أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-4-2016
3121
التاريخ: 10-10-2014
2237
التاريخ: 2023-07-08
2592
التاريخ: 8-10-2014
2316
|
إن الذي لا يكون ـ نتيجة بعض العوامل كالنزعة الحسية ـ أهلاً للتعقل والتدبر ولا ينتقل من المحسوس إلى المعقول ومن ظاهر الأحداث إلى باطنها، ولا يعتبر من الوقائع التي تدعوا إلى الاعتبار، ولم يرسخ إيمانه واعتقاده عن هذا الطريق فلن يمنعه عن ارتكاب المعصية عند مواجهتها مانع، ولن يردعه عن نقض الميثاق الإلهي بعد إبرامه رادع.
ونتيجة لذلك وبسبب كثرة اجتراح المعاصي وتراكم نقض المواثيق ونكث العهود تستحوذ على أنحاء قلبه صلابة وقسوة فتختمه وتقفله، وفي نهاية المطاف لا ينبع الخير من داخل هذا القلب لتصدر منه البركة، ولا ينفذ إليه من الخارج كلام كي يقبل البركة: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] وإن ختم القلب بعد تراكم المعاصي شبيه بإقفال المخزن بعد امتلائه بالبضائع، إذ لا يعود فيه محل للمزيد من البضائع فيوصدونه بإحكام، ونظير الكتاب الذي يختم ويوقع بعد أن فرغ من كتابته ولم يبق فيه مجال خال لكتابة المزيد.
فالقلب الذي ختم عليه بسبب العناد واللجاجة لا يمكن بعدئذ إخراج ما فيه من عقيدة فاسدة أو خلق سيئ وما من سبيل لإيداع عقيدة صالحة أو خلق حسن فيه. والسر في عدم تدبر أصحاب مثل هذه القلوب في أنه قد أوصد الباب بوجه نفوذ المعارف والعقائد والأخلاق إليهم وإنه ليس بالإمكان ـ والباب موصد ـ إخراج شيء (العقيدة الباطلة) منه ولا إدخال شيء (العقيدة الصالحة) إليه.
فالقلب الذي اصبح اسود من تراكم الذنوب ولم يبق فيه مجال للتوبة فإنه يختم: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7] إن أصحاب القلوب المختومة كانوا يقولون للأنبياء: {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء: 136] ويقول فيهم عز من قائل: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]. على أية حال فإن ما يسبب الختم على القلب وقسوته هو نقض العهد، وبشكل عام معصية الله سبحانه وتعالى. على هذا الأساس نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى وبعد إشارته في سورة «المائدة» إلى العهود التي أخذها على بني إسرائيل يطرح نقضهم لها وينسب قسوة قلوبهم إلى نقضهم للمواثيق تلك: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 12، 13] وينقل عن لسان موسى الكليم (عليه السلام) في سورة «الصف» أنه قال لقومه: مع أنّ الحق قد اتضح لديكم وتعرفون أنني رسول الله إليكم فلماذا تؤذونني ولا تسمعون كلامي: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5] ثم يقول الباري تعالى في تفسير عدم قبولهم: (فلا زاغوا أزاع الله قلوبهم) إنَّ هؤلاء قد انحرفوا عن حكم الله بسوء اختيار منهم؛ ولأجل ذلك فقد حرف الله قلوبهم. كذلك يقول عز وجل في سورة «المائدة» بعد إحصاء بعض ذنوب المنافقين من قبيل الكذب والتحريف: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41]؛ أي إن أن يطهر قلوبهم بسبب كل تلك الانحرافات (والمراد من التطهير هنا هو التطهير التكويني للقلوب وإلا فإن التطهير التشريعي لها يتعلق بكل البشر؛ كما يستفاد من جملة: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] التي جاءت بعد الأمر بالوضوء والغسل والتيمم بدلاً عنهما) [1].
ملاحظة: ليس الأمر أن هذا الباب المغلق غير قابل للفتح؛ بل إن له مفتاحاً معيناً وجميع مفاتيح العالم هي بيد الله عز وجل: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الزمر: 63] فالله نفسه الذي يقفل ويختم قلب المجرم المتمرد هو أيضاً السادن الخفي والنهائي ومقلب القلوب وباستطاعته فتحه. فكما أن قبض القلوب وختمها وإقفالها بيد الله فإن بسطها وشرحها وفتحها أيضاً بيده تعالى. إذن فمن أراد أن يكون كالحجارة يتفجر من جوفه ينبوع أو يهبط ويتواضع من خشية الله فما عليه إلا أن يكون متقبلاً للتأثير كي لا يوصد قلبه بترسبات الذنوب والذي يرغب في انشراح قلبه الموصد يتعين عليه الارتباط بسادن الوجود والفتاح العليم: {وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سبأ: 26] ومقلب القلوب عبر التوبة والإنابة والنجوى. وذلك لأن مفاتيح القلوب هي بيد الباري جلت أسماؤه؛ وبتحريكها في اتجاه معين تتفتح أبواب الرحمة بوجه الإنسان {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96] وبتحريكها بالاتجاه الآخر يوصد كل الكون بوجه الإنسان؛ فلا يطرق أي باب إلا ويرجع خائباً مطأطئ الرأس؛ كما جاء بحق الكفار: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 40] أي مع أن الكفار يمتلكون الإمكانيات المادية كافة وأن ارتيادهم للفضاء أمر مشهود إلا أن أبواب السماء المعنوية التي يصعد إليها الدعاء وينزل منها الرزق الحقيقي للإنسان لا تفتح لهم.
طبعاً ـ كما مر سابقاً ـ فإن المراد من إسناد أمور كالضلالة، والانحراف، والقبض، والختم، والإقفال وإسناد الشرور بشكل عام إلى الله لا يعدو كونه إمساك الفيض والرحمة؛ أي إن ما يتسبب في إيصاد باب القلب هو سلب التوفيق وقطع الرحمة الخاصة: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] كما أن ما يتسبب في سلب التوفيق هو خطايا الإنسان نفسه؛ كما يستنتج ذلك من الجملة: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5] .
جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين إني قد حرمت صلاة النافلة بالليل. فقال أمير المؤمنين : «أنت رجل قد قيدتك ذنوبك» [2] ؛ أي إن ذنوبك هي التي سلبتك هذا التوفيق. وقال بعض الزنادقة لأبي الحسن الرضا : لم احتجب الله؟ فقال أبو الحسن: «إن الحجاب عن الخلق لكثرة ذنوبهم ...». قال: فلم لا تدرکه حاسة البصر؟ قال: «للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار، ثم هو أجل من أن تدركه الأبصار ...» [3]؛ والمعنى هو أن عين الظاهر لا تدركه أساساً وأن عين الباطن مريضة جراء الذنوب. كما ويستفاد من الآية التي مرت من سورة «المائدة» والتي تتحدث عن التيمم أن أداء التكاليف الإلهية والطاعة والعبودية هي عوامل لطهارة الروح وانفتاح القلب وإن هذه الروح الطاهرة والقلب المنفتح هما القادران على الاتصال بالكتاب الإلهي الذي لا يمسه إلا المطهرون.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|