أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-18
1141
التاريخ: 18-8-2016
1719
التاريخ: 18-8-2016
1833
التاريخ: 26/10/2022
1495
|
الفقر هو الاحتياج إلى الغير فيما هو فاقده، والغنى عدمه فيما هو واجده، ومن البيّن أنّ الغنى من أشرف الصفات، كيف وهو صفة وجود وكمال وهما من لوازم وجوب الوجود، وما يكون كذلك فهو أشرف ممّا يستلزم النّقص والعدم والحاجة التي هي من لوازم الامكان، ولذا انحصر الغنى الحقيقي في الواجب تعالى لاحتياج ما سواه من الممكنات في كلّ آن إلى إفاضة الوجود ولوازمه وكمالاته منه تعالى عليها كما نبّه تعالى عليه بقوله: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38].
ثم الغنى على ما عرفت معنى واحد بسيط، وإنّما يكثر افراده ويختلف باختلاف ما به يتحقّق، فإنّ ما به الغنى قد يكون ذات الشيء كالواجب تعالى، فإنّه الغنيّ بذاته عن غيره، وقد يكون غيره كالممكنات، وهي وإن كانت مشتركة بأسرها في احتياجها في غناها إلى خارج عن حقائقها فيكون ذلك لها نقصاً وفقراً، وفي كون غناها مستفادة من الغنيّ بالذات المفيض على كافّة الموجودات بقدر قابليّتها واستعدادها، فيكون ذلك لها شرفاً واستكمالاً، الا أنّها مختلفة في وجوه الاستفادة منه اختلافاً فاحشاً، فإنّ منها ما يكون غناه عن جميع الأشياء به تعالى، فيتساوى وجود كلّ شيء وعدمه بالنظر إلى ذاته لعدم احتياجه إليه مطلقاً، وإن أحبّ فقدانه أو وجدانه بحسب ما قدّر الله له، فإنّ هذا الشخص لعلمه بأنّه تعالى لا يفعل الا ما هو الأصلح، في مقام الرضا بما يقدّر له، ومن أحبّ أحداً أحبّ كلّ ما يصدر عنه من الأفعال، لكنّه بالعرض لا بالذات، وهذا مبلغ الصدّيقين المقرّبين، والشائع عند القوم إطلاق الفقير على مثله، ولعلّه لكون الباعث على غناه كمال معرفته بالله تعالى وبكونه غنيّاً بالذات ومغنياً لكافة الموجودات ومفيضاً عليها بقدر ما اعدّت لها، وكون ما سواه تعالى مماثلاً له في الفقر والحاجة إليه تعالى، وكيف يسأل محتاج محتاجاً، وأنّى يرغب معدم إلى معدم.
ويستتبع المعرفة التامّة بما ذكر قصداً ورغبة وانقطاعاً إليه تعالى وإعراضاً عمّا سواه بأسرها، فكأنّه المحتاج لوجود خواصّه فيه من معرفة معناه ثم العمل بمقتضاه.
وأمّا سائر الناس فكأنّهم ليسوا بمحتاجين لفقد خواصّ الاحتياج، وأماراته فيهم، وهذا من قبيل اختصاص العبدية بنبيّنا صلى الله عليه وآله ومن يتلوه في العبوديّة مع كونها عامّة لجميع البريّة، وإطلاق الغنيّ على هذا الفرد أحقّ وأولى منه على سائر الأفراد لكون غناه أشرف غنى، وكذا ما به غناه فهو أقرب في استفادته من الله تعالى من غيره، ولتشبّهه بالمبدأ في حقيقة ما به الغنى وكونه دائماً لا يزول ولا يفنى، وقد عرفت أنّ كمال النفس في التشبّه بمبدأها.
ومنها: ما كان غناه عن بعض الممكنات ببعض آخر منها، كالغنى بالمال الحاضر عن الكسب وبالعكس، أو عن الرجال بالمال أو ببعض الأموال عن بعض وغير ذلك ممّا يختلف باختلاف الحاجات بالنظر إلى اختلاف الأشخاص والأحوال.
ولا بدّ فيه من تمهيد مقدمّة تتّضح بها جليّة الحال.
فنقول: الموجودات بأسرها لا نتسابها إليه تعالى وكونها من آثار صنعه تعالى، وهو خير محض لا يصدر منه الا الخير، لا تكون الا خيراً.
وعروض الشرّية لها من أجل خصوصيات عرضيّة واعتبارات إضافيّة، ولو كانت محض الشرور أو جهة شرّيتها أغلب لم توجد أصلاً.
ففقدان شيء منها من حيث إنّه خير نقص ووجدانه كمال، بل هو من أشرف الكمالات، فإنّ ملكيّة الأشياء بقصد استفادة خيراتها الباعثة لوجودها ومنع تحقّق آثار شرورها العرضيّة الاضافيّة، هي الاستيلاء والتصرّف الحقيقي في الأشياء، الذي به يحصل التشبّه بالمبدأ الأعلى، كما أشرنا إليه فيما مضى.
نعم فقدانها باعتبار استفادة وجوه الشرّ منها كمال بالإضافة إلى وجدانها بذلك الاعتبار الا انّه في نفسه وبالإضافة إلى الاستغناء بوجوه خيرها والاستكمال بها كمال وخير، كما لا يخفى.
إذا تمهّد هذا، فاعلم أنّ القسم المذكور من الغنى أي من كان غناه بالممكن إن كان ممّن لا يسعى في طلبه سعياً بليغاً يصرفه عمّا هو الأهمّ له، ولا يرغب فيه رغبة ذاتيّة شديدة، ولا يتألّم بفقده ألماً طبيعيّاً الا أنّ حبّه لوجوده أكثر من عدمه إمّا بالذات لأنّه من أثار صنعه تعالى كما أشرنا إليه، أو للتشبّه به تعالى في كون رزق بعض عباده بيده، وأنّ له مدخلاً في نظام العالم الذي هو أحسن النظام، أو لأجل اقتناء الخيرات وتحصيل السعادات، فهذا أيضاً يتلو الأوّل في الشرافة والفضيلة، ولذا ورد الحثّ الأكيد بالكسب والمتجر وتحصيل الرزق الحلال، كما أشرنا إليه فيما مضى.
وإن كان حريصاً في جمعها متعباً نفسه في تحصيلها ولو من غير وجهها فرحاً بحصولها جزوعاً من فقدها متعشّقاً إمّا نفسها أو بمصارفها المضرّة بدينه مهملاً بسببه ما هو الأهمّ من كمالات نفسه المقصودة من إيجاده فهو بعينه ما بسطنا الكلام فيه في حبّ المال والبخل والحرص وغيرها، وهذا بإطلاق الفقير عليه أجدر، لعدم استغنائه بماله من الأموال وغيرها، بل ازدادت حاجته إليها برقيته لشهوته.
وقد ذكرنا سابقاً أنّ مثل هذا كلّما يزداد مالاً تزداد شهوته وحرصه لما هو فاقده توالداً، وتتوالى إلى غير نهاية تقف ولا يتصوّر له حدّ من الغنى يعرف.
ولذا قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «يابن آدم إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فإنّ أيسر ما فيها يكفيك، وإن أيسر ما فيها يكفيك، وإن كنت [إنّما] تريد منها ما لا يكفيك فإنّ كلّ ما فيها لا يكفيك» (1).
فظهر ممّا ذكر أنّ جميع أفراد الغنى في نفسها خير وكمال، وبالنظر إلى ما به الغنى أيضاً وإنّما يعرض الذمّ والشرّ لبعض غاياته في بعض أفراده مع قصدها، بخلاف الفقر فإنّه نقص بالذّات وحرمان عن وجوه الخيرات وإنّما يعرض المدح والخيريّة لبعض غاياته في بعض أفراده مع قصدها.
فتبيّن أنّ الغني من حيث إنّه غني أي واجد للشيء أشرف من الفقير من حيث إنّه فقير ومعدم له.
يبقى كلام وهو أنّ الآيات والأخبار الدالّة على ذمّ الأغنياء ومدح الفقراء بقول مطلق كثيرة فماذا يفعل بها؟
فنقول: لمّا كانت استفادة وجود الشرّ من الدنيا أيسر وأسهل والطباع إليه أميل، وجنود الشرّ أقوى ودواعيه أظهر وأجلى كان صرفها في وجوه الخيرات من الأعمال والأفعال في غاية الصعوبة والاشكال.
ولذا لا ترى من الأغنياء من يصف نفسه بالحرّية واستيلاء قوّته العقلية على الشهويّة والغضبية الا قليلاً من الماضين الذين سمعنا حكاياتهم ولم نطّلع بالمشاهدة على حقائق حالاتهم.
وأمّا أهل هذه الأعصار ممّن نشاهدهم في الأمصار فنفوس أغلبهم متّصفة بالرقية منقادة لقوتيه البهيميّة والسبعيّة وجلّ هذه المعاصي والشرور والفضائح الحادثة على كرّ الدهور ناشئة من أرباب الدول، وإن حدثت من الفقراء أيضاً لكنّه أقل لحرمانهم من أسبابها وتعذّر الدخول عليهم من أبوابها، فإذا كان اجتناب المعاصي والسيّئات واقتناء الفضائل والسعادات مع الفقر أيسر وأسهل ومع الغنى أصعب وإن كان بطريق أكمل، فالحري اللائق بطبيب رفقاً بها، وإهداء لها إلى الطريق الذي هو أقرب إلى الوصول، فالتكاليف مختلفة باختلاف القابليّات، فمن لم يكن مستعداً للمرتبة العليا يجب الرفق به حتّى يصل إلى ما يتلوه، وإن كان أدنى، خوفاً من أن يحرم عنها أصلاً ورأساً، وهذا كما أنّه السرّ في مدحهم للفقراء وذمّهم للأغنياء فكذلك هو السرّ في هرب الأنبياء والأولياء من أمتعة الدنيا وإعراضهم عنها وترجيحه فقدها على وجودها، فإنّ شأن أرباب الهداية من المقرّبين النزول عن مرتبتهم القصوى إلى درجة المستضعفين حتّى يتمكّنوا من الاهتداء بهم والاقتداء بسيرتهم كالمعزّم الحاذق الذي يغيّر بين يدي أولاده عن أخذ الحية لا لضعفه عنه بل لعلمه بأنّهم يتبعونه ولا يقدرون فيهلكون، وهذا ممّا لا يخفى على أولي البصائر والأفهام من التأمّل في الآيات والأخبار الواردة في المقام.
__________________
(1) الكافي: 2 / 138 ـ 139، كتاب الأيمان والكفر، باب القناعة، ح 6.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|