أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-23
1245
التاريخ: 11-3-2017
4692
التاريخ: 28-8-2020
5231
التاريخ: 14-3-2017
2502
|
تناول الفقه تعريفات متعددة لعقد الخدمات الاستشارية، وجميعها يركز على الهدف من إبرام هذا العقد الذي يتمثل في الحصول على المعلومات التي من شأنها إنجاح الأهداف التي يسعى إليها المستفيد من الاستشارات القانونية و الإدارية و الهندسية و المحاسبية والتسويقية و الخ . فهناك من عرفه: "اتفاق يلتزم بمقتضاه المستشار بأن يقدم للمستفيد كل الوسائل التي تضمن تحقيق الأهداف التي يبتغيها من العقد"، ويعرف ايضاً بأنَّه "عقد الخدمات الاستشارية ما هو إلا عقد يلتزم فيه المهني تجاه شخص غير متخصص بأن يزوده لقاء أجر بمعلومات واستشارات في جانب من جوانب العلوم المتخصصة، حيث يعتمد غير المتخصص على هذه المعلومات في تحديد هدفه وقراراته تجاه أمر معین (1).
وقد عرف المشرع المصري في اللائحة التنفيذية رقم (692) لسنة 2019 لقانون تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة رقم 182 لسنة 2018 في المادة الأولى منه الدراسات الاستشارية بأنه "ما يغلب عليه الطابع الفكري أو الارشادي ومن ذلك الدراسات الهندسية أو المهنية أو الاقتصادية أو المالية أو الإدارية أو القانونية بما في ذلك مهام الاعداد أو التصميم أو الاشراف على التنفيذ أو التقييم أو الاستلام".
ونلاحظ ان المشرع المصري استعمل مصطلح الخدمات أو الدراسات الاستشارية بدون ذكر كلمة عقد، ولكن عدم ايراد كلمة عقد ليس له أثر على مضمون العقد وبحسب رأينا ان مصطلح " عقد الخدمات الاستشارية" أدق من مصطلح "الخدمات الاستشارية"، إذ إنه أوسع ويشمل دور الإستشاري في الإشراف على التنفيذ وكذلك تقييم العمل وإستلامه، إذ ان عقد الخدمات الاستشارية لا يقتصر فيه دور المستشار على تقديم المشورة والدراسات الفنية والعلمية المتخصصة فقط بل يمتد ليشمل الإعداد والتصميم والإشراف على التنفيذ والتدقيق والاستلام.
أما المشرع الجزائري في قرار وزاري مشترك سنة 1988 والمعدل بالقرار الوزاري المشترك رقم 02 المؤرخ في 04 جويلية 2001 والمتضمن كيفيات ممارسة الاستشارة الغنية في ميدان البناء واجر ذلك، في المادة (2) عرفت الاستشارة الفنية بأنها وظيفة شاملة لمهام التصميم والدراسات والمساعدة والمتابعة والمراقبة وانجاز المباني مهما تكن طبيعتها وجهتها باستثناء المباني المخصصة للاستعمال الصناعي ويمارسها المستشار الغني تحت مسؤوليته الكاملة وفي إطار الالتزامات التعاقدية التي تربطه برب العمل (2).
ان الاستشارة هي معلومات متخصصة، يتوصل إليها المستشار بعد تحليل ودراسة لوضع المشروع تعكس خبرة المستشار في مجال تخصصه، والتي من شأنها توجيه المستفيد نحو اتخاذ قرار بالتصرف من عدمه (3).
يشترك عقد الخدمات الاستشارية بخصائص عامة مع العقود الأخرى، كما أنه يتميز ببعض الخصائص التي تجعل له خصوصية متميزة عن بقية العقود ومن الخصائص العامة، أنه عقد رضائي، وأنه ملزما للجانبين، وأنه من العقود المحددة، وأنه فوري التنفيذ، وأنه من عقود المعاوضة، وإنه عقد غير مسمى؛ ويمتاز عقد الخدمة الاستشارية بأن كل طرف فيه يأخذ مقابلا لما يعطي، فالمستفيد يحصل على الاستشارة التي يبغيها والمستشار يحصل على الأجر المحدد له اتفاقا أو قضاء، ويترتب على ذلك ان اتفاق المستشار مع المستفيد على عدم اقتضاء الأجر صراحة أو ضمنا يؤدي إلى انتفاء وصف عقد الخدمات الاستشارية على الاتفاق المبرم بينهما ومن المفروض ان المستشار يعمل بأجر (4).
ان عقد الخدمة الاستشارية عقد ملزم للجانبين فهو ينشئ منذ إبرامه التزامات متقابلة في ذمة عاقديه، بحيث يكون كل منهما في ذات الوقت دائنا ومدينا للآخر، وهذا يعني أنه لا يحق لأي طرف من أطرافه ان يتحلل من العقد بإرادته المنفردة دون ان يتحمل نتائج هذا التحلل، وهذا العقد يرتب حقوق والتزامات على طرفي العقد، أما المشورة المجانية التي تقدم إلى زميل دراسة أو قريب أو صديق فلا يطلق عليها وصف عقد الاستشارة بالمعنى الدقيق ويجب ملاحظة ان عقد الخدمات الاستشارية يعد صورة من صور عقد المقاولة ويتمتع المستفيد فيه بسلطة فسخ العقد وإيقاف التنفيذ في أي وقت قبل إتمام الاستشارة (5)؛ استنادا إلى ما تقرره المادة (885) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 بخصوص عقد المقاولة والتي تنص على أنه الرب العمل ان يفسخ العقد ويوقف التنفيذ في أي وقت قبل إتمامه على ان يعوض المقاول عن جميع ما أنفقه من المصروفات وما أنجزه من الأعمال وما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل".
ان عقد الخدمات الاستشارية عقد غير مسمى فالعقد المسمى هو الذي نظمه المشرع وخصصه بإسم معين وتولى تنظيمه بأحكام خاصة لشيوعه بين الناس في تعاملهم، أما العقود غير المسماة فهي تلك العقود التي لم يخصها المشرع بإسم خاص ولم يتولى تنظيمها بأحكام خاصة، وعقد الخدمة الاستشارية من هذه العقود وهو من نتاج التقدم العلمي ومشكلاته، ويرجع ذلك إلى حاجة الإنسان غير المتخصص إلى رأي ومشورة المتخصصين : كلا حسب اختصاصه (6).
ويتفق عقد الخدمات الاستشارية مع عقد العمل (7) في أنه عقد يقوم على الاعتبار الشخصي من جانب العامل أي ان رب العمل يعتمد في الغالب على صفة العامل ومهارته في أداء العمل، ومن ناحية ثانية فالعقدان يتفقان في ان كلا منهما يقوم على التنفيذ المتعاقب، إذا لا ينفذ عقد العمل دفعة واحدة بل يمتد تنفيذه إلى فترة زمنية قد تطول أو قد تقصر والأمر ذاته قد يحصل في عقد الخدمات الاستشارية، ومن ناحية ثالثة فإن محل عقد الخدمات الاستشارية المتمثل بالنصيحة أو المشورة يشترط فيه ما يشترط في محل عقد العمل من وجوب كونه واضحًا وممكنا للاستفادة منه من جانب المستفيد في إدارة عمله أو دفعه للقيام بعمل أو الامتناع عنه، والتبعية التنظيمية لا يشترط فيها ان يقوم المستفيد بالإشراف بصفة مباشرة ومستمرة على المستشار ، بل يكفي لثبوتها تحقق مكنة المستفيد في الرقابة والتوجيه وإن لم يمارسها وهذه التبعية تختلف قوتها باختلاف كفاءة المستشار ونوع العمل وحجم المشروع، وفي بعض الصور قد تخف هذه التبعية حتى ليصعب القول بتوفرها، ويتم استخلاص هذه التبعية من خلال بعض القرائن كطريقة تحديد الأجر، وطبيعة الالتزامات المتقابلة وتبعية المستشار الاقتصادية (8).
ولا تقتصر فوائد هذا التكييف على المستفيد فحسب، بل إن له فوائد عملية جمة لمصلحة المستشار ايضًا، فمن ناحية أولى اعتبار عقد الاستشارات الهندسية عقد عمل معناه ان المستشار سيستحق الأجر إذا كان حاضرا ومستعدًا للعمل في الوقت المعين، ومن ناحية ثانية فإن المستفيد سيتحمل تبعة الأخطاء التي يمكن ان يرتكبها المستشار أثناء أدائه لعمله، من حيث عدم تضمن الاستشارة المقدمة له حلولا معقولة للمشكلة التي تعترضه (9).
ومن الناحية الثالثة فإن المستشار سوف لن يلزم إلا ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة وبالتالي فأنه سيستحق الأجر بمجرد بذله العناية اللازمة دون حاجة إلى تحقق النتيجة المتوخاة من الاستشارة و المستشار سوف لن يكون مسؤولا عن العيوب الخفية التي تكتنف النصيحة محل الاستشارة وأخيرا فإن المستشار سيستفيد من الحماية القانونية التي أسبغها المشرع للعامل و تؤكد المادة (903) من القانون المدني العراقي شمول أداء الخدمة بأحكام عقد العمل وأن عقد الخدمة الاستشارية كعقد يبرم مع شخص متخصص في مهنته لأداء خدمة معينة، فهو عمل داخل في مهنة من يؤديها، إذ نصت هذه المادة على أنه: 1- يفرض في أداء الخدمة ان يكون بأجر إذا كان قوام هذه الخدمة عملا ليس مما جرت العادة بالتبرع به أو عملاً داخلا في مهنة من أداه، ولكن هذا لا يتطابق مع عقد الخدمة الاستشارية لاعتبارات عدة منها ان علاقة التبعية غير موجودة في علاقة المستشار بالمستفيد، بل على العكس نجد أن هناك رابطة تبعية معكوسة في عقد الخدمات الاستشارية حيث أن المستفيد هو الذي يحتاج إلى الاستعانة برأي المستشار في الأمور موضوع الاستشارات عندما يعتمد المستفيد على هذه الاستشارات في القيام بعمل أو الامتناع عنه(10).
مع ملاحظة ان تطبيق أحكام قانون العمل على أعمال المستشار بصورة عامة يؤدي إلى نتائج لا تنسجم مع طبيعة عقد الخدمات الاستشارية الذي يعتمد أساساً على جهد الإنسان الفكري وإبداعه الذهني سواء من ناحية الحقوق التي يتمتع بها المستشار أو من ناحية إنهاء العقد الذي يربطه بالمستفيد، إذ تختلف القواعد المتعلقة بأنهاء العقد اختلافًا جوهريًا في عقد العمل عنها في عقد الخدمة الاستشارية، على سبيل المثال لا ينتهي عقد العمل بوفاة رب العمل بينما تنتهي الاستشارة بموت المستشار (11).
___________
1- د. ندى كاظم المولى المنافسة والمنافسة غير المشروعة، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، مجلد 20، العدد 1، جامعة بغداد، العراق، 2019، ص11.
2- د. نافع تكليف مجيد، الإعلان عن المناقصة (دراسة مقارنة)، بحث منشور في مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، المجلد 7، العدد 1، جامعة بابل ،العراق، 2015، ص13.
3- د. ندى كاظم المولى المنافسة والمنافسة غير المشروعة، مصدر سابق، ص17.
4- د. بلال عدنان عبد الامير، مبادئ واجراءات ووسائل ابرام العقد الإداري، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2019، ص 55.
5- د. حسن محمد علي حسن الجزاءات المالية في العقد الإداري، بحث منشور في مجلة الرافدين للحقوق، المجلد 12، العدد 54، جامعة الموصل العراق 2012، ص38.
6- د. أوهام علي حبيب الاختصاص القضائي بنظر المنازعات الإدارية في العراق، ط1، مكتبة صباح جعفر الانباري، بغداد، 2015، ص131.
7- عرف القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 عقد العمل في المادة 900/1 بأنه: "عقد يتعهد به أحد طرفيه بأن يخصص عمله لخدمة الطرف الآخر ويكون في أدائه تحت توجيهه وأدارته مقابل اجر يتعهد به الطرف الآخر، ويكون العامل اجيراً خاصاً"، وايضا عرفه قانون العمل العراقي رقم 71 لسنة 1987 المعدل في المادة (29) بأنه: "اتفاق بين العامل وصاحب العمل، يلتزم فيه العامل بأداء عمل معين لصاحب العمل تبعا لتوجيهه وادارته ويلتزم فيه صاحب العمل بأداء الأجر المتفق عليه للعامل".
8- د. أحمد عثمان عياد، مظاهر السلطة العامة في العقود الإدارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1973، ص 84.
9- د. أحمد طلال عبد الحميد قاعدة العقد شريعة المتعاقدين في العقود الإدارية (دراسة مقارنة)، ط 1، دار ميزوبوتيما للطباعة والنشر والتوزيع، بغداد، 2011، ص22.
10- أحمد منصور محمد علي، المشكلات العملية في المناقصات والمزايدات، ط 1 ، وزارة الثقافة والفنون والتراث، قطر، 2014، ص 81
11- ابوبكر صديق عمر، الرقابة القضائية على سلطة الادارة في ابرام العقود الإدارية بطريق المناقصات، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2013، ص35.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|