أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-09
1572
التاريخ: 2024-09-07
186
التاريخ: 27/9/2022
1686
التاريخ: 5-5-2017
27886
|
قال تعالى: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 41،42]
يقول الباري سبحانه وتعالى للعوام من بني إسرائيل وللعلماء منهم: بآيات القرآن الكريم، فالقرآن مصدق لمحتوى التوراة والإنجيل غير المحرفين والبشارات الواردة فيهما، وهو مشتمل على كل الأمور والمعارف التي جاءت في هذين الكتابين ومهيمن عليهما أيضاً.
إن كون القرآن مصدقاً والتي هي من الصفات الممتازة للقرآن الكريم، والتي يأتي ذكرها أحياناً بغية ترغيب أهل الكتاب بالإيمان لا هو مستلزم للتساوي بين مستوى القرآن ومستوى معارف العهدين، ولا هو مناف لنسخ بعض الأحكام والأمور الجزئية السالفة وتخصيصها بأزمان معينة.
لما كان أهل الكتاب يؤمنون بمبدأ نزول الوحي، وبأصل الوحي والنبوة العامة، فإن الأمر بالإيمان هنا ينحصر بحدود الرسالة الخاصة، وهو الاعتقاد بكون القرآن حقاً. والإيمان بصحة الوحي وكون القرآن حقاً يكون مترافقاً مع الإيمان بالله المنزل له، ومصاحباً للاعتقاد بصحة دعوى المدعي للنبوة.
والكفر بعد إقامة الحجة والبرهان هو كفر فاحش وجلي، وهو من هذا الباب - يُعد "الكفر الأول". على الأساس ذاته، فإن أهل الكتاب إذا كفروا، وبسبب أنهم - مضافاً إلى مشاهدة معجزة القرآن قد قبلوا بأصل النبوة العامة، وقد شاهدوا معاجز السلف من الأنبياء، فإن كفرهم يكون أكثر شدة، وسيكونون هم أنفسهم "أول الكفّار"، لاسيما العلماء منهم؛ وذلك لأن كفر هؤلاء - وهم أصحاب النفوذ ومحط اهتمام وثقة السواد الأعظم من الناس من شأنه أن يكون سنة تحتذى من قبل سائر أهل الكتاب، وهم سيصبحون - لذلك - رؤوس الكفر وقادته بما أسسوه من سنة الكفر في المجتمع.
لا يطلب الله عز وجل من أهل الكتاب أن لا يكونوا أول الكفار، وأول البائعين للدين، وأول المُلبسين للحق، وأوّل الكاتمين له فحسب، يطالبهم أيضاً بأن يكونوا أول المؤمنين. إذن فأمرهم يدور بين الإيمان الأول والكفر الأول، وليس يدور بين مجرد الإيمان والكفر.
إن بيع الآيات الإلهية مع نقض عهد الله، وترك الدين، وكتمان الحقائق، وتفسير التوراة والإنجيل بمقتضى ميول النفس وأهواء الآخرين، حتى ولو كان في مقابل الدنيا بأسرها، فهو بيع للمتاع النفيس بالثمن البخس.
الإنسان الموحد هو إنسان ذو سجيّة "وحدانية" وطالب لـ "الأحد" في جميع شؤونه؛ فهو يطلب الله فقط، ويستحي منه ويخشاه هو وحسب.
وعلاوة على الكفر الشخصي وكتمان الحق فإن جُرم رؤوس بني إسرائيل وانحرافهم كان يشتمل على كل من "التلبيس" و "التسويل"؛ بمعنى أنهم كانوا يُلبسون الحق لباس الباطل كي لا يميل إليه أحد، ويزينون باطلهم بجلباب الحقِّ كي لا يفرّ منه عوام الإسرائيليين.
وقد كان من مصاديق هذا اللبس والخلط بين الحق والباطل أنهم كانوا يشيعون كذباً اعتماداً على تحذير التوراة والإنجيل من الميل إلى مدعي النبوة كذباً، وبشارة العهدين بظهور نبي من ولد إسماعيل مع بيان علاماته وخصوصياته - أن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) هو - معاذ الله - أولئك المدعين للنبوة كذباً.
كان قادة بني إسرائيل عالمين بحقانية الوحي النازل (القرآن) وبحقانية نبوة حامله، وبانطباق ما ورد في العهدين على الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله)، وبكون القبول حقاً والنكول باطلاً، وكانوا عالمين أيضاً بكيفية عملهم هي من قبيل اللبس، أو اللبس، أو الكتمان، ولما كانوا يقومون بالباطل مع ما كانوا يمتلكونه من العلة الرادعة عن الحق والعامل الناهي عن ذلك، فإن القيد {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42] ظاهر في مدى خبث سريرتهم ورسوخ ترسبات الجاهلية الأولى، والتصلب والكفر، والتعصب، والضغينة فيهم.
التفسير
"لا تشتروا": إن استعمال الاشتراء بمعنى البيع والإتيان بحرف "الباء" مع المثمن أمر معهود في كثير من الآيات القرآنية؛ كالآيتين 77 و 187 من "سورة آل عمران"، والآية 44 من "سورة المائدة"، والآية 9 من "سورة التوبة"، والآية 95 من "سورة النحل"، والآية 79 من "سورة البقرة"، و... الخ.
"ثمناً": الثمن هو غير القيمة؛ وذلك لأن الثمن يقبل التفاوت زيادةً ونقصاناً، بينما القيمة هي ما يعادل البضاعة.
"لا تلبسوا": هي إما من المادة "اللَبْس" التي تعني الاشتباه: "لا تجعلوا الحق مشتبهاً مع "الباطل، أو من "البس التي هي بمعنى الإلباس: "لا تلبسوا الحق لباس الباطل".
"بالباطل": الباء في بالباطل للاستعانة؛ نظير الآية {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر: 5] "تكتموا": من الممكن أن يكون حذف النون في {تكتموا} من باب الجزم، وعليه تكون الواو في {وتكتموا ...} واو عطف بمعنى تلبسوا ... ولا تكتموا ... كما قد يكون الحذف من باب النصب؛ وعندئذ تكون الواو من قبيل واو الجمع، نظير لا تأكل السمك وتشرب "اللبن"؛ يعني: "لا تجمعوا" بين لبس الحق بالباطل وبين كتمانه، بين تدليس الحق وكتمانه"(1).
تنويه: لعلّ مجيء الاسم الظاهر محلّ الضمير؛ أي قوله: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: 42] بدلاً من وتكتموه عائد إلى أن "الحق" الثاني هو غير "الحق" الأول؛ فالمراد من الحق الثاني هو اسم أو نعت الرسول المكرم (صلى الله عليه واله) الذي حذفوه وكتبوا بدلاً عنه اسماً أو نعتاً آخر، مما سيأتي توضيحه في الآية {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79] ، والمراد من الحق الأول هو حقائق أخرى، أو مطلق الحقائق المتعلقة بالدين الإسلامي (2).
وإذا كان الحق الثاني هو ذات الحق الأول، فإنه يكون السر في عدم الاكتفاء بالضمير هو الاهتمام بالموضوع الذي لا يتسنّى تأمينه إلا من خلال التصريح بالاسم الظاهر. وقد ذكر بعض المفسرين أحد عشر مصداقاً للحق في هذا المجال (3).
تناسب الآيات
هاتان الآيتان توجهان الخطاب إلى عامة الناس من بني إسرائيل وإلى علمائهم في آن معاً؛ كما أن رسالتهما شاملة للجميع أيضاً. فهما تقولان بني إسرائيل: آمنوا بالقرآن الذي أنزلته؛ لأن القرآن مضافاً إلى احتوائه جميع حقائق التوراة، فهو يشتمل على حقائق أخرى أيضاً. وهما تخاطبان الأحبار والرهبان) بالقول: "ليس العجب في أن يكفر عباد الأوثان بالوحي الإلهي ولا يؤمنون به، لكن العجب هو في كفركم وإنكاركم أنتم، وبأي عنوان؟ بعنوان أول الكفار والسباقين في المخالفة والكفر. إذن فلا تكونوا أول كافر بما أنزلت، ولا تحرفوا ولا تكتموا ما جاء في كتبكم من علامات للقرآن ولنبي الإسلام ، ولا تبيعوا آياتي بثمن بخس: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا } [البقرة: 41].
بما أن هاتين الجملتين مرتبطتان بتحريف الكتاب السماوي فهما ناظرتان إلى علماء بني إسرائيل؛ وذلك لأنه لم يكن لدى عوام بني إسرائيل اطلاع على معارف الكتب الدينية، كما أنهم لم يأخذوا على عاتقهم تفسيرها أيضاً، ليكونوا من أهل التحريف. وفي الحقيقة إن الخطاب الأول من الخطابين المطروحين في الآية الأولى: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ...} [البقرة: 41] يمثل عتاباً مشتركاً بخصوص الميثاق العام لبني إسرائيل الذي أشير إليه ضمن جملة {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] من الآية السابقة، وإن الخطاب الثاني: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا ...} [البقرة: 41]. هو عتاب خاص ناظر إلى نقض العهد الخاص المتعلق بعلماء بني إسرائيل الذي هو أيضاً من مصاديق العهد المذكور في جملة {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} [البقرة: 40] من الآية التي سبقت.
وحيث إنه من الممكن أن يكون تبيان الحقيقة سبباً لقطع لقمة عيش علماء اليهود، أو ثورة عوامهم المتعصبين عليهم، ولما كانوا يخشون مثل هذه العاقبة، لذا يقول الله جل وعلا في ختام الآية: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 41] وذلك لأن عزتكم، وشوكتكم، ورزقكم المادي والمعنوي هو في قبضتي وليس للآخرين أي دور فيه.
أما الآية الثانية فهي توضيح لجملة {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 41] من الآية الأولى، وهي في الحقيقة - تفسر اشتراء وبيع آيات الله بثمن قليل، والذي لا يعدو كونه كتماناً للحق، أو خلطه بالباطل وتقول: "لا تخلطوا الحق بالباطل، ولا تكتموا الحقيقة وأنتم تعلمونها"؛ {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص 192؛ وتفسير البحر المحيط، ج 1، ص 335.
(2) راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص192.
(3) كشف الأسرار وعدة الأبرار، ج 1، ص 169 (وهو بالفارسية).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|