أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2016
1627
التاريخ: 17-5-2020
1978
التاريخ: 5-6-2021
2584
التاريخ: 2024-06-14
624
|
تنوير:
ما يكون خارجاً عن الطاقة بأن لا يكون له أسباب قطعيّة أو ظنّية لجلبها أو دفعها أو تكون له مع عدم التمكّن منها يكون قضيّة التوكّل فيه ترك السعي فيه بالتدبير والتحمّل والحوالة إليه تعالى رأساً، وما لم يكن خارجاً عنها بحصول ما يتمكّن منه من الأسباب القطعيّة أو الظنيّة، أو إمكان التوصّل إليه فالسعي فيه لا ينافيه بشرط أن يكون وثوقه به تعالى في حصوله لا بتلك الأسباب، فترك الكسب والتدبير والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة بعيدًا عن الحقّ، بل محرّم في ظاهر الشريعة لثبوت التكليف بطلب الرزق بالزراعة أو التجارة أو الصناعة، وإبقاء النسل بالتزويج وغيره، ودفع الأشياء المؤذية بما عيّن له عادة، فإنّها أسباب جرت عادة الله بترتيب المسبّبات عليها كجريان عادته بحصول التقرّب إليه بالعبادة ونحوها.
نعم ينبغي عدم الاتّكال في حصولها عليها، بل عليه تعالى والاعتماد على فضله ورحمته وعدم السكون إليها، بل إلى قدرته وحكمته بتجويز قطعه تعالى الأسباب عن مسبّباتها وإعطائه المسبّبات من دون أسبابها، وهذا في الأسباب القطعيّة أو الظنّية المطّردة النادرة التخلّف كمدّ اليد إلى الطعام للوصول إلى فيه وحمل الزاد للسفر وتحصيل بضاعة المتجر والوقاع للأولاد واتّخاذ السلاح للعدوّ والتداوي عن المرض وأمثاله.
ولا ينافيه التوكّل لما عرفت، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله للأعرابي لمّا أهمل بعيره وقال: توكّلت على الله: «اعقلها وتوكّل» (1).
وقال الله تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71].
{وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102].
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60].
وقال لموسى عليهالسلام: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الدخان: 23].
وفي الاسرائيليّات: أنّ موسى عليهالسلام اعتلّ بعلّة فدخل عليه بنو إسرائيل فعرفوا علّته، فقالوا له: لو تداويت بكذا لبرئت، قال: لا أتداوى حتّى يعافيني الله من غير دواء، فطالت علّته، فأوحى الله تعالى إليه: وعزّتي وجلالي لا أبرأتك حتّى تتداوى بما ذكروه لك، فقال لهم: داووني بما ذكرتم فداووه فبرأ، فأوجس في نفسه من ذلك، فأوحى الله إليه: أردت أن تبطل حكمتي بتوكّلك عليّ، فمن أودع العقاقير منافع الأعضاء غيري؟ (2).
وروي أنّ زاهداً اعتزل الناس وأقام في سفح جبل وقال: لا أسأل أحداً شيئاً حتّى يأتيني ربّي برزقي فقعد سبعاً فكاد يموت ولم يأته رزق، فقال: ربّي إن أحييتني فأتني برزقي الذي قسمت لي والا فاقبضني إليك، فأوحى الله إليه: وعزّتي وجلالي لا أرزقك حتّى تدخل الأمصار وتقعد بين الناس، فدخل وجاءوه بطعام وشراب فطعم وشرب فأوجس في نفسه، فأوحى الله إليه: أردت أن تذهب بحكمتي (3) بزهدك في الدنيا، أما علمت أنّي أرزق عبدي بأيدي عبادي أحبّ إليّ من أن أرزقه بيد قدرتي؟ (4)
وأمّا الموهومة كالاستقصاء في التدبيرات الدقيقة والحيل الخفيّة في تحصيل الكسب ووجوهه فهي ممّا يبطل التوكّل، إذ ليست مأموراً بها عقلاً ولا شرعاً، بل ربّما كانت منهياً عنها، وإنّما أمر بالإجمال في الطلب.
تبصرة:
قيل (5): من كمل يقينه بحيث غابت عنه مطلق الأسباب ولم يبقَ معه الا الالتفات إلى ربّ الأرباب فسكنت نفسه بفقدها لأجله عن الاشتغال والاضطراب لم يكن عليه التمسّك بها مطلقًا، فإنّ مثل هذا يحفظه وكيله ويصلح أموره كفيله ويشهد له ما حكي من فعل الكمّل لذلك، وإن لم تغب عنه، لكن مع اعتقاد جازم بعدم استناد التأثير إليها، بل إلى الله فلا يجوز له الإعراض عنها وإلقاء نفسه في المهالك لأجلها.
وأنا أقول: إذ تبيّن لك أنَّ مَن عادته تعالى وسنّته التي لا تجد لها تبديلاً تفريع المسبّبات على الأسباب، وعدم حصولها إلا بها لزمه (6) التأسّي بسنّته تعالى في إجرائها منها ولم يجز الفضول في مثل ذلك اعتماداً على توكّله.
وينبّه عليه ما في الخبرين السابقين، فليست لأحد قوّة اليقين كما للأنبياء والرسل المقرّبين، والمستحسن المطلوب منه هو القدر المشترك بين القسمين من عدم الاعتماد فيها الا عليه تعالى، وهو حاصل بالفرض، فلا حاجة إلى التخلّف عمّا جرت به عادة الله وترك التأدّب بأدب الشارع وما اقتضته الحكمة المحضة والمصلحة الأزليّة من ارتباط المسبّبات بالأسباب.
وأمّا فعل الكمّل لما يوهم خلافه فله جهة أخرى، وهي أنّ النفس إذا كملت بالارتياض حصلت لها قوّة وقدرة على تسخير الكائنات كما عرفتَ مرارًا، فهو اعتماد منهم على حصول الأسباب لهم على كلّ حال لعدم انحصارها فيما نظنّه أسباباً أو نقطع به وعدم اكتفائنا بذلك لعدم قدرتنا على سائر الأسباب ولا عليها في غير الوقت الذي جرت العادة بحصولها، هكذا يليق أن يفهم هذا المقام فافهمه، فإنّه من مزالق الأقدام.
ثم قيل (7): إنّ الاكتفاء بالأسباب الخفيّة من الجليّة كالمسافرة في البوادي التي لا يطرقها الناس إلا نادرًا، ليس كالإعراض عنها مطلقاً في كونه جنوناً محضاً على ما أشير إليه وحراماً صرفاً على ما ثبت من الشرع، بل الحريّ فيه التفصيل بأنّ المكتفي بها ان راض نفسه بحيث تصبر وتطمئنّ مع الجوع أسبوعاً ونحوه وتقنع بالتقوّت بالحشيش وأمثاله جاز له ذلك، وإن جاز عدمه أيضاً اتّباعاً لسنّة الأوّلين وجرياً على العادة الغالبة والا فلا يجوز له الا التمسّك بالأسباب الظاهرة، وذلك لأنّ عدم الجواز إمّا للنهي عن ذلك وكونه إلقاء نفس في التهلكة وإمّا لأنّ غاية التوكّل وثمرته حصول السكون إلى الله تعالى حتّى لا تشتغل نفسه بغيره ولا يمنعه عمّا يبطله من الشهود، فلو لم تسكن نفسه الا بالأسباب الظاهرة لم يجز له التخلّف والإعراض عنها، بل يجوز لمن لا تسكن نفسه عن الاضطراب المانع لملازمة أسباب السعادة الا بادّخار مال أو ذخيرة قوت لنفسه وعياله مدّة مديدة تركه، بل يجب عليه ذلك قطعاً، والعلّتان مفقودتان في الأولى؛ لأنّ المفروض حصول السكون المطلوب له بذلك، وعدم هلاكه به بعد حصول الشرطين فلا مانع عنه.
وما يُقال (8): من أنّ ثقته حينئذٍ بها لا بالله فلم يكن متوكّلاً كلام قشريّ، فإنّا إذا علمنا أنّ التمسّك بالأسباب الظاهرة بل ادّخار الأموال لا ينافيه فإنَّ مناطه إسناد التأثير إلى الله تعالى دونها، فالتمسّك بها لعلمنا بأنّه تعالى لا يجريها الا بها وأنّها مرتبطة في قضاء الله الأزلي بها، فإذا لم ينافِ ذلك فهذا أولى فتسليم اختلاف مراتب التوكّل باختلاف مراتب اليقين وغيبوبة الأسباب عن النظر وعدمها، ثم إنكار كون هذا الفرد توكّلاً تهافت لا يليق بأهل التدقيق، وبهذا التقرير الذي قرّرناه في كلام القائل يظهر وجه ما أورده عليه بعض الأفاضل مع جوابه.
لكن أقول ظاهر الأخبار والأدلّة الشرعيّة لا يساعد ذلك كما أشرت إليه، وكذا ترجيح البقاء في البلد بين الناس مع الاشتغال بالفكر والعبادة وترك التكسّب توكّلاً على الله لا على الكسب بناء على أنّه ليس من قسم الإعراض عن الأسباب فإنّ العادة جارية بوصول رزق مثله إليه، بل رزق جماعة من أمثاله من الناس سيّما إذا شاهدوا منه الزهد والورع والتقوى ولم نشاهد إلى الآن من أمثاله من مات بين الناس جوعاً، سيّما إذا كان قانعاً بالقليل فهو خلاف ما ورد في الشريعة وصدر عن أئمّتنا الهداة عليهم السلام، بل هو تعرّض للذلّ وضرب على بواطن الناس وكلّ عليهم وهو مناف للحرية الممدوحة.
والتحقيق ما قرّرته لك من أنَّ المناط في التوكّل هو الثقة بالله وسكون النفس إليه دون الأسباب فلا دخل له بوجودها وعدمها وجلائها وخفائها.
إرشاد:
قد علمتَ أنَّ عمدة ما يحصل به التوكّل قوّة القلب وقوّة اليقين فعلاج من يريد تحصيله تقوية قلبه بما ذكر في الجبن وأضداده وتقوية يقينه بالتذكّر لما ورد في مدحه أوّلاً من الآيات والأخبار والاعتبار بحكايات الماضين ممّن توكّل فانتظمت أموره وأحواله على أحسن النظام، وممّن لم يتوكّل بل اعتمد على الأسباب فأهلكه الله وسلّط عليه من مفرّقات المسبّبات عن الأسباب ما يعجز عن إدراكه عقول المدبّرين الصارفين عمرهم في دقائق الحيل والتدابير وهي في الكتب المطوّلة مذكورة على الألسن مشهورة، والتجربة في أحوال أهل العصر ممّا يكفيك ويغنيك عن استماع الحكايات الماضية.
ثم بالتفكّر في أنّك لمّا كنت جنيناً في بطن أمّك وعاجزاً عن السعي والاضطراب في تحصيل رزقك وصل مبدعك سرّتك بها حتّى ينتهي إليك بواسطتها فضلات غذائها ثم بعد انفصالك عنها سلّط عليها الحبّ حتّى كفلتك اضطراراً من اشتغال نار الحبّ في قلبها من الله تعالى حتّى احتملت لأجلك مرارة اليقظة والحرّ والبرد وأنواع المتاعب غير المحصورة، ولمّا لم يكن لك سنّ تمضغ به الطعام جعل رزقك من اللبن اللطيف، فإنّ مزاجك يومئذٍ لرخاوته ما كان يحتمل الغذاء الكثيف حتّى إذا وافقك أنبت لك أسناناً قواطع لأجل المضغ وبعد كبرك هداك إلى ما يسّره لك من أسباب التعليم وسلوك سبيل الآخرة، وفي طول هذه المدّة كنت عاجزاً عن رزقك لا حيلة لك فيه فجبنك بعد بلوغك غاية الجهل، إذ لم تنقص عنك أسباب معيشتك، بل زادت بقدرتك على الاكتساب، وشفقة أبويك وإن كانت مفرطة فإنّما هي من الله تعالى وكما هو قادر على إلجائهما في هذه المدّة على الإشفاق، فكذلك قادر على إلجاء آخرين عليك فخلق في قلوب كافّة عباده رقّة ورحمة على اختلاف مراتبها فيهم بتألّمهم بعد العلم القطعيّ باحتياج محتاج فينبعث منها داعية رفعه عنه فالمشفق في الأوّل كان واحداً أو اثنين والآن أكثر من ألفين، ولقد أجاد من قال:
جرى قلم القضاء بما يكون *** فسيّان التحرّك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق *** ويرزق في غشاوته الجنين
فقد دبّر الله الملك والملكوت تدبيراً كافياً لأهلهما فمن شاهده وثق بالمدبّر وأمن بأخباره وسكن إلى ضمانه، نعم تدبيره يصل إلى من اشتغل به صنوف النعماء من الثياب الرفيعة السنيّة والمآكل البهيّة وأمثالها وإلى من اشتغل بعبادته ومعرفته ما يسدّ جوعه ويستر عورته، وربّما زاد عليه أيضاً فلا مانع من التوكّل عليه الا ميل النفس إلى التنعّم بنعماء الدنيا والانهماك في لذّاتها، وهذا ينافي سلوك الخرة.
والحاصل إنّ علم استناد الأشياء بأسرها إليه تعالى وعدم مدخليّة غيره فيها فلا وجه لاضطرابه وعدم وثوقه، وإن مال قلبه إلى الوسائط والأسباب فليعلم أنّ من جملتها التوكّل أيضاً لما عرفت من شهادة السمع والتجربة بكفاية الله أمر من توكّل عليه على أحسن وجه يتصوّره.
ومن علامات حصول التوكّل استواء حالته لدى الفقر والغنى والنفع والخسران وطمأنينة النفس في ذلك من دون تزلزل واضطراب، فإنّ الاضطراب لفقد الأشياء علامة السكون إليها، وفّقنا الله لهذا الأمر الجليل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
__________________
(1) المحجّة البيضاء: 7 / 426.
(2) المحجّة البيضاء: 7 / 432، وفيه: منافع الأشياء.
(3) كذا، والصحيح: حكمتي كما في المصدر.
(4) المحجّة البيضاء: 7 / 415 ـ 416.
(5) راجع جامع السعادات: 3 / 229 ـ 230.
(6) كذا في النسخ، وفي هامش «ج»: «فاللازم هو التأسي».
(7) هذا كلام أبي حامد، راجع المحجّة البيضاء: 7 / 414 ـ 416.
(8) القائل هو المحقّق الفيض وتبعه النراقي ـ رحمهما الله ـ، راجع المحجّة: 7 / 416 وجامع السعادات: 3 / 231.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تحقق نسب إنجاز متقدمة بمشروع مياه الشرب في المناطق القريبة من الحرم الحسيني
|
|
|