النبي "ص" ووالده عبد الله ووالدته آمنة « عليهما السلام » ومولده المبارك |
315
09:01 صباحاً
التاريخ: 2024-09-08
|
أقرأ أيضاً
التاريخ:
3871
التاريخ: 4-4-2017
4156
التاريخ: 5-4-2017
3316
التاريخ: 4-5-2017
3144
|
1 . قلة الروايات عن والدي النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
وسببه أن حكومات قريش قررت أن تنشر في المسلمين أن آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسرته كلهم كفار ، ومنعت أن يروي المسلمون سيرتهم ومناقبهم .
وقد بينا في مقدمة هذه السيرة ، أن الحكومات تبنت سياسة إبادة كنوز السيرة وعلوم الإسلام ، وإحراق كتب شيعة أهل البيت « عليهم السلام » ، ويكفي مثالاً على ذلك : كُتب جابر بن يزيد الجعفي ، وكُتب أحمد ابن عقدة ، وكُتب سليمان الأعمش ، وهم علماء موثقون عندنا وعندهم ! فقد أحرقوها أو فقدت في أيام تشريدهم وتلاميذهم ! وقد بلغت مؤلفاتهم نحو أربع مئة ألف حديث ، أي مئتي مجلداً !
قال مسلم في مقدمة صحيحه : 1 / 15 : « الجراح بن مليح يقول : سمعت جابراً يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر « الباقر ( عليه السلام ) » عن النبي صلى عليه وسلم كلها » !
2 . تكريم خاص لوالدي النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وأسرته
في الكافي : 1 / 446 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « نزل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : إني قد حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك ، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب ، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب . وفي رواية ابن فضال : وفاطمة بنت أسد » .
وأضافت رواية الخصال / 293 : « وفي بيت آواك وهو عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب ، وفي أخ كان لك في الجاهلية . قيل : يا رسول الله من هذا الأخ ؟ فقال : كان أنسي وكنت أنسه ، وكان سخياً يطعم الطعام .
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : اسم هذا الأخ الجلاس بن علقمة » .
أقول : هؤلاء كلهم من أهل الجنة « عليهم السلام » ، وهذه الشفاعة كرامة خاصة أهداها الله إلى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بتكريمهم من أجله ورفع درجتهم في الجنة . وليس معناها كما تخيل البعض أنهم بدونها من أهل النار .
3 . افتخر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بأمه وجداته ( ( عليهم السلام ) )
وقد روى في الكافي : 5 / 50 افتخار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأمه وجداته ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « أغار المشركون على سرح المدينة فنادى فيها مناد : يا سوء صباحاه ! فسمعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الخيل ، فركب فرسه في طلب العدو ، وكان أول أصحابه لحقه :
أبو قتادة على فرس له ، كان تحت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سرج دفتاه ليف ليس فيه أشر ولا بطر ، فطلب العدو فلم يلقوا أحداً ، وتتابعت الخيل فقال أبو قتادة : يا رسول الله إن العدو قد انصرف ، فإن رأيت أن نستبق ؟ فقال : نعم ، فاستبقوا فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سابقاً عليهم ، ثم أقبل عليهم فقال : أنا ابن العواتك من قريش ، إنه لهوَ الجواد البحر ، يعني فرسه » .
وقد افتخر بأمهاته ( صلى الله عليه وآله ) كما افتخر بجده عبد المطلب ( عليه السلام ) ، ولا يمكن أن يفتخر بمشركين أو مشركات من أهل النار .
وفسرالمحقق البحراني العواتك فقال في الحدائق : 22 / 356 : « جَمْعُ عاتكة وهي المرأة المجمرة بالطيب ، وكان هذا الاسم لثلاث نسوة من أمهاته ( صلى الله عليه وآله ) : إحداهن عاتكة بنت هلال ، أم عبد مناف بن قصي ، والثانية عاتكة بنت مرة بن هلال ، أم هاشم بن عبد مناف ، والثالثة عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال ،
أم وهب أبي آمنة أم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فالأولى من العواتك عمة الثانية ، والثانية عمة الثالثة . قيل : وبنو سليم كانوا يفتخرون بهذه الولادة . وقيل : العواتك في جدات النبي ( صلى الله عليه وآله ) تسع ، ثلاث من بني سليم وهن المذكورات ، والبواقي من غيرهم » .
4 . عبد الله والد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من كبار أولياء الله
قال الفتال النيسابوي / 138 : « إعلم أن الطائفة المحقة قد اجتمعت على أن أبا طالب وعبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب « عليهم السلام » ، كانوا مؤمنين » .
وقد ركزالأئمة « عليهم السلام » المكانة الدينية لعبد الله وآمنة وعبد المطلب رضي الله عنهم . قال داود الرقي وهو من كبار أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي : 4 / 544 » : « دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ولي على رجل مال قد خفت تَوَاهُ « ذهابه » فشكوت إليه ذلك ، فقال لي : إذا صرت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافاً وصل ركعتين عنه ، وطُف عن أبي طالب طوافاً وصل عنه ركعتين ، وطف عن عبد الله طوافاً وصل عنه ركعتين ، وطف عن آمنة طوافاً وصل عنها ركعتين ، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصل عنها ركعتين ، ثم ادع أن يرد عليك مالك .
قال ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا ، وإذا غريمي واقف يقول : يا داود حبستني ! تعال إقبض مالك » .
5 . تزوج والد النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وهو في سنّ السابعة عشرة
« قال محمد بن مسعود الكازروني في كتاب المنتقى : ولد عبد الله لأربع وعشرين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان ، فبلغ سبع عشرة سنة ثم تزوج آمنة ، فلما حملت برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) توفي ، وذلك أن عبد الله بن عبد المطلب خرج إلى الشام في عير من عيرات قريش يحملون تجارات ، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا ، فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض ، فقال : أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار ، فأقام عندهم مريضاً شهراً ، ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله ، فقالوا خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض ، فبعث إليه عبد المطلب أعظم ولده الحارث فوجده قد توفي في دار النابغة ، فرجع إلى أبيه فأخبره ، فوجد عليه عبد المطلب وإخوته وأخواته وجداً شديداً ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ حمل ، ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة » .
بحار الأنوار : 15 / 124 .
ويؤيده ما تقدم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في أصحاب الفيل : « فدعا ولده عبد الله وإنه لغلام حين أيفع ، وعليه ذؤابه تضرب إلى عجزه ، فقال له : اذهب فداك أبي وأمي فَاعْلُ أبا قبيس ، وانظر ماذا ترى يجئ من البحر » .
وعام الفيل هو عام ولادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهذا يعني أن أباه كان شاباً في أول شبابه ، فلا تصح رواية أنه كان ابن خمس وعشرين سنة أو ثلاثين . « فقال له : إذهب فداك أبي وأمي فاعلُ أبا قبيس وانظر ماذا ترى يجئ من البحر ؟ فنزل مسرعاً فقال : يا سيد النادي ، رأيت سحاباً من قِبل البحر مُقبلاً ، يُسْفِلُ تارةً ويرتفع أخرى ! إن قلت غيماً قلته وإن قلت جهاماً خلته ، يرتفع تارةً ، وينحدر أخرى !
فنادى عبد المطلب : يا معشر قريش ، أدخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر » .
وقد كانت عادتهم التزويج المبكر ، ففي إكمال الدين / 196 : « لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب زوجه عبد المطلب آمنة بنت وهب الزهري ، فلما تزوج بها حملت برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .
وقال اليعقوبي : 2 / 9 : « وكان تزويج عبد الله بن عبد المطلب لآمنة بنت وهب بعد حفر زمزم بعشر سنين ، وقيل بضع عشرة سنة . وبين فداء عبد المطلب لابنه وبين تزويجه إياه سنة . . وكان بين تزويج أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأمه وبين مولده على ما روى جعفر بن محمد عشرة أشهر ، وقال بعضهم سنة وثمانية أشهر » .
6 . خطب عبد المطلب لابنه عبد الله ، وخطب لنفسه
روى المؤرخون أن عبد المطلب رضي الله عنه خطب في مجلس واحد آمنة بنت وهب لابنه عبد الله رضي الله عنه ، وخطب لنفسه بنت عمها هالة بنت أهيب .
ففي تاريخ دمشق : 3 / 418 : « أن عبد المطلب خرج إلى اليمن فلقيه رجل من اليهود له علم ، فنظر إلى عبد المطلب فقال : أرني منك شيئين ، فقال عبد المطلب : وإني أريك ما لم يكن عورة ، فقال لا أريد العورة ، أريد أن أنظر إلى أنفك وإلى كفيك فقال : أنظر ، فقال له : أبسط كفيك فبسطهما فقال : أما في أحد كفيك ملك ، وأما أنفك فإن فيه النبوة ، ولا يتم ذلك إلا في بني زهرة ، هل لك في شاعة ؟ قال : لا . قال فتزوج في بني زهرة . قال : فلما رجع عبد المطلب تزوج هالة بنت وهيب ، وزوج عبد الله آمنة بنت وهب » .
قال الحاكم : 3 / 192 : « كانت في حجر عمها أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وإن عبد المطلب بن هاشم جاء بابنه عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتزوج عبد الله آمنة بنت وهب ، وتزوج عبد المطلب هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وهي أم حمزة بن عبد المطلب في مجلس واحد ، وكان » حمزة « قريب السن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخاه من الرضاعة » .
وروى ابن شاذان في الفضائل / 6 ، عن الواقدي أن عقيل بن أبي وقاص أجرى عقد قران عبد الله بآمنة « عليهما السلام » فقال لوهب : « يا أبا الوداح زوجتَ كريمتك آمنة من ابن سيدنا عبد المطلب على صداق أربعة آلاف درهم بيض هجرية جياد وخمس مائة مثقال ذهب أحمر ؟ قال : نعم . ثم قال : يا عبد الله قبلت بهذا الصداق يا أيها السيد الخاطب ، قال : نعم . ثم دعا لهما بالخير والكرامة ، ثم أمر وهب أن تقدم المائدة فقدمت مائدة خضرة ، فأتى من الطعام الحار والبارد والحلو والحامض فأكلوا وشربوا . قال ونثر عبد المطلب على ولده قيمة ألف درهم من النثار ، وكان متخذاً من مسك بنادق ، ومن عنبر ، ومن سكر ومن كافور . ونثر ذهب بقيمة ألف درهم عنبر » .
أقول : والرواية طويلة ، ذكرت أن عبد الله دخل بعروسه في ذلك اليوم ، ولا بد أن يكون المخاطب عم آمنة أهيب أخ وهب لأنه كان وليها ، وكان أبوها وهب توفي ، كما تقدم . على أن هذه الرواية ربما كانت موضوعة .
7 . حملت به أمه في منى في بيت أبيه عبد المطلب
في الكافي : 1 / 439 : « حملت به أمه في أيام التشريق ، عند الجمرة الوسطى ، وكانت في منزل عبد الله بن عبد المطلب » .
وقال السهيلي : 1 / 183 : « قال الزبير » بن بكار : « كان مولده في رمضان . وهذا القول موافق لقول من قال إن أمه حملت به في أيام التشريق . وذكروا أن الفيل جاء مكة في المحرم ، وأنه ولد بعد مجئ الفيل بخمسين يوماً . وهو الأكثر والأشهر » .
والمتفق عليه أن ولادته ( صلى الله عليه وآله ) في ربيع الأول ، فلا يمكن أن يكون حمله في أيام التشريق في ذي الحجة . ولعل سبب الاشتباه أن عرس عبد الله كان في بيت أبيه عبد المطلب في منى عند الجمرة ، وهو البيت الذي بايع فيه الأنصار بيعة العقبة ، فاشتبه الراوي وأضاف اليه الزمان ، وتصور أنه كان في أيام التشريق .
ويؤيد ما قلناه الرواياتُ التي ذكرت مكان الحمل به دون زمانه ، كقول الإمام الباقر ( عليه السلام ) « الكافي 4 / 209 » : « أراد أن يذبحه ، أي إسماعيل في الموضع الذي حملت أم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند الجمرة الوسطى ، فلم يزل مضربهم يتوارثون به كابر عن كابر ، حتى كان آخر من ارتحل منه علي بن الحسين ( عليه السلام ) في شئ كان بين بني هاشم وبين بني أمية ، فارتحل فضرب بالعرين » .
8 . المرأة التي عرضت نفسها على عبد الله
رووا أن كاهنةً رأت النور في غرة والد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فطلبت منه أن يتزوجها لتحمل منه ، ولعله خبر صحيح لأن توقع ولادة النبي الموعود كان منتشراً .
قال الطبري : 2 / 6 : « خرج عبد المطلب بعبد الله ليزوجه ومر به على كاهنة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مُر ، متهودة من أهل تُبالة ، قد قرأت الكتب ، فرأت في وجهه نوراً ، فقالت له : يا فتى هل لك أن تقع عليَّ الآن وأعطيك مائة من الإبل . . فمضى به فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة » .
وقال ابن سعد : 1 / 95 : « المرأة التي عرضت نفسها على عبد الله بن عبد المطلب : وقد اختلف علينا فيها ، فمنهم من يقول كانت قتيلة بنت نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي أخت ورقة بن نوفل . . وكانت تنظر وتعتاف » تتفرس « فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فدعته يستبضع منها ، ولزمت طرف ثوبه ، فأبى . . ومنهم من يقول كانت فاطمة بنت مُرّ الخثعمية » .
وقال في الروض الأنف : 1 / 178 : « وفي غريب ابن قتيبة : أن التي عرضت نفسها عليه هي : ليلى العدوية » .
9 . توفي عبد الله في المدينة وهو شاب
قال ابن سعد : 1 / 99 : « خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام إلى غزة ، في عير من عيرات قريش يحملون تجارات ، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا ، فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض ، فقال : أنا أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار ، فأقام عندهم مريضاً شهراً ، ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا : خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ، ودفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي بن النجار في الدار التي إذا دخلتها فالدويرة عن يسارك ، وأخبره أخواله بمرضه وبقيامهم عليه وما ولوا من أمره ، وأنهم قبروه . فرجع إلى أبيه فأخبره فَوَجَدَ عليه عبد المطلب وإخوته وأخواته وَجْداً شديداً » . وفي رواية أن أباه عبد المطلب أرسله إلى المدينة ليمتار لهم تمراً .
10 . ما ورثه النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من أبيه وأمه « عليهما السلام »
قال البلاذري في أنساب الأشراف : 1 / 96 : « ورث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أبيه أم أيمن واسمها بركة فأعتقها ، وخمسة أجمال أوارك « تأكل الأراك » وقطعة غنم ، وسيفاً مأثوراً وورقاً « سيفاً قديماً ونقداً » فكانت أم أيمن تحضنه ويسميها أمي . وقال بعض الرواة : ورث أم أيمن من أمه ، فأعتقها » .
وورث النبي عن أبيه غلامه شَقْران الذي شارك في تجهيزه . تاريخ دمشق : 4 / 271 .
11 . آمنة بنت وهب من كرائم العرب
قال الطبري : 2 / 5 : « فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة ، ووهب يومئذ سيد بني زهرة سناً وشرفاً ، فزوجه آمنة بنت وهب ، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً ، وهي لِبَرَّة بنت عبد العزى » .
وتقدم في رواية الصدوق « رحمه الله » « كمال الدين / 176 » أن سيف بن ذي يزن كان يتوقع ظهور النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنه قال لعبد المطلب : « هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد فيه ، اسمه محمد ، يموت أبوه وأمه ويكلفه جده وعمه ، وقد ولد سراراً والله باعثه جهاراً ، وجاعل له منا أنصاراً ، ليعز بهم أولياؤه ، ويذل بهم أعداءه . . فهل أحسست شيئاً مما ذكرته ؟ فقال : كان لي ابن وكنت به معجباً وعليه رفيقاً ، فزوجته بكريمة من كرائم قومي ، اسمها آمنة بنت وهب ، فجاءت بغلام سميته محمداً ، مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه . فقال ابن ذي يزن : إن الذي قلتُ لك كما قلتُ لك ، فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود ، فإنهم له أعداء » . والمنمق / 426 . راجع : الأخبار الطوال / 63 ، اليعقوبي : 1 / 165 و 2 / 9 ، الطبقات : 5 / 533 .
12 . تحدثت آمنة عن حملها برسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) )
قال الصدوق في كمال الدين / 196 : « لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب زوجه عبد المطلب آمنة بنت وهب الزهري ، فلما تزوج بها حملت برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فروي عنها أنها قالت : لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل ، فرأيت في نومي كأن آت أتاني فقال لي : قد حملت بخير الأنام ، فلما حان وقت الولادة خف علي ذلك حتى وضعته ، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه ، وسمعت قائلاً يقول : وضعت خير البشرفعوذيه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد . فولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول يوم الاثنين . فقالت آمنة : لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء ، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والأرض .
ورُميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السماء ، ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء ففزعوا لذلك وقالوا : هذا قيام الساعة ، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك ، وكان شيخاً كبيراً مجرباً فقال : أنظروا إلى هذه النجوم التي تهتدوا بها في البر والبحر ، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة وإن كانت هذه ثابته فهو لأمر قد حدث .
وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنهم قد منعوا من السماء ورموا بالشهب ، فقال : أطلبوا فإن أمراً قد حدث ، فجالوا في الدنيا ورجعوا وقالوا : لم نر شيئاً ، فقال : أنا لهذا ، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلما انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفاً بالملائكة ، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : إخسأ يا ملعون ، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصُّرد [ العصفور ] قال : يا جبرئيل ما هذا ؟ قال : هذا نبي قد ولد وهو خير الأنبياء ، قال : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا ، قال : ففي أمته ؟ قال : بلى ، قال : قد رضيت » .
وفي الكافي : 1 / 454 و 8 / 302 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كان حيث طَلَقَتْ آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت . لما ولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فُتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام ، فقالت إحداهما للأخرى : هل ترين ما أرى ؟ فقالت : وما ترين ؟ قالت : هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب ! فبينما هما كذلك إذا دخل عليهما أبو طالب فقال لهما : ما لكما من أي شئ تعجبان ؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت ، فقال لها أبو طالب : ألا أبشرك ؟ فقالت : بلى ، فقال : أما إنك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود » .
وفي الكافي : 1 / 452 : « إصبري سبتاً أبشرك بمثله إلا النبوة ، وقال : السبت ثلاثون سنة . وكان بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ثلاثون سنة » .
يدل هذا على أن أبا طالب وعبد المطلب يعلمان بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإمامة علي ( عليه السلام ) .
13 . وُلِد رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يوم الجمعة
قال رواة السلطة إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولد يوم الاثنين ، وقال أهل البيت « عليهم السلام » : وُلِد يوم الجمعة فجراً ، ففي قرب الإسناد / 299 ، عن علي بن جعفر قال : « جاء رجل إلى أخي « موسى بن جعفر ( عليه السلام ) » فقال له : جعلت فداك ، إني أريد الخروج فادع لي . قال : ومتى تخرج ؟ قال : يوم الاثنين . فقال له : ولمَ تخرج يوم الاثنين ؟ قال : أطلب فيه البركة ، لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وُلد يوم الاثنين . فقال : كذبوا ! وُلد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم الجمعة ، وما من يوم أعظم شؤماً من يوم الاثنين ، يوم مات فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وانقطع فيه وحي السماء ، وظُلمنا فيه حقنا !
ألا أدلك على يوم سَهْلٍ ألانَ الله تبارك وتعالى لداود فيه الحديد ؟ فقال الرجل : بلى جعلت فداك . قال : أخرج يوم الثلاثاء » .
وفي الحدائق الناضرة : 17 / 423 ملخصاً : « كان مولده بمكة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد طلوع الفجر ، سابع عشر شهر ربيع الأول عام الفيل ، وهذا هو المشهور بين أصحابنا رضوان الله عليهم . وقيل لاثنتي عشرة مضت من الشهر ، وقيل اليوم العاشر منه ، وقيل الثاني . وبُعث ( صلى الله عليه وآله ) في اليوم السابع والعشرين من رجب ، وله أربعون سنة . وقُبض بالمدينة يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة . ونقل في الدروس قولاً بأنه قبض لاثنتي عشرة من شهر ربيع الأول ، واختاره الكليني . . وذكر جمع من أصحابنا منهم الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى أنه قبض مسموماً » .
وقال الكليني في الكافي : 1 / 439 : « ولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف ، في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار ، وقد أخرجت الخيزران ذلك البيت فصيرته مسجداً يصلي الناس فيه . . .
وتوفي أبوه عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة عند أخواله وهو ابن شهرين ، وماتت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وهو ابن أربع سنين ، ومات عبد المطلب وللنبي ( صلى الله عليه وآله ) نحو ثمان سنين ، وتزوج خديجة ، وهو ابن بضع وعشرين سنة » .
« الدار التي اشتراها محمد بن يوسف أخو الحجاج من ورثة عقيل بن أبي طالب بمائة ألف دينار ، ثم صيرتها الخيزران أم الرشيد مسجداً يصلي فيه الناس ويزورونه ويتبركون به ، وبقي على حالته تلك ، فلما أخذ الوهابيون مكة في عصرنا هذا هدموه ومنعوا من زيارته ! على عادتهم في المنع من التبرك بآثار الأنبياء والصالحين ، وجعلوه مربطاً للدواب » . أعيان الشيعة : 1 / 219 والصحيح : 2 / 68 .
أقول : اسم المكان شعب أبي طالب « رحمه الله » ، أو شعب بني هاشم ، ويسمونه الآن شِعب علي ( عليه السلام ) ، وقد رأيتُه سنة 1961 ميلادية وكان واضح المعالم ، وفي يسار مدخله بيت عبد الله والد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو مكان مولده الشريف ، وكان يومها مكتبة باسم : مكتبة مكة ، ثم أراد مشايخهم هدمه فمنعتهم الحكومة خوفاً من المسلمين ، فأبقوخالياً إلى يومنا هذا سنة 1438 ، ينتظرون فرصة لهدمه !
ورأيت يومها بيت أبي طالب « رحمه الله » داخل الشعب إلى اليمين ، في مكان مرتفع ، وقد جعلوه مدرسة باسم : مدرسة النجاح ، ثم أزالوه مع البيوت ، وأزالوا أكثر الجبلين اللذين يقع الشعب بينهما .
وفي الجهة الغربية مقابل شعب أبي طالب ، بيت خديجة « عليها السلام » وكان في سوق الليل أو سوق الذهب ، ويسمى : مولد فاطمة الزهراء « عليها السلام » ، وجعلوه مدرسة للبنات ، ثم أزالوه فيما أزالوا ، بل أمعنوا في أذاهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فجعلوه مرافق !
فكأن لهؤلاء الوهابية عداوةً مع آثار النبي وآله الأطهار ( صلى الله عليه وآله ) فهم يبادرون إلى إزالتها حتى لو كانت مساجد أو مملوكة للناس ! لكنهم حافظوا على حصن عدو الإسلام اليهودي كعب بن الأشرف ، الذي حاول اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبقوه بسوره وساحته وبئره ، وغرفه العشرة ، بعهدة بلدية المدينة المنورة ، جنب حديقة البلدية العامة ! وتجد صورته في شبكة النت !
14 . بعض الآيات الربانية عند ولادته ( ( صلى الله عليه وآله ) )
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) « الكافي : 8 / 300 » : « لما ولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاء رجل من أهل الكتاب « الحاخام يوسف » إلى ملأ من قريش فيهم هشام بن المغيرة ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن هشام ، وأبو وجزة بن أبي عمرو بن أمية ، وعتبة بن ربيعة ، فقال : أوُلدَ فيكم مولودٌ الليلة ؟ فقالوا : لا ، قال : فولد إذاً بفلسطين غلام اسمه أحمد به شامة كلون الخزِّ الأدكن ، ويكون هلاك أهل الكتاب واليهود على يديه ، قد أخطاكم والله يا معشر قريش ! فتفرقوا وسألوا فأخبروا أنه ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام ، فطلبوا الرجل فلقوه فقالوا : إنه قد ولد فينا والله غلام ! قال : قبل أن أقول لكم أو بعدما قلت لكم ؟ قالوا : قبل أن تقول لنا ، قال : فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه ، فانطلقوا حتى أتوا أمه فقالوا : أخرجي ابنك حتى ننظر إليه ، فقالت : إن ابني والله لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان ، لقد اتقى الأرض بيديه ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ، ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بصرى ، وسمعت هاتفاً في الجو يقول : لقد ولدته سيد الأمة ، فإذا وضعته فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ، وسميه محمداً ، قال : فأخرجيه ، فأخرجته فنظر إليه ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه فخرَّ مغشياً عليه ! فأخذوا الغلام فأدخلوه إلى أمه وقالوا : بارك الله لك فيه . فلما خرجوا أفاق فقالوا له : ما لك ويلك ؟ قال : ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة ، هذا والله من يُبيرهم ! ففرحت قريش بذلك ، فلما رآهم قد فرحوا قال : قد فرحتم ! أما والله ليسطون بكم سطوةً يتحدث بها أهل المشرق والمغرب » .
وفي أمالي الصدوق / 360 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع ، فلما ولد عيسى ( عليه السلام ) حجب عن ثلاث سماوات . وكان يخترق أربع سماوات ، فلما ولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حجب عن السبع كلها ، ورميت الشياطين بالنجوم ، وقالت قريش : هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه ! وقال عمرو بن أمية ، وكان من أزجر أهل الجاهلية : أنظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ، ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف ، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شئ ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها ، فهو أمر حدث !
وأصبحت الأصنام كلها صبيحة مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليس منها صنم إلاوهو منكبٌّ على وجهه ، وارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى ، وسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وفاض وادي السماوة ، وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأى المؤبذان « عالم المجوس » في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً ، قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه ، وانخرقت عليه دجلة العوراء ، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ، ثم استطار حتى بلغ المشرق ، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح مُنكَّساً ، والملك مُخْرَسّاً لا يتكلم يومه ذلك .
وانتزع عِلْمُ الكهنة وبطل سحر السحرة ، ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها ، وعظمت قريش في العرب ، وسموا آل الله عز وجل . قال أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : إنما سموا آل الله عز وجل ، لأنهم في بيت الله الحرام . وقالت آمنة : إن ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده ، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ، ثم خرج مني نور أضاء له كل شئ ، وسمعت في الضوء قائلاً يقول : إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمداً ، وأتيَ به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه ، فأخذ فوضعه في حجره ، ثم قال :
الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الأردانِ
قد ساد في المهد على الغلمانِ
ثم عوذه بأركان الكعبة وقال فيه أشعاراً .
قال : وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه فقالوا : ما الذي أفزعك يا سيدنا ؟ فقال لهم : ويلكم ، لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة ، لقد حدث في الأرض حدث عظيمٌ ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم ، فأخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا : ما وجدنا شيئاً !
فقال إبليس : أنا لهذا الأمر . ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ، ثم صار مثل الصِّر وهو العصفور فدخل من قبل حراء فقال له جبرئيل : وراءك لعنك الله . فقال له : حرف أسألك عنه يا جبرئيل ، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض ؟ فقال له : ولد محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! فقال له : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا . قال : ففي أمته ؟ قال : نعم . قال : رضيت » .
وفي دعائم الإسلام : 2 / 142 في قوله تعالى في سورة الجن : وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا : « عن علي ( عليه السلام ) قال : كنا مع رسول الله ذات ليلة إذ رمي نجم فاستضاء ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للقوم : ما كنتم تقولون في وقت الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا ؟ قالوا : كنا نقول : مات عظيم وولد عظيم ، فقال : فإنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياة أحد ، ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبَّح حملة العرش فقالوا : قضى ربنا بكذا ، فيسمع ذلك أهل السماء التي تليهم فيقولون ذلك حتى يبلغ ذلك أهل السماء الدنيا . فتسترق الشياطين السمع ، فربما اعتقلوا شيئاً فأتوا به الكهنة ، فيزيدون وينقصون ، فتخطئ الكهنة وتصيب .
ثم إن الله منع السماء بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة ، وتلا قول الله عز وجل : إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ . وقوله جل ثناؤه : وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَداً » .
15 . نَسَبٌ طاهرٌ شامخٌ إلى إبراهيم وآدم ( ( عليهم السلام ) )
في الصحيح : 2 / 63 : « هو أبو القاسم محمد ( صلى الله عليه وآله ) بن عبد الله ، بن عبد المطلب شيبة الحمد ، بن هاشم ، بن عبد مناف ، بن قصي ، بن كلاب ، بن مرة ، بن كعب ، بن لؤي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك ، بن نضر ، بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن إلياس ، بن مضر ، بن نزار ، بن معد ، بن عدنان .
قالوا : إن هذا هو المتفق عليه من نسبه الشريف ، أما ما فوقه ففيه اختلاف كثير ، غير أن مما لا شك فيه هو أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل ( عليه السلام ) .
وروي أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا » .
وفي نهاية الإرب في معرفة أنساب العرب : 1 / 10 : « أما عمود نسب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فعلى ما ذكره ابن إسحاق في السيرة وتبعه عليه ابن هشام . . . ثم أكمل النسب فقال : بن عدنان ، بن أدد ، بن مقوم ، بن ناحور ، بن تارخ ، بن يعرب ، بن يشجب ، بن نابت ، بن إسماعيل ، بن إبراهيم ، بن تارخ وهو آزر ، بن تاخور بن شارخ ، بن أرغو ، بن فالغ ، بن عابر ، بن شالخ ، بن أرفخشد ، بن سام ، بن نوح ، بن لامك ، بن متوشلخ ، بن أخنوخ وهو إدريس ، بن يرد ، بن مهلائيل ، بن قنين ، بن يافت بن شيث ، بن آدم ( عليه السلام ) . والاتفاق على هذا النسب الشريف إلى عدنان . وفيما بعد عدنان إلى إسماعيل فيه خلاف كثير » .
وفي شعب الإيمان للبيهقي : 2 / 137 : « نسبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صحيحة إلى عدنان ، وما وراء ذلك فليس فيه شئ يعتمد . . وذلك لاختلاف النسابين في ذلك ، منهم من يزيد ومنهم من ينقص ، ومنهم من يُغَيِّر » .
أقول : اتفق المؤرخون على أسماء أجداد النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى عدنان ، وهم واحد وعشرون جداً ، ثم ذكروا ثمانية أجداد إلى إبراهيم ( عليه السلام ) ، وسبعاً وعشرين جداً إلى آدم ( عليه السلام ) ، لكن هذا لا يتفق مع المدة التي رووها ، وهي 600 سنة إلى عيسى ( عليه السلام ) ، ثم 1270 سنة إلى موسى ( عليه السلام ) ، ثم 500 سنة إلى إبراهيم ( عليه السلام ) ، خاصة إذا افترضنا لكل ثلاثة آباء قرناً .
وقد بنوا كلامهم وكتبهم على رواية اليهود بأن عمر الأرض سبعة آلاف سنة ! وروى العياشي : 1 / 31 عن الصادق ( عليه السلام ) أن الله أسكن في الأرض الملائكة والجن قبل آدم ، وأنه قدر لآدم عشرة آلاف عام . لكنها ضعيفة لا يعتمد عليها .
وروي عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال لأبي حمزة الثمالي : « أتظن أن الله لم يخلق خلقاً سواكم ؟ بلى والله لقد خلق الله ألف ألف آدم ، وألف ألف عالم ، وأنت والله في آخر تلك العوالم » . مشارق أنوار اليقين / 60 .
وأقوال المؤرخين في عمر الإنسان على الأرض كلها ظنونٌ ليس فيها علم ولا اطمئنان ، وكذا قول علماء الطبيعة إن عمر الإنسان على الأرض ملايين السنين .
ومعنى قوله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا ، أن ما بأيديكم بعد عدنان غيردقيق ، ولعل معناه أن معلوماتكم عن التاريخ خطأ ، وتصحيحها متشعب ولم يؤمر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! راجع الإختصاص / 50 ، البحار : 54 / 86 ، ابن خلدون : 2 ق : 1 / 3 و 298 ، الحاكم : 2 / 598 ، كشف الخفاء : 2 / 314 ، تفسير الرازي : 19 / 179
وقصة الحضارة مجلد : 34 .
16 . رضاع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) من أمه آمنة ( عليها السلام )
أكثر المؤرخون والمحدثون من الرواية في رضاع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وضاعت الحقيقة لتفاوت مروياتهم ووجود المكذوب فيها . فقالوا : إن أمه لم ترضعه لأنها كانت قليلة اللبن ، أو أرضعته أياماً قليلة ، ثم أرضعته ثويبة أمة أبي لهب أياماً ، ثم جاءت حليمة ! وقصدهم بذلك مدح أبي لهب والطعن في أسرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولذا قالوا : إن المرضعات زهدن فيه لأنه يتيم ، مع أنه جده عبد المطلب رئيس قريش والعرب ، ومطعم الحجيج ، والناس تتنافس للتعامل معه !
والصحيح أن أمه « عليها السلام » أرضعته مدة سنة أو أكثر ، ثم أعطته إلى حليمة لينشأ في باديتهم قرب الطائف ، كما كانت عادة أهل مكة .
قال الشهيد الثاني « رحمه الله » في شرح اللمعة : 5 / 165 والمسالك : 1 / 376 : « قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا أفصح العرب بَيْدَ أني من قريش ونشأت في بني سعد ، وارتضعت من بني زهرة » . فافتخر بالرضاع كما افتخر بالنسب ، وهذه القبائل أفصح العرب .
وفي الإختصاص / 187 ، أن أعرابياً سأله : « يا رسول الله من أَدَّبَكَ ؟ قال : الله أدبني وأنا أفصح العرب ، بيد أني من قريش ، وربيت في حجرٍ من هوازن » .
ورواه من السنيين : النووي في المجموع : 18 / 227 ، ابن حجر في تلخيص الحبير : 4 / 13 والمهذب في فقه الشافعي للشيرازي : 3 / 145 .
فرضاعه الأول ( صلى الله عليه وآله ) من أمه آمنة بنت وهب « عليها السلام » هو الأصل والمؤثر في شخصيته . ورضاعه الثاني من حليمة تكميلٌ أو إضافة ! فقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ارتضعت من بني زهرة ، معناه رضاعاً كاملاً عرفاً ، لمدة سنة ونحوها .
وتتعجب من كثرة روايتهم : « أنا أفصح من نطق بالضاد ، بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد » . وقلة روايتهم حديث رضاعه من أمه ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك كثرة روايتهم افتخاره بنشأته في بني سعد ، كالذي رواه الطبراني في الكبير : 6 / 36 : « عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا النبي لا كذب ، أنا بن عبد المطلب ، أنا أعرب العرب ، ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر ، فأنى يأتيني اللحن » . والسيوطي في الصغير : 1 / 411 والخصائص : 1 / 63 والعجلوني : 1 / 206 وابن قتيبة في المعارف / 132 ، ابن منظور : 3 / 99 والفائق : 1 / 9 و 126 .
والظاهر أنه ( صلى الله عليه وآله ) كرر ذلك في مناسبات عديدة ، ليذعن العرب لنبوته ، ففي معاني الأخبار / 320 : « عن محمد بن إبراهيم التميمي قال : كنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنشأت سحابة فقالوا : يا رسول الله هذه سحابة ناشئة . فقال : كيف ترون قواعدها ؟ قالوا : يا رسول الله ما أحسنها وأشد تمكنها ، قال : كيف ترون بواسقها ؟ قالوا : يا رسول الله ما أحسنها وأشد تراكمها . قال : كيف ترون جونها ؟ قالوا : يا رسول الله ما أحسنه وأشد سواده . قال : فكيف ترون رحاها ؟ قالوا : يا رسول الله ما أحسنها وأشد استدارتها . قال : فكيف ترون برقها أخفواً أم وميضاً أم يشق شقاً ؟ قالوا : يا رسول الله بل يشق شقاً ، فقال رسول الله : الحيا . فقالوا : يا رسول الله ما أفصحك ، وما رأينا الذي هو أفصح منك ! فقال : وما يمنعني من ذلك ، وبلساني نزل القرآن بلسان عربي مبين .
ثم روى الصدوق « رحمه الله » تفسيره عن أبي عبيد قال : « القواعد : هي أصولها المعترضة في آفاق السماء ، وأحسبها تشبه بقواعد البيت وهي حيطانه ، والواحدة قاعدة ، قال الله عز وجل : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ . وأما البواسق ففروعها المستطيلة إلى وسط السماء إلى الأفق الآخر ، وكذلك كل طويل فهو باسق ، قال الله عز وجل : وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ . والجُون هو الأسود اليحمومي وجمعه جُوَن . وأما قوله : فكيف ترون رحاها ، فإن رحاها استدارة السحابة في السماء ولهذا قيل : رحا الحرب ، وهو الموضع الذي يستدار فيه لها ، والخَفْوُ الاعتراض من البرق في نواحي الغيم وفيه لغتان ، ويقال : خفا البرق يخفو خفواً ويخفى خفياً . والوميض : أن يلمع قليلاً ثم يسكن ، وليس له اعتراض ، وأما الذي يشق شقاً فاستطالته في الجو إلى وسط السماء ، من غير أن يأخذ يميناً ولا شمالاً . قال مصنف هذا الكتاب : والحيا : المطر » .
17 . نشأته في البادية ورضاعه من حليمة
تناقضت روايتهم في كيفية أخذ حليمة له ومدة إرضاعها إياه ! ولم أجد ما يطمأن اليه في ذلك عن أئمة أهل البيت « عليهم السلام » ، والمؤكد أن عبد المطلب « رحمه الله » سلمه إلى زوجها الحارث السعدي ، فأخذه إلى منازلهم في بادية الطائف ، وأرضعته حليمة مدة من الزمن ، وأعادته إلى جده فأكرمهم .
ومن المقولات الكاذبة قولهم إنه ( صلى الله عليه وآله ) كان يتيماً فزهدت فيه المرضعات ، مع أنه حفيد عبد المطلب زعيم العرب ! وكذلك قولهم إن ثويبة أو ثويبية مولاة أبي لهب أرضعته ( صلى الله عليه وآله ) ! وغرضهم تخفيف العذاب عن أبي لهب « البخاري : 6 / 125 » لأنه حليف أعداء النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذين حكموا من بعده !
وقال الكراجكي « رحمه الله » في كنز الفوائد / 72 : « وشرف الله تعالى حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية برضاعه وخصها بتربيته ، وكانت ذات عقل وفضل ، فروت من آياته ما يبهر عقول السامعين ، وأغناها الله ببركته في الدنيا والدين ، وكان لا يرضع إلا من ثديها اليمين . قال ابن عباس : ألهم العدل حتى في رضاعه ، لأنه علم أن له شريكاً ، فناصفه عدلاً منه ( صلى الله عليه وآله ) ! قالت حليمة : ولم أر قط ما يُرى للأطفال ، طهارةً ونظافةً ، وإنما كان له وقت واحد ثم لا يعود إلى وقته من الغد ، وما كان شئ أبغض إليه من أن يرى جسده مكشوفاً ، فكنت إذا كشفته يصيح حتى أستر عليه . . وكان بنوسعيد يرون البركات بمقامه معهم وسكناه بينهم ، حتى أنهم كانوا إذا عرض لدوابهم بؤس أتوا بها إليه ليمسها بيده ، فيزول ما بها وتعود إلى أحسن حالها ! ولم يزل كذلك إلى أن ردته حليمة إلى أهله ، فاشتمل عليه جده عبد المطلب يحبوه التُّحف ويمنحه الطُّرف ، ويعد قريشاً به ويخبرهم بما يكون من حاله ، إلى أن دنت وفاته فوضعه في حجر أبي طالب وأوصاه به ، وأمره بحياطته ورعايته ، وعرفه ما يكون من أمره » .
وفي المناقب : 1 / 32 : « وروي عن حليمة أنه جلس محمد وهو ابن ثلاثة أشهر ، ولعب مع الصبيان وهو ابن تسعة ، وطلب مني أن يسير مع الغنم يرعى وهو ابن عشرة ، وناضل الغلمان بالنبل وهو ابن خمسة عشر ، وصارع الغلمان وهو ابن ثلاثين « شهراً » ثم رددته إلى جده » .
وحديث المناقب الآنف إنها أعادته وعمره ثلاثون شهراً أي سنتين ونصفاً . قريب من قول ابن الجوزي في عيون التاريخ : 1 / 18 : « ثم أرضعته حليمة بنت عبد الله السعدية ، وردته إلى أمه بعد سنتين وشهرين » .
لكن في رواية العدد القوية / 122 والمناقب : 1 / 149 عن كتاب العروس وتاريخ الطبري : « ثم أرضعته حليمة السعدية ، فلبث فيهم خمس سنين » .
وفي صفوة الصفوة / 27 : « وقال ابن قتيبة : لبث فيهم خمس سنين . . فكان عند أمه آمنة إلى أن بلغ ست سنين ، ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار تزورهم به ومعها أم أيمن تحضنه فأقامت به عندهم شهراً ، ثم رجعت به إلى مكة ، فتوفيت بالأبواء ، فقبرها هنالك » .
وفي تاريخ الذهبي : 1 / 46 : « ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وأخذته معها إلى أرضها ، فأقام معها في بني سعد نحو أربع سنين ، ثم ردته إلى أمه » .
وروى ابن سعد أنها جاءت به بعد أربع سنين لما جاء الملكان وشقا صدره ، ثم عادت به فبقي سنة ! لكن خبر شق الصدر عندنا مكذوب . والمرجح عندنا : أن أمه ( صلى الله عليه وآله ) أرضعته سنة أو نحوها ، ثم أخذته حليمة السعدية فبقي عندها في بني سعد نحو أربع سنين . ويحتمل أن تكون حليمة في مدة وجوده عندها ، تأتي به إلى أمه فيبقى أياماً أو شهراً ، ثم تأخذه ، لأن مكان حليمة قرب الطائف وهو على بعد يومين أو أقل من مكة ، وهذه مسافة قريبة يومها .
18 . وفاؤه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لحليمة وأولادها
رويَ أن حليمة السعدية توفيت قبل هجرته ( صلى الله عليه وآله ) فبكى لها .
وفي الكافي : 2 / 161 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أتته أخت له من الرضاعة ، فلما نظر إليها سُرَّ بها وبسط ملحفته لها فأجلسها عليها ، ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها ، ثم قامت وذهبت وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل ؟ فقال : لأنها كانت أبرُّ بوالديها منه » .
وفي جواهر العقود : 2 / 161 : « روي أن وفد هوازن قدموا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فكلموه في سبي أوطاس : فقال رجل من بني سعد : يا محمد ، إنا لو كنا ملَّحْنَا للحارث بن
أبي شمر « أي أرضعنا لملك الشام » أو للنعمان بن المنذر « ملك الحيرة » ثم نزل منزلك هذا منا لحفظ ذلك لنا ، وأنت خير المكفولين فاحفظ ذلك . وإنما قالوا له ذلك لأن حليمة التي أرضعت النبي كانت من بني سعد » .
وفي البحار : 22 / 262 : « لم يكن لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قرابة من جهة أمه إلا من الرضاعة فإن أمه آمنة بنت وهب لم يكن لها أخ ولا أخت . إلا أن بني زهرة يقولون : نحن أخواله لأن آمنة منهم ، ولم يكن لأبويه عبد الله وآمنة ولد غيره . . وكان له خالةٌ من الرضاعة يقال لها سلمى ، وهي أخت حليمة بنت أبي ذؤيب ، وله أخوان من الرضاعة عبد الله بن الحارث وأنيسة بن الحارث ، أبوهما الحارث بن عبد العزى بن سعد بن بكر بن هوزان » .
وسمتها الرواية الشيماء ، وسماها في الفضائل / 87 : حُرَّة ، وروى قصتها مع الحجاج ، قال : « لما وردت حرة بنت حليمة السعدية على الحجاج بن يوسف الثقفي فمثلت بين يديه قال لها : الله جاء بك ، فقد قيل عنك إنك تفضلين علياً على أبي بكر وعمر وعثمان ؟ ! فقالت : لقد كذب الذي قال إني أفضله على هؤلاء خاصة ؟ قال : وعلى من غير هؤلاء ؟ قالت : أفضله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وعلى موسى وداود وسليمان وعيسى بن مريم ! فقال لها : ويلك أقول لك إنك تفضلينه على الصحابة وتزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من أولي العزم من الرسل ؟ إن لم تأت ببيان ما قلت وإلا ضربت عنقك ! فقالت : ما أنا مفضلته على هؤلاء الأنبياء ، ولكن الله عز وجل فضله عليهم في القرآن . . الخ . » .
أقول : لعل هذه ابنة الشيماء أخت النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الرضاعة ، فلو كانت نفسها لكان عمرها في زمن الحجاج أكثر من مئة سنة !
هذا ، وقد رووا كثيراً من معجزاته ( صلى الله عليه وآله ) في رضاعه ونشأته في بني سعد ، وبعضها مقبول ، وأكثرها مرسل ، وبعضها مردود ، كحديث شق الصدر .
19 . زيارة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) قبري والديه عبد الله وآمنة ( ( صلى الله عليه وآله ) )
كان قبر عبد الله والد نبينا ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة المنورة مزاراً إلى الأمس ، بناه المسلمون من قديم وآخرهم سلاطين مصر والدولة العثمانية ، وقد زرته في سنة 1964 وسنة 1965 ميلادية ، وكان بيتاً داخل سوق المدينة غربي المسجد ، وكانت واجهة بابه الخارجي وعتبته أحجاراً ، نقشت عليها كتيبة بالعربية والتركية . وقد أقفله مشايخ الوهابية يومها مقدمة لهدمه !
أما الآن فأزالوه ودخل مكانه في توسعة ساحة المسجد النبوي ، ولم يبق له أثر !
كما أن قبر والدته آمنة « عليها السلام » في الأبواء في طريق مكة ، كان مزاراً للأوفياء لنبيهم وأسرته ( صلى الله عليه وآله ) ، ويعرف مكانه اليوم باسم « الخريبة » في منطقة الفرع .
قال في مراصد الاطلاع : 1 / 19 : « الأبواء : قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً . وبالأبواء قبر آمنة أم النبي » .
وقد أفتى فقهاؤنا باستحباب زيارة قبروالديه ( صلى الله عليه وآله ) وهذا نص زيارة أمه آمنة « عليها السلام » :
« السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة ، السلام عليك يا من خصها الله بأعلى الشرف ، السلام عليك يا من سطع من جبينها نور سيد الأنبياء فأضاءت به الأرض والسماء . السلام عليك يا من نزلت لأجلها الملائكة وضربت لها حجب الجنة .
السلام عليك يا من نزلت لخدمتها الحور العين وسقنها من شراب الجنة وبشرنها بولادة خير الأنبياء . السلام عليك يا أم رسول الله ، السلام عليك يا أم حبيب الله . فهنيئاً لك بما آتاك الله من فضله ، والسلام عليك وعلى رسول الله
ورحمة الله وبركاته » .
وشذ الوهابية عن كافة المسلمين فحرموا زيارة قبر أم النبي « عليها السلام » وعاقبوا من زاره !
ثم طغوا وفجَّروا القبر بالديناميت !
وكتب عبد الحسين البصري في شبكة الموسوعة الشيعية : 28 / 3 / 2000 موضوعاً بعنوان « ديناميت السلفية » ! قال فيه :
« للتاريخ فقط ، ولتبقى صفحة سوداء في وجة خوارج العصر ، نؤرخ لحدث وقع أصاب كبد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ألا وهو تفجير قبر آمنه بنت وهب أم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، الواقع في الأبواء وذلك في الثامن من مارس سنة 2000 ميلادي !
ألا لعنة الله على القوم الظالمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » .
ثم كتب في رد مزاعم الوهابيين بأن زيارة قبر آمنة « عليها السلام » شرك بالله تعالى !
20 . ظلم المسلمين لنبيهم في والديه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) !
قال الحموي في معجم البلدان : 1 / 79 : « وبالأبواء قبر آمنة بنت وهب أم النبي وكان السبب في دفنها هناك أن عبد الله والد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان قد خرج إلى المدينة يمتار تمراً فمات بالمدينة ، فكانت زوجته آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره ، فلما أتى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ست سنين خرجت زائرة لقبره ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما صارت بالأبواء منصرفةً إلى مكة ماتت بها ، ويقال إن أبا طالب زار أخواله بني النجار بالمدينة ، وحمل معه آمنة أم رسول الله ، فلما رجع منصرفاً إلى مكة ، ماتت آمنة بالأبواء » .
وقال ابن سعد : 1 / 116 : « فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم شهراً . فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يذكر أموراً كانت في مقامه ذلك : لما نظر إلى أطَمِ بني عدي بن النجار عرفه وقال : كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأطم ، وكنت مع غلمان من أخوالي نطيِّر طائراً كان يقع عليه . ونظر إلى الدار فقال : هاهنا نزلت بي أمي وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله بن عبد المطلب ، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار .
وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه ، فقالت أم أيمن : فسمعت أحدهم يقول هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته ، فوعيت ذلك كله من كلامه ،
ثم رجعت به أمه إلى مكة فلما كانوا بالأبواء توفيت آمنة بنت وهب فقبرها هناك ، فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدموا عليهما مكة ، وكانت تحضنه مع أمه ثم بعد أن ماتت . فلما مرَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عمرة الحديبية بالأبواء قال : إن الله قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه ، فأتاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأصلحه وبكى عنده ، وبكى المسلمون لبكاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .
أقول : زعم أتباع مذاهب الخلافة أن والدة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كافرة وأنها في جهنم ! وزعموا أنه استأذن ربه في زيارة قبرها وهو في طريقه إلى الحديبية فأذن له ، فبكى وأجهش بالبكاء طويلاً وأبكى المسلمين معه ، لكنه استأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له ، وأبقاها في نار جهنم والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يرى عذابها !
ففي شرح مسند أبي حنيفة للقاري / 335 : « فمكث طويلاً ثم اشتد بكاؤه حتى ظننا أنه لا يسكن . . قال : استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي ، فاستأذنته في الشفاعة فأبى ! فبكيت رحمة لها » !
وفي تفسير الطبري : 11 / 58 : « وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها حتى نزلت : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ » !
وفي السيرة الحلبية : 1 / 173 : « وفي رواية إن جبريل ضرب في صدره قال :
لا تستغفر لمن مات مشركاً ، فما رؤى باكياً أكثر منه يومئذ » !
وقال محمد ناصر الألباني في أحكام الجنائز / 187 : « عن أبي هريرة قال :
زار النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال : استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي » ! وصحيح مسلم : 3 / 65 وأبو داود : 2 / 72 .
وهكذا صوروا الرحمن الرحيم عز وجل خشناً قاسياً ، لا يرحم عواطف نبيه الإنسانية تجاه والدته ، ولا يعبأ ببكائه وحرقته عليها ، ولايسمح له أن يقول : اللهم اغفر لها ! فالمهم عندهم أن يكون آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمهاته في النار ! حتى لا يكونوا مؤمنين فيرثوا إسماعيل ( عليه السلام ) وتكون الخلافة في عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
ومن تناقضهم أنهم كذبوا أنفسهم ، فرووا أن هذه الآية نزلت قبل الحديبية وأن سبب نزولها غير هذا ! ثم كذبوا أنفسهم في موضع آخر فرووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) شفع لعمه أبي طالب فنقله من قعر جهنم إلى ضحضاحها ! صحيح بخاري : 4 / 247 !
ثم كذبوا أنفسهم فرووا في قوله تعالى : فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ « قال ( صلى الله عليه وآله ) : أجورهم : يدخلهم الجنة ، ويزيدهم من فضله : الشفاعة فيمن وجبت لهم النار ، ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا » . الدر المنثور : 2 / 249 .
وروى ابن ماجة : 2 / 1215 : « يُصَفُّ الناس يوم القيامة صفوفاً فَيَمُرُّ الرجل من أهل النار على الرجل فيقول : يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة ؟ قال : فيشفع له . ويمر الرجل فيقول : أما تذكر يوم ناولتك طهوراً ؟ فيشفع له » !
فتراهم عندما يصلون إلى والدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأجداده وعمه أبي طالب « عليهم السلام » يضيقون رحمة الله وشفاعة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) حتى لا تشملهم ، ويقلدون اليهود فينسبون إلى الله تعالى الشدة والقسوة على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) !
والسبب : أنهم بحاجة إلى تكفير أسرته ، ليرثوا سلطانه ، ويبعدوا عترته « عليهم السلام » !
21 . أم أيمن حاضنة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وخادمة فاطمة ( عليها السلام )
1 . كانت أم أيمن حاضنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ورثها من أبيه فأعتقها : « وورث خمسة أجمال أوارك « يرعون الأراك » وقطيعة غنم ، وسيفاً مأثوراً « تاريخياً » وورِقاً « نقداً » . « المناقب : 1 / 147 والطبقات : 1 / 100 » . « كان اسمها بركة ، فأعتقها وزَوَّجها عبيد الخزرجي بمكة ، فولدت له أيمن فمات زوجها فزوجها النبي ( صلى الله عليه وآله ) من زيد ، فولدت له أسامة ، أسود يشبهها ، فأسامة وأيمن أخَوَان لأم » . البحار : 22 / 263 .
كانت جارية سوداء نوبية « كتاب سليم / 389 » « فلما ولدت آمنة النبي بعدما توفي أبوه ، حضنته أم أيمن حتى كبر ، ثم أعتقها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم أنكحها زيد بن حارثة . توفيت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بخمسة أشهر » . قاموس الرجال : 12 / 193 .
روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة ، فليتزوج أم أيمن ، فتزوجها زيد بن حارثة ، فولدت له أسامة بن زيد » . الطبقات : 8 / 224 .
وكانت أم أيمن تخطئ في العربية : « قالت يوم حنين : سبت الله أقدامكم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أسكتي يا أم أيمن فإنك عسراء اللسان » . الطبقات : 8 / 225 .
2 . لما توفيت آمنة والدة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في رجوعها من المدينة : « فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدموا عليهما مكة ، وكانت تحضنه مع أمه ، ثم بعد أن ماتت » . الطبقات : 1 / 116 .
3 . في الطبقات : 1 / 117 وتاريخ دمشق : 3 / 85 : « قال عبد المطلب لأم أيمن وكانت تحضن رسول الله : يا بركة لا تغفلي عن ابني ، فإني وجدته مع غلمان قريباً من السدرة ، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة .
وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا قال : عليَّ بابني فيؤتى به إليه ، فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحياطته » .
4 . قالت أم أيمن عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « ما رأيته شكى ، صغيراً ولا كبيراً ، جوعاً ولا عطشاً ! كان يغدو فيشرب من زمزم ، فأعرض عليه الغداء فيقول : لا أريده أنا شبعان » . « الطبقات : 1 / 168 » . وقالت : « رأيته وهو ابن ثمان سنين يبكي خلف سرير عبد المطلب ، حتى دفن بالحجون » . الطبقات : 1 / 119 والبحار : 15 / 162 .
5 . كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول لها : يا أُمَّهْ ، ويزورها في بيتها . « الطبقات : 8 / 223 » . ويثق بها ، فقد وضع عندها أمانات الناس : « فلما أراد الهجرة سلمها إلى أم أيمن ، وأمر علياً ( عليه السلام ) أن يردها » . الحدائق الناضرة : 21 / 433 .
6 . وكذبوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه كان يبول في إناء فشربت أم أيمن بوله ، قالوا أنه بال ذات مرة في قدح وكان تحت سريره ، قالت أم أيمن : « فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر ، فلما أصبح النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة . قلت : قد والله شربت ما فيها ! قال فضحك النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : لن تشتكي بطنك » . نيل الأوطار : 1 / 106 والمناقب : 1 / 108 .
وضعفه في مجمع الزوائد لكنه صحح مثله : 8 / 270 : « كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره فقام فطلبه فلم يجده فسأل فقال أين القدح قالوا شربته سُرَّة خادم أم سلمة ، التي قدمت معها من أرض الحبشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد احتظرت من النار بحظار » .
وجوَّز ذلك الشافعي وغيره وحكموا بطهارة بول النبي ( صلى الله عليه وآله ) . المعتبر : 1 / 410 .
وروي أن أم أيمن : « ما مرضت حتى كان مرضها الذي ماتت فيه » . نيل الأوطار : 1 / 106 .
لكنها رواية مكذوبة ولعلها من أجل تبرير عمل بعضهم ! « راجع مسند الجعد / 41 » . لأن بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان فيه كنيف ، وفيه بيت للنار وللتنور ، أي مطبخ . وفيه غرفة كبيرة يستقبل فيها الناس تفتح على المسجد ، وفيه غرفة لابنته فاطمة « عليها السلام » ، وغرفة للخادم . قال علي ( عليه السلام ) « النوادر / 200 و 227 » : « كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا أراد أن يتنخع وبين يديه ناس ، غطى رأسه ثم دفنه ، وإذا أراد أن يبزق فعل مثل ذلك ، وكان إذا أراد الكنيف غطى رأسه » .
وقال ( عليه السلام ) : « علمني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا دخلت الكنيف أن أقول : اللهم إني أعوذ بك من الخبيث والخبائث المخبث ، النجس الرجس الشيطان الرجيم » .
فقد كانت الكُنف منشرة ، ولهذا نردُّ حديث أنه كان يبول في إناء من فخار أو عيدان ، وأن فلانة أو فلانة شربت بوله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكذا نردُّ حديث عائشة الذي يزعم أن بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان مدة بلا كنيف ! قالت : « البخاري : 3 / 155 » : « فخرجت أنا وأم مسطح قِبَل المناصع متبرزنا ، لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في البرية » . فهذا يصح في بيت أبيها ، وليس في بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
روى البيهقي : 1 / 93 : « عن ابن عمر : دخلت بيت حفصة فحانت مني التفاتة فرأيت كنيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مستقبل القبلة » . وقد توهم عبد الله في جهته .
ولهذا لا يصح ما رواه البخاري : 1 / 45 : « إن أزواج النبي كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح ، فكان عمر يقول للنبي أجب نساءك ، فلم يكن رسول الله يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة ، حرصاً على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب » .
فهو موضوع لإثبات أن آية حجب نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) نزلت بطلب عمر : « وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ » .
7 . وهاجرت أم أيمن مع ابنها أيمن وصغيرها أسامة ، فقد واعدهم عليٌّ ( عليه السلام ) : « أن يتسللوا ويتخفوا إذا ملأ الليل بطن كل واد ، إلى ذي طوى » فوافوه هناك ، ومعهم عدد من مستضعفي المسلمين . أمالي الطوسي / 469 وسبل الهدى : 3 / 267 .
8 . وكانت تعيش في المدينة مع زوجها زيد وتساعد الزهراء « عليها السلام » في عمل البيت ، ففي أمالي الطوسي / 669 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « زارنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد أهدت لنا أم أيمن لبناً وزبداً وتمراً ، فقدمناه فأكل منه ثم قام النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى زاوية البيت فصلى ركعات ، فلما كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً ، فلم يسأله أحد منا إجلالاً له ، فقام الحسين ( عليه السلام ) فقعد في حجره وقال له : يا أبت لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشئ كسرورنا بدخولك ، ثم بكيت بكاء غمنا فلمَ بكيت ؟ فقال : يا بني أتاني جبرئيل آنفاً فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ! فقال : يا أبت فما لمن يزور قبورنا على تشتتها ؟ فقال : يا بني ، أولئك طوائف من أمتي يزورونكم يلتمسون بذلك البركة ، وحقيق عليَّ أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم ، ويسكنهم الله الجنة » .
9 . لما تزوجت فاطمة « عليها السلام » أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أم أيمن فكانت تساعدها ، وروت عدة أحاديث في سيرتها ، وسيرة العترة الطاهرة « عليهم السلام » .
منها : عن ولادة الحسين ( عليه السلام ) وفضل تربته وأنها من بطحاء الجنة ، وأنها أطهر بقاع الأرض ، وأعظمها حرمة . السجود على الأرض للأحمدي / 140 والبحار : 98 / 114 .
ومنها : معجزة الرحى : وقد رواها الجميع وأن الزهراء « عليها السلام » شكت إلى أبيها ( صلى الله عليه وآله ) ما تلقى من الرحى . « المجموع 19 / 374 وشرح مغني ابن قدامة 8 / 146 » . وقالت : « مضيت ذات يوم إلى منزل سيدتي ومولاتي فاطمة لأزورها في منزلها وكان يوما حاراً من أيام الصيف ، فأتيت إلى باب دارها وإذا أنا بالباب مغلق ، فنظرت من شق الباب وإذا بفاطمة نائمة عند الرحى ورأيت الرحى تدور وتطحن البر ، وهي تدور من غير يد تديرها ، والمهد أيضاً إلى جنبها والحسين نائم فيه والمهد يهتز ولم أر من يهزه ! ورأيت كفاً تسبح لله قريباً من كف فاطمة . قالت أم أيمن : فتعجبت من ذلك فتركتها ومضيت إلى سيدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقلت : يا رسول الله إني رأيت اليوم عجباً ما رأيت مثله أبداً . فقال لي : ما رأيت يا أم أيمن ؟ فقلت : إني قصدت منزل فاطمة فلقيت الباب مغلقاً فإذا أنا بالرحى تطحن البر وهي تدور من غير يد ، ورأيت مهد الحسين يهتز من غير يد تهزه ورأيت كفاً يسبح لله قريباً من كف فاطمة ! فقال : يا أم أيمن اعلمي أن فاطمة صائمة ، وهي متعبة والزمان قيض ، فألقى الله عليها النعاس فنامت ، فسبحان من لا ينام ، فوكل الله ملكاً يطحن عنها قوت عيالها وأرسل ملكاً آخر ، يهز مهد ولدها الحسين لئلا يزعجها عن نومها ، ووكل الله تعالى ملكا آخر يسبح الله عز وجل قريباً من كف فاطمة ثواب تسبيحه لها ، لأن فاطمة لم تفتر عن ذكر الله عز وجل فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة » . مدينة المعاجز : 4 / 47 .
10 . أكرم الله أم أيمن ببركة الزهراء « عليها السلام » : « خرجت إلى مكة لما توفيت فاطمة قالت : لا أرى المدينة بعدها ! فأصابها عطش شديد في الجحفة حتى خافت على نفسها ، فكسرت عينيها نحو السماء ثم قالت : يا رب أتعطشني وأنا خادمة بنت نبيك ؟ قال : فنزل إليها دلو من ماء الجنة فشربت » . المناقب : 1 / 116 .
11 . كانت طيبة بسيطة وأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنها من أهل الجنة ، وكانت تعرف إمامة علي ( عليه السلام ) ولا تعرف إمامة بقية الأئمة « عليهم السلام » .
وقد سألها النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوماً عن علي ( عليه السلام ) : « أثَم أخي ؟ قالت : وكيف يكون أخوك وقد أنكحته ابنتك ؟ قال : فإنه كذلك » . الطبقات : 8 / 23 .
وفي الكافي : 2 / 405 : « عن إسماعيل الجعفي قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن الدين الذي لا يسع العباد جهله ؟ فقال : الدين واسع ، ولكن الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم ! قلت : جعلت فداك فأحدثك بديني الذي أنا عليه ؟ فقال : بلى ، فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، وأتولاكم وأبرأ من عدوكم ، ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم . فقال : ما جهلت شيئاً ، هو والله الذي نحن عليه . قلت : فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر ؟ فقال : لا إلا المستضعفين . قلت : من هم ؟ قال : نساؤكم وأولادكم ، ثم قال : أرأيت أم أيمن ، فإني أشهد أنها من أهل الجنة ، وما كانت تعرف ما أنتم عليه » .
يعني كانت قاصرة الذهن أو شبه قاصرة عن إدراك منظومة الأئمة « عليهم السلام » بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومع ذلك فهي من أهل الجنة لأن الله تعالى يطلب من الشخص قدر ما آتاه من الإدراك والتعقل : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا .
12 . أمَّرَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مرض وفاته أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم الذين قتلوا أباه زيداً . وكان أسامة في السابعة عشرة من عمره « الفصول للجصاص 1 / 159 » وأمره النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالمسير ولعن من تخلف عنه ، وكان ذلك : « لأربع ليال بقين من صفر سنة 11 من الهجرة وعسكر بالجرف . فلم يبق أحد من المهاجرين الأولين والأنصار إلا اشتد لذلك وتهيأ للخروج ، منهم أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعد بن أبي وقاص » . المراجعات / 368 مستدرك سفينة البحار : 5 / 36 و 209 .
وقال ابن حجر في فتح الباري : 8 / 115 ، وهو من كبار أئمة السلطة : « وقد أنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر أن يكون أبو بكر وعمر في بعث أسامة ، ومستند ما ذكرناه ما أخرجه الواقدي بأسانيده في المغازي ، وذكره ابن سعد أواخر الترجمة النبوية بغير إسناد ، وذكره ابن إسحاق في السيرة المشهورة ولفظه : بدأ برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجعه يوم الأربعاء فأصبح يوم الخميس فعقد لأسامة فقال : أغز في سبيل الله وسر إلى موضع مقتل أبيك ، فقد وليتك هذا الجيش . فذكر القصة وفيها : لم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر وعمر . . وعند الواقدي أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة من قريش » .
وكان هدف النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يخلي المدينة لعلي ( عليه السلام ) ويبعد عنها الطامعين في خلافته وقد عملوا للتأثير على أم أيمن ، فطلبت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يؤخر إرسال أسامة لأنه قلق عليه فلم يقبل ( صلى الله عليه وآله ) وأكد أمره له بالمسير بالجيش .
ثم أشاعوا اعتراضهم على تأمير أسامة على شيوخ قريش والأنصار ، وهو شاب أسود ابن سبع عشرة سنة ! فغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وخرج وهو مريض وصعد المنبر ومدح أسامة وأمره بالحركة ، ولعن من تخلف عنه !
فتحرك أسامة فعاد القرشيون إلى أم أيمن ، فأرسلت إلى ولدها أن لا يتحرك بجيشه لأن حال النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد ثقلت ! فاستغلوا بساطتها رحمها الله .
13 . لكنها عندما توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) استنكرت مسارعتهم إلى السقيفة وبيعتهم أبا بكر ، فجاءت إليهم وقالت : « يا أبا بكر ، ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمد ! فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد » . كتاب سُليم / 157 و 389 .
14 . عندما صادروا تركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، واحتجت الزهراء « عليها السلام » على أبي بكر ، طلب منها شهوداً . قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « فجاءت فاطمة « عليها السلام » إلى أبي بكر ، فقالت يا أبا بكر منعتني عن ميراثي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخرجت وكيلي من فدك ، وقد جعلها لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأمر الله . فقال لها هاتي على ذلك شهوداً ، فجاءت بأم أيمن فقالت : لا أشهد حتى أحتج يا أبا بكر عليك بما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالت : أنشدك الله ألست تعلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن أم أيمن من أهل الجنة ؟ قال بلى . قالت : فأشهد أن الله أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وَآتِ ذا القُرْبَى حَقَّه ، فجعل فدك لفاطمة بأمر الله . وجاء علي ( عليه السلام ) فشهد بمثل ذلك ، فكتب لها كتاباً بفدك ودفعه إليها ، فدخل عمر فقال : ما هذا الكتاب ؟
فقال أبو بكر : إن فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فكتبت لها بفدك ، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه » . تفسير القمي : 2 / 155 ونحوه العياشي : 2 / 278 .
15 . كانت أم أيمن ثقة الزهراء « عليها السلام » قال الصادق ( عليه السلام ) : « لما نعي إلى فاطمة نفسها أرسلت إلى أم أيمن وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها » . علل الشرائع : 1 / 187 .
16 . « اشترى عبد المطلب أم أيمن من جيش أبرهة ، وتوفيت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بشهورقليلة فتح الباري : 7 / 70 وكانت في السبعينات . لكن رواة الخلافة أخروا وفاتها عشر سنين ليقولوا إنها رضيت على أبي بكر وعمر ومدحته وقالت يوم قتل : اليوم وَهَى الإسلام » . تاريخ البخاري الصغير : 1 / 88 وتاريخ دمشق : 4 / 302 .
17 . أيمن بن عبيد أفضل من أخيه أسامة بن زيد ، فقد استشهد أيمن دفاعاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حنين لما فرَّ عنه المسلمون ، وهاجمه عوف بن مالك زعيم هوازن ليقتله : فاعترضه أيمن : « فالتقيا فقتله مالك » . ولم يصل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . المناقب : 1 / 181 ، تاريخ دمشق : 4 / 257 ، ذخائر العقبى / 198 وكبير الطبراني : 1 / 288 .
قال المفيد في الإرشاد : 1 / 140 ونحوه الإستيعاب : 2 / 813 : « فلم يبق منهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا عشرة أنفس ، تسعة من بني هاشم خاصة وعاشرهم أيمن بن أم أيمن ، فقتل أيمن « رحمه الله » وثبت تسعة النفر الهاشميون ، حتى ثاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من كان انهزم . وقال العباس بن عبد المطلب في هذا المقام :
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه * على القوم أخرى يا بني ليرجعوا
وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه * لما ناله في الله لا يتوجع
يعني به أيمن بن أم أيمن » .
18 . أما أسامة بن زيد ابن أم أيمن فعاش في كنف النبي وعترته ( صلى الله عليه وآله ) . وكان أسود قوي البنية وقد أمَّرَه النبي ( صلى الله عليه وآله ) على سرية ، ثم أمَّره في مرض وفاته على جيش من ثلاثة آلاف مقاتل ، وكان في الثامنة عشرة أو السابعة عشرة . وعاد من معسكره في الجرف بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يبايع أبا بكر حتى بايع علي ( عليه السلام ) . وتوفي أسامة زمن معاوية سنة 54 هجرية .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|