أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-07
1176
التاريخ: 2023-11-09
1574
التاريخ: 24/10/2022
1985
التاريخ: 30-4-2019
10790
|
حقق النظام الرئاسي للسلطة الانضباطية تطبيقاً واسعاً خلال المراحل الأولى من نشأة وتطور النظام الانضباطي للوظيفة العامة الى الدرجة التي اعتبرت فيها السلطة الرئاسية تعبيراً مرادفاً للسلطة (الانضباطية) في سائر الانظمة القانونية بوصفها الأكثر جدارة مما عداها في تحقيق هدف حسن سير العمل وانتظامه بالمرافق العامة، وعلى الرغم من انفراد النظام الرئاسي بالتطبيق دون ما عداه من الانظمة الانضباطية منذ عشرات السنين فان الصورة تكاد تكون على النقيض تماماً الان بحيث اصبح هذا النظام امراً استثنائياً للغاية بعد ان اصاب السلطة الانضباطية تطور جذري سار بها نحو اعتناق ما يسمى بمبدأ قضائية السلطة الانضباطية (1). وفيما يلي سنعرف النظام الرئاسي ومسوغات الاخذ به، وعيوب هذا النظام، وعلى النحو التالي:
أولاً: تعريف النظام الانضباطي الرئاسي
يعرف هذا النظام بانه ( اسناد وظيفة توقيع العقوبة الانضباطية بمختلف انواعها ودرجاتها بصورة مباشرة الى السلطة الرئاسية العليا وحدها دون ان تشاركها في ذلك ايه جهة خارجة عنها ودون ان تلتزم قبل توقيع سائر العقوبات الانضباطية بالحصول على رأي مسبق من اي هيئة أو جهة استشارية ودون ان تخول غيرها حق التعقيب على ما تتخذه من قرارات في هذا الصدد سواء بالتعديل او بالإلغاء) (2).
ويقوم هذا النظام على اساس ان السلطة الانضباطية هي نوع من السلطة الرئاسية وان الرئيس الاداري هو وحده الذي يملك الحق في تحديد ما يعد مخالفة انضباطية واختيار ما يناسبها من جزاء فحيث تكون المسؤولية يتعين أن توجد السلطة وإلا يتعذر عليه القيام بإدارة المرافق، فوفقاً لهذا النظام تعد السلطة الانضباطية فرعاً من فروع السلطة الرئاسية، ولكفالة احترام هذه السلطة لابد من اعطائها حق توقيع العقاب في حالة ارتكاب الأخطاء والمخالفات من قبل الموظفين .
وتثار في هذا الخصوص حالة التشابه بين الإجراءات الانضباطية والاجراءات الرئاسية، ولكن هناك ثمة فرقاً كبيراً بينهما يتمثل في الاتي:
1. تهدف الاجراءات الرئاسية الى مصلحة المرفق وحسن سيره اما الاجراءات الانضباطية وان كانت تتضمن نفس الهدف الا انها في ذات الوقت تضمن هدفاً عقابياً .
2. بالنسبة للإجراءات الانضباطية تلتزم الادارة باتباع الاجراءات الشكلية التي تتعلق بحقوق الموظف، وليس في هذا الشأن بالنسبة لإصدارها الامر الاداري الذي يتعلق بحسن سير المرفق .
لذلك تعد السلطة الرئاسية اوسع نطاقاً من السلطة الانضباطية، ومن الدول التي اخذت بالنظام الرئاسي النظام الإنجليزي والنظام الأمريكي (3) ، واسبانيا والدنمارك والعراق (4) .
ثانياً: مسوغات الأخذ بالنظام الرئاسي:
لقد ساق مؤيدو النظام الرئاسي لسلطة فرض العقوبة الانضباطية جملة من الأسانيد والمبررات جاءت كالتالي:
1. انه من المعترف به تماماً ان النظام الانضباطي كقاعدة اصلية عامة هو من قبيل الشؤون والاهتمامات الداخلية للإدارة وبالتالي فان وظيفة العقاب التأديبي فيه يجب ان لا تمارس بواسطة اية جهة خارجة عنه وانما من خلال السلطات الرئاسية في اطار السلم الوظيفي التدريجي الرئاسي ولا يترتب على قصر الاختصاص التأديبي على الادارة اخلالًا بالضمانات التأديبية للموظفين اذا ان حق الطعن على الجزاء التأديبي قد اصبح متاحاً ومكفولاً في ظل النظام الرئاسي .
2. تتمتع السلطة الرئاسية بالقدرة والفاعلية اكثر مما عداها من السلطات على تلبية اهداف الانضباط المتبلورة في ضمان حسن سير العمل وانتظامه بالمرافق العامة، فضلاً عن صلاحيتها لتقويم الموظفين من خلال العقوبات الانضباطية الموقعة عليهم بواسطتها بسبب احاطتها الكاملة بكافة ومختلف ظروف العمل الوظيفي وطبيعته المميزة واقترابها اكثر من غيرها من الملابسات والاعتبارات العملية اللصيقة بالخطأ الانضباطي المرتكب ومدى ما يعكسه من اضرار على المصلحة العامة واهداف النظام الانضباطي كله.
3 يقضي مبدأ التلازم بين السلطة والمسؤولية بايكال امر ممارسة الوظيفة الانضباطية الى السلطة الرئاسية ما دامت هي المسؤول الأول عن تحقيق الهدف العام من الانضباط، وباعتبارها صاحبة الاختصاص بالتعيين ومن ثم تكون هي المختصة بالانضباط تطبيقاً للمبدأ الذي يقضي بالاقتران فيما بين سلطتي التعيين والانضباط (5).
4. ان اقتصار مهمة السلطة الرئاسية على عملية البدء في تحريك الاجراءات الانضباطية ( سلطة الاتهام) دون التمتع بصلاحية توقيع العقوبات الانضباطية لإسناد هذا الشق الاخير من السلطة الانضباطية الى جهات غير رئاسية من شأنه أن يؤدي الى احجام او تخاذل اعضاء السلطة الرئاسية في المبادرة الى تحريك المسؤولية الانضباطية في مواجهة الموظفين مخافة تبرئة ساحتهم بواسطة السلطة المختصة بالعقاب، ولكي لا توقع نفسها في دائرة الحرج مع هؤلاء الموظفين وكلا الامرين يحمل انعكاساً ضاراً للغاية بالهدف العام للانضباط لاسيما وان السلطة الرئاسية هي التي يفترض استحواذها بمفردها على سلطة تكييف ووصف الافعال المخلة بمقتضيات وواجبات العمل الوظيفي اي بتحديد ما يعد من قبيل المخالفات الانضباطية وما لا يعد كذلك (6) .
5 . إن فاعلية الانضباط تستوجب أن يتم الجزاء بالحسم والسرعة في ذات البيئة التي وقع فيها الخطأ ليحقق اثره على اكمل وجه ممكن سواء بالنسبة للموظف المخطئ او غيره من الموظفين فاذا عهد به لجهة اخرى غير الادارة فان الانضباط سوف يطول ويفقد اثره والعقوبة عندها ستفقد فاعليتها فالعدالة المتأخرة كالعدالة الناقصة .
6 . ان الانضباط لا يستهدف مجرد العقاب وغرضه الأساسي ينحصر في تمكين المرفق من اداء رسالته، ومن ثم فان الادارة حين تعاقب احد الموظفين تأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تم فيها الخطأ، وكذلك الإحاطة بالظروف التي مكنت الموظف من ارتكاب الخطأ او سهلت له ارتكابه الامر الذي يمكن الادارة من سد الثغرات ومعرفة أوجه القصور في التنظيم الاداري وهذا لا يتحقق فيما لو تمت الاجراءات بعيدة عن مباشرة الادارة، لان هذا المعنى سوف يختفي خلف الطابع العقابي للانضباط (7).
7. واخيراً ما قضت به المحكمة الادارية العليا في مصر من أن مناط ممارسة اعضاء السلطة الرئاسية توقيع العقوبات الانضباطية مرده الى اصل طبيعي ثابت مؤداه وجوب هيمنة الادارة على تسيير المرافق العامة على الوجه المحقق للمصلحة العامة والاعتراف لأعضائها بالحرية الكاملة في اختيار معاونيهم ممن تتوسم فيهم صلاحية السعي نحو تحقيق ذلك الهدف واستبعاد من لا ترى صلاحياتهم لذلك (8) .
ثالثاً : عيوب النظام الرئاسي:
على الرغم من المسوغات السابق ذكرها لترجيح كفة النظام الإداري في التأديب على بقية النظم الاخرى، إلا أن هذا النظام لم يخلو من النقد وأوجه القصور المتعلقة بعنصري الفاعلية والضمان وذلك على النحو التالي:
1. ان السلطة الرئاسية تخشى احياناً توقيع الجزاء الانضباطي خوفاً من أن تكون هذه الجزاءات محلا لمناقشة لاحقة من الرئيس الاعلى او الراي العام وربما البرلمان أو خوفاً من ان تلغى هذه الجزاءات رئاسياً أو بواسطة القضاء مما يضعها في موقف محرج مع المرؤوسين .
2. قد تتأثر السلطة الرئاسية في اتخاذ الاجراءات الانضباطية بضغط النقابات والهيئات السياسية مما يجعل السلطة الرئاسية وهي التي تملك نظرياً حق توقيع الجزاء غير قادرة على ممارسة سلطه الانضباط بحرية وفاعلية
3. قد يهمل بعض الرؤساء اتخاذ الاجراءات الانضباطية اتجاه مرؤوسيهم لسبب أو لآخر الأمر الذي يضعف من قدرة السلطة الرئاسية في السيطرة على زمام الامور في العمل مما ينعكس باثر سيء على الكفاءة الانتاجية او على حسن سير وانتظام المرافق العامة (9).
4. ان الاختصاص التقديري الواسع للسلطة الرئاسية بالانضباط قد يؤدي عملاً الى التعسف او الانحراف في استعمال هذه السلطة، اي جنوح بالإدارة نحو التعسف باستعمال سلطتها لاسيما اذا كانت القيادة السياسية العليا في البلاد مشكلة على اساس طائفي او في ظل الانظمة السياسية الاستبدادية التي لا تسمح بتداول السلطة (10) .
5 .إن ضمانات الموظف التي تقر بكفالة النظام الرئاسي لها وهم غير حقيقي اذ ان مخاطر التعسف او الانحراف في استعمال السلطة واساءة استخدامها وعدم المساواة والعدالة في المعاملة العقابية بين الموظفين امور واردة في ظل هذا النظام، ولن يحد من ذلك فرض اي رقابة لاحقة على توقيع السلطة الرئاسية للعقوبات سواء اسند امر تلك الرقابة الى جهات ادارية او قضائية ما دمنا نقر بمبدأ حرية السلطة التقديرية للسلطة الرئاسية في مجال العقاب.
6 . ينتاب عنصر التقدير الذي تجريه السلطة الرئاسية وهي بصدد توقيع العقوبات الانضباطية خلل جسيم يتبلور اما في عدم كفاءة الجزاء الموقع لضالته ومن ثم عدم امكان تحقيق هدفي المنع والردع من خلاله، واما في الافراط في القسوة بالنسبة للجزاء الموقع أكثر مما ينبغي، ولا شك أن كلا الامرين ضار بالهدف العام للانضباط ويرد انصار النظام الرئاسي على ذلك بإمكان تلافي هذا العيب بواسطة الرقابتين السابقة واللاحقة على توقيع العقوبة الانضباطية منعاً للأفراط او التفريط فيها .
7. تقف سلطة الانضباط الرئاسي دائماً في موقف الريبة والظنون من حيث الحيدة والنزاهة العقابية وذلك بالنظر الى حملها صفتي الحكم والخصم في الوقت نفسه فهي تضطلع بإجراءات التحقيق والاتهام وتوقيع العقاب في
الوقت الذي تعد فيه خصماً للموظف محل المساءلة الانضباطية (11) .
ونحن نرى ان النظام الرئاسي وان كان هو الأقدر على معرفة ظروف العمل الوظيفي وسلوك الموظف ومستواه العملي ، إلا اننا لا نفضل التسليم الكامل للإقرار بهذا النظام وحده بسلطة فرض العقوبة الانضباطية لما فيه من أهدار لضمانات الموظف كونه يجمع بيده سلطة الاتهام والتحقيق وتوقيع الجزاء ، وكذلك قد تتردد السلطة الرئاسية في فرض العقوبات الانضباطية حفاظاً على المكاسب الشخصية وفي مقدمتها المنصب وعلى حساب المصلحة العامة لتفادي ردود الافعال الناتجة عن العقاب الانضباطي كإضراب الموظفين عن العمل ومظاهرات النقابات المهنية والتي تؤثر سلباً على المكاسب السياسية الحزبية، وهذا الأمر قد لا يحدث في حال ممارسة السلطة الانضباطية من قبل جهة محايدة كالقضاء .
وحتى لا نعدم دور السلطات الرئاسية في مجال فرض العقوبات الانضباطية كاملة، بالإمكان اعطاء هذه السلطات بتوقيع جانب من العقوبات الانضباطية البسيطة الاثر كعقوبة لفت النظر والانذار وقطع الراتب اما العقوبات الجسيمة الاثر كالفصل من الخدمة والعزل لابد ان تعطى سلطة فرضها للمحاكم الانضباطية وذلك الحيدة هذه الجهات وعدم ميولها للمكاسب الشخصية والمناصب .
_________________
1- د. مصطفى عفيفي، د بدرية جاسر صالح السلطة التأديبية بـ الفاعلية والضمان، دراسة مقارنة، مطبعة حسان، القاهرة، 1982، ص77 وما بعدها.
2- اللواء: محمد ماجد ياقوت التحقيق في المخالفات التأديبية، دراسة مقارنة، منشاة المعارف الإسكندرية 2002 ، ص73.
3- سليم جديدي سلطة تأديبية الموظف العام دراسة مقارنة ، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية، 2011، ص 129-131-132 وما بعدها .
4- رنا ياسين حسين ، رشا اكباشي خلف السلطة المختصة بتوقيع العقوبة الانضباطية مقارنة بين قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل وقانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 العراقي، بحث منشور في مجلة جامعة كربلاء العلمية، العدد 3 ، المجلد 12 سنة 2014،ص95.
5- د. مصطفى عفيفي، د بدرية جاسر صالح السلطة التأديبية بـ الفاعلية والضمان، دراسة مقارنة، مطبعة حسان، القاهرة، 1982ص78 وما بعدها.
6- د. مصطفى عفيفي ، د. بدرية جاسر السلطة التأديبية بين الفاعلية والضمان ، مصدر سابق، ص 80 وما بعدها .
7- سليم جديدي سلطة تأديبية ب الموظف العام دراسة مقارنة ، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية، 2011 ، ص 146 وما بعدها .
8- سليم جديدي، مصدر سابق، ص147.
9- محمد الأحسن، النظام القانوني للتأديب في الوظيفة العامة، دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة أبي بكر بلقايد 2016، ص91.
10- محمد الأحسن، مصدر سابق، ص91.
11- د. مصطفى عفيفي، د. بدرية الجاسر ، سلطة التأديب بين الفاعلية والضمان، مصدر سابق، ص 85-86-87
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|