سوف نقتصر في دراستنا لكيمياء محيطنا الجوي في هذا الكتاب على التروبوسفير عموماً، أي على ذلك الجزء من الجو حيث يعيش البشر وتحصل معظم سيرورات الحياة الأخرى. أما هذا الفصل فسيكون استثناء من حيث إننا سوف نتحرى الجوانب الهامة لكيمياء الستراتوسفير. ويعود ذلك إلى أن جزيئات الغاز في الستراتوسفير تعمل وكأنها مراكز امتصاص تخمد من نفاذ أشعة الشمس إلى الأرض. ويُعدُّ مفعول ذلك التخميد النوعي و والكمي عاملاً هاماً في تحديد سيرورات الحياة. يُضاف إلى ذلك، خلافاً للشمس نفسها التي تستمر في إصدار أشعتها المميّزة بدون أن مقدار تتأثر بالأنشطة البشرية، أن تأثر غازات الستراتوسفير يمكن أن يتغيَّر كثيراً تبعاً للأنشطة التي يقوم بها البشر. وهذا هو السبب الكامن وراء ضرورة حيازة الكيميائيين والعلماء المحتجزين على سطح الأرض بعض المعرفة عن كيمياء الستراتوسفير.

الستراتوسفير هو المنطقة الواقعة بين الارتفاعين 15 و50 كيلو متراً فوق سطح الأرض الشكل (1.2) وهو يتميَّز من التروبوسفير الذي تحته والميزوسفير الذي فوقه بانعكاس اتجاه تغير درجة الحرارة فيه، أي إن درجة الحرارة فيه تزداد بازدياد الارتفاع، وهذا ما يقلل من الحمل الحراري ويؤدي إلى استقراره وعلى غرار التروبوسفير، النتروجين الثنائي والأكسجين الثنائي هما المكوّنان الرئيسيان له، لكن الإشعاع العالي الطاقة الذي يضرب هذين الغازين، وعلى وجه الخصوص الأكسجين، يؤدي إلى تفاعلات كيميائية تختلف عن تلك التي تحصل بالقرب من سطح الأرض.

يتعلق أكثر هذه التفاعلات أهمية بتركيب الأوزون وتفكيكه. الأوزون هو غاز طبيعي النشأة ويوجد في كل الجو، ونسبة مزجه العظمى توجد عند ارتفاعات تمتد من 15 حتى 30 كيلو متراً فوق سطح الأرض. ويمكن وصف أوزون الستراتوسفير بـ "الأوزون الجيد" لأسباب سوف تتضح قريباً. وتسمى هذه المنطقة غالباً بـ "طبقة الأوزون".

يبين الشكل 1.3 منحنيين لتوزع الأوزون بطريقتين، إحداهما تعبر عن نسبة المزج، والأخرى تعبر عن لوغاريتم كثافة عدد الجزيئات. إن من الهام أن نلاحظ الفرق بين المنحنيين، ففي الحالة الأخيرة يمكنك أن ترى أن كثافة جزيئات الأوزون بالقرب من سطح الأرض تزداد عملياً بنحو مرتبة كبر في طبقة الأوزون. وبالقرب من سطح الأرض، يمكن لمستويات الأوزون العالية أن تكون سامة للنبات والحيوان. وخلافاً لأوزون الستراتوسفير، يمكن وصف هذا الأوزون بأنه أوزون سيئ". سوف نناقش جوانب كيمياء التروبوسفير في الفصل الرابع.

الشكل 1.3 هيئة تركيز الأوزون في التروبوسفير، معطاة بنسبة المزج الخط المستمر) وبلوغاريتم كثافة عدد الجزيئات الخط المقطع). وتصف العبارتان أوزون جيد" و"أوزون سيئ" الفوائد التي يجنيها البشر من تزايد التركيز اقتبست البيانات، بعد الموافقة، من:
 

R. P. Wayne, Chemistry of Atmospheres (Oxford: Clarendon Press, 1991).

الأوزون: الخواص البيئية
الأوزون الجيد يحمي الأوزون الموجود في الستراتوسفير النباتات والحيوانات الموجودة على سطح الأرض بامتصاصه أشعة الشمس فوق البنفسجية عالية الطاقة.
الأوزون السيئ: يؤذي أوزون التروبوسفير الحيوانات والنباتات بسبب مقدرته الكبيرة على الأكسدة.

تقع نسبة مزج الأوزون في طبقة الأوزون الموجودة في الستراتوسفير ضمن مجال الأجزاء من المليون، لذا فإنه حتى في تلك المنطقة لا يمثل إلا جزءاً صغيراً من عدد الجزيئات الكلية. إلا أن هذا التركيز الصغير نسبياً على درجة كبيرة من الأهمية في حجب الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي لولاه لوصلت إلى الأرض. يُعدُّ الأوزون في الستراتوسفير مرشحاً فعالاً من حيث امتصاصه للأشعة فوق البنفسجية التي تقع أطوال موجاتها في المجال بين 200 و 315 نانو متراً.