المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6287 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



حديث ترجيع القرآن.  
  
341   02:51 صباحاً   التاريخ: 2024-08-27
المؤلف : الشيخ الجليل محمد بن الحسن المعروف بـ(الحر العامليّ).
الكتاب أو المصدر : الفوائد الطوسيّة.
الجزء والصفحة : ص 83 ـ 94.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / مقالات متفرقة في علم الحديث /

فائدة رقم (27):
في الكافي في آخر باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) قال: قلت له: إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنّما ترائي بهذا أهلك والناس. فقال: يا أبا محمد، اقرأ قراءة بين القراءتين تسمع أهلك ورجّع بالقرآن صوتك فإنّ الله يحبّ الصوت الحسن يرجّع به ترجيعًا (1).
أقول: الاستدلال بهذا على جواز قسم من الغناء باطل لا وجه له وذلك من وجوه اثني عشر:
الأول: انّه ضعيف لمعارضته للقران في عدّة آيات وردت الأحاديث الصحيحة عن الأئمة (عليهم ‌السلام) بأنّها نزلت في الغناء وانّه هو المراد منها نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] ويظهر منها أنّه من الكبائر ووقع التصريح به في الحديث والجزم به من جماعة من علمائنا وكذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] وقوله {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] فقد روي عدّة أحاديث في انّ المراد بلهو الحديث وقول الزور هو الغناء.
فإن قيل: الآيات مطلقة يجوز تخصيصها بغير القرآن بدلالة هذا الحديث.
قلت: انّه لا يصلح لتقييد القرآن والخروج عن الأدلة الآتية وغيرها وإثبات الأحكام الشرعية لأنّه غير صحيح السند ولا صريح الدلالة ولا سالم من المعارضة بما هو أقوى منه عموما وخصوصا فلا يتم الاحتجاج به على مذهب الأصوليّين ولا الأخباريّين.
الثاني: انّه ضعيف أيضا لمعارضته للسنّة المطهرة المنقولة عن النبي والأئمة (عليهم‌ السلام) في أحاديث كثيرة متواترة معنى صريحة في تحريم الغناء وقد اعتبرتها في جميع كتب الحديث التي عندي فوجدتها تقارب ثلاثمائة حديث وردت بلفظ الغناء وبألفاظ أخر يوافق معناه ولا ريب في تجاوزها حد التواتر فلا يجوز العدول عن الأحاديث الصحيحة المتواترة إلى الأحاديث الشاذة النادرة فكيف الى حديث واحد عرفت بعض ما فيه من الضعف ويأتي جملة أخرى من ذلك ان شاء الله تعالى.
الثالث: انّه ضعيف أيضا لضعف سنده فلا يعارض الأحاديث الصحيحة السند وهذا مستقيم على مذهب الأصوليّين مطلقًا وعلى مذهب الأخباريّين عند التعارض كما هنا إذ من جملة المرجّحات عدالة الراوي كما أمر به الأئمة (عليهم ‌السلام) ولو كان القسمان محفوفين بالقرائن وكيف يعدل عن أحاديث الثقات الإثبات إلى حديث يرويه مثل علي بن أبي حمزة البطائني الذي ضعّفه علماء الرجال وذكروا أنّه أحد عمد الواقفة وانّه كذّاب متّهم ملعون وانّه لا يجوز ان تروى أحاديثه وانّه أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للولي بعد أبي إبراهيم (عليه ‌السلام).
وروى الكشي عن الثقات أحاديث كثيرة في مذمّته وكذا رواه الشيخ في كتاب الغيبة وابن بابويه في كتاب كمال الدين وغيرهما ولا ريب عند أحد من أهل الممارسة لكتب الرجال والحديث أنّ علي بن أبي حمزة الراوي هنا هو البطائني وهو قائد أبي بصير يحيى بن القاسم أو ابن أبي القاسم وأبو بصير هذا هو الراوي في هذا السند وهو ان وثّقه النجاشي وحده الا انّه واقفيّ فقد ورد في الواقفة على العموم ما يطول ذكره.
الرابع: انّه ضعيف أيضا لمخالفته لإجماع الشيعة على تحريم الغناء بل ولإجماع الأئمة (عليهم ‌السلام) فإنّ دخول المعصوم هنا معلوم بالنصوص الكثيرة المشار إليها عنهم (عليهم ‌السلام) وقد صرّحوا بعموم التحريم لما كان في الأذان والقرآن والشعر وغير ذلك ولا يظهر منهم مخالف أصلا بل صرّح به الجميع.
وممّن صرّح بنقل الإجماع على التحريم، هنا الشيخ في الخلاف والعلّامة وابن إدريس وغيرهم من المتقدّمين ونقلوا القول بالتحريم أيضا عن أكثر الصحابة.
الخامس: انّه ضعيف أيضا لمخالفته لعمل الطائفة المحقّة كما أشرنا اليه وموافقته لمذهب العامّة فيجب حمله على التقيّة والعمل بما يعارضه كما أمر به الأئمة (عليهم ‌السلام) في أحاديث كثيرة في أماكنها مذكورة بل هذا أقوى وجوه الترجيح لأنّ سبب اختلاف الأحاديث هو ضرورة التقيّة في أكثر مواضعه ان لم يكن كلّها وقد نقلوا القول بإباحة الغناء عن معاوية والمغيرة بن شعبة وابن الزبير وعبد الله بن جعفر ويزيد بن معاوية وأمثالهم وكان ذلك بعد من مطاعن معاوية ومَن وافقه.
قال ابن الحديد في شرح نهج البلاغة: ما ينسب الى معاوية من شرب الخمر سرًّا لم يثبت الا انّه لا خلاف في انّه كان يسمع الغناء.
وفي بعض كتب التواريخ انّ عمرو بن عاص وأمثاله كانوا يعيّرون عبد الله بن جعفر بإباحة الغناء.
ونقل الشيخ في الخلاف عن أبي حنيفة ومالك والشافعي كراهة الغناء وعدم تحريمه.
وحكى بعضهم عن مالك إباحته بغير كراهة.
وحكى أبو حامد الأسفرائني عن فقهاء الشافعيّة إجماعهم عن إباحته ونقل الإباحة عن جماعة آخر منهم.
والأحاديث عن أئمّتنا (عليهم‌ السلام) متواترة لوجوب مخالفة العامّة عند اختلاف الاخبار بل كثير من تلك الروايات صريح في كل مسألة لم يعرف الإنسان فيها نصًّا.
السادس: انّه ضعيف أيضا لاحتماله التأويل وعدم احتمال معارضه له لكثرة النصوص وكونها صريحة مشتملة على عبارات شتّى وأنواع من التأكيد ممّا لا سبيل إلى تأويله ولا ريب في وجوب العمل بالنص الصحيح الصريح وتأويل ما يعارضه فكيف إذا تأيّد بالوجوه السابقة والآتية ويأتي له تأويلات متعدّدة إن شاء الله تعالى وقد تقرّر انّه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال والاحتمال هنا راجح مع انّ المساوي كافٍ في هذا المقام.
السابع: انّه ضعيف أيضا لمخالفته للاحتياط وموافقة معارضه له.
الثامن: انّه ضعيف أيضا لمخالفته للأصل فإنّه يقتضي عدم التخصيص والتقييد وإبقاء العموم على حاله ولا ريب في وجوب العمل بالعام والمطلق حتّى يتحقّق التخصيص والتقييد ولم يتحقّق هنا لكثرة الاحتمالات والتأويلات الآتية لهذا الحديث.
فإن قلت: هذا موافق للأصل الدال على الإباحة ولم يتحقّق ما يعارضه لإمكان حمل العام على الخاص بل وجوبه.
قلت: هذا موافق للأصل الدال على الإباحة ولم يتحقّق ما يعارضه لإمكان حمل العام على الخاص بل وجوبه.
قلت: هذا ساقط وذلك انّ الأصل على تقدير تسليمه والاعتراف بحجيّته قد تحقّق النقل عنه وارتفاعه هنا قطعًا بالأدلة الصحيحة العامّة والخاصّة من الكتاب والسنّة لمعارضة هذا الخبر وقد عرفت جملة من ذلك.
وبعد هذا نقول: قد ثبت الدليل العام فيجب العمل به الى أن يتحقّق المخصّص وهذا الحديث لم يثبت في نفسه بحيث يصلح لإثبات حكم شرعي ولا يقاوم معارضة الخاص والعام ولا تصريح فيه كما يأتي ان شاء الله تعالى.
التاسع: انّه ضعيف لمخالفته للقاعدة المعلومة من وجوب الحمل على الحقيقة وهذا يستلزم الصرف عنها واستعمال العام في الخصوص فيلزم ارادة المجاز من جميع أحاديث الغناء وأدلته بناء على ما هو الأصح من انّ لفظ العام حقيقة في العموم مجاز في الخصوص وهذا المجاز لا قرينة له.
العاشر: انّه ضعيف أيضًا لمخالفته لضرورة المذهب فإنّ تحريم الغناء من ضروريّات مذهب الإماميّة كما عرفت وعرف كل موافق للإماميّة أو مخالف لهم.
الحادي عشر: انّه ضعيف أيضا لمخالفته للدليل الخاص الصريح في معارضته كما رواه الكليني (قده) في هذا الباب قبل هذا الحديث بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله): اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإيّاكم ولحون أهل الفسق والكبائر فإنّه سيأتي من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة وقلوب مَن يعجبهم شأنه (2).
ورواه الطبرسي أيضا في مجمع البيان والشيخ بهاء الدين في الكشكول وغيرهم وفي معناه أحاديث أخر ذكرنا بعضها في كتاب وسائل الشيعة فهذا صريح كما ترى في تحقق الغناء في القرآن كما صرّح به الأصحاب ويدل على تحريمه في القرآن وغيره دلالة واضحة مشتملة على ضروب من التأكيد وعلى تفسيره بالترجيع المطرب أو مطلقًا على جعل اضافة ترجيع الغناء بيانيّة وبذلك فسّره علماؤنا فإنّهم أجمعوا انّ ما اشتمل على الترجيع المطرب غناء محرّم واختلفوا في مجرّد الترجيع كما يأتي ان شاء الله.
الثاني عشر: انّه ضعيف أيضًا لمخالفته لمجموع ما تقدّم من الأدلة والوجوه السابقة وبعضها كافٍ لمن يغلب عليه الهوى وتقليد السادات والكبراء وحب الشهوات والدنيا فكيف إذا اجتمع الجميع فظهر انّ أكثر أدلة الأحكام الشرعيّة بل كلّها دالة على تحريم الغناء وعلى تضعيف هذا الحديث ان حمل على ظاهره.
واعلم أنّ إيراد الكليني له لا قصور فيه بوجه وان ذكر في أول كتابه انّ أحاديثه صحيحة فإنّ مراده ثبوت مضمونها بالقرائن وثبوت نقل المضمون عن المعصوم لا يوجب العمل بظاهره مع وجود معارضه على انّه قد أورد في هذا الباب ما هو صريح في معارضته وأورد في باب الغنا ما يزيل عن سامعه كل شك وشبهة وهذا الحديث أورده في آخر الباب كما هي عادتهم في تأخير الأحاديث المنافية لما هو مقرّر معلوم ولهذا نظائر كثيرة في الكافي وغيره حتى في مثل أحاديث الجبر والتشبيه وأحاديث التقية على كثرتها مع انّ الأصوليّين لا يحكمون بصحّة أحاديث الكافي (3) ولا يقلّدونه في شهادته وبطريقة الأخباريّين أيضًا لا يمكن الاحتجاج بهذا لأنّ ما عارضه أقوى منه فهو ضعيف عندهم وان يثبت بالقرائن والله أعلم.
ومن أعجب العجب انّ الفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد (4) اعتمد في تحريم الغناء على الإجماع وذكر انّه لولاه لما جزم بتحريمه وادّعى ضعف الأخبار ونقل يسيرا من الأخبار واكتفى بما وجد في كتب الاستدلال وببعض أحاديث التهذيب وذكر انّه لم يجد حديثًا صحيحًا يستدلّ به وغفل عن تواترها بل تجاوزها حد التواتر فقد ذكروا انّ التواتر ليس له عدد خاص وأنكروا على من اشترط فيه نقل خمسة فصاعدًا وذكروا انّه قد يتحقق بما دونها وغفل عن أحاديث الكافي وسائر كتب الحديث الموجودة الآن وهي تزيد على مائة كتاب ولعلّ عذره تشتّت الأخبار وتباعد أماكنها وعدم استحضاره لها وعدم إمكان ضبطها ويظهر لي انّ عذره في عدم الرجوع الى أحاديث الكافي مع صحة أسانيد جملة منها باصطلاح المتأخّرين انّ المسألة مذكورة في كتب الفقه وفي التهذيب في كتاب التجارة وباب الغناء في الكافي في آخر كتاب الأطعمة والأشربة فلذلك غفل عنه.
إذا عرفت هذا وظهر لك تحريم الغناء في جميع صوره عدا ما استثني بدليل خاص بل عرفت تحريمه في خصوص هذه الصورة بما مرّ من الأدلة وغيرها وجب تأويل الحديث المسؤول عنه وتعيّن حرفه عن ظاهره لعدم إمكان العمل به من غير تأويل وذلك ممكن من وجوه اثني عشر:
الأول: الحمل على التقية لأنّه موافق لمذهب أكثر العامّة وقد تقدّم ذلك وعرفت انّه أقوى أسباب الترجيح في الأحاديث المختلفة.
الثاني : أن يكون المراد بالترجيع مجرّد رفع الصوت من غير أن يصل الى حد الغناء لأنّ السؤال في صدر الحديث انّما هو رفع الصوت وانّ الشيطان يوسوس للسائل إذا رفع صوته بالقرآن بأنّه يريد الرياء فأمره الإمام (عليه السلام) ان لا يلتفت الى هذا الوسواس وان يقرأ قراءة متوسطة ويرفع صوته بالقرآن فأجاز له التوسّط ورفع الصوت فإمّا ان يكون الواو في ورجّع بمعنى أو كما ذكروه في مواضع وذكروا له شواهد ويكون معنى الواو الجمع بين الأمرين في الحكم بالجواز هنا أي في خصوص الصورة المذكورة في السؤال أو أمر له بالأمرين في وقتين بان يقرأ قراءة متوسّطة مرّة ويرفع صوته أخرى أو يكون رفع الصوت هنا بما لا يخرج عن حد التوسّط بان لا يبلغ العلو المفرط بل يكون من المراتب المتوسّطة فيستقيم معنى الجمع وقد ورد استعمال الترجيع في رفع الصوت وفهم منه بعض علماء العرب هذا المعنى كما يأتي ان شاء الله تعالى.
الثالث: ان يكون المراد بالترجيع في الحديث مجرد مد الصوت كما مرّ تقريره والفرق بينه وبين ما قبله ظاهر إذ لا ملازمة بينهما وقد استعمل الترجيع في مد الصوت ورفعه كما ذكره بعض العلماء في تفسير مثل هذا اللفظ.
قال صاحب كتاب قصص الأنبياء بعد ذكر أحاديث من طرق العامّة في قصة الأذان ما هذا لفظه قال أبو محمد سمعت الخليل من أحمد قاضي سجستان يقول معنى الترجيع في هذا الخبر هو الذي في الخبر الثاني قال: قال رسول الله (صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله): ارجع فامدد من صوتك وهو انّه كان لا يرفع صوته فيه ويحتمل أن يكون إنّما أمره بالرجوع ليكرّره فيحفظه كما يعلّم المتلقّي للقرآن الآية فيكرّرها عليه ليحفظها «انتهى» وناقل هذا الوجه والمنقول عنه من أمل اللسان والفصاحة والمعرفة باللغة العربية وان كانا من علماء العامّة على انّ هذا وأمثاله من قسم المجاز وبابه واسع وهو غير موقوف على نقل وان حصل به تأييد وتأكيد.
الرابع : ان يكون قوله ورجّع بالقرآن صوتك استعارة تبعيّة ويكون المراد مجرّد تحسين الصوت كما انّ الترجيع يحصل منه التحسين كأنّه قال: وحسّن بالقرآن صوتك تحسينًا يشبه الترجيع وقوله: يرجّع به ترجيعًا أي يحسّن به أي بالقرآن تحسينًا كالترجيع على اعتبار مغايرة المشبه للمشبه به فيهما ولا ينافيه وصف الصوت بالحسن قبل ذكر الترجيع ثانيًا لأنّ الحسن يحتمل التحسين فيزيد معروضه حسنًا والضمير في به راجع الى القرآن كما قلناه على هذا الوجه وما قبله لا الى الصوت وان أمكن على وجه وحمل هذا اللفظ على الاستعارة المذكورة متجه وقرينتها امتناع حمله على ظاهره شرعا كما هو معلوم من مذهبهم فنزل الامتناع الشرعي منزلة الامتناع العقليّ في قولهم نطقت الحال بكذا.
الخامس: أن يكون المراد بالترجيع تكرار الآيات وترديد الكلمات فإنّ ذلك يلزم منه ترجيع الصوت والرجوع إليه مرّة بعد مرّة وقد ورد الأمر بذلك في آيات الرحمة والعذاب وغيرهما وكونه خلاف الظاهر لا يضرّنا لضرورة الحمل على مثله عند تعذّر الحمل على الظاهر وقد ذكر الفقهاء انّه يكره الترجيع في الأذان وفسّروا الترجيع بتكرار التكبير والشهادتين وهو يقرب هذا الوجه وكذا قول أهل اللغة ترجع الكلام تكراره ومراجعة الخطاب معاودته وكذلك ما تقدّم نقله من كتاب قصص الأنبياء (عليهم ‌السلام).
السادس: ان يكون حثًّا على كثرة قراءة القرآن والاشتغال به في جميع الأوقات كما ورد الأمر به في أحاديث كثيرة إذ يلزم منه ترجيع الصوت كما مرّ فاستعمل اللفظ وأريد به ملزوم معناه وله نظائر وهذا قريب من الذي قبله وهما من وجوه المجاز لهذا اللفظ وربّما يقرب هذا ما تضمّنه السؤال من انّ الشيطان يوسوس له بإرادة الرياء ليمنعه من قراءة القرآن فاقتضت الحكمة مجاهدة الشيطان وتحصيل ضد مقصوده لئلا يطمع في المكلف.
السابع: أن يكون المراد بترجيع الصوت قراءته على وجه الحزن كما ورد الأمر به صريحًا في قولهم (عليهم ‌السلام) انّ القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن ووجهه انّ ترجيع الصوت في النوح وغيره لمّا كان يقتضي زيادة الحزن جاز ان يستعمل في مطلق الصوت الحزين ويكون استعارة تبعيّة كما مرّ ويخص بما لا يرجع الترجيع الذي يحصل به الغناء لما عرفت من تحريمه.
الثامن: أن يكون الترجيع استعارة أيضا لكن بمعنى التبيين من حيث انّ الترجيع يستلزمه غالبا أو دائما فأطلق على التبيين الحاصل بدونه.
وقد روى عن أبي عبد الله (عليه ‌السلام) في قول الله (عزّ وجلّ): {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} قال: قال أمير المؤمنين (عليه ‌السلام) بيّنه تبيينًا ولا تهذّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة (5) فهذا الحديث شاهد لهذا التأويل مع صحّته بحسب القواعد العربية والبيان.
التاسع: ان يكون الترجيع أيضًا استعارة لكن بمعنى جعل الصوت بحيث يؤثر في القلب من حيث انّ الترجيع يستلزم ذلك غالبًا كما مرّ تقريره والحديث السابق شاهد له أيضا ولا ريب انّه يجب حمل الترجيع على بعض المعاني المأمور بها ولا يجوز حمله على المعنى المنهي عنه.
العاشر: أن يكون مخصوصًا بالترجيع الذي لا يصل الى حد الغناء أعني ما ليس بمطرب ولا يصدق عليه الغناء ولا ينافي ما ورد في تحريمه وهذا وان كان قريبًا لكن جماعة من الفقهاء عرّفوا الغناء بأنّه الصوت المشتمل على الترجيع وان لم يطرب وذكر بعضهم انّ التلازم حاصل بين الترجيع والطرب ولو بنسبة بعض الأشخاص وهو غير بعيد وذكر بعضهم انّه راجع الى العرف أي عرف العرب وهو لا يخرج عمّا تقدّم ويمكن الجمع بحمل المطرب في التعريف الأول على انّه وصف للتوضيح لا للتخصيص.
وفي القاموس: الغناء ككسا من الصوت ما طرب به وهو يدل على اعتبار الوصف فإن لم يكن ملازما فهو كالتعريف الأول والحاصل انّه مع اجتماع الترجيع والاطراب يتحقّق الغناء بإجماع الفقهاء واللغويّين والعرب.
الحادي عشر: ان يكون المراد بالترجيع في الصوت ترديده من مخرج حرف الى مخرج حرف آخر أي إخراج الحروف من مخارجها كما ينبغي من غير ان يكون النطق بواحد منها مشابها للنطق بآخر فيكون حاصل الترجيع بيان الحروف في النطق بيانا تاما فإنّه يستلزم اللطف في رجوع الصوت من كيفيّته إلى أخرى ومن مخرج حرف الى آخر وهذا قريب من الثامن وبينهما فرق ما.
الثاني عشر: ان يكون المراد بترجيع الصوت ردّه باشتغاله بالقرآن عن الشعر والغناء ونحوهما فيكون امرًا بالاشتغال به عن غيره والرجوع عن غيره إليه لأنّ صاحب الصوت الحسن يستعمله غالبًا في الغناء فأمره بالرجوع عنه الى قراءة القرآن لا على وجه الغناء فيرجع الى معنى الرجوع مع معنى التكثير (6) وكذا قوله يرجّع به ترجيعًا ويكون الضمير للقرآن أي انّ الله يحب الصوت الحسن الذي يرده صاحبه عن المحرّمات فيرجع الى الاشتغال بالعبادات كالقراءة على وجه مباح شرعي.
وان نوزع في بعض هذه الوجوه بأنّه بعيد فأكثرها قريب سديد ومن نظر في كلام الفصحاء علم انّ أكثره مجازات واستعارات وكنايات وقد اجمع البلغاء على انّ المجاز أبلغ من الحقيقة بل لا مبالغة في استعمال اللفظ في حقيقته والمبالغة في مثل هذه المقامات مطلوبة خصوصًا مع شدة ظهور الحال لولا تمويهات أهل الضلال.
ولا بأس بذكر نبذة من عبارات الفقهاء وعلماء اللغة في تفسير الغناء ومعلوم انّ تفسيرهم حجة فإنّها لفظة موضوعة لمعنى ونقلهم لمعناها رواية لا اجتهاد ولا تناقض في نقلهم لتقارب مدلوله وشمول الغنا لما ذكروه.
قال المحقّق في الشرائع: مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب يفسّق فاعله وترد شهادته سواء كان في شعر أو قرآن ولا بأس بالحداء (7).
وقال العلّامة في التحرير: الغناء حرام وهو مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب يفسّق فاعله وترد شهادته سواء كان في القرآن أو شعر وكذا مستعملة سواء اعتقد إباحته أو تحريمه ولا بأس بالحداء وهو الإنشاد الذي تساق به الإبل يجوز فعله واستماعه وكذا نشيد الاعراب وسائر أنواع الإنشاد وما لم يخرج الى حد الغناء (8).
وقال الشهيد في الدروس: ويفسّق القاذف الى أن قال: والمغني بمد الصوت المطرب المرجع وسامعه وان كان في القرآن (9).
وقال العلّامة في الإرشاد: وترد شهادة اللاعب بآلات القمار إلى أن قال: وسامع الغناء وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب وان كان في القرآن وفاعله.
وقال الشيخ علي في شرح القواعد: ليس مطلق مدّ الصوت محرّمًا وان مالت النفوس اليه ما لم ينته الى حدّ يكون مطربًا بسبب اشتماله على الترجيع المقتضى لذلك (10).
وقال الجوهري في الصحاح: الطرب خفّة تصيب الإنسان لشدّة حزن أو سرور.
وقال صاحب القاموس: تخصيص الطرب بالفرح وهم وقال الزمخشري في الأساس: هو خفّة من سرور أو همّ.
وقال صاحب الصحاح أيضًا: التطريب في الصوت مدّه وتحسينه وقال أيضًا: الترجيع في الأذان وترجيع الصوت وترديده في الحلق كقراءة أصحاب الألحان.
وقال صاحب القاموس: الترجيع في الأذان تكرير الشهادتين جهرًا بعد إخفائها وفي الصوت ترديده في الحلق كقراءة أصحاب الألحان.
وقال صاحب كتاب شمس العلوم: ودو الكلام العرب من الكلوم على ما نقل عنه الترجيع ترديد الصوت في الحلق مثل ترجيع أصل الألحان في القراءة والغناء.
وقال أيضًا: طرب في صوته إذا مدّه وطرب في القراءة والأذان كذلك.
وقال ابن إدريس في السرائر: فأمّا المحظور على كل حال فهو كل محرم الى أن قال: وترجيع ما يطرب من الأصوات والأغاني (11).
وقال العلّامة في القواعد: الغناء حرام يفسّق فاعله وهو ترجيع الصوت ومدّه وكذا يفسّق سامعه قصدًا سواء كان في قرآن أو شعر.
وذكر الشهيد الثاني: انّ الغناء راجع الى العرف وذكر بعض التفسيرات السابقة أيضًا والظاهر أنّه أراد إدخال ما لم يدخل في التعريف السابق إذا سمّي في العرف غناء(12).
قال في شرح اللمعة: الغناء مدّ الصوت (13) المشتمل على الترجيع المطرب أو ما يسمّى في العرف غناء وان لم يطرب سواء كان في شعر أم قرآن أو غيرهما وكلام سائر الفقهاء واللغويّين يقارب ما نقلناه والتعريفات متقاربة كما عرفت ولا مانع من الجمع بينهما لعدم تناقضها وهو ظاهر ويفهم من كتب اللغة انّ التغنّي والتطريب والترجيع واللحن والتغريد والترنّم ألفاظ متقاربة المعنى لأنّهم يذكرون بعضها في تفسير بعض ومن أراد الوقوف على عباراتهم فليرجع إليها وتلك العبارات تزيد الغناء وضوحا وربّما تدخل فيه إفراد يسيرة لم تدخل فيما نقلناه وعلى تقدير الشك في دخول بعض الإفراد يتعيّن اجتنابه عند من يخاف الله وأمّا الإفراد الظاهرة الفرديّة فلا عذر لأحد فيها.

__________________
(1) الكافي ج 2 ص 616.
(2) مستدرك الوسائل ج 1 ص 295.
(3) يعني يضعّفون بعض أحاديثه على مصطلحهم.
(4) ج 2 ص 565.
(5) تفسير البرهان ج 4 ص 397.
(6) مع معنى حمله التكثير خ ل.
(7) راجع كتاب الشهادات ص 33 في صفات الشهود.
(8) التحرير ج 2 ص 209 في صفات الشاهد.
(9) الدروس ص 190 كتاب الشهادة.
(10) إيضاح الفوائد في شرح القواعد ج 4 ص 424 في الشهادات.
(11) السرائر كتاب الشهادات ص 183.
(12) المسالك ج 2 كتاب الشهادات فيمن ترد شهادته.
(13) شرح اللمعة ج 3 ص 212.




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)