أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-25
1177
التاريخ: 23-9-2019
1448
التاريخ: 2023-05-04
1044
التاريخ: 2023-04-19
1093
|
كانت اللغة الفصحى هي واسطة التفاهم بين عامة الشعوب الإسلامية في القارات الثلاث، منذ قيام دولة الراشدين إلى اليوم، وهيهات أن يكون حظها حظ اللغة اللاتينية من أكثر الأمم الغربية، فإن العربية رسخت قواعدها لمكان الدين منها، ثم لجعلها لغة مدنية راقية، ومن قارن بين حالتها اليوم وحالتها منذ مائة سنة، وما أصابته من الترقي بإدخال المدنية الجديدة على أهلها، لا يلبث أن يعرف بالبداهة أن العربية وسع صدرها لقبول جميع الأفكار الجديدة قديمًا وحديثًا وما عاق هذه اللغة كون لغة التخاطب في أكثر الأقطار العربية غير لغة التكاتب؛ لأن شروط البقاء فيها متوفرة بوفرة مادتها الأصلية، ولأن نفس كل مسلم تهوى إلى الاحتفاظ بها، وما أضر باللغة إلا انتشار الأمية زمنا طويلا بين أهلها، ولما أخذ أهل كل قطر بأساليب التعليم الجديدة في العهد الأخير، قربت لغة العوام بالضرورة من لغة الخواص، وكان ذلك بفضل المدارس والصحف والكتب والخطب والمحاضرات وكم من لفظ فصيح شاع بالاستعمال اليوم بين الجمهور، بواسطة هذه العوامل في بث الفصيح وكلما خفت الأمية بين الشعوب العربية، وربي الأولاد على الفصيح يسمعونه في الجامع والمعبد والبيت والمدرسة والسوق، يتقارب عامي اللغة من فصيحها، وتمشي لغة الكتابة مع الطبع، مثل الكلام الدارج على الاستعمال. وبأدنى نظرة في اللغة العامية اليوم، واللغة العامية في مصر والشام مثلا، قبل ثمانين سنة، يتجلى لنا ما كان يبدو على لسان المدرّسين والخطباء والمعلمين والتلاميذ من اللفظ المبتذل، وما سرى إلى أقلامهم وكلامهم اليوم بل إلى العامة والأميين من الفصيح الجميل، وهناك ندرك الدرجات التي صعدتها اللغة في هذه الحقبة من الزمن، وسيكون الترقي بهذا النظر على مقياس أوسع في مستقبل الأيام، ومبادئ الترقي تبطئ سيرها لأول انبعاثها، ثم تتسع خطاها بعد حين فتعدوا عدوًا، ودور التأسيس أصعب من دور الاستثمار، وليس من السهل إعادة الحياة إلى لغة كادت تفقد نضرة ملكتها، بفعل قرون الجهالة وطول أيام الأعاجم الذين دانت لهم بلاد العرب قرونًا، فقد رأينا من هذه الدول من كانوا ولا يزالون يسرون إذا رأوا العربية تهوي إلى الحضيض، مع أنها لسان دينهم، وهم جماعات أخذوا بحب قوميتهم إلى الغاية، فظنوا تلقف ما عاداها مما يقدح في وطنيتهم، وحاولوا بزعمهم «تطهير» لغتهم من العربية وما ندري إذا تم تطهيرهم المزعوم، ماذا يبقى لهم من لغتهم الضئيلة بمفرداتها. يريد بعض الغربيين الذين يخوضون في شئون المسلمين، أن يقلب العرب أوضاعهم ومشخصاتهم، كأن الأمم ترتجل ارتجالاً، ومنهم من يزعم أن اللغة العربية لم تعد تصلح لغة علم ومدنية، وأن العرب يجب أن يغيروا كل شيء في أساليبهم، وأن يكتفي أهل كل قطر باللغة العامية التي اصطلحوا على التخاطب بها، يقولون هذا وهم يعرفون أن لكل أمة مصطلحًا، وأن الأمة تعيش بماضيها، وما هي إلا تتمه، وقولهم: إن لغة العرب لا تتسع للمصطلحات الفنية، هو من الدعاوي الساقطة بالبداهة، يكذبه ما يصدر اليوم من التأليف العلمية بالعربية في مصر والشام والعراق وتونس وغيرها، وفي كتاب لغات العالم أن اللغة العربية الفصحى، أي العربية القديمة والأدبية والعلمية لغة القرآن . هي من أهم. اللغات التي عرفها التاريخ، وكان مؤلفوها لا يحصون كثرة، قالوا الشعر قبل الإسلام وبعده، وخلفوا من تفاسير القرآن وكتب الحديث والعبادات، وألفوا في كل موضوع من التاريخ والمعاجم والكتب العلمية الصرفة والقصص والرحلات وكتب المغامرات، وفي كل جنس من أجناس التأليف ما لا يقع عليه الإحصاء. ا.هـ. وقد نشأ تكاثر اللهجات العربية من تنائي أقطارها، وانقصام عرى وحدتها، «وأهل الأمصار (1) إنما يتكلمون على لغة النازلة فيهم من العرب»؛ ولذلك كان هذا الاختلاف في ألفاظ أهل الأمصار ، وليست كثرة اللهجات بضارة كثيرًا ما دام المعول على الفصحى، والعامية تقرب كل يوم خطوة منها، والضار شيوع الأمية في الأمة العربية، واللغة كما قال ابن حزم: تتبدل بتبدل مساكن أهلها؛ فإنه بمجاورة أهل البلدة الأخرى تتبدل لغتها تبدلا لا يخفى على من تأمله فتتبدل ألفاظ الناس على طول الأزمان، واختلاف البلدان، ومجاورة الأمم ، وإن كانوا يتكلمون في الأصل لغة واحدة. ومثل هذا رأي الثعالبي (2) في أن شعراء عرب الشام وما يقاربها أشعر من شعراء عرب العراق وما يجاورها في الجاهلية والإسلام، والسبب في تبريز الشاميين قديمًا وحديثًا على من سواهم في الشعر، قربهم من خطط العرب ولا سيما أهل الحجاز؛ وبعدهم عن بلاد العجم، وسلامة ألسنتهم من الفساد العارض لألسنة أهل العراق بمجاورة الفرس والنبط ومداخلتهم إياهم، قال: إن شعراء الشام جمعوا بين فصاحة البداوة وحلاوة الحضارة. ونحن اليوم لا نعلم الزمن الذي اضمحلت فيه اللغة الفصحى من الأفواه، ولكننا على يقين من أن هذا اللسان بقي محروسًا (3) لم يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم والفرس والحبش والنبط وغيرهم من الأمم، فاختلطت الفرق وامتزجت الألسن وتداخلت اللغات وما انقضى عصر التابعين إلا واللسان العربي استحال أعجميا أو كاد، وقد قال عمارة اليمني (4) من أهل المائة السادسة: إن الزراب، الناحية الشرقية من المخلاف السليماني في اليمن، ما زال أهلها إلى عصره باقين على اللغة العربية من الجاهلية لم تتغير لغتهم؛ وذلك لأنهم لم يختلطوا قط بأحد من أهل الحاضرة في مناكحة ولا مساكنة، وهم أهل قرار لا يظعنون منه. وقال ياقوت: إن جبلي عكاد فوق مدينة الزرائب باليمن كان سكانه إلى القرن السابع باقين على اللغة العربية من الجاهلية لم تتغير لغتهم بحكم أنهم لم يختلطوا بغيرهم من الحاضرة. ويقول الرحالة بروكهارت : إن في اللغة العربية المحكية عدة لهجات مختلفة كل الاختلاف، وربما كان هذا الاختلاف مما يوجد من نوعه في لغات أخرى، وعلى الرغم من سعة البلاد التي يتخاطبون بها، أي من موغادور إلى مسقط، فإن كل من حذق لهجة واحدة يتيسر له أن يفهم جميع اللهجات، وقد يمكن أن يكون عرا التلفظ شيء من التأثير نشأ من طبيعة البلاد المختلفة، واحتفظت العربية بعذوبتها في أودية مصر والعراق، وغدت قاسية في البلاد الباردة من أرض البربر والشام، قال: وبقدر ما يصل إليه علمي، فإن الاختلاف شديد بين اللهجة المغربية في مراكش والبدوية في الحجاز على مقربة من مكة ولكن لهجاتهم الخاصة لا تخالف بينها، إلا كما تتخالف الألمانية التي يتكلمها فلاح من بلاد سواب وآخر من سكسونيا.
.........................................
1- البيان والتبيين للجاحظ
2- يتيمة الدهر للثعالبي.
3- النهاية لابن الأثير.
4- النكت العصرية في أخبار الدولة المصرية لعمارة اليمني.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|