أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-6-2019
1528
التاريخ: 20-10-2019
1794
التاريخ: 13-6-2021
2489
التاريخ: 2023-08-08
927
|
اشتد متعصبة الشعوبية في الحط من القرآن الكريم، وقالوا وهم الأعاجم الذين يصعب على أكثرهم أن يتفهموه ويتدبروه: إنه غير منظم ولا مبوب وإنه محتذى ومنقول، وإنه زيف مدخول، وإنه غير بليغ ولا فصيح، وبلغت القحة ببعضهم أن قالوا: إن فيه أغلاطا نحوية، وركاكات بيانية. هذا والقرآن أبلغ كتاب للعرب، ولولاه لما كان لهم أدب ولا شريعة: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)، عجز فصحاء العرب عن الإتيان بمثله مع أنهم خُصوا بالتحدي(1)، وكان للفصاحة عندهم المقام الأرفع فاعترفوا بعد جدال طويل: «أن(2) نظم القرآن على تصرف وجوهه واختلاف مذاهبه خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم، ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به ويتميز في تصرفه على أساليب الكلام المعتاد»، جعله(3) الله، كما قال علي بن أبي طالب(علية السلام)، ريًّا لعطش العلماء، وربيعا لقلوب الفقهاء، ومحاجًا لطرق الصلحاء ، وبرهانا لمن تكلم به، وشاهدًا لمن خاصم به، وفلجًا لمن حاج به، وعلمًا لمن وعى وحديثًا لمن روى، وحكما لمن قضى. القرآن أكبر معجزة للرسول؛ هو المرجع (4) حين يجد الخلاف، وهو أيضًا المعجزة الصريحة التي يعتز بها العقل، ويصح للمسلمين أن يواجهوا بها العالم غير مترددين، يحمل عدوه على الإيمان به والخشوع لديه، ولو صحت – لا صحت أراجيف الملحدين - من أن القرآن من إنشاء محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وال وسلم)، لكان محمد هذا أعظم رجل شهد هذا الوجود: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتُ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾، ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا ﴾ (5)، ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). فالقرآن بإعجازه يضرب الأمثال للحاضرين بالغابرين، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويشتمل على أنواع من الأعمال كلف بها العباد، (6) ومشروعات لتأمين الدعوة وهي الجهاد، ومشروعات لتكوين البيوت والأسرة، وهي ما يتعلق بالزواج والطلاق والأنساب والمواريث، ومشروعات لطريق المعاملة بين الناس، ومشروعات لبيان العقوبات على الجرائم وهي القصاص والحدود. هذا هو الكتاب الذي أخرج للناس فيه هدى لهم وتطهير لنفوسهم، وقواعد لقيام مجتمعهم، وتذكير لهم أبدًا بالمعاد، وليس القرآن كتابًا علميًّا يبحث في الكيمياء والفلك والطبيعيات وتقويم البلدان وتاريخ الإنسان، وإذا جاء فيه عرضًا بعض إلماع إلى ذلك فلا يصح دليلًا على أنه حوى كل علم على ما زعم بعضهم، وما القرآن إلا القانون الذي يحضّر الناس للحضارة، ويذكرهم بحياة ثانية إذا حسن التصرف في الأولى، تم ما وعد به المسلمون من الخير في الآخرة. قال جان جاك روسو في القرن الثامن عشر : « من الناس من يتعلم قليلًا من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ، ولو أ سمع محمدًا (صلى الله عليه وال وسلم) يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة، وذاك الصوت المقنع المطرب المؤثر في شغاف القلوب، ورآه يؤيد أحكامه بقوة البيان، لخرَّ ساجدًا على الأرض وناداه أيها النبي رسول الله خذ بأيدينا إلى مواقف الشرف والفخار، أو مواقع التهلكة والأخطار ، فنحن من أجلك نود الموت أو الانتصار.» وقال كارلايل في القرن التاسع عشر: «إن فرط إعجاب المسلمين بالقرآن وقولهم بإعجازه أكبر دليل على تباين الأذواق في الأمم المختلفة، والترجمة تذهب بأكثر جمال الصنعة وحسن الصياغة. وجاهر كلود فارير في القرن العشرين بأن «آيات القرآن جميلة وتحسن تلاوتها، فيها نفحة طاهرة عجيبة؛ لأنها تأمر بالشجاعة والصدق والأمانة، وتدعو إلى حماية الضعيف وإلى عبادة إله واحد.» نقتصر على رأي هؤلاء الثلاثة الحكماء في القرآن، وهناك كثيرون ذهبوا مذهبهم وقالوا بقولهم، وجاهروا غير مدلسين ولا موالسين، ويكفينا في بيان فضل الإسلام أن نعمد أيضًا إلى نقل كلام بعض علماء الإفرنج فيه، فقد قال ولز المؤرخ الإنكليزي: «كان الإسلام في أول أمره خاليًا من التعقيدات اللاهوتية التي طالما ارتبكت بها النصرانية، وأحدثت شقاقًا قضى على الروح النصراني، وليس للإسلام كهنة بل له علماء ومعلمون ووعاظ، وهو حافل بروح الرأفة والسخاء والإخاء، كما أنه ينطوي على عاطفة النجدة التي تنبت في الصحراء؛ ولهذا جاز إلى قلوب عامة الناس دون أن يجد ما يصده في غرائزهم.» وقال مونتيه (7) السويسري: «لما كان الإسلام دينا من الأديان أصبح قوة أدبية عظيمة جدا جديرة بالاحترام من وراء الغاية، ولذا تقضي الحال بأن تقوم الصلات مع أهله على أساس الإخاء والحب، وأهم الشروط في هذه الروابط الحسنة احترام الإسلام احترامًا مطلقًا، وإن هذا الدين بفضل ما نشره بعض الباحثين من العلماء المجرَّدين عن الأغراض، وما وقف عليه بعض أرباب الرحلات قد أصبح معروفًا في أوروبا معرفة تامة، وغدا يقدر قدره أكثر من قبل.» ا.هـ. ورأينا عظماء من الغربيين لا يذكرون الإسلام إلا بالتعظيم وعهدنا ببعض كبار رجال العقول من مؤلفيهم الذين اشتهروا بين العامة والخاصة كأناتول فرانس، أنهم لم يذكروا الإسلام بأقل تعريض في كتبهم الكثيرة، واستعملوا حريتهم في الكلام على دينهم الخاص؛ وهذا لأن العقل لا يجوز أن يخوض المرء عباب مسألة عظيمة، إن لم يكن استعد الاستعداد الكافي للنظر فيها بالدرس والتمحيص، ومن أعظم ما يُعاب به العالم أن يقول جزافًا، ويتكلم بلا وزن وروية، والعاقل من يحرص على أن لا تبدو مقاتله، ولا يستحي إن لم يكن عارفًا من قول «لا أدري»، وقد قالوا: إن لا أدري نصف العلم. وقال آرثر جلين ليونارد : (8) «يجب أن تكون حالة أوروبا مع الإسلام بعيدة من كل هذه الاعتبارات الثقيلة، وأن تكون حالة شكر أبدي بدلا من نكران الجميل الممقوت والازدراء المهين، فإن أوروبا لم تعترف إلى يومنا هذا بإخلاص طوية وقلب سليم بالدين العظيم، المدينة به للتربية الإسلامية والمدنية العربية، فقد اعترفت به بفتور وعدم اكتراث عندما كان أهلها غارقين في بحار الهمجية والجهل في العصور المظلمة فقط، ولقد وصلت المدنية الإسلامية عند العرب إلى أعلى مستوى من عظمة العمران والعلم، فأحيت جذوة المجتمع الأوربي وحفظته من الانحطاط، ولم نعترف ونحن نرى أنفسنا في أعلى قمة من التهذيب والمدنية بأنه لولا التهذيب الإسلامي، ومدنية العرب وعلمهم وعظمتهم في مسائل العمران وحسن نظام مدارسهم، لكانت أوروبا إلى اليوم غارقة في ظلمات الجهل.» قال: «هل نسينا أن التسامح الإسلامي كان يختلف اختلافًا شديدًا عن الحالة التي كانت عليها أوروبا إذ ذاك، هل نسينا أن الخلافة نشطت في أعظم أيام الانحطاط الروماني والفارسي، وأن السواد الأعظم من أوروبا كان في غشاوات الوحشية السوداء القاتمة، أتهمل أوروبا، حقدًا منها وإنكارًا للجميل، تلك الأعمال التي قام بها العرب وتركوها وراءهم في كتبهم، ألم نك ممن فقد نشاط العالم الإسلامي في عصره الذهبي العجيب، وذلك في عصوره الأولى ولا سيما في زمن العباسيين، وكيف ننسى الخسارة الفادحة التي جنيناها على آداب العرب، بل الجناية التي جنيناها على العالم أجمع، بتدميرنا عن جهل وغرور ألوفًا من كتبهم ساقنا إلى إبادتها التعصب النصراني، ألا يقال: إن أوروبا النصرانية بذلت كل ما في وسعها منذ قرون لتخفي يد العرب فيها، وسوف لا يطول الأمر حتى يعترف بهذه الصنيعة، دع أوروبا بل القارة النصرانية تعترف بخطئها، دعها تعلن للعالم أجمع غباوتها الغزيرة؛ لقلة إسداء الشكر الواجب عليها، إنها ستضطر بعد إلى الاعتراف بالدين الأبدي المدينة به للإسلام. وقال إدموند: يورك: «القانون المحمدي قانون ضابط للجميع، من الملك إلى أقل رعاياه، وهو قانون نسج بأحكم نظام حقوقي، وأعظم قضاء علمي، وأعظم تشريع منوّر، لم يسبق قط للعالم إيجاد مثله.» وقال جان مليا: (9) «من الواجب أن يطرح بعد الآن ما ادعاه في القرآن بعض المتفلسفين من الفرنسيس، فالقرآن تجب تلاوته بتؤدة وليس فيه ما يتهمه به الأعداء من أنه ملقن التعصب، والإسلام دين سماوي، وهو دين حب وعاطفة وشرف، وأكثر الأديان تساهلا.» يقول لبون (10) خلال كلامه على أن وحدة الإسلام الخلقية واحدة من أساسها؛ لأن الإسلام قام على كتاب واحد وهو القرآن: «إن هذا الكتاب قانون ديني وسياسي واجتماعي، وأحكامه نافذة منذ عشرة قرون.» قال: «ولقد انحلت بالتدريج السلطات السياسية الإسلامية من عهد المملكة العربية إلى دولة الأتراك الحديثة، وبقدر ما كان يتراجع سلطانها على البلاد كانت تفتح أرواحا ونفوسًا ... إن سذاجة الدين الإسلامي وإيمان المؤمنين به، قد أورثاه قوة، فهو يكتفي بقول لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قام بالدعوة إلى هذه الحقيقة، والمسلمون إخوة؛ لأنهم يعبدون إلها واحدًا وشريعتهم واحدة، يبغضون ما يبغضون ويحبون ما يحبون، ويجمع الحج كل سنة في مكة جماعات المؤمنين من كل صقع ولغة وعلى ما عرف به الشرع الإسلامي من الصلابة، قد أخذ يسير على قاعدة النشوء والارتقاء، وبعبارة أخرى على الأسلوب الأوربي، وإذا كره العلماء فتح باب الاجتهاد، فإنهم يعدلون الأحكام القرآنية في المسائل المهمة، وقد تم الإصلاح بمصر في هذا المعنى.» ا.هـ. وقال أيضًا: «إنه بفضل تجار من المسلمين يدخل في إفريقية ألوف من الوثنيين في الإسلام حتى ليكاد هذا الدين يمدنهم، وإن المسلم حيث يمر يترك أثرًا من دينه، وإن من الممالك ما لم يطأه المسلمون فاتحين فوطئها أناس منهم متجرين، مثل بعض أنحاء الصين وإفريقية الوسطى وروسيا والمسلمون في هذه الأقطار التي نزلها تجارهم أصبحوا يعدون بالملايين. وقال نقلا عن دوفال: إن الفتيشية (11) وعبادة الأصنام تزول من الأرض بفضل الإسلام، وكذلك الضحايا البشرية وأكل لحوم البشر، وبالإسلام تقدست حقوق النساء، وإن كان ذلك إلى حد أدنى بكثير من الحق المطلق، وزواج ثنتين قد هذَّب من حواشيه، وخفف من انتشاره، وتوطدت روابط الأسرة وأصبح العبد عضوا فيها، وأخذت الزكاة تطهر الأخلاق العامة وترقيها والشعور بالعدل والإحسان يتخلل القلوب وأنشأ سادة الشعوب يعرفون أن عليهم واجبات مثل ما على رعاياهم، واستقام المجتمع على أسس ثابتة، فإذا كان هناك كثير من سوء الاستعمال كما هو الحال عند غيرهم، فإن على العدل الإلهي عقابهم، والرجاء في حياة مستقبلة سعيدة هنيئة يرى منه تعزية كل من خانهم الدهر وظلمتهم الأيام، هذه بعض الحسنات التي تنتشر في كل مكان ينتشر فيه الإسلام في وسط المجتمعات المتمدنة. وقال: «إن قليلا من الأمم فاقوا العرب في المدنية، وما عُهد شعب نجح مثله هذا النجاح الباهر، في مثل هذه الحقبة الصغيرة من الدهر، وقد أنشأوا في باب الأديان دينًا من أعظم الأديان التي حكمت العالم، وكان تأثيره ولا يزال شديدًا؛ وأقاموا في باب السياسة مملكة من أعظم الممالك التي عرفها التاريخ، ومن حيث التأثير العلمي والأخلاقي مدنت العرب أوروبا، وقد قل في العناصر من بلغ مبلغهم كما قل في العناصر من نزل إلى درجتهم في السقوط. وقال فاليري: فرضت الأديان على من يدينون بها معتقدات ثقيلة يصعب القيام بأعبائها؛ لبعدها عن مدى الأفهام، على حين كان الإسلام عجيبًا في سهولته، صريحًا في فروضه، وهذا كان سببًا آخر في سرعة انتشاره بين الشعوب التي اضطربت أخلاقها كل الاضطراب، بما أصابها من الشك المضني بعقائدها الدينية، وهذا أيضًا كان ولا يزال السبب في انتشاره المتوصل بين الأمم المتوحشة في آسيا وإفريقية لنفوذه إلى أرواحهم، دون الحاجة إلى التطويل في شرحه والتلطف في الدعاية له.» ا.هـ. وقال جيبون: «جاءت الشريعة المحمدية عامة في أحكامها يخضع لها أعظم ملك وأقل صعلوك، فهي شريعة حيكت بأحكم منوال شرعي وليس لها مثيل في العالمين.» وقال ليودوروش: «إن الإسلام دين إنساني طبيعي اقتصادي أدبي، ولم أذكر شيئًا من قوانيننا الوضعية إلا وجدته مشروعًا فيه، بل إنني عدت إلى الشريعة التي يسميها جول سيمون «الشريعة الطبيعية»، فوجدتها كلها أخذت عن الإسلام، ثم بحثت عن تأثير هذا الدين في نفوس المسلمين، فوجدته قد ملأها شجاعة وشهامة ووداعة وجمالا وكرما، بل وجدت هذه النفوس على مثال ما يحلم به الفلاسفة من حب الخير والرحمة والمعروف في عالم لا يعرف الشر واللهو والكذب، فالمسلم ساذج لا يظن بأحد سوءا، ولا يستحل محرَّمًا في طلب الرزق؛ ولذلك كان أقل مالا من اليهود ومن بعض النصارى.» قال: «ولقد وجدت فيه حل المسألتين الاجتماعيتين اللتين تشغلان العالم طرا: الأولى؛ في قول القرآن (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فهذا أجمل مبادئ الاشتراكية، والثانية: فرض الزكاة على كل ذي مال، وتخويل الفقراء حق أخذها غصبًا، إن امتنع الأغنياء عن دفعها طوعا، وهذا دواء الفوضوية.» وقال ماسينيون: (12) «يمتاز الإسلام بأنه يمثل فكرة مساواة صحيحة بمساهمة كل فرد من أفراد الشعب بالعشر في موارد الجماعة، والإسلام يبذل التبادل غير المقيد، كما يناوئ بالعداء الأموال المصرفية (الربا)، والقروض الحكومية والضرائب غير المباشرة على ضروريات الحياة، في حين أنه شديد التمسك بحقوق الوالد والزوج والملكية ورؤوس الأموال التجارية، فهو بذلك يقف موقفًا وسطًا بين البورجوازية الرأسمالية والشيوعية البلشفية، وللإسلام ماض بديع من تعاون الشعوب وتفاهمها، وليس من مجتمع آخر له مثل ما للإسلام ماضٍ كله النجاح في جمع كلمة مثل هذه الشعوب الكثيرة المتباينة على بساط المساواة في الحقوق والواجبات، ولقد برهنت الطوائف الإسلامية الكبرى في إفريقية والهند والهند الشرقية والجماعات الصغيرة منهم في الصين واليابان على أن الإسلام يستطيع أن يوفق بين العناصر التي لا سبيل إلى التوفيق بينها.» وقال أحدهم(13) في الزكاة: « وكانت هذه الضريبة فرضًا دينيًّا يتحتم على الجميع أداؤه، وفضلا عن هذه الصفة الدينية، فالزكاة نظام اجتماعي عام ، ومصدر تدخر به الدولة المحمدية ما تمد به الفقراء وتعينهم، وذلك على طريقة نظامية قويمة، لا استبدادية تحكمية ولا عرضية طارئة، وهذا النظام البديع كان الإسلام أول من وضع أساسه في تاريخ البشرية أ عامة»، «فضريبة الزكاة التي كانت تجبر طبقات الملاك والتجار والأغنياء على دفعها لتصرفها الدولة على المعوزين والعاجزين من أفرادها، هدمت السياج الذي كان يفصل بين جماعات الدولة الواحدة ووحدت الأمة في دائرة اجتماعية عادلة، وبذلك برهن هذا النظام الإسلامي على أنه لا يقوم على أسس الأثرة البغيضة.» هذا، وقد رأينا بعض السفسطائيين ممن لا شأن لهم إلا المغالطة يدعون أن الإسلام لم يأتِ بجديد في الأديان، وأنه اقتبس من النصرانية واليهودية، وكيف يأتي دين الفطرة بجديد وهو يبتعد عن التعقيد فيما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم، فإذا أمر بالعدل والإحسان وأمرت بذلك الأديان الأخرى كيف يتأتى أن يقال: إنه اقتبس ذلك من غيره، وهل من سبيل إلى أن يحدث الدين الجديد شيئًا يُقال له عدل أو إحسان، ويكون عدلاً أو إحسانًا لا عهد به للناس وهل يؤوّل العدل على معنيين فيكون فيه العدل القديم والعدل الجديد، بل إن بعض الشعوبيين من الغربيين يدعون أن الإسلام أخذ حتى فقهه عن قانون يوستنيانوس الروماني، ومعلوم أن الفقه الإسلامي مأخوذ من الكتاب والسنة والإجماع والقياس بما لا يقبل الرد، وممن قال بهذا الرأي جولد صهير المجري (14) قال: إن العرب أخذوا من الفقه الروماني، وبنى قوله على الحدس والتخمين؛ ذلك لأن العرب كانوا في الفتح، كما زعم على حالة ابتدائية وكلهم أميون، فوجدوا في العراق والشام فقها، وفي إدارتها الخاصة فقها فأخذوه وتمثلوه، هذا رأي جولدصهير ولم يأتِ عليه بدليل، بل دليله الاستنتاج العقلي الخاص، وقد قابل سعيد الخوري (15) الشرتوني الفقيه اللغوي اللبناني بين القانون الروماني والفقه الإسلامي، وبيَّن الأصول التي استند إليها المسلمون في فقههم، فأسقط دعوى المدعين على الشرع المحمدي في مقالات له جودها، ورد بها كيد من كادوا للإسلام منذ أول ظهوره ، وما زالوا على كيدهم إلى هذا القرن، وبعد أن وضح الحق في هذه المسألة لا ندري إن كان المتفيهقون يعودون بعد إلى إثارة هذه الدعوى الباطلة، شأنهم في كثير مثلها، يقولون ما يعتقدون وما لا يعتقدون بالرأي المجرَّد عن البرهان، ويثيرونها فتنة شعواء مجاراة لحظوظ النفس.
..........................................
1- تحدى أقرانه إذا باراهم ونازعهم الغلبة، وتحدى صاحبه القراءة والصراع لينظر أيهما أقرأ وأصرع.
2- إعجاز القرآن للباقلاني.
3- نهج البلاغة المنسوب لعلي بن أبي طالب (عليه السلام).
4- الموازنة بني الشعراء لزكي مبارك.
5- الظهري: المعين، وصرفنا: بيَّنا، وكسفًا: قطعا، والزخرف: الذهب.
6- تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري.
7- الإسلام ملونتيه.
8- إيقاظ الغرب للإسلام لهيدلي، تعريب إسماعيل حلمي البارودي.
9- قرآن فرنسا لجان مليا. Jean Mélia: Le Coran Pour La France
10- النتائج الأولى للحرب لجوستاف لبون. Gustave Le Bon: Premières Conséquences de la guerre
11- الفتشية أو الفتيش هي عبادة الأوثان أو الحيوان، ويعتقد منتحلوها بالسحر والتعاويذ ويذبحون ً البشر ويسترق بعضهم بعضا، وقيل: إن أصل هذه اللفظة برتغالي.
12- من مقالة لمحمد حسني هيكل في السياسة.
13- من مقالة لماركس في المجلة الإسلامية الإنكليزية، عربتها جريدة الجامعة الإسلامية.
14- معلمة الإسلام، مادة فقه.
15- مجلة المقتطف: م29 ص،127 ،393 ،486 ،569 ،665 ،794 ،869 ،981،1025 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|