بلاد اليونان وحروبها مع طروادة (ملحمة الأودسى)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 488 ــ 491
2025-05-12
508
هذه الملحمة تحدثنا عن كيف أنه بعد أن أمضى «أودسيوس» وهو رئيس إغريقي، عشرة أعوام هائمًا في البحار وصل أخيرًا إلى جزيرة «أتاكا» مسقط رأسه.
وفي هذه الملحمة نرى أن «بنلوبي» زوج «أودسيوس»، كانت تنسج منذ ثلاث سنوات نسيجًا وكانت تنقضه ليلة فليلة؛ وذلك لأنها كانت حائرة بين عدة عشاق لها كانوا لا بد أن يضطروها لتختار واحدًا من بينهم عندما يتم هذا النسيج، وهؤلاء العشاق كانوا يأتون إلى بيتها يوميًّا بكبرياء مفعم بالوقاحة، فكانوا يضحون الثيران والغنم والماعز ويحتسون نبيذها بتهور مبذرين ثروة بيتها، ولكن في آخر الأمر كشفت سر عملها إحدى نسائها وأفشته، غير أن النجدة كانت قد أتت إليها من «أوليمبوس» مثوى الآلهة، إذ نجد أن الإلهة «باللاس أثينا» قد أتت لتخليصها بسرعة كالريح عابرة البحر والأراضي التي لا تُحد، وقد نفخت في روح «تلماكوس» بن «أودسيوس» الأصغر فتحدى هؤلاء العشاق:
أسرفوا في أموالكم ذاهبين من بيت إلى بيت
بالتوالي، ومع ذلك فإنه إذا ظهر أنه شيء أفضل
أن يؤكل طعام الإنسان ويشرب نبيذه
دون ثمن فلتذهب اللذات
ومع ذلك فإني سأضرع للآلهة الخالدين أن يرسلوا
انتقامًا، وأن يرسل «زيوس» جزاء في وقته
وأنتم جميعًا ستنالون نهايتكم غير مشكورين.
وقد ظهر «تلماكوس» على حين غفلة بوصفه رجلًا وسيد بيته في آنٍ واحد.
وفي أثناء هذه الحوادث كان «أودسيوس» يقترب من نهاية مخاطراته في عرض البحار. والواقع أن الإلهة «كاليبسو» Calypso قد حجزته سبع سنين في جزيرتها الجميلة باذلة جهد طاقتها بكلماتها الساحرة أن ينسى «أتاكا» مسقط رأسه، ولكنه الشوق إلى وطنه كان يبري قلبه. وأخيرًا أرسل الإله «زيوس» الإله «هرمس» ليخلصه من ورطته هذه:
فوق «بيريا» مارًّا بسرعة
قافلًا ومن طبقة الهواء العليا جاء «هرمس» السريع
وغاص مثل غراب الماء في البحر … إلخ.
وقد أدى «هرمس» رسالته، وقد سمح لأودسيوس أن يصنع لنفسه قاربًا ويذهب في عرض البحر، وبعد مضي سبعة عشر يومًا لاحت له في الأفق جزيرة، كأنها درع في البحر الملبد بالضباب، وتلك كانت أرض «الفاسيين» Phaecians، ولكن قبل أن يصل إلى تلك الجزيرة الرحيمة، أغرقت قاربه عاصفة هوجاء، واضطر أن يسبح في الماء يومين وليلتين إلى أن رأى أرضًا ذات رءوس وصخور وشعاب تصطخب عليها الأمواج، وقد قذفت به الأمواج إلى الساحل، ومن ثم سبح في مصب نهر ورسا سالمًا على الشاطئ.
وفي تلك الأثناء كانت «نوسيكا» Nausicaa ابنة ملك «ألسينوس» Alcinous قد أتت مع جواريها لتغسل ثيابها في مجرى النهر الجميل ببركه وعيونه المتفجرة:
وعندئذ حملن من العربة في أيديهن
الملابس وأخذنها بقوة
هناك في الأحواض عند شاطئ الماء المظلم
منهمكات في المنافسة، ثم نشرنها ثانية
على شاطئ البحر حيث الأمواج
تغسل تمام الحصباء وتصدم بالشاطئ.
وعندما استحممن وتدلكن بزيت الزيتون أكلن، واضطجعن بجانب شاطئ النهر طلبًا للراحة من مجهود العمل منتظرات حتى تجفف أشعة الشمس الثياب المغسولة، وبعد ذلك وضعن كوفياتهن بجانبهن بعد الوجبة، وأخذت بنت الملك والعذارى اللاتي معها يلعبن الكرة. وقد أخطأت آخر كرة الهدف، وسقطت في الماء فأيقظت «أودسيوس» من سباته العميق، وعندئذ على حسب أمر «نوسيكا» ذهب إلى قصر «ألسينوس» الجميل حيث أكرمت وفادته، وقد أخبرهن بمخاطراته وكيف أنه هرب من «سيكلوبس» ومن مارد أعور، ومن عاصفة هوجاء ومن الساحرة «سيرس» Circe ومن سيرنز الفاتنات، ومن أخطار المرور بين ماردتي البحر، «سيلا» Seylla و«شاريبدس» Charybdis (1) — وهما ماردتان تقفان حجر عثرة في طريق البحارة.
وفي اليوم التالي وضعه «ألسينوس» في إحدى سفنه السحرية، وكانت سريعة كالعصفور في طيرانه أو كالفكر في جولاته، وقد حملته إلى «أتاكا» وعلى الرغم من أنه كان مستخفيًا في زي متكفف مسن، فإن مربيته المسنة قد عرفته كما عرفه كلبه «أرجوس»، الذي كان فيما مضى عداءً سريعًا وصيادًا شجاعًا، والآن أصبح مسنًّا وضعيفًا ومهملًا، وقد رفع رأسه وطأطأ أذنيه وبعد ذلك:
هز ذيله وأرخى أذنيه
ومع ذلك فإن سيده لم يكن لديه القوة على السير
وعندما رأى «أودسيوس» في هذه الساعة
التي تلاقيا فيها بعد مضي عشرين سنة
سقط أخيرًا الموت الأسود على «أرجوس».
وبمساعدة «تلماكوس» الذي عرف الآن الحقيقة قتل «أودسيوس» العشاق بنشابة الجبار، وبعد ذلك كشف «لبنلوب» عن نفسه. ومن وقتئذ ذهب الخراب وانقشعت ويلات الحرب إلى غير رجعة، وسادت الطمأنينة في الحجرات ذات الظلال الناعمة.
.........................................................
1- «سيلا» و«شاريبدس» تمثلان الدوامات والعقبات المشهورة عند مضيق «مسينا»، وقد أصبح ذلك يطلق على الرعب الذي ينتاب السياح منهما، فعندما كان يقابل الإنسان واحدة منهما، فإنه كان يصطدم بالأخرى، وقد أصبح يضرب بهما المثل عندما يتخلص الإنسان من شر ويقع فيما هو شر منه.
الاكثر قراءة في الحضارة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة