أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-13
1095
التاريخ: 2024-11-04
151
التاريخ: 2024-09-14
492
التاريخ: 5-6-2016
2188
|
لقد اولت الشـريعة الاسلامية اهتماماً كبيراً بحاسة السمع ، لما لها من الاثر البالغ في بناء الانسان وحياته، ولمكانتها المهمة نجد ان الله عز وجل فرض مجموعة من الاحكام تتعلق بالسمع وحاسته فمهنا :
اوجب الشارع المقدس على من اتلف هذا العضو او قوته قصاصا ً او دية، قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[1]؛ لأن أتلافها عمدا ً يعد عبثاً او تغييراً لخلق الله عز وجل حتى ولو كان الى الحيوان بقطع اذنه او تشويه خلقه جاء في التنزيل على لسان إبليس: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ }[2]، فكيف اذا كان المجني عليه هو الانسان الذي سخّر له ما في الكون وكرمه الله على غيره من المخلوقات، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }[3]، واوجب الفقهاء في ذهابه كله دية كاملة ، قال الطوسي: (وفي السمع الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام : وفي السمع الدية) [4]، وفي ذهاب سمع احدى الاذنين نصف الدية ، لا فرق في ذلك بين الصغير ولا الكبير وضعيف السمع وقوية ومقطوع الاذن وصحيحها[5].
كما كان للشـريعة وقفة اخرى مع السمع وهي ما يسمعه الانسان فهو مسؤول عما يسمع، قال تعالى:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصـر وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[6]، فكان ما يسمعه الانسان يخضع لطريقة الفقهاء في تقسيم الأحكام الشـرعية الخمسة: محرم ومكروه وواجب ومستحب ومباح .
اما المحرم : فيكون في الاستماع الى الغيبة، والنميمة، والتجسس على عورات الناس، ودليله من الكتاب قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}[7]، وقوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[8] .
اما دليله من السنة هوقولَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): (...الْـمُسْتَمِعُ بَيْنَ قَوْمٍ وَ هُمْ لَهُ كَارِهُونَ يُصَبُّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ وَ هُوَ الْأُسـربُ)[9]، وألانك الرصاص المذاب.
ونقل الغزالي ( ان المستمع شـريك المتكلم ) في ذلك يقول: ( فمن تركها مخافتي ابدلته ايماناً يجد حلاوته في قلبه ):
وسمعَكَ صنْ عن سماعِ القبيحِ كصون اللسانِ عن النطقِ بهْ
فإِنك عند سماعِ القبيحِ شـريكٌ لقائلِه فانتبهْ[10]
وكذا اذا كان السمع يهيج الخواطر والوسواس في القلب ، ومنه نجد ان الله عز وجل نهى عن اظهار صوت الحلي ، قال تعالى: {وَلَا يَضـربْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[11] . قال الامام موسى بن جعفر (عليه السلام): (وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَلَاخِيلِ أَيَصْلُحُ لُبْسُهَا لِلنِّسَاءِ وَ الصِّبْيَانِ؟ قَالَ: إِنْ كُنَّ صُمّاً[12]، فَلَا بَأْسَ، وَ إِنْ يَكُنْ لَهَا صَوْتٌ فَلا)[13].
كما ذهب الشيعة الاماميةالى تحريم الغناء مطلقًا[14]، قال الشيخ الانصاري: (الغناء، لا خلاف في حرمته)[15]، واستدلوا بنصوص كثيرة اليك بعض منها: قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[16]، لكون المراد من قول الزور الغناء او ان الغناء منه ، ويؤيده ما روي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[17]؟ قَالَ: الْغِنَاءُ)[18]. وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[19]. وفي بيان هذه الآية جاء عن أئمة الهدى ما عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (الْغِنَاءُ مِمَّا وَعَدَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِ النَّارَ، وَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ})[20]. وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ : (الْغِنَاءُ مِمَّا قَالَ اللهُ: {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ})[21].
اما جمهور الفقهاء ذهبوا الى كراهيته بشـرط ان يكون مجرد عن الآلة الموسيقية وعن الكلام المشتمل على ما لا يحل أنشاده وسماعه ولا يكون من امرأة لرجل او بالعكس، وقد ذهب الى هذا كل من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وبعض الأمامية وهو المروي عن ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، والشعبي، والضحاك، والفضيل بن عباس، والحسن البصـري، ويزيد بن الوليد . فالحنفية وان قالوا بالكراهية الا أنهم حرموا سماعه ، اذا كان بلفظ لا يحل مصحوب بآلة موسيقية محرمة[22].
وقالت المالكية: بتحريم الغناء اذا كان بصوت مغنيه يثير صوتها الشهوة في السامع ، وقالت الشافعية بالتحريم اذا كان مصحوبا ً بآلة موسيقية محرمة او مصحوبه بذكر محاسن النساء[23].
اما من ذهب الى اباحته ، فهم ابن حزم الظاهري و الغزالي وابن القيسـراني في كتابه السماع وقيدوا الاباحة بقيد عدم الاظلال عن سبيل الله عز وجل[24] .
اما المكروه من السماع : فهو ما اورث لهواً او غفلة ، قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ( مَا جَلَسَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَ يَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَ حَفَّتْهُمُ الْـمَلَائِكَةُ وَ مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يسـر [يُسـرعْ] بِهِ نَسَبُهُ) [25]. فمن الدلالة الالتزامية نتوصل الى ان كل ما يضيع الوقت عن ذكر الله والعلم النافع فهو مكروه.
اما الواجب من السماع : قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القرآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }[26] ، فظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في الصلاة وغيرها . وقيل كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت هذه الآية وصارت سنة في غير الصلاة وهذا الحكم في الصلاة خاصة خلف الامام الذي يؤتم به اذا سمعت قراءته عن ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبيروالامام جعفر بن محمد (عليه السلام) [27].
اما المستحب : فيكون فيما يحدث في النفس شوقاً الى ربها حتى أنَّ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) امر بتزيين الصوت عند القراءة كي لا ينفر الناس منه ، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: (قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه واله وسلم): لِكُلِّ شَيْءٍ حِلْيَةٌ وَ حِلْيَةُ الْقُرْآنِ الصَّوْتُ الْحَسَنُ)[28]. وعن الامام الرضا (عليه السلام)ِ قَالَ: ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم): حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ؛ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْناً، وَ قَرَأَ{وَ اللهُ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاء}[29])[30]، وعن انس بن مالك، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): ( ان حسن الصوت زينة للقرآن ) [31]، وعن البراء بن عازب، قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (زيـــنوا القرآن بأصواتكم ) [32]. والمباح فيما عدا ما ذكر .
كما ان الشـريعة المقدسةً أولت اهتماماً كبيراً لصوت المرأة لما فيه من فتنة للمستمع وهو عورة ، فجاءت أحكام الشـريعة مبينة لحكم سماع صوت المرأة إذ اقرت :
1- صوت المرأة عورة ان لم يحدث فتنة في نفس المستمع فلا تكثر الكلام مع الرجال الاجانب .
2- لا يجوز لها الجهر بقراءة القرآن في الصلاة وخارجها بحضـرة من يسمعها من الرجال الاجانب[33].
من لطائف خلق الله خلق الاذن قال تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْـحَقُّ }[34]، فلقد خلقها عز وجل على هيأة تمكنها من استقبال الموجات الصوتية ، وهذا التوافق بين شكلها ووظيفتها ، كما اثبت العلم الحديث انها تقوم بوظيفة أخرى وهي الحفاظ على توازن الجسم والحفاظ عليه من الوقوع في حالة الحركة، قال تعالى: { كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا }[35]، والوقر هو الثقل في الأذن[36]، والسمع يتكون من ثلاثة تراكيب : الأذن الخارجية، والوسطى، والداخلية لكل منها تشـريحه الدقيق ووظيفته الفسيولوجية والوظيفة المعقدة[37].
فيكون هذا البناء الرباني ادعى للتفكر والنظر ، فهذ احد أساتذة الطب وهو يشـرح لطلابه كيف يتم انتقال الصوت وحصول السمع إذ يقول: اننا نعرف كيف يتم هذا الأمر – اما كيف تدركه الخلايا العصبية وتفهمه فلا نتدخل نحن في هذا البحث ، هكذا يخونه ذهنه العلمي عندما أراد بحث حاسة السمع المعقدة، التي يجب ان تطرق بابها ولا يتهرب منها ، فالنبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) يطرق لنا هذا الباب قبل الف وأربعمائة سنة بيد الآيات الباهرات ليدل على آثار الله في الأرض، ويلزم الملحدين من انصار الطبيعة – امهم – كما يزعمون ، فهذا الإتقان المحكم ، والدقة الرائعة في هذا التصميم ألا يدل على خالق حكيم ، فقدرة الخالق تتجلى في خلق الأذن وكيف تعمل، وكيف أنَّها جهزت بأجهزة حماية لدرء الإخطار من هوام الأرض وغيرها[38] .
فقد جاء القرآن الكريم يبين ما عجز عنه الطب الحديث من ان عملية الإدراك للأصوات في الخلايا العصبية مقصورة على الله عز وجل، قال تعالى : { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ }[39] ، وهو دليل إيماني مهم[40]، على أنَّ القرآن كتاب الله المقروء ، والأرض وما فيها كتاب الله المنظور قال تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْـحَقُّ }[41].
ومن دلائل الإعجاز السبق القرآني للعلم الحديث في كثير من العلوم، إذ اقرّ القرآن الكريم : ان السمع اول الحواس الخمس نضوجاً عند الجنين، قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصـر وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }[42] ، فبعد أربعة عشـر قرناً يعلن العلم الحديث هذه الحقيقة وهي ان السمع ينضج ويكتمل في الجنين قبل غيره من الحواس إذ يسمع الأصوات ويتأثر بها وهو جنين قي بطن امه ، وعند ولادته لم تتطور لديه حاسة الأبصار وقد يظل الطفل أسبوعين او ثلاثة لا يرى شيئاً امامه انما يقلب عينه ذات اليمين وذات الشمال ، ولو قرب شيئاً من عينه لا يرمش ، بخلاف حاسة السمع فهي موجودة وانه ينتبه للأصوات ويفزع عند العطاس ، وتكون موجودة وان كان نائماً ، بخلاف حاسة الأبصار فإنها متوقفة تماماً عن عملها بينما حاسة السمع قائمة تستقبل الأصوات وتمارس وظيفتها بلا توقف[43].
ينقلنا القرآن الكريم الى واحة أخرى من واحات الإعجاز التي يشم اريج زهورها من قصة اصحاب الكهف، وكيف ضـرب على سمعهم كي لا يسمعوا صوت الرعد والزلازل، والحيوانات خارج الكهف، قال تعالى: {فَضـربْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}[44].
كما يقرر لنا العلم الحديث ان تعلم النطق يتم عن طريق السمع في الدرجة الأولى ، فإن ولد الإنسان وهو اصم ، فإنه يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي او التفاهم معه، ويحدث لديه قصور عقلي شديد ، ويعني ان هذا الجهاز هو الذي ينمي مدركات الإنسان وذهنه ووعيه ، من هذا يتدرج الانسان في الوعي والإدراك ، اما اسمعوا قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[45] .
كما أن القرآن الكريم أقرّ حقيقة أخرى مفادها : ان الكثير من الذين حرموا نعمة البصـر – حتى وهم صغار – يتعلمون ويبلغون درجة راقية من الفهم والإدراك والعلم والأمثلة كثيرة . ولكننا لم نسمع بأن الانسان الذي يولد وهو اصم يمكن ان يرتقي في سلم المعرفة ويصبح عالما؛ لأن الفهم والنطق يتلازمان الى درجة لا يمكن فصلهما عن بعض، قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[46].
فيمكن تبليغ الاعمى اما الاصم فلا يمكن تبليغه وجاء في محكم كتاب الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضـربَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ }[47] .
ومما اقره القرآن الكريم ان مدى السمع اقل من مدى الرؤيا، فقد جاء السمع للترقي من الأدنى الى الاعلى، قال تعالى: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }[48]، فالسمع يوحي بالقرب فالذي يسمعك عادة قريب بخلاف الذي يرى فقد يرى الشخص ولكن لا يسمع ما يقول[49]، فتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وهنا قفة علمية أخرى مع السمع، فقد اجريت تجارب على عدد من المتطوعين الأصحاء لقياس اية تغيرات فسيولوجية في اثناء استماعهم تلاوات قرآنية . وقد تم تسجيل وقياس اثر القرآن الكريم عند عدد من المسلمين المتحدثين بالعربية بالنسبة لغير المتحدثين بالعربية ، مسلمين كانوا ام غير مسلمين، فقد تليت عليهم مقاطع من القرآن باللغة العربية ثم تليت عليهم ترجمة هذه المقاطع باللغة الانكليزية . وفي كل هذ المجموعات ثبت وجود اثر مهدئ للقرآن الكريم لديهم بنسبة 97 % وهذا الاثر ظهر في شكل تغيرات فسيولوجية تدل على تخفيف درجة توتر الجهاز العصبي التلقائي .
ولقد ظهر من الدراسات المبدئية ان تأثير القرآن يمكن ان يعزى الى عاملين :
الأول : هو صوت القرآن الكريم في كلمات عربية ، بغض النظر عما اذا كان المستمع قد يفهمها وبغض النظر عن ايمان المستمع .
الثاني : هو معنى المقاطع القرآنية التي تليت حتى ولو كانت مقتصـرة عــــــــــلى الترجمة الانكليزية من دون الاستماع الى الكلمات القرآنية باللغة العربية[50]، وهذا مصداق قوله تعالى :{وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }[51]، وهذا من معجزات الخالق سبحانه وتعالى .
تجلت رحمة الله عز وجل لعباده بتعدد مصادر الهداية فنجد مصادر الهداية على قسمين قد صـرح القرآن بهما :
احدهما : الآيات الكونية : قال تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ}[52]، ويعبر عن هذا النوع بالهداية التكوينية، فالأرض وما فيها السماء وما يطير فيها ما هي الا دلائل على وجود الله عز وجل وهو كتاب الله المنظور .
الاخر : الرسل والأنبياء: قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }[53].
وهذا النوع من الهداية يسمى بالهداية التشـريعية ولحاسة السمع خصيصة تميزها عن غيرها من الحواس الا وهي : انها تدخل تحت النوعين من الهداية فرب سائل يسال لم ؟
قلنا : انها تعد هداية في تكوينها ودالة على خالق مدبر مريد لا كما يزعم الملحدون الماديون على أنَّها من خلق الطبيعة والصدفة ، وتارة اخرى لما لها من قابلية أودعها الله تعالى فيها في الاستماع للأصوات وتفهمها والإصغاء الى الرسل والسماع منهم (.
فهي تتناول جميع جوانب بناء الإنسان التي يسعى الإسلام الى بنائها من اجل الوصول بالإنسان الى مرحلة التكامل البشـري لنيل السعادة الأبدية وهنا لا بد من ذكر اهم هذه الجوانب.
الجانب العقائدي : فنجد ان القرآن أورد حقائق تخص السمع الذي به تثبت وحدانية الله عز وجل، وهو الهدف الاسمي من الخلق، قال تعالى :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[54]، فجانب العقيدة لا يكتمل عند الانسان ان لم تكن له اذن واعية يدرك بها الهدى ويعلم بها علم اليقين، قال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[55]، أي يسمعون الحجج والدلالات على توحيده سماع تدبر وتفهم وتعقل ، والسماع هنا واجب كما جاء في كثير من الروايات والاحاديث .
الجانب العبادي : فهذا الجانب يهذب حاسة السمع ويبعدها عن الانحراف لما حرمه الله عز وجل فيفرض عليه عدم الكذب فيما يسمع، قال الله عز وجل في أحكام الوصية {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[56]، ويشدد هذا في الاحكام الشـرعية، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}[57]، وعدم حضور المجالس التي يستهزأ بآيات الله عز وجل قال تعالى:{أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْـمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}[58] ، فالامام الصادق (عليه السلام) يستشهد بهذه الآية فيما فرض على حاسة السمع إذ يقول: ( وَ فَرَضَ عَلَى السَّمْعِ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنِ الِاسْتِمَاعِ إِلَى مَا حَرَّمَ اللهُ وَ أَنْ يُعْرِضَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ مِمَّا نَهَى اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْهُ، وَ الْإِصْغَاءِ إِلَى مَا أَسْخَطَ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ )[59]؛ لان هذه الأمور تزعزع عقيدة المسلم بدينه ، وغيرها من الآيات التي تجعل من الانسان المسلم قدوة في المجتمع مع ارساء الثقة بالنفس والآخرين .
الجانب الاخلاقي : وهذا الجانب ينشئ لنا مجتمع تسوده اخلاق السماء التي ترفض التجسس على المسلم، قال تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[60]، وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): (...الْـمُسْتَمِعُ بَيْنَ قَوْمٍ وَ هُمْ لَهُ كَارِهُونَ يُصَبُّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ وَ هُوَ الْأُسـربُ)[61]، والآنك هو الرصاص، بل يتجلى الجانب الاخلاقي بأدق صورة قال تعالى: {وَلَا يَضـربْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ }[62]، إذ نهى الإسلام عن اظهار صوت الحلي بعد ما نهاهن عن اظهار الحلي[63]، لما فيه من حركة تهذيب النفس وتربية لها .
الجانب الاجتماعي : ان تزعزع الثقة بين ابناء المجتمع تؤدي إلى تحلله وتفككه فيحل فيه الضعف ويكون لقمة سائغة لأنصار الشيطان، ونحن اليوم نعيش خطر ( العولمة ) التي تسعى لتصدير الافكار الهدامة عن طريق وسائل الأعلام فيجب تحصين الفرد المسلم، وان لا يتبع كل ما يسمع من نعيق فهؤلاء هم كما قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[64].
فمن هذا اخي المسلم تعرف ان للقرآن هدفاً وغاية تسعى لتحرير العقول من قيود الجهل والاوهام والاساطير ، فلم يكتف بتغير الأمور الظاهرية لمناهج التفكير واساليب العمل ، وانما امتد التغيير الى اعماق النفس واحدث فيها انقلاباً جذريا ً ، وما لبث هذا الانقلاب حتى تكفل بتغير ظاهرها، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[65]، وأطل الاسلام ودوى صوت القرآن فجعل الانسان اعز ما في ملكوت الله عز وجل قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[66]، فأعاد القرآن للإنسان الثقة بالنفس ، وعندئذ اهتز العقل الإنساني هزة تساقطت عندها جميع اوهام وخرافات السنين السحيقة، وهذا كان بتوفير السبب وهو القرآن والاذن والمسبب وهو الإذعان والإيمان لمن عرف الحق .
بعد هذا التجول في رحاب القرآن وتراث امتنا الخالدة ، الذي عبر عن القيم الحضارية والانسانية والبلاغية لهذا الكتاب المقدس الذي {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[67]، نرى من الضـروري ان نقف وقفة تأملية نستخلص من خلالها أهم نتائج البحث التي توصلنا اليها .
فذكر هذه الحاسة في القرآن الكريم يعد من الظواهر الإعجازية البلاغية فلها شأن كبير في علم التفسير والعقيدة ، اذا انها لا تقل شأناً عن غيرها من الظواهر القرآنية الاخرى ، فورد السمع في القرآن يدل على معان كثيرة سامية ، وبه من الدلالات ما يدل على اعجاز هذا الكتاب؛ لأن هذه الدلالات لا يمكن للشخص العادي من الوقوف عليها ما لم يرجع الى المطولات من كتب التفسير لذا كان موضوعاً جديداًً يحتاج الى دراسة متأنية والوقوف على كل لفظة من الفاظ السمع؛ لأن القرآن الكريم لا يكرر الا لهدف فهو ليس مجرد كلام بل كتاب هداية ودستور للأمة، فهذا مما يحتاج الى صفاء ذهن وسلامة طبع ودقة ملاحظة .
فعندما طالعنا السمع في القرآن الكريم انها قد تعرضت الى مجموعة من المستويات وهي:
1 – الترغيب فيما عند الله تعالى.
2- الترهيب من إحاطة الله بدقائق الأمور .
3ـ تقوية العزيمة وشد الأزر .
4ـ التعرض الى الموقف العدائي لليهود من خلال هذه اللفظة المباركة .
5ـ ومن خلال هذه الحاسة اما ان يشقى الإنسان او يسعد في الأخر ، فهي مصدر نعيم او شقاء.
6ـ ان هناك خلقاً آخر يشاركنا في هذه الحاسة وهو الجن مع التعرض الى اهم ما دار من أحداث مع الرسول (صلى الله عليه واله وسلم).
7ـ ان الشـريعة الاسلامية جعلت للسمع مجموعة من الاحكام والضوابط وشـروط؛ لأنه مما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة فأن من السماع ما هو محلل وما هو محرم وما هو بينهما . والتعرض الى السمع والمرأة وكيف حدد دوره في العبادات والمعاملات.
8ـ لقد سبق القرآن الكريم العلم الحديث في كثير من الاشارات العلمية عن هذه الحاسة وكيف انه مصدر من مصادر الإعجاز ودليل على صدق دعوى الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) الذي لم يدرس علم الطب والتشريح او اطلع عليه بهذه الدقة لكنه من وحي الله تعالى، كما اعطى القرآن الكريم لنا قبس من علم التشـريح و الفسلجة ، وافضلية هذه الحاسة في العلم والتعلم.
9ـ السمع مصدر هداية وتجلت الهداية في هذا العضو من الانسان الذي تجلت به قدرة الله عز وجل ، وادركنا في هذا البحث المبارك هذه الجوانب العظيمة من كتاب الله عز وجل المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تجف ينابيعه ولله الحمد اولا ً واخراً.
هذا ما وفقني الله اليه وأعانني عليه والخير منه واليه ، والصلاة والسلام على خير الانام وآله وصحبه المنتجبين .
[1] سورة المائدة : 45:
[2] سورة النساء: 119.
[3] سورة الاسـراء : 70.
[4] الطوسي: المبسوط 7: 125.
[5] قلعجي: محمد رواس: معجم لغة الفقهاء : 250.
[6] سورة الاسـراء : 26.
[7] سورة القلم : 9 – 10.
[8] سورة الحجرات : 12.
[9] البرقي: المحاسن2 :616.
[10] الغزالي: ابي حامد محمد بن محمد :منهاج العابدين ، ط1-1972م، مكتبة الجندي: 79 – 80 .
[11] الخلخال: حلي تلبسه النساء.ظ: مجمع البحرين- خلل- 5: 365.
[12] الخلخال الأصمّ: الذي لا صوت له. ظ: مجمع البحرين- صمم- 6: 103.
[13] العريضي: مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها: 138.
[14] السامرائي: سعد مزهر جاسم: حكم السماع في الشريعة الاسلامية، بغداد 1998،رسالة ماجستير: 63.
[15] الأنصاري: مرتضى: كتاب المكاسب 1: 285.
[16] سورة الحج : 30 .
[17] سورة الحج : 30 .
[18] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 6 : 431.
[19] سورة لقمان : 6 .
[20] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 6 : 431.
[21] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 6 : 431.
[22] الجزيري: عبد الرحمن، الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت(، مع تعليقة محمد الغروي، وياسـر مازح، ط1- 1419 - 1998 م، الناشر : دار الثقلين2: 75.
[23] السامرائي: سعد مزهر جاسم : حكم السماع في الشريعة الاسلامية:63 .
[24] القيسـراني : محمد بن طاهر السماع ، ط1-1979، تح: ابو الوفاء المراغي، اصدار المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية، القاهرة: 35.
[25] ابن ابي جمهور: عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية 1 :375.
[26] سورة الاعراف : 204.
[27] الطبرسي : مجمع البيان 4: 514 .
[28] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 2 :615.
[29] سورة فاطر :1.
[30] الصدوق: عيون أخبار الرضا % 2 :69.
[31] القرطبي: جامع الاحكام 1 :18، النسائي: سنن النسائي2 : 179. الدارمي: سنن الدارمي2 : 471 .
[32] الطبرسي : مجمع البيان 1 : 16 ، مختصر سنن ابو داوود 4 : 137 ، ومجمع الفوائد 7 : 170 .
[33] الحلي: الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء3 : 154. الهيتمي : احمد بن محمد بن علي بن حجر: كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع 2 :267 .
[34] سورة فصلت : 53.
[35] سورة لقمان : 7.
[36] الاصفهاني: الراغب: مفردات غريب القرآن : 880.
[37] الجميلي: السيد: الاعجاز الطبي في القرأن ، ط 1- 1982م، منشورات مكتبة التحرير بغداد : 106 .
[38] الجميلي : السيد: الاعجاز الطبي في القران منشورات : 107.
[39] سورة يونس: 31.
[40] كنجو: خالص : الطب محراب الايمان : 193 .
[41] سورة فصلت : 53.
[42] سورة الاسـراء : 36.
[43] السيد الجميلي الاعجاز الطبي : 65.
[44] سورة الكهف : 11.
[45] سورة النحل : 78.
[46] سورة الحج : 46.
[47] سورة الحج : 73.
[48] سورة طه : 46.
[49] العامري : حميد احمد عيسى: التقديم والتأخير في القران الكريم، بغداد 1996 : 143.
[50] انظر مجلة الكوثر العدد 41 لسنة 2000 م النجف الاشرف : 18.
[51] سورة الاسـراء : 82.
[52] سورة فصلت : 53 .
[53] سورة القصص : 59 .
[54] سورة الذاريات : 56.
[55] سورة يونس : 67 .
[56] سورة البقرة : 181 .
[57] سورة الانعام : 93 .
[58] سورة النساء : 140 .
[59] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 2 : 35.
[60] سورة الحجرات: 12.
[61] البرقي: المحاسن2 : 616.
[62] سورة النور : 19 .
[63] ظ: الزمخشري: الكشاف 3 : 63.
[64] سورة النور : 19.
[65] سورة الرعد الاية 11 .
[66] سورة الاسـراء الاية 70 .
[67] سورة فصّلت :43 - 44.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|