أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-3-2016
5047
التاريخ: 2-04-2015
3254
التاريخ: 13-4-2019
2278
التاريخ: 19-10-2015
3532
|
إنّ بعض أدعية الإمام الحسين عليه السلام أيضاً هو عرضٌ لحاجة الإمام عليه السلام إلى الله. يحتاج الإنسان في كلّ الحالات لأن يدعو الله ويتكلّم معه. والحديث مع الله يهب القلبَ قوّة، ويطرد الضعف والوهن. احتاج الإمام الحسين عليه السلام في تلك الظروف الصعبة إلى الحديث مع الله, فتحدّث معه، دعاه وناجاه واستمدّ منه قوّة القلب. وهذا موجود في كلّ الأحوال. الدعاء أيضاً سلوى للآخرين, لم يكن دعاء الإمام عليه السلام سلوًىْ له فقط, بل كان سلوًىْ للمحيطين به ولأصحابه. كان الموقف صعباً, كان عليه أن يواسي الآخرين, وقد حدث هذا الأمر من خلال دعاء الإمام عليه السلام إلى جانب الكلمات والخطابات والنقاط الأخرى.
كان للإمام الحسين عليه السلام صباح يوم عاشوراء دعاءٌ, عندما اصطفّ بحرٌ من الجيوش في مواجهة الإمام عليه السلام, وهو يقف مع عدد ربّما لم يكن آنذاك يتجاوز الـ 50 أو الـ 60 نفراً من أصحابه، جرى على لسانه هذا الدعاء: "اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدّة وأنت وليّي في كلّ أمر نزل بي ثقةً وعدّةً"[1].
أي: إلهي، عندما أعتمد عليك لا يهزّني هجوم الأعداء, عندما أعقد قلبي عليك لا تلقي هموم وغموم موت الأعزّة والأحبّة والشدائد العديدة بظلالها عليّ, أي إلهي! وربّي! في أصعب اللحظات التي يجلب فيها العدوّ كلّ نيران حقده وبغضه وخبثه وقساوته أصنع لنفسي جنّةً من ذكرك. وقد جعل الإمام الحسين عليه السلام هذه الجنّة محيطة به أيضاً, لذلك كلّما كان يوم العاشر يوشك على الاقتراب من الظهر - أو من العصر حسب بعض الروايات - كان الإمام الحسين عليه السلام يصبح أكثر سروراً وسكينة[2]. ففي كلّ هذا الغمّ: موت الأحبّة، تهديد العدوّ القاسي, وذلك العداء الذي أبرزوه بقسوة وغلظة دونما فهم أو وعي, - من الطبيعي أن يستولي الاضطراب على الإنسان - كان الإمام الحسين عليه السلام كلّما اقترب وقت العصر يزداد بهجة وسروراً، ويتألّق وجهه ويزهر وتتعالى روحه, كلّ ذلك بسبب هذا الاعتماد على الله تعالى.
إشارات التأثّر في مناجاة الإمام الحسين عليه السلام
يوجد في بعض ثنايا أدعية الإمام عليه السلام ما يحكي عن تأثّره بحادثة ما. فهذه الروح العظيمة وهذه العظمة الفريدة كانت في يوم عاشوراء تتأثّر لبعض الحوادث, وهذه الحوادث هي عبرة لنا أيضاً. بمعنى أنّ عظمة نفسه لم تكن توجب أن لا يغتمّ ولا يتألّم لهذه المنغّصات. لا، بل كان غمّه في بعض المواقف كبيراً جدّاً وثقيلاً، ما يضّطره إلى الالتجاء إلى محضر القرب الإلهيّ والدعاء والمناجاة, إلّا أنّه صبر أمام هذه الحوادث وتعامل معها بصبر.
وكان من بين تلك الحوادث القاسية التي هزّت الإمام الحسين عليه السلام ورفع عندها يديه إلى السماء بالدعاء شهادة طفله الرضيع, التي هزّته في الواقع. فبعد أن أصابه حرملة بسهم في نحره وهو في حضن والده وسال الدم من أوداجه جمع الإمام عليه السلام الدماء بكفّيه ورمى بها نحو السماء ونثرها[3] بحالة عجيبة, ودعا بهذا الدعاء: "ربّ إن تكن قد حبست عنّا النّصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير, وانتقم[4] لنا واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل"[5].
وهذا يشير إلى أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد تأثّر بشدّة بهذه الحادثة من خلال دعائه لله بهذا النحو.
كما إنّ من الحوادث التي جعلت الإمام الحسين عليه السلام يناجي ربّه ويبثّ شكواه ولواعج قلبه، شهادة عبد الله بن الحسن، ذلك الشابّ ابن الأحد عشر عاماً، وهو ابن الإمام الحسن عليه السلام[6]، تلك الشهادة التي كانت حادثة صعبة ومؤلمة جدّاً في ذلك الوقت, عندما سقط الإمام الحسين عليه السلام عن ظهر جواده إلى الأرض - في اللحظات الأخيرة - وعاد الجواد إلى المخيّم خالياً وعرفت النسوة والأطفال أنّه حصل خطبٌ للإمام عليه السلام وكان لكلٍّ منهم ردّة فعل[7].
كان عمر هذا الشابّ عند شهادة أبيه سنة واحدة، وتربّى في حجر عمّه عشر سنوات، فكان عمره يوم عاشوراء 11 سنة وكان يحبّه أكثر من أبنائه لكونه يتيماً. من الواضح أنّ هذه المحبّة قد عمّت حال هذا الطفل وغمرته, ولذلك عندما فهم - من مجيء الفرس - أنّ عمّه قد سقط على الأرض في المعركة أسرع ووصل إليه. وكما ينقل في الكتب عن هذه الحادثة، أنّه ما إن وصل إلى جسد عمّه المثخن بالجراحات، كان أحد رجال ابن زياد من قساة القلوب يستعدّ ليهوي بالسيف على عمّه، فاضطرب هذا الطفل بشدّة وهو يرى هذا المنظر فوضع يديه أمام السيف ليحمي جسد عمّه, إلّا أنّ ذلك الوحش لم يبال وضربه بالسيف عليهما فقطعهما. قطعت يدا الطفل، صاح ونادى، واستغاث[8], وهنا تغيّرت حالة الإمام الحسين عليه السلام وتأثّر بشدّة, فهو لا يستطيع القيام بعمل وهم يقتلون هذا الطفل اليتيم عزيز قلبه ابن الـ11 ربيعاً أمام عينيه.
وهنا رفع يديه إلى السماء وشرع في الدعاء من صميم قلبه ودعا عليهم ونادى: "اللهمّ أمسك عنهم قطر السماء"[9].
وهنا يجدر التأمّل، أيّة حالات كانت هذه، أيّة حالات ودقائق روحيّة؟! وفي النهاية أيّ توجّه والتجاء إلى الله تعالى؟! أي أنّه في هذه الحال وبدلاً من القيام بأيّ عمل فيه غضب وغصّة وتحيّر وقنوط، لجأ إلى الدعاء والحديث مع الله.
وهذا درس لكلّ المسلمين وأتباع الحسين بن عليّ عليه السلام ومحبّيه!
نداء قلب الإمام عليه السلام في اللحظات الأخيرة
كان عليه السلام في اللحظات الأخيرة ولسانه قد جفّ وشفتاه قد يبستا من العطش وهو يلهج بالذكر والدعاء ومناجاة الله. فكما ينقل في المقاتل، عندما وقع عليه السلام على الأرض ولم يبقَ إلّا لحظات قليلة من حياته الشريفة، عزم جمع منهم على قتله، أخذوا يتسابقون على قطع رأس أبي عبد الله عليه السلام طمعاً بأخذ الجائزة من أسيادهم[10]. وهؤلاء سمعوا الإمام الحسين عليه السلام في اللحظات الأخيرة يقول: "اللهمّ متعالي المكان عظيم الجبروت شديد المحال غنيّاً عن الخلائق عريض الكبرياء قادراً على ما يشاء..."[11].
كان مشغولاً بالمناجاة مع الله, أيّ لحظات معنويّة هذه؟! وأيّ لحظة عزيزة وعظيمة تلك اللحظة التي يتحدّث فيها إنسان على هذا النحو إلى الله تعالى؟! نحن لدينا ما يشبه هذه الحالة, شهداؤنا الأعزّاء الذين تعلّموا من الإمام الحسين عليه السلام وقد سمعنا ذلك أحياناً عنهم. فهؤلاء كانوا يدعون في آخر لحظات حياتهم ويناجون, وقد مضوا وهم في دعاء ومناجاة.
هذا هو درس الإمام الحسين عليه السلام. عندما انتهى الإمام من هذه الكلمات دعا بعدّة كلمات أخرى ودعاؤه معروف: "صبراً على قضائك يا ربّ لا إله سواك"[12], هذا هو نداء قلب الإمام الحسين عليه السلام الذي جرى على لسانه في اللحظات الأخيرة قبل استشهاده وهذا درس لنا. وهذه حال الدعاء في حياة الحسين عليه السلام.
ليلة عاشوراء, وقت الذكر والدعاء
كانت الليالي التي تسبق العمليّات في الجبهة لياليَ عجيبة ومدهشة ومثيرة. فهؤلاء الشباب، شبابنا وإخواننا عندما كانوا يشعرون باقتراب موعدهم مع الله وأنّهم على وشك الشهادة ومجاورة الله كانوا في الليالي التي تسبق العمليّات يبدون بحال عجيبة, كنّا نشاهد فيهم صوراً مدهشة ومناظر زاهية, وحالة الدعاء والمناجاة والصلاة والذكر والتوجّه إلى الله، حالة جليلة القدر, وعندما نقرأ بعض وصاياهم نشاهد هذا الأمر, نجد التوجّه إلى الله في تلك الحالات، في الساعات الأخيرة والأيّام الأخيرة. يشعر الإنسان في تلك اللحظات أنّ الفرصة قد انقضت, فتصبح لديه حالة من الإقبال والتوجّه، إضافة إلى شوق لقاء الله.
وكانت هذه الحالة موجودة بنحو أرفع وبشكل مضاعف ليلة عاشوراء في خيام أصحاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام. وقد نقل بعض الذين سمعوا ورووا تلك الوقائع: بينما كنت مارّاً في إحدى الليالي بالقرب من خيام الحسين بن عليّ، كنت أسمع أصوات تلاوة القرآن والدعاء والصلاة من كلّ الخيام، وكان الجميع في حالة ذكر ودعاء[13].
أصحاب الإمام الحسين عليه السلام أهل الذكر والعبادة
كان ممّا قاله الإمام الخمينيّ: لقد أصبحت جبهات حربنا ومتاريسنا كمساجد العبادة، فيها الصلاة والذكر, وتلاوة القرآن وترانيم الآذان[14], هذه هي إحدى الخصوصيّات الممتازة لدينا, وينبغي الحفاظ على ذلك. وهذا موجود لدينا بدءاً من صدر الإسلام وأصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والإمام الحسين عليهم السلام, ولا نبحث عنه في مكان آخر.
[1] تاريخ الطبريّ، ج4، ص321, الإرشاد، ج2، ص96, بحار الأنوار، ج45، ص4.
[2] الطبقات الكبرى، الخامسة 1، ص473، شرح الأخبار، ج3، ص163-164, بحار الأنوار، ج45، ص50.
[3] مقتل الحسين، المقرّم, ص285.
[4] الإرشاد، ج62، ص108, الكامل في التاريخ، ج4، ص75.
[5] مقتل الحسين عليه السلام، المقرّم، ص286.
[6] المصدر السابق، ص294.
[7] الفتوح، ج5، ص119-120, الآمالي، الصدوق، ص226, بحار الأنوار، ج45.
[8] اللهوف، ص72, بحار الأنوار، ج45، ص53-54.
[9] تاريخ الطبريّ، ج4، ص344.
[10] تذكرة الخواص، ص228.
[11] إقبال الأعمال، ج3، ص304, بحار الأنوار، ج98، ص348.
[12] مقتل الحسين، المقرّم، 297.
[13] تاريخ الطبريّ، ج4، ص319, الإرشاد، ج2، ص94, بحار الأنوار، ج44، ص394.
[14] صحيفة الإمام، ج18، ص439.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|