الطبيب، وهو أول مَن عالَجَ الأمراض التي كانت تُعالَج بالأدوية الحارة وبالأدوية الباردة، ولما نجح في عمله عُيِّنَ رئيسًا لهذا المارستان، وكان يُسمَّى «المارستان العضدي»، وهو مدرسة للطب ومستشفى معًا.
وفي هذه السنة 371ﻫ أرسل عضد الدولة من «بغداد» القاضي أبا محمد بن الطيب الأشعري المعروف ﺑ «ابن الباقلاني» سفيرًا إلى قيصر الروم قسطنطين التاسع، فسافَرَ ابن الباقلاني إلى «القسطنطينية» يحمل جواب رسالة ورَدَتْ على عضد الدولة من القيصر في مسألة أدبية، وكان ابن الباقلاني هذا من أكبر رجال العلم والأدب في «العراق «.
وأراد عضد الدولة أن تكون الخلافة في ولد لهم فيه نسب، فحمل الطائع على أن يتزوج بابنته، فتزوَّجَها على صداق مائة ألف دينار، فجمع الخليفة بهذا الزواج بين بنت عضد الدولة وبنت عز الدولة التي تزوَّجَها قبلًا على مثل ذلك الصداق.
وتوفي عضد الدولة ﺑ «بغداد» سنة 373ﻫ بعد أن اتسع ملكه، فحمل نعشه إلى مشهد الإمام علي، وكان عاقلًا فاضلًا حسن السيرة والسياسة والتدبير محبًّا للعلوم والفنون والعمران، سعدت في أيامه بلاد «العراق»، وعاش العراقيون تحت راية عدله بهناء وسلام، وهو أول مَن ضرب الطبل على بابه، وأول مَن عقد له الخليفة لواءين، وأول مَن تسمَّى ﺑ «ملك» في الإسلام.
وقد اشتهر عضد الدولة شهرةً فائقةً وملك بلادًا كثيرة عدا «العراق»؛ لأن عمه أبا الحسن علي الملقَّب «عماد الدولة»، الذي هو زعيم هذا البيت ومؤسِّس دولتهم، كان قد تبناه لعدم وجود ولد له، وأحضره عنده وأكرمه وأجلسه على سرير المملكة وأمر الجنود بطاعته، وعهد إليه بالملك على «فارس» بعده، فلما توفي سنة 338ﻫ استولى عضد الدولة على بلاد «فارس»، ثم استولى بعد قليل على «كرمان» سنة 357ﻫ، وأقطعها لولده أبي الفوارس، ولما مات أبوه ركن الدولة 366ﻫ استولى على ممالكه أيضًا، ثم حدثت بينه وبين ابن عمه عز الدولة بختيار وحشة كما تقدَّمَ، فاستولى على «العراق» 367ﻫ ثم حمل في السنة نفسها على «الموصل» وما يتبعها من البلاد التي كانت لبني حمدان، فاستولى عليها أيضًا، ثم وقعت بينه وبين إخوته وحشة فاستولى على أكثر ما بأيديهم من البلاد حتى عظم أمره. ومن وزرائه الصاحب بن عباد الأديب الشهير، وكان مؤدِّبَ عضد الدولة العلَّامةُ أبو الفضل محمد بن العميد الملقَّب بالأستاذ، المتوفَّى سنة 360ﻫ
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|