أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-31
951
التاريخ: 23-9-2019
1544
التاريخ: 2023-08-03
1243
التاريخ: 24-9-2019
1479
|
طول هذه الجزيرة بحسب تعريف القدماء سبعة أيام في أربعة أيام، تُدار في خمسة عشر يوما ومساحتها السطحية 25740 كيلو مترًا مربعًا على اصطلاح المحدثين، وكانت في كل أدوارها مطمح أنظار الفاتحين من الدول البحرية؛ لأنها من أهم منازل الاتصال بين إفريقية وأوروبا وآسيا، وقالوا إنه كان فيها آخر أيام العرب مائة بلد وثلاثون بلدًا بين مدينة وقلعة غير ما بها من الضياع والمنازل والبقاع، ومن مدنها الخالصة، أطرابنش مازر، جرجنت، بثيرة، سرقوسة، قطانية، بطرنوا ميقس مسينة، رمطة دمنس، قلعة القوارب قلعة الصراط، قلعة البلوط قلعة أبي ثور، بطرلية ثرمة، قرليون، برطفيف، برطنة. ولما استولى الفاتحون من العرب على صقلية تركوا لأهلها عاداتهم وقوانينهم وحريتهم الدينية المطلقة(1)، واكتفوا منها بجباية قليلة، وكان مقدارها أقل مما كانت عليه على عهد اليونان وأعفوا منها الرهبان والنساء والأولاد، وحافظوا على جميع التي وجدوها لكنهم لم يسمحوا بإنشاء غيرها، على خلاف ما جروا عليه في الأندلس، وعمدوا إلى الزراعة والصنائع فأحيوها ، وأدخلوا في الجزيرة أصنافًا من الزراعة لم تكن تعرفها، ومنها البردي ،والمران، وأقاموا المجاري التي لم تبرح ماثلة للعيان، وعلموا الناس عمل القنى ذات الأنابيب العقف «السيفونات»، وكانت قبلهم غير معروفة، وأنشأوا في الجزيرة مصانع لصنع الورق، ومنها انتشرت صناعة الورق في إيطاليا، وعدنوا مناجم الجزيرة وفيها الذهب والفضة والشب والكحل والزاج والحديد والرصاص والنوشادر، وعلموا أهلها صنع الحرير. وفي مدينة نورمبرج اليوم رداء حرير كان لملوك صقلية، وفيه كتابة بحروف كوفية تاريخها سنة 520 مما يدعو إلى الاعتقاد بأن صناعة صبغ الأقمشة انتشرت في أوروبا من صقلية ومن مصانعهم كانت تصدر الأقمشة(2) المحلاة بالجواهر والطنافس المصورة أنواع الصور ، والجلد المدبوغ ، والحلي البديع الذي كان يعمل في مصانع بلرم ومازر ، وكان مما يتنافس فيه، وله الصيت الذائع في قصور الملوك في الشرق والغرب، وكانت التجارة قبل العرب ضئيلة جدًّا في هذه الجزيرة، فأصبحت على عهدهم متشعبة النواحي غزيرة المواد والعرب يصنعون سفنهم في دور الصناعة في تونس وبعض مواني الجزيرة. ويقول دييل: إن العرب حملوا معهم إلى جزيرة صقلية مظاهر غريبة من فنهم، وقناطرهم العالية الجميلة، ونقوشهم من المقرنصات، وجمال قاشانيهم ذي الميناء، وفسيفساءهم المعمولة من الرخام الملون، وصورهم الجميلة، وبهيج صناعاتهم الصادرة عن علمهم، وهي من الأعمال الخاصة بالمترفين وأرباب النعيم، وكل ذلك لم يضمحل كل الاضمحلال لما استولى على الجزيرة سادة جدد بعد أمراء المسلمين، فإن مصانع الدور العربي كانت مثالاً يُنسج عليه في إقامة مصانع العهد النورماني، وكان المهندسون والبناؤون من العرب الذين عملوا للأمراء وحملوا إلى ملوك النورمانيين علومهم وإرث تقاليدهم، ولكنهم كانوا أسعد ممن سلفهم؛ ذلك لأن الحظ حظهم، فكانت أعمالهم أكثر خلودًا وبقاءً، وقال أيضًا لما سقطت بلرم في أيدي العرب سنة 831م، لم يكن فيها سوى ثلاثة آلاف نسمة، فلما غدت عاصمة أمراء المسلمين دخلت حالا في مضمار الفنون، وكانت خلال عدة قرون في درجة عالية من الحضارة لم يسمع بمثلها. وقال: إن العرب في صقلية خلفوا اليونان وفي خلال قرنين كانت لهم حكومة ذات مجد ورقي، وأدخلوا إلى صقلية العنصر الإسلامي الذي زاد كثيرًا في الغرب وفي وسط الجزيرة، فأصبحت نصف صقلية أواخر القرن الحادي عشر من العرب وباقيها من اليونان، قال: ثم سار النورمان في صقلية على سياسة لم يجعلوا بها فارقًا بين الكاثوليك واليونان والمسلمين على نحو ما فعل النورمان في الشام بعد قليل، عرفوا كيف يقتبسون العادات ويتخلقون بأخلاق رعاياهم، مراعين كلا منهم موزعين فيهم عطاياهم على السواء، وهكذا ظلوا نورمانيين بأصولهم وغدوا بيزنطيين وعربا بمدنيتهم، وكانوا في وسط القرن الحادي عشر مثالاً جميلا نادرًا في باب التسامح السياسي وعدم التحزب الديني. ويقال على الجملة: إن العرب استولوا على صقلية في زمن كانت تتلألأ فيه مدنيتهم في الشرق والغرب، فنقلوا إليها كل علومهم وصنائعهم وعوائدهم وآدابهم، وكان الرعايا المغلوبون على أمرهم يعيشون كما قال آماري في كتابه «المسلمون في صقلية» في راحة وسرور على عهد حكامها من أمراء المسلمين، وحالتهم أحسن بكثير من حالة إخوانهم الإيطاليين الذين كانوا يرزحون تحت نير اللنجورمانيين، والفرنجة. وقال توفنر (3): منذ الفتح الإسلامي إلى القرن التاسع عشر لم يبرح الشعب النصراني في صقلية ينتقل من يد غريبة إلى يد مثلها، غريبة، وما استطاع أن يحكم نفسه بنفسه، وقد بلغ أعلى درجات حضارته بعد القرن الرابع على عهد حكومة المسلمين غير النصارى وعلى عهد النورمانيين الذين دانوا بالنصرانية حديثًا.
.......................................
1- حضارة العرب لجستاف لبون، ومحاضرة لويجي رينالدي (المقتطف م59).
2- الاستيلاء الإسلامي على صقلية لحسن حسني عبد الوهاب.
3- فلسفة التمدن لتوفنر.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|