ديانة الإغريق
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 501 ــ 503
2025-05-12
569
كان الإغريق في فجر تاريخهم يعتقدون أن الطبيعة ملأى بالقوى الخفية، التي تساعد بني الإنسان أو تلحق به الضرر شأنهم في ذلك شأن كل الأمم القديمة كمصر و«بابل» و«آشور» وغيرها من الأمم الشرقية؛ فكان لديهم الإله «بان» إله الغابات والتلال والقطعان — وبخاصة الماعز — والرعاة، وكان يمثل في صورة إنسان، ولكن بقرني وساقي معزى، ومن اسم هذه الإله «بان» Pan اشتقت كلمة «بنك» Panic وهي تعني الرعب الذي ينتاب الناس في الأماكن الموحشة؛ وذلك لأن هذا الإله كان يخيف السابلة بظهوره المفاجئ.
وكانت إلهات الماء يتخيلها القوم عذارى جميلات يسكنَّ الأنهار والجداول، وكانت تدعى «نريدس» Nereids(1) والجبال وتدعى Oreads والأشجار وتدعى Dryads والبحر. وكانت هذه الجنيات الطبعية لا بد أن تصير مصادقة للإنسان، وذلك بتقديم قربان من اللبن والشهد أو الحيوانات الوحشية، ومن أجل ذلك كانت توجد صور صغيرة ومحاريب وموائد قربان مبعثرة في طول البلاد وعرضها لعبادتها في الريف.
وكذلك كانت الآلهة العظيمة لبلاد الإغريق تعبد في المدن وفي الريف على السواء. وهذه الآلهة كان يتصورها القوم في صور مخلوقات مثل الرجال والنساء، ولكنها كانت أعظم منهم وأكثر جمالًا. وكان يتخيلهم الإغريق في عقولهم بصور واضحة؛ وذلك لأن «هومر» من جهة قد وصفهم في أشعاره؛ ومن جهة أخرى لأن المثالين والمفتنين قد صنعوا لهم تماثيل وصورًا، وقد أصبحت هذه الآلهة شيئًا فشيئًا أكثر أهمية من أية قوة أخرى، غير أن الاعتقاد في «بان» وإلهات البحر وما إليها من جنيات الطبيعة، قد فاق غيره فاستمرت تعبد بوجه خاص في الأقاليم الريفية.
وكان أعظم الآلهة هو «زيوس» والد الآلهة والناس، كما كان أعظم الآلهة فخارًا وقوة، وكان يسكن في «أوليمبوس» وهو جبل عالٍ قمته فوق السحاب، وهناك كان يعقد مجلس الآلهة، ومن ثم كان يرسل صواعقه على البشر الذين أغضبوه. وكانت «هيرا» زوج «زيوس» وملكة السماء إلهة صاحبة جمال بارع ومقام عالٍ، غير أنها لم تكن جذابة؛ لأنها كانت جامدة غيورة، وكانت الساعات خادماتها و«إريس» Iris إلهة قوس قزح بريدها.
وكانت الإلهة «أرتميس» تعبد بوصفها نور القمر. وكانت بوصفها إلهة الصيد تطوف الغابات والوديان والأنهار والتلال مسلحة بقوسها ونُشَّابها صائدة، إما حيوانات برية، أو مشتركة في الرقص واللعب مع أتباعها من إلهات الماء، وهي أخت الإله «أبوللو» — وهي ديانا عند الرومان.
أما «أفروديت» فكانت إلهة الحب والجمال، وكان ابنها هو «إروس» Eros (إله حب صغير)، وكان اليمام طائرها المقدس وزهرتها المحببة هي الوردة.
وكانت «هستيا» Hestia إلهة الموقد وقد عبدت بوصفها مركزًا ورمزًا لحياة الأسر والدولة. وكان موقدها المقدس لا يقتصر على إقامته في كل بيت، بل كان يقام كذلك في «البريتانيوم» — قاعة المدينة — في كل مدينة، وكانت النار المشتعلة هناك لا يسمح بإخمادها أبدًا. وكان كبار موظفي الدولة والسفراء من أماكن أخرى يقدمون القربان على النار لهذه الآلهة. وكما ذكرنا من قبل أخذ المستعمرون معهم بعض هذه النار المقدسة إلى أوطانهم الجديدة.
وكانت «بلاس أثينا» وهي الابنة العذراء للإله «زيوس» تعد إلهة الحرب والحامية لمدينتها «أثينا». وكذلك كانت إلهة الحكمة والمهارة وحضور الذهن وحزم الرأي وكانت الحامية للنسيج ولحرف أخرى، وكانت إلهة شريفة جميلة طويلة القامة ماهرة في الأعمال اليدوية الفاخرة. وشجرتها المقدسة هي شجرة الزيتون.
وكان «بوزيدون» Poseidon إله البحر والينابيع عذبها وملحها، وكان بصولجانه المثلث الشوكات يهيج البحر، ويغلق الصخور التي تنفجر منها نافورات الماء وتنبثق منها العيون.
وكان «ديونيسوس» إله النبيذ، وقد غنى الأثينيون ورقصوا على شرفه؛ ليضمنوا محصولًا طيبًا من كرومهم. وهذه الأغاني والرقصات كانت أصل الدراما الإغريقية، التي كانت تنظر إليه بوصفه إلهها وحاميها (2).
وكان «هفاستوس» الذي عمل درع «أخيل» يعتبر إله النار، وكل ما يصنع منها كالصور المصوغة من الذهب والفضة والأواني المزركشة بصور غريبة.
أما الإله «هرميس» (تحوت عند المصريين) الذي كان قد أرسله الإله «زيوس» لإحضار «أودسيوس» من جزيرة «كاليسو»، فكان رسول الإله وبيده عصا كان يحمل بها النوم إلى أعين الناس، أو يقود بها أرواح الموتى إلى مسكنها في عالم الآخرة، وهؤلاء الآلهة الذين ذكرناهم هنا كانوا بوجه عام عظماء ومنعمين على الناس، ولكن على حسب ما جاء في شعر «هومر»، وغيره من الشعراء الإغريق كانوا غالبًا ما يشتجرون فيما بينهم وتقوم بينهم العداوة والبغضاء، ففي حرب «طروادة» ساعد كل من «هيرا» و«أثينا» الإغريق، في حين أن «أفروديت» و«أبوللو» قد ناصرا أهل «طروادة» وعززاهم.
على أن الناس الذين كانوا يفكرون في ذلك تفكيرًا عميقًا رأوا شيئًا فشيئًا أنه يوجد شيء خاطئ في ذلك، ولم نلبث أن رأينا أعظم الشعراء وغيرهم من أهل الفكر قد بدئوا يكتبون عن «زيوس» أنه عالٍ جدًّا، وأنه بعيد عن كل القوى الأخرى، وأنه قريب لمساعدة كل الناس ويقيم العدل، ويعاقب الآثم. ولكن على الرغم من ذلك فإن عامة الشعب كانوا يتمسكون بالأفكار القديمة فنرى في كل أطوار التاريخ الإغريقي العبادات والأعياد تقام في كل مكان على شرف آلهة «أوليمبوس» العديدين، على الرغم من الاعتقاد في إله واحد مسيطر، وتلك كانت نفس الحالة في مصر إلى أن ظهرت عبادة «آتون» لمدة، ثم اختفت وعادت البلاد سيرتها الأولى.
.........................................................
1- و«نريدس» Nereids من بنات «نيروس» Nereus وهو إله البحر.
2- راجع ما كتب في كتاب الأدب المصري القديم عن الدراما، وأصلها الجزء الثاني ص1 … إلخ.
الاكثر قراءة في الحضارة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة