أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-21
1334
التاريخ: 2024-09-10
349
التاريخ: 2023-04-29
1251
التاريخ: 2024-11-18
89
|
تأثير ( التوقع من النصّ) في تفسيره
على الرغم من أن تفسير النص المقدس أو النصوص العادية لا يتم دون وجود فهم سابق و مفروضات سابقة أي (أصول موضوعة)، ولا يتسنى تفسيرها دون امتلاك مجموعة من المبادئ التصورية والتصديقية التي هي القاعدة الأساسية لفهم النصوص المحتاجة إلى التفسير، لكن المفتر في مقدمة تفسيره يبدأ بالاستفهام والسؤال ويعرض ما يحتاجه من موضوع على النص المقدس، لأن النص المذكور يبين مقصده بلسان فصيح وباستعمال قوانين ثقافة التحاور، أي الأدب الحي الفعال ودون إبهام واجمال وتعمية والغاز.
وفي هذه المرحلة يكون تكليف المفسر هو الصمت لا النطق، كما أن دور النص المقدس في هذه المرحلة هو النطق لا الصمت.
فإذا تحرك المفسر نحو النص المقدس دون فهم سابق، فلن يستفيد منه شيئا، لأن كليهما صامت ولا يلمع من التقاء الساكنين برق، ولا ترن نغمة من اصطدام الصامتين، وإذا جاء المفسر إلى النص المقدس مع مفروضات خاصة سابقة ولم يلتزم الصمت بعد الاستفهام والسؤال من النص، ولم يأذن للنص المقدس بالكلام وتصدى هو للجواب على سؤاله متحدثاً باسم النص المقدس، فمثل هذا يسمع صوت نفسه من لسانه، ومثل هذا التفسير مصداق بارز للتفسير بالرأي، وإذا أذن للنص المقدس لكنه شارك النص المقدس بتقديم بعض المواضيع من نفسه، هذه الحالة يستمع صوته ممتزجاً بصوت النص المقدس، ومثل هذا التفسير تحريف وترقيع وتدليس وتلفيق للآراء والنظريات الأرضية مع ثقافة السماء الواعية، وهذا أيضاً تفسير بالرأي، لأن المجموع من الخارج والداخل والمركب من الحق والباطل هو خارج وباطل، والاجتناب عن ذلك ممكن، كما أنه قد صدر الأمر باجتناب جميعها، والنهي عن ارتكابها، كما أن الكثير من الأفراد ممن كانت لهم فرضيات مسبقة متشابهة قد ذهبوا نحو النص المقدس فسمعوا أجوبة متعددة ومختلفة، لأن بعضهم قد أدى واجبه التفسيري والبعض الآخر لم يؤده، والتكليف المهم في هذه الحالة بعد الاستفهام من النص هو الصمت لا النطق.
هنالك سيكون جواب النص المقدس بعد الاستنطاق متنوعاً، لأنه تارة يؤكد ويمضي نفس الفهم المسبق وأحياناً يضيف إلى إمضاء وتأييد الفهم المسبق موضوعاً آخر يمضيه ويجعله عدل ذاك، وتارة يبطل ذلك الفهم السابق ويؤسس في مقابله موضوعاً آخر. ولذلك فإن الأفراد النزيهين من وصمة التفسير بالرأي المذموم، ومن وصمة كونهم المتكلمين وحدهم، والذين يتكلمون في وقت الاستفهام من النص المقدس ويسكتون في وقت الاستماع إلى الجواب والمبتعدين عن الأمرين اللذين يؤديان إلى فساد العقل واندثار الحكمة وهما "السكوت عندما ينبغي الكلام" و"الكلام عندما ينبغي السكوت" فإن تفسير مثل و هؤلاء هو التفسير بالرأي المحمود والممدوح، أي لديهم تفسير عن دراية معقول و مقبول، ويقبلون ما يسمعونه من جواب من النص المقدس بعد استفهامهم منه، وذلك الجواب يكون تارة إمضاء للفهم السابق، وتارة يكون إمضاء مقترنة بموضوع معادل للرأي السابق، وتارة أيضا يكون إبطالا لذلك الفهم السابق. ولذلك ترى مثل هؤلاء المفترين ويعيدون النظر في فهمهم السابق. فكم من مفسر كان له رأيه واعتقاده الخاص قبل الرجوع إلى النص المقدس وبعد مراجعة النص المذكور إما أن يتراجع عن رأيه واعتقاده ويتبنى رأيه جديدا وإما أن يتزلزل يقينه بصحة رأيه واعتقاده، فيتحول الجزم إلى شكة والعزم إلى ترديد.
وبناء على ذلك، فعلى الرغم من أن التفسير لا يتم من دون فهم مسبق والأمي المحض لا قدرة له على التفسير، لكن جواب النص ليس دائما إمضاء وقبولا لذلك الفهم المسبق؛ إلا لدى ذلك اللدود العنيد الذي لا يعترف بشيء آخر سوى التفسير بالرأي المذموم. ومن هنا يتميز التوقع الصادق من التوقع الكاذب، لأن التوقع الصادق هو أن المفسر عند ظهور اعتقاد أو رأي جديد في الرؤية الكونية والحياة فهو يعرضه على النص المقدس بأمانة وبأسلوب سليم، ولما كانت دعوى النص المقدس هي أنه يقدم أكمل وأتم وأفضل فلسفة ورؤية للحياة والكون، فهو يجيب بعد عرض السؤال عليه. أما إذا بادر المفسر إلى تقديم الجواب المقترن مع السؤال ولم يمهل النص المقدس، أو أنه بدأ يجيب أثناء جواب النص المقدس، فمثل هذا المفسر يستمع إلى رأي نفسه فحسب، أو إلى الكلام المختلط والمزيج من كلام الخلق والخالق ويقوم هو بإشباع توقعه الكاذب، وأما إذا صمت المفسر بعد الاستفهام، وأنصت إلى كلام النص المقدس وحده، فإن توقعه صادق وسوف يجد حل مشكلته جاهزة على يد النص المقدس.
ومعرفة الدين، ومعرفة الإنسان وما شابهها هي كلها من هذا القبيل، .. فمع ظهور مدرسة ونظرية جديدة في إحدى هذه المسائل، فإن كل مفسر يأتي ومعه فهمه الأولي السابق ومفروضاته السابقة الخاصة، ويطرح الأسئلة على النص المقدس، ثم يصمت كي يستمع الجواب من و اللسان الناطق للنص المقدس. ولذلك فإنه في حالات متعددة يستمع إلى أجوبة كثيرة ومتنوعة. والقصد هو أن التوقع العلمي الصادق هو غير التمني الكاذب وغير العلمي حيث إن الأول تفسير عن دراية ومعقول ومقبول، والثاني تفسير بالرأي وهو مذموم ومرفوض.
وصحيح أن النص صامت من غير فهم سابق و مفروضات سابقة، لكنه بعد القواعد والأصول الموضوعة وطرح السؤال فإنه ناطق تماما، والمقصود من نطق النص هو دلالته التي يدل ويرشد إليها وقابليته في أن يوصل صوته الخاص إلى سمع المستمع والمستنطق والمستفهم طبقا لقواعد التفاهم وثقافة التحاور. وليس المراد أبدأ من النطق هو (التلفظ الصوتي)، ولذلك فلا فرق من هذه الناحية بين الملفوظ والمكتوب، وكما أن الوجود اللفظي يرشد السامع، فإن الوجود الكتبي أيضا سيرشد القارئ، والشرط اللازم للاستفادة من دلالة الوجود اللفظي أو الكتبي هو وجود الفهم السابق المذكور، وفي بعض الأحيان يرشد الوجود اللفظي أو الكتبي إلى تثبيت وإبقاء المفروضات السابقة وأحيانا أخرى يرشد إلى تغييرها على نحو التكامل والترشيد، أو على نحو الإبطال والنفي أو بأنحاء أخرى
وليس معنى التوقع من النص المقدس هو تبرير مفاسد المفسر، أو تصحيح أخطائه وتصديق أكاذيبه و تصويب خطاياه. إن مثل هذا التوقع غير موجود ولا مقبول في قاموس علم المعرفة. وما يطرح في مبحث (الهرمنوطيقيا) تحت عنوان "تأثير التوقع من النص في تفسيره" هو أن . كل شخص عندما يرد إلى ميدان التفسير بمبناه العلمي الخاص فإن توقعه العام والأولي هو أن يقدم جواب نهائيا حول نظرية خاصة من نظريات فلسفة الوجود والرؤية الكونية ومعرفة الإنسان وعلم النفس وما شابه ذلك، والتوقع الخاص والثانوي لبعض المفسرين هو أن يتبنى النص المقدس نظريته ومبناه العلمي، ومثل هذا التوقع غير الجائز ليس صحيحة ولا عاما، ومثل هذا التفسير حتى وإن كان صحيحا لكنه غير جائز بسبب سوء سريرة الشخص المفسر الذي كان يريد فرض رأيه على النص المقدس.
وخلاصة القول هي، إن النص المقدس كالقرآن وإن كان بالنسبة إلى الأعمى ظلمة ولكنه نور للبصير، وهو بالنسبة للأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب صامت، لكنه عند العالم المثقف العارف بثقافة التفاهم والمطلع على أدب التحاور ناطق، وأي نطق أفضل من الدلالة، وأي تكلم أكثر متعة للسمع من نص أو من ظاهر النص المقدس الذي فيه تبيان كل شيء مؤثر في سعادة المجتمعات البشرية، لأنه ناطق ويجيب على الأسئلة العلمية بوابة متقنة. ولذلك يدفع السائل الذي قدم إلى النص المقدس بمبناه وفهمه السابق الخاص، أن يقر بشيء كان ينكره أو يلتزم بقبول شيء ء كان لا يعترف به. فكون النص المقدس يبعث تارة إلى (إقرار المنكر) أو (إنكار المقر) أو (جزم الشاك) أو (شك" الجازم) إنما هو علامة على أن مثل هذا النص ناطق تماماً طبقاً لثقافة التحاور، وليس صامتاً وهو طبقاً للانتظار والتوقع الصحيح، لا التوقع السلبي" والباطل.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|