أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-13
1104
التاريخ: 10-3-2022
1657
التاريخ: 19-1-2016
2564
التاريخ: 19-1-2016
4265
|
مرحلة المراهقة
هي مرحلة من مراحل النمو التي تُعرف بمشاكلها وعوائقها وصعوباتها في حياة الإنسان. وليس من اليسير تحديد بداية هذه المرحلة ونهايتها حيث تتأرجح بين الطفولة والرشد، فلا هي طفولة ولا هي رشد. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على صعوبة هذه المرحلة ومدى دقتها وحساسيتها؛ لأن المراهق في هذه الأثناء يكون في
حال الانفصال عن العلائق التي تربطه بحياة الطفولة من جهة، ونازعا برغباته بشدة نحو الاستقلال وحياة الكبار من جهة أخرى، لكنه ليس هذا ولا ذاك تماما. لذا، فان هذه المرحلة تنطوي على جانب كبير من التصورات والرغبات، بحيث يرتبط قسم منها بحدود الطفولة، ويرسو قسم آخر منها عند دنيا الشباب.
والمراهقة هي مرحلة بداية تحقق النمو والنضج الكمي والنوعي عند الطفل، بشكل سريع ومتتابع، لذا تحتاج هذه المرحلة الى رعاية خاصة، ففي هذه المرحلة العمرية تبرز معظم المشاكل التربوية والفكرية والسلوكية، والأبناء فيها إما ان يتيهوا، واما ان يسيروا في الطريق الصحيح نحو الكمال والرفعة الإنسانية.
لا يمكن حصر مرحلة المراهقة بسنوات معينة؛ لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والمجتمعات. ويمكن تحديد بدايتها بشكل عام؛ باعتبارها تتزامن مع البلوغ الجنسي، ولكن، بحسب اختلاف الظروف الثقافية والمناخية من مجتمع الى آخر يتعذر تحديد بداية ونهاية واحدة لهذه المرحلة في جميع المجتمعات. كما، وانه يوجد اختلاف بين
العلماء على العلاقة التي تربط المراهقة بالبلوغ، فالبعض يصف المراهقة والبلوغ بمعنى واحد، ويستخدمهما باعتبارهما مترادفين، والبعض الآخر يعتبر البلوغ أوسع وأعم من المراهقة ويذهب الى انه يشمل مرحلة الشباب - أيضا -. وبذلك تشتمل المراهقة عنده على مساحة محدودة من دائرة البلوغ الواسعة. ويعتقد هؤلاء ان البلوغ الكامل يحصل في سِني الشباب. في كال الاحوال، ينبغي النظر الى البلوغ؛ باعتباره مرحلة تشتمل على قسم من مرحلتين؛ لأنها تشمل السنوات الاخيرة للطفولة والسنوات الاولى للمراهقة، فإلى ان يصلوا الى البلوغ الجنسي يطلق على الصغار (الصغار البالغون)، وبعد ان يصلوا الى البلوغ الجنسي يُطلق عليهم تسمية (المراهق) أو (الشاب الناشئ).
وتجدر الإشارة ايضا الى ان البلوغ ظاهرة ذات ابعاد مختلفة. وعندنا البلوغ الجنسي في هذه المرحلة يكون فيها الشخص قادرا على ممارسة الوظائف الجنسية، او قادرا على التناسل. واما البلوغ النفسي او ما يعبر عنه بالنضوج النفسي فهو ما يتيح للشخص القدرة على تشخيص القضايا وتمييز ما ينفعه وما يضره في الحياة. ويكون الشخص في هذه المرحلة قادرا على تحمل مسؤولياته وواجباته الاجتماعية. واما البلوغ الاقتصادي والاجتماعي، فهو عندما يغدو الشخص قادرا على الاستقلال والاعتماد على نفسه من الناحية الاقتصادية. وأخيرا عندنا البلوغ الشرعي وهو الذي حدده الفقه بسن 15 سنة قمرية للذكور وعلامات أخرى ذكرت في محلها، كالإنبات والاحتلام وقد يتحقق ذلك قبل 15 سنة، و9 سنوات قمرية للإناث.
ومن هنا، ومن أجل اجتناب الغموض والابهام، فقد تم حصر سني المراهقة بين سن 13 إلى 18 عاما. والجدير بالذكر، ان البعض ذهب إلى ان هذه المرحلة يمكن ان تمتد إلى سن 22 عاما. مع الاخذ بعين الاعتبار ان الفتيات يدخلن سن البلوغ عادة أبكر من الفتيان بسنة إلى سنتين، لذا فإنهن يجتزن هذه المرحلة أبكر من الفتيان. وعليه، يمكن حصر سنوات المراهقة بالنسبة لهن بين سن 11 إلى 16 عاما. مع الالتفات إلى ان مرحلة البلوغ تارة تبدأ في وقت مبكر، وتارة أخرى يمكن ان تتأخر، وتسمى هذه الحالة بالبلوغ المبكر والبلوغ المتأخر.
ينبغي النظر الى مرحلة المراهقة باعتبارها مرحلة هامة للغاية في الحياة؛ مرحلة تتميّز بخصائصها عن جميع المراحل الأخرى للحياة. ويمكن أن نوجز هذه الخصائص بالتالي:
1- مرحلة الخوف والاضطراب:
إن المراهق ناشئ يتقدم كيانه البدني والنفسي والعقلي بسرعة فائقة، ومظاهر النمو بصورها المختلفة تجذب المراهق الى النظر والتفكير في مستقبله المرتقب. لهذا، فإن خياله في هذه الفترة واسع وخصيب، وادراكه وتعقله قد لا يسعفه في ضبط خياله وتحديد آماله. ومن هنا، تكثر مخاوفه وتتنوع، بقدر ما يبتعد الواقع عن الصورة المشرقة التي يريدها لنفسه ويرسمها في خياله. لذا تأتي المخاوف المتصلة بشكله ومظهره الجديد، وبالحياة المدرسية والتعليمية، والحياة الأسرية والعائلية، بالإضافة الى الأمور الصحية والاقتصادية؛ لتثير مشاعر الخوف والاضطراب في نفسه، فهو في نهاية المطاف يدخل في مرحلة جديدة بالكامل، ولكن بخبرة وسائل ضعيفة.
2- مرحلة البحث عن الهوية :
بعد ان يطوي الإنسان مرحلة طفولته، يواجه أزمة الهوية، حيث تجول في ذهنه وفكره أسئلة متعددة، ويكون في صدد العثور على اجاباتها. اذ يسال المراهق نفسه: ما معنى الحياة؟ ومن اكون؟ ولماذا احيا؟ والى اين امضي؟ وكيف ولماذا ينبغي ان امضي؟ وهل يوجد حياة أخرى بعد الموت؟ فان كان نعم، فما هي طبيعتها؟
من هنا يعتريه القلق حيال والديه؛ اذ هل يقبلان به بما هو عليه؟؛ هل هو عزيز عليهم؟ وهل يريان له شأنا ومنزلة ام لا؟ وتحيطه الهواجس تجاه مكانته في المجتمع، وما نوع الرابطة التي تربطه بالمجتمع؟ ماذا يتوقع المجتمع منه؟ وما هو دوره ووظيفته في المجتمع؟
ومن الناحية الاعتقادية، يصبح ما يحمله من قيم وآداب وتقاليد سابقة محل تشكيك واستفهام. فيسأل: لماذا ينبغي أن أكون مسلما؟ وكون الإنسان مسلما؛ ماذا عليه من واجبات وأفعال؟ ومن هو المسلم؟ وذا كان الله عادلا لماذا تحدث الواقعة الفلانية؟
ويصل احيانا هذا النوع من الأسئلة الى أوَجه، فتضطرب حياة المراهق بالكامل؛
فيتحدى كل شيء وكل شخص.
وعندما يجد المراهق الأجوبة الشافية على أسئلته تبدأ رؤيته الكونية وهويته بالتشكل، وفي حال لم يلق أجوبة شافية على هذه التساؤلات، سيكون أسير الإحساس بالخواء، والغربة عن الذات، والوحدة، وفقدان السند والملاذ، وعدم القدرة على إرساء علاقات سليمة مع الآخرين. وهذه الوضعية بالنسبة للمراهق خطرة جداً، وتجعله أسير أزمة الهوية.
3- مرحلة البلوغ:
البلوغ يشبه الزلزال، فهو يجعل كافة وجود المراهق مهتزاً، فيُخرج ذخائرَ وجوده الكامنة، ويضعه في ظروف جديدة وغير معلومة. وكأنّ المراهق يتعرف مع ظاهرة البلوغ على عالم جديد، وتُفتَح أمام ناظريه آفاقٌ جديدة. إنها مرحلة التكوين والخلق، حيث تأتي مرحلة البلوغ لتفصل المراهق بطفرة عن كل ما يتعلق بعالم الطفولة. وكأنه يولد من جديد، ومع هذه الولادة الثانية، يكتسب حماساً ونشاطا جديدين، ويسيرُ في طريق جديد، إلا ان هذه الولادة الثانية لا تخلو من مشقة وعذاب.
إن الرغبات الغريزية، وعلى رأسها الميل الجنسي، والميول العاطفية؛ تجذبه كل حين إلى ناحية، وتُخلّ من توازنه النفسي. ومن جهة أخرى تجعله يواجه مختلف أنواع تردده وحيرته بقلّة المسؤولية، ومن بين هذا كله يتلمس المراهق الحيرة والغموض. فهو للمرة الأولى يختبر وضعية مثل هذه، ولا يجد في نفسه المقدرة الكافية على مواجهة هذه الصراعات الداخلية.
من هنا، فإن المراهـق يفقد توازنه النفسي؛ نتيجة أقل مثير. فهو يقلق من نظرة الآخرين تجاهه، وخاصة الأقارب، ومن هم في مثل سنه، بحيث تتقلب حالاته الروحية جرّاء تصرفاتهم وتعاطيهم وحكمهم عليه. وهذه التقلبات والتغيرات المستمرة والتي تكون احيانا عميقة، تُتعبه وتُضعفه وتسلبه الصبر والقدرة على التحمل. لذا، فهو يهيج ويثور عند مواجهة اقل المحن، ويكون هذا الفوران والهيجان وسيلته للتنفيس عما في قلبه من تعب. وعليه فان التمرد والرفض والغضب من الحالات الظاهرة لهذه المرحلة العمرية.
وتمتد تحولات مرحلة البلوغ وتقلباتها الى ما يقارب 3 سنوات، وهي تشمل عند الفتية عمر 13ــ16، وتكون عند الفتيات أقل بسنة او سنتين تقريبا. وتعد هذه المرحلة العمرية أكثر مرحلة في حياة الإنسان مليئة بالأزمات، حيث يحتاج فيها المراهق الى رعاية ومراقبة أكثر؛ حتى يطويها بسلامة.
4- مرحلة البحث عن الاستقلالية والحرية:
يعيش الإنسان في مرحلة الطفولة دائما ملتصقا بأمه وابيه وتحت رعايتهما وحمايتهما. ولكن مع ظهور البلوغ والتغيرات الجسمانية عند المراهق تبرز رغبته لتحقيق شخصيته واستقلاليته؛ متوقعا ان لا ينظر الآخرون اليه كطفل، وان يثمنوا شخصيته وفكره وعمله.
ان كل تعاطٍ يُظهره الأقارب تجاه المراهق، بحيث لا يُعزز لديه الشخصية المطلوبة، ولا يمنحه قيمة ومكانة؛ يواجهه المراهق بردود فعل نفسية خفية وعلنية، وأحيانا من الممكن ان ينتهي به الأمر الى ردات فعل عنيفة او سلوكيات غير لائقة، وحتى ضد مجتمعه.
وحين يرى المراهق ان الاخرين لا ينظرون اليه نظرة انسان مستقل وبالغ، ولأجل ان يبرز وجوده، ويظهر استقلاليته وشخصيته، من الممكن ان يقوم بأفعال غير لائقة؛ كي يلفت نظر الآخرين. وتتفاوت هذه الحالة عند المراهقين الذين يعانون عقدة الحقارة، او الذين حرموا في مرحلة الطفولة من التربية الصحيحة.
التربية الدينية في مرحلة المراهقة
التربية هي تعهد نمو الشيء مرحلة بعد مرحلة حتى يبلغ تمام نموّه وكماله. والتربية الدينية السليمة فقط، يمكنها أن تُنجي المراهق من اللامبالاة والضياع والحيرة التي تفرضها مرحلة المراهقة، وان تُقدم فلسفة واضحة لحياته، وأجوبة شافية عن أسئلته الأساس، وتُرشده الى كيفية تلبية احتياجاته العاطفية بالطرق الصحيحة والشرعية. فهو في ظل هذه التربية، يعثر على مكانته الأصلية في عالم الخَلق، ويطلع على شخصيته الحقيقية ويعتز بها، ولا يخضع لذُل الذنوب والمعاصي.
بالإضافة الى ان إحراز الإيمان الديني، يُساعد المراهق على الوصول الى السكينة الروحية التي هي من احتياجات هذه المرحلة وضرورياتها، ويُسكِّن من اضطراباته.
ويقع أساس التربية الدينية والأخلاقية للمراهقين على عاتق الأسرة. فلا بد للأسرة من ان تهتم بتثبيت العقائد الصحيحة في ذهن المراهق قبل ان يمتلئ بالعقائد المنحرفة والباطلة، اذ يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (بادروا أحداثكم بالحديث قبل ان يسبِقكم إليهم المرجئة(1))(2).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لما نزلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] قال الناس: كيف نقي أنفسنا وأهلينا. قال [أي الرسول صلى الله عليه وآله]: اعملوا الخير، وذكّروا به أهليكم، وأدبوهم على طاعة الله)(3).
وظائف الوالدين التربوية والدينية
إن المراهق - كما ذكرنا - يطوي بالتدريج سن الطفولة الهادئ، ويفد الى سن المراهقة المنفعل، ويمر بمجموعة من التغييرات النفسية والعضوية وهو بذلك يشعر على أثرها انه ينتقل بسرعة الى مكانة ومركز اجتماعي جديد، ولأن اسرته هي أقرب خلية اجتماعية اليه فهو يتوقع وينتظر منها ان تحسن معاملته وتتفهم احواله وظروفه الجديدة. من هنا تقع على عاتق الوالدين المسؤولية الأكبر ان لم نقل الكاملة في رعاية المراهق وتربيته في هذه المرحلة الحساسة من عمره. ولأن مرحلة الأحداث من أكثر المراحل العمرية تقبلا للتربية فقد اولى الإسلام اهتماما بالغا بهذه المرحلة العمرية، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (عليك بالأحداث فانهم أسرع الى كل خير)(4). ويمكن أن نلخص أهم وظائف الوالدين في هذه المرحلة بالتالي:
1- تعريف المراهق على شمولية الدين:
لا ينبغي للأم والأب أن يتركا ابنهما المراهق وحيدا في ما يتعلق بمعالجة المسائل الفكرية الخادعة بمرحلة المراهقة، وايجاد الأجوبة على الأسئلة الأساس، بل ينبغي لهما ان يساعداه بأسلوب منطقي على معالجة مسائله.
وعندما يكون الأب والأم نفسهما من أهل الإيمان والعلم، فهما يُنوّران ذِهن ولدهما بالمعارف الضرورية من خلال تعريفه على العقائد السليمة، والمعارف الحقة والتباحث معه ومناقشته بشأنها. فان كانا لا يملكان المقدرة واللياقة الكافيتين للقيام بهذا العمل، فمن الأفضل ان يُوكلا هذه المهمة الى شخصن يكون موضعَ ثقةٍ وعارفا بالمسائل الفكرية والاعتقادية؛ لينهل منه الابن المراهق الأجوبةَ الشافية على اسئلته. ولا ينبغي ان يترك الأبناء من دون الإجابة على اسئلتهم المحقة.
إن النضوج العقلي للمراهق يدفعه الى التفكير بجدية في العالم المحيط به؛ بقصد تحصيل المعرفة التي هو بأمس الحاجة إليها. فتفكير المراهق ليسن محصورا بأمور
الدنيا، بل يشمل المسائل الدينية التي تلح على عقله، وتطلب منه تفسيرا واقعيا عن التوحيد والخالق، والغاية من خلق الإنسان، وأصل النشأة الإنسانية وكيفيتها، وقضايا البعث والحساب والجنة والنار، وغيرها من المباحث الدينية.
ان وظيفة المربين التربويين في هذا المجال تكمن في تعريف الشاب على معارف الدين الأصيلة، وان يضعوا في متناوله المعارف اللازمة في مجالي أصول الدين وفروعه.
وينبغي على الشاب اغتنام هذه الفرصة، وتعميق اطلاعاته عن الدين، ومطالعة الكتب المعتبرة في معرفة الدين، والتدبر في القرآن ومعارفه.
من وصايا الإمام علي (عليه السلام) إلى ولده محمد انه قال له: (تفقه في الدين، فإن الفقهاء ورثة الأنبياء)(5).
وقد جمع الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ـ أولاده واخوانه ذات يوم، وقال لهم: (إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن يستطع منكم ان يحفظه؛ فليكتبه وليضعه في بيته)(6).
وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) ـ أيضا: (لست أحب ان ارى الشاب منكم الا غاديا في حالين؛ اما عالما او متعلما)(7).
ومن الأمور المهمة - ايضا - في هذه المرحلة العمرية ان يقوم الأهل بتعويد اولادهم الأحداث على تلاوة القران والأنس به، فان القران يختلط بدمه ولحمه، ويترك أثرا في كافة وجوده. وهذا هو معنى كلام الإمام الصادق (عليه السلام): (من قرأ القران وهو شاب مؤمن اختلط القران بلحمه ودمه)(8). فمن المهم ان يكون القران في هذه الفترة العاصفة من عمر الابناء؛ ملاذاً لهم في فترات الضيق والمشاكل التي سوف تعترض حياتهم الجديدة.
ولا بد للشاب المؤمن أيضا أن يتعلم العلوم العصرية الى جانب العلوم الدينية، وان لا يكون أمياً بها. فتعلم العلوم العصرية، اضافة الى انه يساعد على تفتح الاستعدادات، يساعد ايضا على تنمية القوى العقلية، وتجزئة القضايا وتحليلها بنحو أفضل، ويمنع الشاب من السقوط في وادي الجهل والخرافات. يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر)(9).
2- ترغيب المراهقين بالأعمال العبادية:
من الأمور التي تؤثر في تقوية الإيمان: العبادة والدعاء. فعندما يكون الشاب في صدد تربية نفسه إسلاميا، يجدر به ان يُولي العبادة والدعاء أهمية خاصة، وان يخصص ساعة لنفسه في الليل والنهار؛ لكي يناجي فيها ربه، ويجلي قلبه ويصفيه.
جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحق الشاب المؤمن: (إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شابا حدث السن، في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته؛ ذلك الذي يباهي به الرحمان ملائكته، يقول: عبدي حقاً)(10).
فحينما يترعرع الشاب في ظل عبادة الله وعبودية الحق، وفي حال ارتبط بالله اما في مرحلة شبابه وبثه مكنونات قلبه؛ عندها ستزداد درجاته المعنوية؛ كالصلاة، والصوم، وامثالهما، ولكن من دون استعمال اسلوب الأوامر والنواهي والتسلط، بل بالترغيب، واللطف، والمحبة، وأحيانا بالهدية والجائزة على اداء الصلاة او الصوم.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): (يؤدب الصبي على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ستة عشرة سنة)(11).
فالصلاة التي هي عبارة عن ارتباط الإنسان قلبيا بخالِقه، تسهم بدور بناء في التربية الروحية والأخلاقية للمراهق، حيث إن المراهقين الذين يُصلّون، يحرزون أساسا روحيا ومعنويا وقيميا. المراهقون المصلون عندما تصدر منهم الزلات والهفوات، وبسبب علاقتهم بالصلاة، يمكنهم بسهولة ان يتراجعوا عن هفواتهم وان يُطهروا أنفسهم.
3- القدوة والأسوة الحسنة!
من الخصائص المهمة لمرحلة المراهقة؛ هي ظاهرة المحاكاة، فالمراهق يُدقق في خصوصيات الوالدين وسلوكياتهما، ويحاول محاكاتها والاتصاف بها في حياته الشخصية. من هنا، فإن فشل الأبناء في أسرهم في العثور على الصفات والخصال
التي تُرضيهم في ابويهم سوف يدفعهم للجوء إلى الاخرين؛ ليقتبسوا منهم الخصال والصفات التي يرغبون بتقليدها ومحاكاتها في حياتهم.
لذا، على الوالدين من أجل سلامة المراهق النفسية والنمو الصحيح والمتوازن لشخصيته؛ ان يسعوا إلى الاتصاف بالصفات الشخصية الإيجابية والمحببة عند أولادهم المراهقين. بعبارة أخرى عليهم ان يستعدوا مسبقا لهذه المرحلة، ويزيلوا ما أمكنهم من النواقص والعيوب في شخصيتهم، ويبدلوها بصفات وخصال متوازنة وناضجة؛ ليكونوا بذلك قدوة وأسوة حسنة لأولادهم في المستقبل.
وبموازاة هذا الامر، على الاهل ان يقدموا لأولادهم الصورة المشرقة والناصعة للقدوة الحقيقية التي ينبغي أن تُتّبع في هذه الحياة. فعندما نقرأ أو نسمع قصة حياة أحد العظام أو الصالحين، سوف ينتابنا شعور بالفرح والتأسي بشكل عفوي، وحالة من الإعجاب تهز كياننا، فيتولد لدينا أثر ذلك رغبة شديدة بالاتصاف بالصفات المعنوية والشخصية لدى الشخص المعني. فقد كان للنماذج الأخلاقية في المجتمع دور الأسوة المحركة للبشرية والباعثة على السمو والارتقاء الإنساني والمعنوي في الحياة على مر العصور والأزمان. ولقد كان وما يزال الشبان والمراهقون هم الفئة الأكثر تأثرا وتفاعلا مع مفهوم التأسي والاقتداء بالنماذج الإنسانية السامية في الحياة. والإسلام أكد على هذه الحاجة من خلال الآية الكريمة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
لذا، ينبغي اطلاع المراهقين على النماذج المشرقة في الحياة التي يُمكن ان تترك أثراً على فكرهم وسلوكهم، وهذا الأمر معين للأهل ومساعد لهم في مجال تربية الأبناء وتعليمهم. من قبيل اطلاعهم - مثلا - على شخصية الإمام علي (عليه السلام) وهو أول فتى في الإسلام، أو إسماعيل ذبيح الله (عليه السلام)، أو يوسف (عليه السلام) ذلك المثل الأعلى في العفة والطهارة ومحاربة النفسي والشهوة، أو داود (عليه السلام) ذلك البطل الذي قهر جالوت وهو لم يتجاوز الثالثة عشر عاما، او فتية اصحاب الكهف، وغيرهم الكثير من النماذج المشرقة في هذه الحياة.
4- الدعم المعنوي للمراهق:
ان المراهق يرغب بشدة في ان يُعيره الآخرون اهتمامهم ويحترمونه ويكرّمون شخصيته. وتُعد هذه الحالة نوعا من أنواع التدريب على تكوين الشخصية؛ استعدادا للاستقلال عن الأسرة، والاعتماد على الذات في المستقبل. لذا، فالأسرة التي تتفهم هذه الحاجة، وتسعى الى الاستجابة لها هي اقل تصادما مع ابنائها المراهقين، وأكثر انسجاما وتكيفا معهم خلال هذه المرحلة الحساسة. فمن الحاجات الأساسية للمراهق: شعوره بانه شخص مقبول في الأسرة، وله مكانته الهامة لدى الوالدين.
5- هامش من الحرية:
يجب إعطاء المراهـق قدراً من الحردة في حياته، كي يتعلم كيف يُسيّر شؤونه في المستقبل. ولكن في الوقت ذاته، ينبغي رعايته عن قرب، والمبادرة اذى تنبيهه وتحذيره من السقوط فور ملاحظة بوادر الغفلة أو الانحراف لا سمح الله. لذا، ينبغي أن تترافق الحرية مع المراقبة أثناء عملية التربية. فلا الحرية المطلقة التي يُطالب بها المراهق مقبولة، ولا القيود الشديدة التي يضعها الأهل أحيانا صحيحة ومجدية أيضا من الناحية التربوية، بل الطريقة المثلى هي الموازنة بين الأمرين.
6- النظر من زاوية المراهق:
يُفتَرض بالأسَر أن تنظر إلى أبنائها خلال مرحلة المراهقة من زاوية أخرى تختلف عن نظرة سني الطفولة لديهم، والتعامل معهم على أساس التغييرات والتطورات الجديدة الحاصلة في شخصيتهم. فالطريقة السائدة عند الأهـل في التعامل مع المراهق ان ينظروا الى القضايا من منظارهم الخاص بهم، وان يحاكموهم على أساس هذه النظرة. في حين أن الطريقة التربوية الصحيحة تقتضي أن يضع المربي نفسده مكان المراهق ويحاول ان يرى الأمور من منظاره ومقياسه. وهذه العملية ليست سهلة، ولكنها في الوقت ذاته ليست مستحيلة، وتحتاج إلى بذل مزيد من الاهتمام والعناية بالمراهق؛ لبلوغ الهدف.
7- الانسجام بين الوالدين:
من أكبر المشكلات التي يعاني منها المراهق هي اختلاف الوالدين، وعدم انسجامهما مع بعض. فما يُقلِق المراهـق ويزعجه هو: التنافر والخلاف، واضطراب العلاقة بين الأبوين. وبالعكس، فان أكبر مصدر للسعادة والراحة والاستقرار بالنسبة للمراهـق هو: عند سيادة المودة والانسجام بين الوالدين. لذا، ينبغي على الأهل بذل الوسع في تحسين العلاقة بينهما على الأسس الشرعية والأخلاقية؛ لينعم المحيط العائلي بالدفء والسلام المطلوب؛ لبناء روابط عائلية سليمة. فالأبناء يرون سعادتهم وشقاوتهم من نافذة علاقة أحدهما مع الاخر. إلا ان للآباء لجهة رئاستهم للأسرة. الدور الاكبر والاهم في خلق التفاهم والانسجام داخل المحيط العائلي. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن الله ليفلح بفلاح الرجل المؤمن وُلدَهُ وولد ولده، ويحفظه في دوَيرته ودويرات، حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله، دم ذكر الغلامين فقال: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82]، ألم تر أن الله شكر صلاح أبويهما لهما)(12).
8- ملء أوقات الفراغ:
يجب على الوالدين أن يملئا أوقات فراغ أبنائهما المراهقين بالبرامج التربوية المناسبة، ومن جملتها: البرامج الرياضية في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: (ان الله يبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ)(13)، وإن يعمدوا الى تمضية بعض الوقت معهم في الليل او النهار؛ وان ينفذوا معا برامج مشتركة قدر الإمكان؛ كقراءة حديث من نهج البلاغة، وتفسير اية من القران، ونقل ذكرى جميلة من مراحل الحياة، وغيرها...
9- العشرة الصالحة:
يساهم الأصدقاء بنسبة عالية في تشكل شخصية الشباب الدينية والأخلاقية. فما أكثر الشباب الذين انحرفوا إثر مجالستهم أصدقاء السوء، حيث يقولون بعد ادراكهم لخطئهم واشتباههم: {يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [الفرقان: 28] وقد جاء عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) انه قال: (المرء على دين خليله، فلينظر احدكم من يخالل)(14).
وان خوف المراهق من العزلة قد يدفعه للانخراط في أوساط مجموعة من الزملاء والأقران غير المناسبين، وربما الخطرين - أيضا، كل، ذلك من أجل التغلب على مشاعر العزلة، والنبذ الاجتماعي، أو لأجل اثبات الذات. من هنا، ينبغي على الأبوين مراقبة علاقات المراهق الاجتماعية، خصوصا من ناحية صداقاته، بالإضافة إلى توعية أبنائهم على كيفية إقامة علاقات صحيحة وسليمة مع الآخرين، وكيفية انتخاب الأقران.
المفاهيم الرئيسة
1- المراهقة مرحلة تتأرجح بين الطفولة والرشد، وهي مرحلة من النمو تعرف بمشاكلها وعوائقها وصعوباتها الكثيرة، وليس من اليسير تحديد بدايتها ونهايتها بشكل دقيق.
2- لا يمكن حصر مرحلة المراهقة بسنوات معينة؛ لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والمجتمعات. ويمكن تحديد بدايتها بشكل عام؛ باعتبارها تتزامن مع البلوغ الجنسي.
3- مرحلة المراهقة مرحلة هامة للغاية في الحياة، وهي مرحلة تتميز بخصائصها عن جميع مراحل الحياة الأخرى، منها: القلق، والبحث عن الهوية، والحرية، والبلوغ.
4- لان مرحلة الاحداث من أكثر المراحل العمرية تقبلا للتربية؛ فقد اولى الإسلام اهتماما بالغا بهذه المرحلة العمرية، وجعل العبء الأكبر من هذه المسؤولية يقع على عاتق الأهل.
5- من الوظائف الأساسية الملقاة على عاتق الأهل تعريف الأبناء على المعارف
الدينية والإلهية، وفتح باب المعرفة أمامهم؛ لينهلوا منه ويتزودوا. بالإضافة الى
الأمور العبادية - ايضا -.
6- على الأهل ان يصنعوا لأولادهم الأنموذج والقدوة الصالحة التي ينبغي ان يحتذى بها في الحياة؛ لتكون لهم عصمة وملاذا من الوقوع في فخ الانبهار بالآخر غير الصالح.
7- يحتاج المراهق الى الدعم المعنوي، والى اعطائه فسحة من الحرية؛ ليبدأ برسم
معالم تجربته وبناء شخصيته المستقبلية؛ بالاعتماد على نفسه.
8- ينبغي الحرص على ملئ وقت الفراغ لدى المراهق بالأمور النافعة في الحياة،
ومراقبة صداقاته؛ والأشخاص الذين يعاشرهم بهدوء ورفق.
ان عفة النساء هي في الدرجة الاولى من الاهمية، لان عفة النساء تسري إلى هؤلاء الاطفال الذين في احضانهن. ان المقدار الذي يسري للأطفال من عفة النساء وشرفهن، لا يتحقق في المدارس. فتعلق الأطفال بأمهاتهم لا نظير له في ارتباطهم بالآخرين، فما يسمعونه من فم الأم يبقى راسخا في قلوبهم. ولا يبقى راسخا لديهم ما يأخذونه من أشخاص آخرين. فاذا كانت الأمهات امهات ذوات فضيلة وعفة فإنهن
سيرفدن المجتمع اولادا ذوي فضيلة وشرف. والاولاد ذوو الفضيلة والشرف يصلحون البلد فإصلاح الدول رهن بكن. رهن بكن ايتها الامهات. خراب واعمار الدول تبع لكن. انكن إذا قدمتن للمجتمع شبابا ذوي فضيلة، شبابا نشؤوا في احضانكن على الفضيلة فإن بلدكن سيصلح ويعمر وسيتم انقاذه من يد الأجانب.
وأما إذا لم ييدعوا أطفالكن ليبقوا في أحضانكن، واستدرجوكن، واخذوا أطفالكن إلى الدور التي ترعى الأطفال، فاذا ما ابتعد الطفل عن أمه فان العقدة ستظهر فيه.
إن الطفل الذي لا يكون تحت رعاية الأم ولا يشعر. بمحبة الأم فانه سوف يشعر بالعقدة. وهذه العقد منشأ جميع المفاسد. فالسرقات تنشأ من هذه العقد، وجرائم القتل تنشأ من هذه العقد، والخيانات تنشأ من هذه العقد. وهذه العقد تظهر عندما يبتعد الطفل عن أمه. الطفل اللطيف الرقيق سريع التأثر وبحاجة لمحبة الأم، فيؤخذ من أمه ليكون تحت تربية أشخاص غرباء عنه، ولا يعقل أن تكون محبة شخص غريب لهذا الطفل كمحبة أمه، فتتم تربية الطفل هناك، وبذلك تنشأ العقد.
إن جميع المفاسد التي تظهر في البلد او اكثرها إنما تنشأ من هذه العقد. لقد عملوا على تطبيق هذه المسألة عمليا، بان يفصلوا الأطفال عن أحضان أمهاتهم ويقوموا بتربيتهم في مكان آخر. لقد خدعوا النساء اذ أصبحن يقلن: لم نجلس في البيت ونربي الأطفال؟ بل يجب ان ننزل الى المجتمع، يجب ان نذهب الى كذا. بيد انه لو كان هدفهم سليما لما كان هناك اشكال كبير في البين، ولكن نواياهم سيئة.
__________________________________
(1) المرجئة هي فئة منحرفة كانت في عهد الأئمة (عليهم السلام) تعتقد: بأن الايمان يكفي لوحده، وكل شخص يقر بالظاهر بالإسلام فهو مؤمن، ولا يلزم العمل ولا يضر اي ذنب بالإيمان. اما تسمية هذه الفئة بالمرجئة لأن الحكم بمعاقبة المذنبين وإثابتهم يؤخر الى يوم القيامة حتى يحكم الله بشأنهم؛ او انهم يأملون بالصفح عن المذنبين في يوم القيامة، ولا يعتبرون ان المعصية تضر الايمان.
(2) أصول الكافي، ج6، ص 47.
(3) مستدرك الوسائل، ج12، ص201.
(4) الكافي، ج8، ص93.
(5) بحار الأنوار، ج1، ص216.
(6) م.ن، ج2، ص152.
(7) م.ن، ج1، ص170.
(8) وسائل الشيعة، ج2، ص140.
(9) بحار الأنوار، ج1، ص222.
(10) أعلام الدين، ص120.
(11) وسائل الشيعة، ج10، ص237.
(12) بحار الأنوار، ج13، ص312.
(13) الكافي، ج5، ص84.
(14) مستدرك الوسائل، ج8، ص327.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|