أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-5-2022
1608
التاريخ: 16-12-2014
3306
التاريخ: 18-10-2015
4396
التاريخ: 16-12-2014
3312
|
بمناسبة ميلاد الصديقة الزهراء عليها السلام ، نركز نظرنا على واحدة من الروايات الشريفة ، والروايات كثيرة وأهلها كثيرون أيضاً ، لكن الدراية وأهلها قليلون !
كلام أهل البيت عليهم السلام كله نور ، وأحاديثهم تنحني العقول لارتفاعهما وعلو مطالبها ، وكما أن إدراك ما يتعلق بالله تعالى مشكل على أكثر الأذهان ( جل جناب الحق أن يكون شرعة لكل وارد ) ، فكذلك مقامات خير خلقه صلوات الله عليهم لا تستطيع فهمها إلا بعض الأذهان ! لكن لا يسقط الميسور بالمعسور .
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ، ليلة القدر فاطمة ، ليلة القدر فاطمة ، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها ) . ( تفسير فرات الكوفي ص 581 ، البحار : 43 / 65 ، العوالم : 11 / 103 ، وغيرها . )
فطموا عن معرفتها . . فأي شخصية هذه التي عز مقامها عن أن ينال الخلق معرفتها ؟ ! لا بد أن نتأمل في هذا الأمر ! بل ينبغي أن يتأمل في ذلك كبار مفكري الانسانية ، من أصحاب التفكير الراقي الذي بلغ مستوى عالياً من النضج والرشد ، ويتساءلوا عن حقيقة هذه المسألة ؟ !
ليلة القدر . . ليلة تنزل القرآن : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ( سورة الدخان : 3 ) ، فما معنى أن فاطمة تفسيرٌ لهذه الليلة المباركة ؟ !
تلاحظون أن تعليل هذا المطلب جاء بتعليل تسميتها ( إنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها ) ! وكلمة الخلق أوسع نطاقاً من كلمة الناس ، فهي تشمل الإنس والجن إلى أن تصل إلى الملائكة ( الذين أسكنتهم سماواتك ورفعتهم عن أرضك ) فحتى هؤلاء فطموا عن معرفتها ! !
فما الخبر ؟ ومن هي هذه المرأة ؟ وماذا فيها من حقيقة غيبٍ هي أرفع من أن ينال معرفتها أصحاب العقول الراقية ؟ ! !
من أجل فهم هذه المسألة نحتاج إلى عقل قوي تربى بالقرآن ، واستدلال معتمد على أكثر الأدلة قطعية يعني القرآن ، بمساعدة السنة القطعية ، فلعله يستطيع أن يفتح نافذة صغيرة على هذا المطلب العظيم .
لأن الخلق فطموا عن معرفتها . . لماذا ؟
وأي سر في شخصية فاطمة عليها السلام ، فطم الخلق عن معرفته ؟ !
القرآن كتاب الحكمة الإلهية ( يس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) والإنسان أعلى موجود في المخلوقات ، وقد ذكر القرآن الإنسان في ثمان وخمسين مورداً ، وفي أغلب هذه الموارد جاء ذكر الإنسان معرفةً وفي بعضها ورد ذكره نكرة ، وهذا التعريف والتنكير يحمل معاني كثيرة .
وقد بين القرآن مبدأ تكوين الإنسان ومنتهاه ، فمبدؤه من علق اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ( سورة العلق : 1 - 2 ) ومنتهى مساره ( خَلَقَ الإِنْسَان عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) ( سورة الرحمن : 4 ) ليس هذا بيان النطق باللسان فقط ، بل هو البيان المتناسب مع تسمية القرآن بياناً في قوله تعالى هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ( سورة آل عمران : 138 ) وبياناً في قوله تعالى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَئٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ( سورة النحل : 89 )
كما بيَّن مسار الإنسان في خطين ، خط صعود وخط نزول ، وقسم الناس لذلك إلى سالكين في طريق التكامل أو متسافلين ، وخص كلاً منهما بآيات . وسمى أول سورة من القرآن تتحدث عن خلق الإنسان وطغيانه ، باسم سورة العلق ! كما سمى سورة باسم سورة الإنسان ، تحدث فيها عن أعظم مراتب الكمال في الإنسان ، وأعلى قوس الصعود في تكامله ، وجمع فيها خلاصة ما أنزله عن الإنسان في البضعة وخمسين مورداً ! هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً . إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ( سورة الانسان : 1 - 2 ) .
فأين الذي يقرأ القرآن بفكر ثاقب يتدبر القرآن ؟
إن سورة الإنسان تعني سورة العالم ، كل عالم الإمكان ! وهي من أكبر حجج الله على خلقه ، وهي بناء رباني يتحدث عن الإنسان ذلك الكائن العجيب الذي بناه الله تعالى بقدرته :
وتزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر
لقد لخص الله العالم في آدم عليه السلام ، ثم فصَّل حال آدم وبنيه في تكاملهم وصعودهم ، وتسافلهم ونزولهم ! ثم لخص قضيتهم في سورة الإنسان !
ففي سورة العلق تحدث عن مبدأ خلق الإنسان من علقة .
وفي سورة الطارق تحدث عن خلق الإنسان من ماء دافق : فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ( سورة الطارق : 5 - 7 )
فتراه يتناول الموضوع من هذه الزاوية ، أو تلك ، ويجمع المفصل ، ويفصل المجمل ، أو يلخص القضايا ، أو يبسطها ، في وجوه من إعجاز القرآن وخصائصه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً . . هنا أفاض في الحديث عن الإنسان ، وذكر ما لم يذكره في مكان آخر ! فمن عادته أن يتكلم عن بدأ خلق الإنسان من نطفة ، أو علقة ، أو سلالة ، أو تراب ، أو طين ، أو صلصال ، أو ماء مهين . . لكنه هنا تحدث عما قبل ذلك فقال : ( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) ؟ !
لاحظوا تسلسل آيات سورة الإنسان :
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا .
إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا .
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا .
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا .
إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا .
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا .
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا .
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا .
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا .
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا .
فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا .
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا .
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا .
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً .
ويُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوارِيرَاْ .
قَوَارِيرَاْ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا .
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً .
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً .
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا .
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا .
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا .
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا .
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً .
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا . ( سورة الإنسان : 1 - 24 )
يقول مستخرج لآلي القرآن الإمام الصادق عليه السلام : كان شيئاً ولم يكن مذكوراً .
( تفسير نور الثقلين : 5 / 469 ) ، وفيه مطالب عالية لا يتسع لها المجال .
إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاج نَبْتَلِيه . . وكل كلمة فيها تجعلك تتوقف عندها ، فهذا الهيكل مركب من لب وقشر بناه الله بقدرته على الأمشاج ، أي على التركيب والتأليف من متضادات ومتوافقات ! أمشاج نطفة الأب وبويضة الأم ، وأمشاج اللب والقشر ، وأمشاج العقل والهوى ، وأمشاج المذكر والمؤنث في تركيب البدن ، وحتى في تركيب الروح !
نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا . . إن ظاهر القرآن حق ، وباطنه حق ، ولكل أهل . وسير الإنسان يبدأ من هنا بابتلائه ، بتطويره واختباره معاً ، حتى يصل إلى : إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ .
ثم تنمو شجرته وتكبر ، لكنها تنقسم بشكل متباين فتكون شعبتين : إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ، وتذهب كل منهما في طريق !
أما فرع : شَاكِرًا ، فيكون كشجرة طيبة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( سورة إبراهيم : 24 - 25 ) .
وأما فرع كَفُورًا ( كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَالَهَا مِنْ قَرَارٍ ) . ( سورة إبراهيم : 26 )
ثم تبدأ السورة بآيات قوس النزول البشري ، وقوس الصعود الإنساني فتختصر آيات الأشرار السافلين بآية واحدة : إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا ولكنها تفصل في آيات الأبرار العالين بنحو عشرين آية :
إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا . . . الآيات !
لقد استعمل الله تعالى في آيات خلق الإنسان كلمة ( أحسن ) مرتين ، لخلق بدن الإنسان ولخلق نفسه ، في قوله تعالى : ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . ( سورة المؤمنون : 14 )
وفي قوله تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( سورة التين : 4 )
أما في سورة الإنسان فقد بين تعالى كيف يصل الإنسان صاحب أحسن تقويم إلى أعلى درجات الكمال ، فما لم يصل الإنسان إلى هذه الدرجة لا يصل العالم إلى كماله .
أما أهل أعلى درجات الكمال الإنساني في سورة الإنسان فهم أصحاب : " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا " ، فهؤلاء هم أصحاب : وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى . الَّذِي يُؤْتي مَالَهُ يَتَزَكَّى . وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى . إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى . وَلَسَوْفَ يَرْضَى . ( سورة الليل : 17 - 21 ) فهذا هو منتهى مسار الإنسان في قوس الصعود ، والكمال المطلق الممكن للإنسان !
وفي هذه الدرجة تنطفئ كل المصابيح ، فكل الأنوار هنا ظلمات ، ويشرق نور الله تعالى ! حيث تفنى الأنا والنحن ، وتفنى إرادة الإنسان في إرادة الله ، ويفنى فكره وعقله . . فلا ابتغاء إلا لوجه الله ، ولا وجهة إلا وجه الله !
لقد اتفقت كلمة جمع كبير من مفسري السنة على القضية التالية ، ونقلوا اتفاق مفسريهم القدامى على ذلك ، مثل قتادة ، والحسن البصري ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن جبير ، وابن مسعود ، وابن عباس .
ونحن ننقلها من تفسير الكشاف لجار الله بن محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، من مفسري أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس ، قال : وعن ابن عباس ( رض ) أن الحسن والحسين مرضا ، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله في ناس معه ، فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ، إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهما شئ ، فاستقرض عليٌ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء ، وأصبحوا صياماً ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أخذ علي ( رض ) بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها ، وقد التصق بطنها في ظهرها ، وغارت عيناها فساءه ذلك ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال : خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك ، فأقرأه السورة . انتهى .[1]
ما أحقر الدنيا عند الله تعالى ، حتى سمح أن يكون خيرة أوليائه بعد نبيه صلى الله عليه وآله ، الذين لو دعا أحدهم أن يملأ الله بيته ذهباً لفعل ، سمح أن يستقرضوا قوتهم وهو خبز شعير ، من يهودي !
إن هذا هو الإسلام الذي قَلَبَ الدنيا ، وهذه هي المدينة الإسلامية الفاضلة التي تهز العالم ، وهذا هو أشرف بيت فيها لا يملك قوت يومه ، ويحتاج أن يستقرض خبزه من يهودي خيبري !
فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص . . وفي الليلة الأولى جاءهم فقير مسلم ، وفي الثانية يتيم ، وفي الثالثة أجنبي مشرك فآثروه كلهم حتى الحسن والحسين تصرفا كالكبار ، ومن أولى منهما بفعل الكبار ؟
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين . . وأقبل فاتح خيبر وقالع بابها مع طفليه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم !
فذلك الإنسان الكامل ، ملك ثمرات الوجود ، وأشجع المخلوقات وأصبرها ، الذي لا يهتز قلبه لما يهتز له العرش . . اهتز قلبه لهم وقال : ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم ! بلفظ التعجب وأفعل التفضيل !
وقام فانطلق معهم . . لأنه لما رأى حالهم ، رأى بلوغ عترته ذروة الإنسان وتحقق الثمرة من خلق الله للعالم ، فأراد أن ينظر إلى بقية عترته في أي حال ؟ فلعل فاطمة لا تستطيع الحراك أو أغشي عليها من الجوع !
فرأى فاطمة في محرابها ، رأى ثمرة الوجود في محرابها ، وقد التصق بطنها في ظهرها ، وغارت عيناها فساءه ذلك ! فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك . . فأقرأه السورة !
فنزل جبرئيل ، وهنا أوجُ المطلب وسره : خذها يا محمد ، هنأك الله في أهل بيتك . . فقد أوصلت خاتمية النبوة إلى أوجها ، وقطفت ثمار شجرة الخليقة ! لقد استطعت أن تربي بيتاً بهذا المستوى ، سيرته وسريرته وظاهره وباطنه : إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا .
هنا يظهر معنى الحديث ، ويتضح أن هذا البيت النبوي الفريد فانٍ في وجه الله ، وعندما يفنى الإنسان في وجه الله ينقلب وجوده ، ويأخذ من أحكام وجه الله تعالى !
أيها الزمخشري والبيضاوي وكبار المفسرين السنيين ، هل تعقلون هذا الحديث الذي كتبته أيديكم ؟
هل عرفتم ماذا يأخذ الفاني في وجه الله ، من الوجه المفني فيه ؟
وهل عرفتم أن وجه الله لا يمكننا معرفته ، فعليٌّ لا يمكننا معرفته ، وفاطمةُ لا يمكننا معرفتها ، والحسنُ والحسين . . صلوات الله عليهم ! فهل عرفتم الآن معنى : إنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها ؟ ! !
[1] الحديث الشريف في الكشاف : 4 / 197 ، وفي طبعة أخرى : 4 / 670 ، وفي شواهد التنزيل : 2 / 393 - 414 ح 1042 - 1070 ، وفي المناقب للمغازلي ص 272 ح 320 ، وأسباب النزول للواحدي ص 296 ، والدر المنثور للسيوطي : 8 / 371 ، وذخائر العقبى ص 102 ، وتفسير البيضاوي : 5 / 165 ، وتفسير الطبري : 29 / 125 ، وتفسير الرازي : 30 / 243 . . وغيرها . وقد وردت له روايات أخرى منها في تفسير القمي : 2 / 398 قال : ( قوله وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . فإنه حدثني أبي عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان عند فاطمة عليها السلام شعير فجعلوه عصيدة ، فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين ، فقال المسكين رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام علي عليه السلام فأعطاه ثلثها ، فما لبث أن جاء يتيم فقال اليتيم رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام علي عليه السلام فأعطاه ثلثها الثاني ، فما لبث أن جاء أسير فقال الأسير يرحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام علي عليه السلام فأعطاه الثلث الباقي ، وما ذاقوها ! فأنزل الله فيهم هذه الآية إلى قوله : ( إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) ، في أمير المؤمنين عليه السلام وهي جارية في كل مؤمن فعل مثل ذلك لله عز وجل ) .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|