أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-1-2017
2391
التاريخ: 2023-08-16
1139
التاريخ: 28-8-2021
2821
التاريخ: 17-7-2022
1817
|
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف المتقين وشيعته المؤمنين وكان يواصل كلامه في خطبته ووصفه لهم: (يعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرمَهُ، ويصل من قطعه، بعيداً فحشه) (1).
إن هذه الصفات الأربعة التي ذكرها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفات المتقين وشيعته المخلصين هي صفات مرتبطة بالوضع الاجتماعي، وكيف كان المتقون يعاملون غيرهم من سائر الناس وبالأخص من يختلف معهم ويعاديهم، وهذه المعاملة والسلوكيات تشكل حجر الزاوية في حياتهم بمعنى أنها من أبرز صفاتهم التي اتصفوا بها وهي لا تفارقهم وهم لا يفارقونها إلا أن يفارقهم الإيمان والتقوى والصلاح وأن ذلك، وحينئذ لا يحتاج المرء إلى التدليل على أصل هذه المفاهيم ما دام قد طرحت في القرآن الكريم بشكل وآخر فالحديث عنها من باب الشرح والتوضيح لا غير.
هذه الصفات رمز العزة
وهكذا يتبين لنا مدى أهمية هذه الصفات في حياة المتقين حتى انعكست على سائر المسلمين وأصبحت رمز عزتهم وكرامتهم كما جاء عن جابر الجعفي:
عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: ثلاث لا يَزِيدُ الله بهِنَّ المَرء المُسْلِمَ إلا عزاً: الصَّفَحُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَإعْطاءُ من حرمه، وَالصَّلَةُ لِمَنْ قطعه (2).
أصبحت هذه المكارم عندما تترجم إلى الحياة العملية رمز عزتهم وكرامتهم ويرفعون بها رؤوسهم ويتقدمون بها على بقية الأمم ويسبقون من ينادي بحقوق الإنسان والسلم الأهلي.
هذه الصفات خير خلائق الدنيا والآخرة:
لا شك أن هذه الصفات هي بلسم وعلاج للأمراض النفسية والاجتماعية التي لا تزال تفتك به وحولته إلى طعمة سائغة للمستعمرين والمستكبرين والجهلة والمغفلين الذين يتربصون به الدوائر من حيث يشعرون أو لا يشعرون، ولذلك ركزت الشريعة الإسلامية على هذه الصفات ودعت الناس عموماً والمؤمنين والمتقين خصوصاً للالتزام بها وتطبيقها عملياً وجعلها ملكات نفسانية ثابتة تتحرك في كيان الإنسان طبيعياً بلا تكلف وحينئذ فلا غرو إذا أطلق عليها معلم الأخلاق وأكمل إنسان أنها خير خلائق الدنيا والآخرة.
والخلائق جمع، مفردها: الخليقة، وهي الطبيعة. قال لبيد:
فاقنع بما قسم المليك فإنما قسم الخلائق بيننا علامها (3)
وقال الراغب: الْخَلاقُ: ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه، قال تعالى: {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102]، وفلان خليق بكذا، أي: كأنه مخلوق فيه، ذلك كقولك: مجبول على كذا، أو مدعو إليه من جهة الخلق (4).
هذه الصفات خير اخلاق الدنيا والآخرة
وعبرت عنها بعض الروايات أنها خير أخلاق الدنيا والآخرة كما عن أبي إسحاق السَّبِيعي رَفَعَهُ، قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): أَلَا أَدلكُمْ على خير أخلاق الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ تصل مَنْ قطَعكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرمَكَ، وتعفو عمن ظلمك (5).
فاذا كانت هذه خير اخلاق الدنيا والاخرة وجمعت سعادة الدارين لكل من مارسها الا تستحق ان تكون معلماً من معالم هذه الامه ومفخرة لشريعتها الغراء؟! انها خير من الدنيا وما فيها.
هذه الصفات من مكارم الدنيا والآخرة
عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): ثَلَاث مِنْ مَكَارِمِ (6) الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: تَعْفُو (7) عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتَحْلُمُ (8) إِذَا (9) جُهِل عليك (10)، (11).
إنها أساس الفضل والفضائل
الإسلام جعل جهاد النفس هو الجهاد الأكبر وجعل الجهاد في ساحة المعركة المسلحة هو الجهاد الأصغر بالرغم مما يتعرض له المجاهد من سفك دمه وتلف مهجته في سبيل أهدافه الرفيعة وتحقيق الحق وإزهاق الباطل، ولكن جهاد النفس والسيطرة عليها وكبح جماحها أصعب من الجهاد الأصغر، إن هذه الصفات من أبرز مصاديق الجهاد الأكبر وكسب الفضائل فإن العفو عمن ظلمنا لم يكن بالأمر الهين إنه يحتاج إلى ملكة يتمكن الإنسان أن يسيطر بها على نفسه ويخالفها فيما تميل إليه وتشتهيه إنه موقف صعب مستصعب ويحتاج إلى صدمة قوية وصعقة إلهية يتمكن بعدها إن يحفظ توازنه وقواه ومشاعره، وهكذا بقية الصفات فإذا ما تمكن المؤمن من الثبات والانتصار على هواه ورغباته النفسية فقد أصلح نفسه ومجتمعه وأدى رسالته في الدنيا وأما في الاخرة فإن موعده الجنة والسعادة الأبدية كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي حمزة الثمالي:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، جَمَعَ اللهُ - تَبَارَكَ وتعالى - الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ أَهْلُ الْفَضْلِ؟
قَالَ: فَيَقُومُ عُنُقٌ (12) مِنَ النَّاسِ، فَتَلَقَّاهُمُ (13) الْمَلَائِكَةُ، فَيَقُولُونَ: وَمَا كَانَ فَضْلُكُمْ؟
فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَصِلُ مَنْ قَطَعْنَا، وَنُعْطِي مَنْ حَرَمَنَا، وَنعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَنَّا قَال:
فَيُقَالُ لَهُمْ: صَدَقْتُمُ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ (14)، (15).
لقد دعا أهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم ومحببهم للتمسك بهذه الصفات وحثوهم عليها كما دعوهم إلى التمسك بمكارم الأخلاق وأن مفهم التشيع مرتبط بهذه المفاهيم وتطبيقها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ هذا النص متطابق مع نسخة الدكتور نصيري المؤرخة 494 هـ وهي الأصل، ومع نسختنا المؤرخة 736 هـ.
2ـ الكافي (الطبعة الحديثة)، ج 3، ص 282، الحديث 1797، وفي الطبع القديم ج
2، ص 109، الوافي، ج 4، ص 438، ح 2282، الوسائل، ج 12، ص 173، ح 15996، البحار، ج 71، ص 403، ح10.
3ـ الصحاح للجوهري، ج 4، ص 210، مادة خلق.
4ـ المفردات في غريب القرآن، ص 297.
5ـ الكافي (الطبعة الحديثة)، ج 3، ص 277، الحديث 1789، باب 53، باب العفو، وفي الطبع القديم ج 2، ص 107، الزهد، ص 105، ح 107، عن ابن ابي البلاد، عن أبيه رفعه، مع اختلاف يسير وزيادة في أخره، تحف العقول، ص 45، الوافي ج 4، ص 437، ح 2281، البحار، ج 71، ص 399، ح 2.
6ـ في الفقيه: + (الأخلاق في).
7ـ في الفقيه: (أن تعفو).
8ـ في (ف): + (من). وحلم حلماً: صفح وستر، فهو حليم. المصباح المنير، ص
148 (حلم).
9ـ في الفقيه: (عمن) بدل (إذا).
10ـ هو يجهل على قومه: يتسافه عليهم، أساس البلاغة، ص 67 (جهل).
11ـ الكافي (الطبعة الحديثة)، ج 3، ص 278 الحديث 1790، باب 53 - باب العفو، وفي الطبع القديم ج 2، ص 107 الفقيه، ج 4، ص 356، ضمن الحديث الطويل 5762، بسند آخر عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) الأمالي للطوسي، ص 644، المجلس 2، ح 23، بسند آخر، مع اختلاف يسير وزيادة في أوله، الأمالي للصدوق، ص 280، المجلس 47، ح 10، معاني الأخبار، ص 191، ح 1، وفيهما بسند آخر، مع اختلاف الوافي، ج 4، ص 438، ح 2283، الوسائل، ج 12، ص 173، ح 15995، البحار، ج 71، ص 399، ح 3.
12ـ (العنق): الجماعة من الناس، والرؤساء. القاموس المحيط، ج 2، ص 1210(عنق).
13ـ في حاشية نسخة (بف) والوسائل والزهد: (فتتلقاهم).
14ـ في الوافي: هذه الخصال فضيلة وأية فضيلة، ومكرمة وأية مكرمة، لا يدرك كنه شرفها وفضلها؛ إذ العامل بها يثبت بها لنفسه الفضيلة، ويرفع بها عن صاحبه الرذيلة، ويغلب على صاحبه بقوة قلبه، يكسر بها عدو نفسه ونفس عدوه، وإلى هذا أشير في القرآن المجيد بقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } [المؤمنون: 96]، يعني السيئة {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [فصلت: 34]، ثم اشير إلى فضلها العالي وشرفها الرفيع بقوله (عز وجل): {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35]، يعني من الإيمان والمعرفة.
15ـ الكافي (الطبعة الحديثة)، ج 3، ص 279، الحديث 1791، باب 53- باب العفو، وفي الطبع القديم ج 2، ص 107، الزهد، ص 170، ح 253، عن محمد بن أبي عمير، مع زيادة في آخره الوافي، ج 4، ص 438، ح 2284، الوسائل، ج 12، ص 172، ح 15994، البحار، ج 71، ص 400، ج 4.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|