المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Collapsed Star
14-8-2016
الموطن الأصلي والقيمة الغذائية والصحية للنبق (السدر)
17-7-2016
قوة الايمان اقوى من قوة الابدان
29-01-2015
مناطق الجذر Root Zone
15-2-2017
مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة
6-4-2016
فتح مكّة
1-12-2014


الإمام الحسين عليه السلام فوق الوصف والتعريف  
  
515   05:25 مساءً   التاريخ: 2024-07-20
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص350-362
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام) /

طلب بعض الأفاضل أن أتكلم كلمات بمناسبة قرب عاشوراء . . وإنه لفوز عظيم يفوق التصور أن يشملكم التوفيق الإلهي ولطف حضرة ولي العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ، فتُسجَّل أسماؤكم في دفتر سيد الشهداء في أيام عاشوراء هذه . كما أن المسؤولية مهمة جداً وثقيلة ، وهي أن نعرف الناس من هو الإمام الحسين عليه السلام ، وما هي عاشوراء ؟

والمهم بالنسبة إلينا أن نفهم بالبرهان أن سيد الشهداء عليه السلام فوق الوصف والتعريف ، وأن عمله فوق رتبة التوفيق . وبما أن المسألة أكبر من أن نستطيع تقريرها بكلماتنا ، فنحن ملزمون أن نطلب فهمها من كلمات أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم ، بالتأمل فيها وكشف الحجاب عن أذهاننا للوصول إلى عمقها .

سأعرض عليكم توجيه الإمام الصادق عليه السلام ليونس بن ظبيان ، بشكل مجمل وأرجو أن تستفيدوا من خبراتكم العلمية لفقه هذا الحديث ، لأن مراتب العلماء إنما هي بدرجة الدراية لا الرواية . قال يونس للإمام الصادق عليه السلام : ( جعلت فداك إني كثيراً ما أذكر الحسين ، فأي شئ أقول ؟ فقال قل : صلى الله عليك يا أبا عبد الله . تعيد ذلك ثلاثاً ، فإن السلام يصل إليه من قريب ومن بعيد . . . قال له يونس : جعلت فداك إني أريد أن أزوره فكيف أقول وكيف أصنع ؟ قال : إذا أتيت أبا عبد الله فاغتسل على شاطئ الفرات ، ثم البس ثيابك الطاهرة ، ثم امش حافياً فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ، والتعظيم لله عز وجل كثيراً ، والصلاة على محمد وأهل بيته ، حتى تصير إلى باب الحائر ، ثم تقول :

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته .

السلام عليكم يا ملائكة الله ، وزوار قبر ابن نبي الله .

ثم أخط عشر خطوات ، ثم قف وكبر ثلاثين تكبيرة ، ثم امش إليه حتى تأتيه من قبل وجهه ، فاستقبل وجهك بوجهه وتجعل القبلة بين كتفيك ثم قل :

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته .

السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله .

السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره .

السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض ) . انتهى .[1]

تأملوا جيداً ، فالسلام الأول سلام عام ، وبعده ثلاث تسليمات خاصة ! وهنا المعرفة والحكمة ! إن لُباب العلم في كلمات الأئمة المعصومين عليهم السلام ، والعقل البشري يحتاج إلى مدد إلهي وعناية ربانية ، ليصل إلى شعاع من تلك الشموس المتوهجة !

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته . . وهذه الصفة سمةٌ عامة للأئمة الذين جعلهم الله ذرية مباركة بعضها من بعض ، لكن ما بعدها صفاتُ وسماتٌ خاصة بالحسين لا يشترك معه فيها غيره ، حتى أبوه صلوات الله عليهم .

السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله . . تعبيرٌ بليغٌ لنوع فريد من الشهادة لله تعالى على خلقه ، شاركه فيه أبوه أمير المؤمنين عليه السلام ، لكن الحسين عليه السلام اختص بأنه قتيل الله وابن قتيله ! فقد كُتِبَتْ له هذه السمة الفريدة من عالم الغيب : قتيل الله وابن قتيله ! فلا تجد هذا المنصب الرباني لغيره في كل تاريخ البشرية ، ولا في مقامات الأنبياء والأوصياء والشهداء عليهم السلام .

ومن الممكن لنا أن نفهم صفة : قتيل الله وابن قتيله ، وثأر الله في الأرض وابن ثاره . . لكن العبارة المحيرة للعقول هي :

السلام عليك يا وتر الله الموتور ، في السماوات والأرض !

ثم ، بعد هذه المقامات الثلاثة ، قال الإمام الصادق عليه السلام : أشهد أن دمك سكن في الخلد ، واقشعرت له أظلة العرش ، وبكى له جميع الخلائق ! !

فصاحب هذا المقام الذي نريد أن نعرِّفه للمسلمين ، جوهرٌ منحصرٌ بفرد ! وإنجازاته كليٌّ منحصر بفرد ! وفي كل فقرة من هذه الدرر أبحاثٌ تستغرق ساعات ، ولا ندعي الكمال في الشارح ، بل نأمل الاستعداد في المستمع .

والمهم الآن أن نفهم ما الذي حدث حتى صار دم الحسين عليه السلام من سكان عالم الخلد ؟ ! فعالم الخلود مكان التجرد ، وذهاب الروح اليه وسكناها فيه منسجم مع الأصل ، لكن ذهاب الدم وسكنه فيه ، يعني أن الروح حدث فيها تطور فصار مقرها فوق الخلد ! وأن الدم صار من نوع الروح فسكن الخلد ! معنى ذلك أن الحسين عليه السلام وصل إلى درجة أن الخلد صار مسكناً لدمه الطاهر ، أما روحه فمسكنها في درجة فوق الخلد ، لا نعرفها !

أشهد أن دمك سكن في الخلد ، واقشعرت له أظلة العرش . . كلامٌ عن عالم أعلى ، من إمام مفتوحة له النوافذ على ذلك العالم ! فما معنى سكن الدم في الخلد ، واقشعرار أظلة العرش له ؟ ! وما هذا التقابل والجدلية بين سكن دم الحسين وسكونه في الخلد ، وبين اقشعرار أظلة العرش ؟ إنه تعبير يموج بالبحث والمعرفة ! ثم يأتي بعده المشهد العجيب : وبكت له جميع الخلائق !

أين أهل التأمل والنظر وأصحاب الدقة الفكرية ؟ لقد استعمل الإمام الجمع المحلى بالألف واللام للخليقة لتفيد التعميم لكل المخلوقات ، ثم جمعها بكلمة ( الخلائق ) ، ثم فصل الخلائق بعد إجمالها ! فقال : وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع ، وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى . . كلها بكت من أجل دم الحسين عليه السلام ، فأين الحسين نفسه ؟ ! نعم ، كل هذا التجليل والعظمة إنما هو لدم سيد الشهداء الذي يجري في عروقه ، والذي أراقه لله تعالى في كربلاء ! أما روحه المتعلقة بذلك الدم ، فلها حديث آخر !

فانظروا إلى هذا التحول والإنقلاب الذي حصل في مراتب الوجود ، في نقطة الصعود ونقطة النزول ، من أين امتد إلى أين ؟ ! وإلى أين نصل من باب العلم هذا الذي فتحه الإمام الصادق عليه السلام لأهل الفقه الأكبر ، عندما عرَّف لنا الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام بدمه وليس بنفسه ولا بروحه فأفهمنا أن دمه الشريف فوق التعريف ، فكيف بصاحب الدم ، ومنزلته ؟ !

إقرأ كتاب الكافي من أوله إلى آخره ، ولكن قراءة باحث ، وتتبعْ فيه مراتب الوجود ، وقوس النزول والصعود ، لترى أن ما أشرت اليه من تفصيل علامة الوجود الإمام جعفر الصادق عليه السلام بعد إجماله : وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع ، وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى ومالا يرى . . يدل على أهل الجنة بكوْا لهذا الدم ، وأهل جهنم بكوا لهذا الدم ! وما ذلك إلا لأن انقلاباً حدث في قوس الصعود وفي قوس النزول ! وأن أعلى نقطة في مراتب الوجود إلى أدنى نقطة في مراتبه ، كلها اهتز وجودها ووجدانها أمام دم الإمام الحسين عليه السلام ، فما هذه العظمة ؟ !

ولم يقف الإمام الصادق عليه السلام عند هذا ، بل قال كلمة بعده لا يستوعبها إلا من خصه الله برزق من عنده ! قال الإمام عليه السلام : وما يرى ، وما لا يرى !

فكل ما خلق الله مما يرى ولا يرى ، بكى لدم الحسين عليه السلام !

فما هذا المجد الرباني للحسين ، وما قضيته ؟

هذا يعني أنك إذا أردت أن تتلفظ باسم الحسين عليه السلام على المنبر ، وتؤدي ما ينبغي من مراسم ذكر اسمه ، فغسلت فمك بماء الورد ألف مرة ! فأنت مقصر في آداب ذكر اسمه الشريف ! كيف لا ، وأنت لا تستطيع أن تفهم دم الحسين عليه السلام ، وما معنى أنه سكن في الخلد ! فكيف تفهم روحه ؟ !

وإذا أردنا أن نصوغ المطلب بنظم الدليل البرهاني ، فإن إضافة النكرة إلى المعرفة تقلب النكرة فتكتسب بإضافتها التعريف ، هذه قاعدة العَلَم الإضافي ، فإذا كان المضاف اليه فوق التعريف ، أخذ المضاف من صفته فصار فوق التعريف ! وهذا هو الدليل البرهاني على أن الإمام الحسين عليه السلام فوق التعريف !

كما أن الإضافة تكون أحياناً إضافة فنائية ، فيكون لها حكم آخر ، حيث تسري آثار المفني فيه إلى الفاني وتظهر عليه ! فلننظر إلى إضافة الحسين إلى الله تعالى ، أي نوع من الإضافة هي ، لكي نفهم لماذا قال الإمام الصادق عليه السلام : السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله !

فمن هو قتيل الله هذا ؟ إرجعوا إلى دعاء علقمة بن محمد الحضرمي ، واقرؤوا هذا الجملة التي تبين مقام النبي صلى الله عليه وآله وبقية أصحاب الكساء عليهم السلام يقول : يا من يكفي من كل شئ ولا يكفي منه شئ في السماوات والأرض ! أسألك بحق محمد خاتم النبيين ، وعلي أمير المؤمنين ، وبحق فاطمة بنت نبيك وبحق الحسن والحسين ، فإني بهم أتوجه إليك في مقامي هذا وبهم أتوسل ، وبهم أتشفع إليك ، وبحقهم أسألك وأقسم وأعزم عليك ، وبالشأن الذي لهم عندك ، وبالقدر الذي لهم عندك ، وبالذي فضلتهم على العالمين ، وباسمك الذي جعلته عندهم ، وبه خصصتهم دون العالمين ، وبه أبنتهم وأبنت فضلهم من فضل العالمين ، حتى فاق فضلهم فضل العالمين جميعاً .[2]

فمعنى هذا أن هؤلاء الخمسة صار لهم حسابهم الخاص عن كل العالمين ، بما حملهم الله تعالى من اسمه الأعظم ، فلا يقاس بهم غيرهم أبداً ! وذلك الدم المقدس الذي أريق في كربلاء أخذ خصوصياته من هنا ! فهو دم بدن يحمل اسم الله الأعظم ، لكن إلى أي حد ، وأي مستوى ؟

إن اسم الله الأعظم ثلاث وسبعون حرفاً ، منه حرف مختص بالله تعالى ، لا يصل إلى مخلوق ولا يصل اليه مخلوق ! ومن الاثنين وسبعين حرفاً أعطى الله تعالى عبده عيسى بن مريم عليه السلام أربعة حروف فقط ، وبها كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله . كل هذه الآثار كانت بالحروف الأربعة !

أما إبراهيم عليه السلام فقد وصل إلى درجة أن يعطى من اسم الله الأعظم ثمانية حروف لم يتجاوز الثمانية !

وأما نبينا وأهل بيته صلى الله عليه وآله فقد أعطاهم الله تعالى اثنين وسبعين حرفاً من اسمه الأعظم . فالحروف الأربعة التي عند عيسى المسيح عليه السلام ، والثمانية التي عند إبراهيم عليه السلام ، إلى الاثنين وسبعين حرفاً ، كلها في قلب الحسين عليه السلام ! ولك أن تتصور بدناً يحمل مثل هذا الجوهر الفرد ، ودماً أريق من مثل ذلك القلب بأي حساب يجب أن يحسب ؟ !

لا بد أن تعرف دمَ مَنْ هو ؟ ومن أي نوع من المعرفة تغذى ؟

ومن أي نبع سقيت صفاته وملكاته ؟ ومن أجل مَن أريق ، وكيف ؟

وهل يمكن لبشر أن يفهم ذلك الدم الذي يجري فيه اسم الله الأعظم ؟ !

لسنا في صدد الحديث عن الجراحات التي وقعت على ذلك البدن الشريف صلوات الله عليه ، وعن تعدادها وتفصيلها ، فغرضنا أن نفهم شيئاً من شهادة الإمام الصادق عليه السلام : أشهد أن دمك سكن في الخلد ! فالإمام الحسين عليه السلام بكل هذه الجراحات التي في بدنه[3]، وقف في جانب الميدان ليستريح ساعة ، فقد كان التعب بلغ به مبلغه ، فهو على أي حال بشر ، وامتحانه الإلهي هذا يتم في عالم بشريته . وقف وهو يحمل جراحاته ليستريح هنيهة ، فقد رجع من حملاته عليهم ، ورد حملاتهم عليه ، وقبل قليل كان عند جسد أخيه العباس ، وجثمان ولده علي الأكبر ، ورأى أجساد أصحابه المجدلين في أرض كربلاء هنا وهناك ، والآن هذه جراحاته تستوعب بدنه !

في ذلك الوقت ضربه خبيث بحجر فوقع على جبهته ، فرفع طرف قميصه ليمسح الدم عن وجهه ، فماذا حدث ؟ أتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فانبعث الدم كالميزاب ، فتلقى الدم بيده فلما امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ! !

أرجو أن تلتفتوا . . لماذا تلقى الحسين دم قلبه بيده ورمى به إلى السماء ؟ ! وكم مرة فعل ذلك ؟ وفي إحداها مسح به وجهه وبدنه !

وأي دم صعد إلى السماء ، وأي دم مسح به رأسه ووجهه ؟

وهل وقع من دمه على الأرض ؟

ولماذا لم يتركه الإمام الحسين يجري على الأرض ؟ !

ولو جرى على الأرض هل تبقى أرض وأهل الأرض ؟ !

إن هذا هو معنى : السلام عليك يا رحمة الله الواسعة ويا باب نجاة الأمة .

أنت يا مولاي جعفر بن محمد ينبغي أن تقول أي دم كان ذلك الدم ؟ !

أخذ الحسين عليه السلام الدم الشريف ونظر اليه وقال : بسم الله وبالله ، ثم قال : وفي سبيل الله ، ثم رمى به نحو السماء ، يعني : إِلَيْه يَصْعَد الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه ! قال الإمام الصادق عليه السلام : فما رجع من ذلك الدم قطرة ! !

ذلك هو الدم الذي سكن في الخلد ! !

يا أحمد بن حنبل ، أنت كتبت في مسندك . .

يا ابن عبد البر ، أنت كتبت في استيعابك . .

ويا ابن حجر ، أنت كتت في الإصابة . .

ويا ترمذي ، أنت كتبت في سننك . .

ويا جلال الدين السيوطي ، أنت كتبت في تفسيرك وتاريخك . .

ويا بيهقي والخطيب البغدادي ، وأئمة التفسير والحديث . .

أنتم جميعاً كتبتم ، فهل فهمتم ما كتبتم من خبر ابن عباس قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله حزيناً مغبر الثياب وبيده قارورة يلتقط فيها دم الحسين عليه السلام ليرفعه إلى العرش ، وأن النبي صلى الله عليه وآله أخبر ابن عباس بشهادة الحسين عليه السلام فكان كما قال وظهر صدق رؤيا ابن عباس ، وظهرت كرامة للنبي صلى الله عليه وآله في دم الحسين عليه السلام !

( قال ابن الأثير في تاريخه : 1 / 82 : قال ابن عباس : رأيت النبي الليلة التي قتل فيها الحسين ، وبيده قارورة يجمع فيها دماً فقلت : يا رسول الله ما هذا ؟ فقال : هذه دماء الحسين وأصحابه ، أرفعها إلى الله تعالى ) ! انتهى .

وفي رواية : أرفعه إلى السماء ، وفي رواية : إلى العرش . وفي كلها : دم الحسين وأصحابه ! يا أئمة رواة الحديث ، هل فهمتم ماذا يعني النبي صلى الله عليه وآله بذلك ؟ ! يعني أني أنا بستاني الإنسانية ، بعثت في أهل الأرض وغرست بستاناً . . وعندما تطلع منه الورود ، لابد أن آتي وأقطفها وآخذها إلى الله تعالى ، لأن محلها : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ !

أشهد لقد طيب الله بك التراب ، وأوضح بك الكتاب .

السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله .

 


[1] في الكافي : 4 / 575 : ( عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد ، عن الحسين بن ثوير قال : كنت أنا ويونس بن ظبيان والمفضل بن عمرو أبو سلمة السراج جلوساً عند أبي عبد الله عليه السلام ، وكان المتكلم منا يونس وكان أكبرنا سناً فقال له : جعلت فداك إني أحضر مجلس هؤلاء القوم يعني ولد العباس فما أقول ؟ فقال : إذا حضرت فذكرتنا فقل : اللهم أرنا الرخاء والسرور فإنك تأتي على ما تريد .

فقلت : جعلت فداك إني كثيراً ما أذكر الحسين عليه السلام فأي شئ أقول ؟ فقال : قل : صلى الله عليك يا أبا عبد الله . تعيد ذلك ثلاثاً فإن السلام يصل إليه من قريب ومن بعيد .

ثم قال : إن أبا عبد الله الحسين لما قضى بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ، ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى بكى على أبي عبد الله الحسين إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه ، قلت : جعلت فداك وما هذه الثلاثة الأشياء ؟ قال : لم تبك عليه البصرة ولا دمشق ولا آل عثمان عليهم لعنة الله .

قلت : جعلت فداك إني أريد ، أن أزوره فكيف أقول وكيف أصنع ؟

قال : إذا أتيت أبا عبد الله فاغتسل على شاطئ الفرات ثم ألبس ثيابك الطاهرة ثم امش حافياً ، فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ، والتعظيم لله عز وجل كثيراً ، والصلاة على محمد وأهل بيته ، حتى تصير إلى باب الحير ، ثم تقول :

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته .

السلام عليكم يا ملائكة الله وزوار قبر ابن نبي الله .

ثم أخط عشر خطوات ، ثم قف وكبر ثلاثين تكبيرة ، ثم امش إليه حتى تأتيه من قبل وجهه ، فاستقبل وجهك بوجهه وتجعل القبلة بين كتفيك ثم قل :

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته .

السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله .

السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره .

السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض .

أشهد أن دمك سكن في الخلد ، واقشعرت له أظلة العرش ، وبكى له جميع الخلائق ، وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ، ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى .

أشهد أنك حجة الله وابن حجته ، وأشهد أنك قتيل الله وابن قتيله ، وأشهد أنك ثائر الله وابن ثائره ، وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات والأرض ، وأشهد أنك قد بلغت ونصحت ووفيت وأوفيت ، وجاهدت في سبيل الله ، ومضيت للذي كنت عليه شهيداً ومستشهداً وشاهداً ومشهوداً .

أنا عبد الله ومولاك ، وفي طاعتك ، والوافد إليك ، ألتمس كمال المنزلة عند الله ، وثبات القدم في الهجرة إليك ، والسبيل الذي لا يختلج دونك من الدخول في كفالتك التي أمرتُ بها . من أراد الله بدأ بكم ، بكم يبين الله الكذب ، وبكم يباعد الله الزمان الكلب ، وبكم فتح الله وبكم يختم ، وبكم يمحو ما يشاء وبكم يثبت ، وبكم يفك الذل من رقابنا ، وبكم يدرك الله ترة كل مؤمن يطلب بها ، وبكم تنبت الأرض أشجارها ، وبكم تخرج الأشجار أثمارها ، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها . بكم يكشف الله الكرب ، وبكم ينزل الله الغيث ، وبكم تسيخ الأرض ، التي تحمل أبدانكم ، وتستقر جبالها عن مراسيها . إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم ، وتصدر من بيوتكم ، والصادر عما فصل من أحكام العباد .

لُعِنَتْ أمةٌ قتلتكم ، وأمة خالفتكم ، وأمة جحدت ولايتكم ، وأمة ظاهرت عليكم ، وأمة شهدت ولم تستشهد . الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس ورد الواردين ، وبئس الورد المورود . والحمد لله رب العالمين . وصلى الله عليك يا أبا عبد الله ، أنا إلى الله ممن خالفك برئ ( ثلاثاً ) . ثم تقوم فتأتي ابنه علياً وهو عند رجليه فتقول :

السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام عليك يا بن علي أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن الحسن والحسين ، السلام عليك يا بن خديجة وفاطمة ، صلى الله عليك . لعن الله من قتلك - تقولها ثلاثاً - أنا إلى الله منهم برئ ( ثلاثاً ) .

ثم تقوم فتؤمي بيدك إلى الشهداء وتقول : السلام عليكم ( ثلاثاً ) فزتم والله فزتم والله فليت أني معكم فأفوز فوزاً عظيما . ثم تدور فتجعل قبر أبي عبد الله بين يديك فصل ست ركعات وقد تمت زيارتك ، فإن شئت فانصرف ) .

[2] في مصباح المتهجد ص 777 : ( وروى محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة قال : خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وعندنا جماعة من أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبد الله عليه السلام فسرنا من الحيرة إلى المدينة فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله الحسين عليه السلام فقال لنا : تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام من هاهنا أومأ إليه أبو عبد الله الصادق عليه السلام وأنا معه ، قال فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء ثم صلى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام وكان فيما دعا في دبرهما :

يا الله يا الله يا الله يا مجيب دعوة المضطرين . يا كاشف كرب المكروبين . يا غياث المستغيثين . ويا صريخ المستصرخين . ويا من هو أقرب إلي من حبل الوريد . يا من يحول بين المرء وقلبه . ويا من هو بالمنظر الأعلى وبالأفق المبين . ويا من هو الرحمن الرحيم على العرش استوى ، ويا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ويا من لا يخفي عليه خافية ، يا من لا تشتبه عليه الأصوات ، ويا من لا تغلطه الحاجات ويا من لا يبرمه إلحاح الملحين ، يا مدرك كل فوت ، ويا جامع كل شمل ، ويا بارئ النفوس بعد الموت ، يا من هو كل يوم في شأن ، يا قاضي الحاجات ، يا منفس الكربات ، يا معطي السؤلات ، يا ولي الرغبات ، يا كافي السؤالات المهمات ، يا من يكفي من كل شئ ولا يكفي منه شئ في السماوات والأرض .

أسألك بحق محمد خاتم النبيين ، وعلي أمير المؤمنين ، وبحق فاطمة بنت نبيك ، وبحق الحسن والحسين ، فإني بهم أتوجه إليك في مقامي هذا ، وبهم أتوسل ، وبهم أتشفع إليك ، وبحقهم أسألك وأقسم وأعزم عليك ، وبالشأن الذي لهم عندك وبالقدر الذي لهم عندك ، وبالذي فضلتهم على العالمين . وباسمك الذي جعلته عندهم وبه خصصتهم دون العالمين ، وبه أبنتهم وأبنت فضلهم من فضل العالمين ، حتى فاق فضلهم فضل العالمين جميعاً . أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تكشف عني غمي وهمي وكربي ، وتكفيني المهم من أموري . . إلى آخر الدعاء ) .

[3] في بحار الأنوار : 45 / 52 : ( وقال الباقر عليه السلام : أصيب الحسين عليه السلام ، ووجد به ثلاث مائة وبضعة وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم . وروي ثلاثمائة وستون جراحة . وقيل ثلاث وثلاثون ضربة سوى السهام . وقيل ألف وتسعمائة جراحة .

وفي بحار الأنوار : 45 / 53 : ( فوقف عليه السلام يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره - وفي بعض الروايات على قلبه - فقال الحسين عليه السلام : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح فلما امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء ، ثم وضع يده ثانياً فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول : يا رسول الله قتلني فلان وفلان ، ثم ضعف عن القتال فوقف ، فكلما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه ! حتى جاءه رجل من كندة يقال له : مالك بن اليسر فشتم الحسين عليه السلام وضربه بالسيف على رأسه وعليه برنس فامتلأ دماً ، فقال له الحسين : لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين . ثم ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتم عليها وقد أعيا . . . صلوات الله عليه ) .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.