أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-18
1040
التاريخ: 2023-07-13
803
التاريخ: 2023-07-17
673
التاريخ: 2023-07-05
835
|
حاول الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي (توفي 1354 هـ / 1936 م) أن يقدم لنا نظرية علمية جديدة مختلفة تمامًا عما قد طرحه العلماء العرب السابقون. فقد حاول الزهاوي من خلال أطروحته الجديدة في الجاذبية الثقالية والتي أودعها في كتابه «الجاذبية وتعليلها»، تفسير ظاهرة المد والجزر، معتمدًا بذلك بالأساس على نظريته في تفسير الجاذبية، والتي أراد أن يُخالف فيها نظرية نيوتن في الجاذبية العامة. إذْ يرى الزهاوي أن التجاذب والتدافع بين الأجسام ليس بسبب جذب المادة للمادة، وإنما يحدث بسبب دفعها لها بسبب ما تُصدره من الإلكترونات؛ 135 فالزهاوي عاصر اكتشاف الإلكترون عام 1897 م على يد الفيزيائي البريطاني جوزيف جون طومسون (توفي 1940 م) J.J Thomson، ويبدو أنه تأثر كثيرًا بهذا الاكتشاف، وهو ما شجعه لتقديم نظريته بحيث إنها تشمل كل شيء، نظرًا لأن الإلكترون جسيم موجود في كل شيء.
وسنورد فيما يأتي تفسيره لظاهرة المد والجزر الذي نشره في مجلة العلم عام 1910 م اعتمادًا على نظريته السابقة. ونستشف من هذا الرأي عدم معرفته أو قراءته للتراث العلمي العربي بشكل دقيق؛ فهو ينفي عنهم تفسيرهم للظاهرة، ويعتبر أن المعاصرين له بين القرنين التاسع عشر والعشرين كانوا على خطأ في تفسيرها. ويظن أن تفسيره هو الصحيح ضاربًا بالكثير من الأدلة عرض الحائط، ومتمسكًا بنظريته في الدفع.
قال الزهاوي: «إن المد الذي يشاهد على وجه البحر يصح أن يُسمَّى ظاهرة طبيعية وفلكية في وقت معًا، فإن ظهوره في الأرض وسببه في السماء. قد علم منذ القديم أن للمد علاقة بالقمر، ولكن القدماء لم يُعنوا بتعليله والمحدثين أخطئوا في وجه تعليله. أرادوا تعليل ما يحدث على وجهي الأرض من المدين المتقابلين في وقت واحد فقالوا إن القمر مثلا يجذب ماء الأرض خمسة أقدام؛ لأنه قريب منه ويجذب الأرض تحته قدمين ونصف قدم؛ لأنه بعيد عنه، ولا يجذب ماء الأرض على وجهها الثاني؛ لأنه أبعد عنه من الأرض فينتج من هذين الجذبين المتفاوتين أن الماء يعلو على الأرض في كل وجه قدمين ونصف قدم. وعللوا كون مد القمر أكبر من مد الشمس بقولهم إن المد ناتج من الفرق بين الجذب لماء البحر والجذب للأرض التي تحته، فإن القمر يبعد عن سطح الماء نحو 24000 ميل، 136 وعن مركز الأرض أكثر من ذلك بنحو أربعة آلاف ميل (هو نصف قطر الأرض)، فالفرق 1-60 من بعد القمر، ولكن هذه المسافة أي 4000 ميل لا تبلغ إلا نحو 1-24000 من بعد الشمس عن الأرض، فالفرق في البعد بالنسبة إلى القمر أكبر من الفرق في البعد بالنسبة إلى الشمس 400 ضعف، ولكن جاذبية الشمس للأرض لا تفوق جاذبية القمر لها إلا 180 ضعفًا، فينبغي فعله أشد من فعلها على نسبة 400 إلى 180، وهذا هو سبب كون فعل القمر بالمد أشدَّ من فعل الشمس به.» 137
ثم يقدم لنا الزهاوي اعتراضاته على التفسير السابق حيث قال: «اعتراضاتنا على تعليلهم: أما قولهم إن القمر يجذب الماء الأقرب إليه خمسة أقدام 138 ويجذب الأرض تحته قدمين ونصف ولا يجذب الماء الأبعد، فبعيد عن الصواب؛ لأن الواجب هو أن يجذب القمر الماء الأبعد نصف جذبه لنفس الأرض، وهو قدم وربع قدم، كما أنه يجذب الأرض نصف جذبه للماء الأقرب، وحينئذ لا يكون المدان المتقابلان متساويين، والواقع خلاف ذلك، بل الواجب ألا يحدث مد مقابل؛ لأن الأرض تجذب بنفسها الماء الأبعد، فهي تؤيد القمر الذي يجذبه نصف جذبه للأرض. ولأن انفصال الأرض في كل حين عن مائه الأبعد مقتربة منه يستلزم أن تصطدم الأرض بالقمر منذ عهدٍ بعيد؛ لأن المد دائم الحدوث على وجه الأرض، اللهم إلا إذا أنكروا انفصال الأرض عن الماء الأبعد وحينئذ لا يبقى وجه للمد المقابل. ومن المعلوم أن المدين يكونان على معظمهما عند اقتران القمر بالشمس أو استقبالها. ونحن نجد لعظم المدين في الاقتران وجها لا نجده له في الاستقبال، فإن المد المقابل على زعمهم هو ناتج عن انفصال الأرض عن الماء إلا بعد اقترابها من الجرم المسبب له، ولكن الأرض إذا اقتربت إلى القمر لم تقترب من الشمس، وإذا اقتربت إلى الشمس لم تقترب من القمر، وهل يجوز أن يدنو الجسم من جرمين متقابلين في وقت معا؟!
وأما تعليلهم لكبر مدّ القمر وصغر مدِّ الشمس بأن الفرق في بعد القمر عن ماء البحر وعن مركز الأرض أكبر منه في بعد الشمس عنهما فإنه يقتضي أن تجذب الشمس الماء الأقرب والأرض أكثر من جذب القمر لهما، ولكن بتفاوت أقل وهو معقول إذا نظرنا إلى قوة جاذبية الشمس، ولكنه مُفض إلى حدوث مد مقابل كبير. والواقع خلافه، وإذا قيل إن الشمس تجذب الماء الأبعد كذلك بتفاوت أقل، قُلنا وجب على هذا أن تكون الأرض قد اصطدمت بالشمس قبل ملايين من السنين. إلا إذا قالوا إن حركة الأرض في فلكها تقاوم جذب الشمس، فأقول لماذا لا تقاوم هذه الحركة جذب القمر لها فإن جذبه أضعف.» 139
بعدها يُحاول الزهاوي أن يؤكد على صحة رأيه فيقول: «اغتر المحدثون بالظواهر فأخطئوا في تعليل المدين بأن القمر يجذب ماء الأرض الأقرب كثيرًا، ويجذب الأرض تحته أقل. والصواب أن القمر أو الشمس لا يجذب ماء الأرض بل المد ظاهرة كهربائية تتولد من دفع القمر أو الشمس لوجه الأرض الأقرب ومن جذبه لوجه الأرض الأبعد، فتهبط الأرض من الوجهين ويعلو الماء عليهما وذلك هو المدان المتقابلان.
ونقول إيضاحًا لما تقدَّم إن القمر يدور حول الأرض مثل دورانها كما أن الأرض تدور حول الشمس، كذلك فتكون حركتها مماثلة لحركة وجه الأرض الأقرب ومخالفة لحركة وجهها الأبعد، وهذه الحركة هي كهربائيتها والكهربائية تدفع المماثلة وتجذب المخالفة، فالقمر أو الشمس يدفع وجه الأرض الأقرب ويجذب وجهها الأبعد، ولا يدفع الماء الأقرب ولا يجذب الماء الأبعد؛ لأن الماء موصل جيد للكهربائية فيعلو الماء على وجهي الأرض؛ لأن الأرض فيهما تحته تغور. وهناك مثال لما نحن في صدَدِه هو أن الأرض عند حدوث الزلزلة قد تغور في السواحل بفعل الكهربائية ويعلو عليها الماء فيجيء موجه مثلما يجيء موج المد ويغمر اليابسة ويُغرق البلاد.» 140
أخيرًا يُحاول أن يجيب عن تساؤل لماذا يكون المد الناجم عن القمر أكبر من المد الناجم عن الشمس؟ فيقول: «الشمس وإن بعدت عن الأرض أكثر من القمر يبقى فعلها بالأرض أكثر من فعل القمر لكثرة مادتها، فكان الواجب أن يكون مدُّها أكبر من مده والواقع خلافه. فنقول: مُجيبين إن دفع القمر يأتي كله في صورة كهربائية عادية تدفع الوجه الأقرب من الأرض ولا تدفع الماء؛ لأنه موصل لها، ودفع الشمس يأتي في ثلاث صور؛ اثنتان منها هما النور والحرارة والثالثة هي الكهربائية العادية، والماء للأوليين ليس بمُوصل فهما يدفعانه فلا يعلو، وهو للصورة الثالثة وهي الكهربائية العادية موصل فهي تدفع الأرض ولا تدفع الماء فيعلو والنور والحرارة يُخففان فعل كهربائية الشمس في دفعها الأرض وعدم دفعها الماء؛ ولذلك كان من القمر أكبر من مد الشمس.» 141
___________________________________________________
هوامش
(135) انظر المقالة بقلم الزهاوي نفسه عن الجاذبية، مجلة العلم، ج 8، مجلد 2، النجف، 1912 م، ص 346 وما بعد.
(136) الميل المستخدم هنا يقصد به الميل الأمريكي ويعادل 1600 متر.
(137) الزهاوي، جميل صدقي، المد وتعليله مجلة العلم، ج 8، المجلد 1، العدد 1، النجف، 1910 م، ص 342 - 343.
(138) تعادل وحدة القدم 30 سنتيمترا.
(139) الزهاوي، جميل صدقي، المد وتعليله، ص 343-344.
(140) المرجع السابق نفسه، ص 345.
(141) الزهاوي، جميل صدقي، المد وتعليله، ص 345-346.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|