شرح (اللهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ). |
2740
02:01 صباحاً
التاريخ: 2023-07-11
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-17
200
التاريخ: 2023-12-05
1031
التاريخ: 2023-10-09
985
التاريخ: 2024-09-13
262
|
(اللّهُمّ):
أصله: «يا الله»، فحذفت كلمة «يا» وعُوّض عنها الميم المشدّدة، تفخيماً وتعظيماً له تعالى. قال الشيخ أبو علي (رحمه الله): «الميم فيه عوض عن «يا»، ولذلك لا يجتمعان، وهذا من خصائص هذا الاسم، كما اختص «التاء» في القَسم» (1).
وقال الفرّاء: «أصل «اللهم» يا الله آمنّا بالخير، أي اقصدنا به، فخّفف بالحذف؛ لكثرة الدوران علىٰ الألسنة» (2).
والشيخ الرضي (3) ردّ هذا الكلام بأنّه يقال أيضاً: اللهم لا تؤممهم بالخير.
و«الله» قيل (4): هو غير مشقق من شيء، بل هو علم لزمته الألف واللام.
وقال سيبويه: «هو مشتق، وأصله: إلٰه، دخلت عليه الألف واللام فصار: الإله، ثم نُقلت حركة الهمزة إلى اللام، وسقطت فبقي (الله)، فأُسكنت اللام الأولى واُدغمت، وفُخّم تعظيماً، لكنّه ترقّق مع كسر ما قبله» (5).
ويؤيّد كلام سيبويه ما ورد في بعض الأخبار، ومنه قوله (عليه السلام): (يا هشام الله مشتق من إله، والإله يقتضي مألوهاً) (6)، (كان إلها إذ لا مألوه) (7).
وذكر صدر المتألّهين السبزواري (رحمه الله)، في ابتداء شرح دعاء الصباح كلاماً يدلُّ علىٰ عدم اشتقاقه من شيء، فإنّه قال: «أصل «الله»، كأن الهاء المستديرة؛ لمناسبة أنَّ الدائرة أفضل الأشكال وأصلها، وأنّها لا نهاية لها؛ إذ الخط ينتهي بالنقطة وهي طرف الخط، ولا طرف للدائرة، وأنّ البدء والختم فيها واحد، وقد تكتب بالدائرتين إشارة إلى الجمال والجلال، وقد تكتب بدائرة واحدة إشارة إلى أنّ صفاته الحقيقية عين ذاته تعالى. هذه هي المناسبة بحسب الرسم والكَتْب.
وأمّا المناسبة بحسب اللفظ والنطق، فلأنّها جارية علىٰ أنفاس الحيوانات كلّها، سواء كانت أهل الذكر والعلم بالعلم التركيبي أو بالعلم البسيط ثم اُعرب بالضمّة، إشارة إلى ترفّع المسمّى، ثم تارةً اُشبع، إشارةً إلى أنّه تعالى فوق التمام، وأنّه فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى عدّة ومدّة وشدّة، فصار بالإشباع (هو) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وتارة اُدخل عليه لام الاختصاص والتمليك، فصار: (له) فـ {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ثم اُشبع فتح اللام، إشارة إلى أنّه من عنده الفتوح التامّ، فصار (لاه) ثمّ اُدخل عليه لام التعريف إشارة إلى أنّه تعالى معروف ذاته لذاته ولما سواه {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] فصار (الله)» (8) انتهى كلامه.
ثمّ إنَّ العلماء أطبقوا علىٰ أنَّ هذا الاسم الشريف هو الاسم الأعظم، وفيه أسرار لا تعدّ ولا تحصى؛ لأنّه ـ علىٰ الأصح ـ عَلَم للذات المقدّسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنىٰ.
وفي الحديث: سُئل عليهالسلام عن معنى (الله) فقال: (استولى علىٰ ما دقّ وجلّ) (9) وفيه أيضاً: (الله معنىً يُدلّ عليه بهذه الأسماء، وكلّها غيره) (10).
أراد (عليه السلام) أنّ سائر الأسماء معانيها مشمولة للذات الواجبة الجامعة لجميع صفات الكمالات، التي هي مسمّى الاسم (الله) بخلاف تلك الأسماء، فإنّ كلاً منها يدلّ علىٰ الذات ولكن لا مطلقاً، بل ملحوظاً بتعيّن من التعيّنات النوريّة، وسيأتي توضيح ذلك عند قوله: (وبأسمائك التي ملأت أركان كلّ شيء)، إن شاء الله تعالى.
(إنّي):
أثبت السائل لنفسه الإنسية، إشعاراً بأنّه ممسوس في إنسية النيات، كما ورد: (إنّ عليّاً ممسوس في الله) (11) أو إشارة بأنّه ممسوس بالوجود، والوجود إشراق الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35].
وهذا الامتصاص من أعظم النعماء التي أنعمه الله بها، فحدّث بهذه النعمة العظمى والمنّة القصوى، امتثالاً لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]
هذا، وإن كان إثبات الإنسية للنفس من أعظم الخطايا عند أصحاب الحقيقة وأرباب العيان ... من باب: (حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين) (12).
وبالإضافة وتوضيح المقام: أنّه لمّا كان المقام مقام التضرّع والابتهال ـ كما قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] وقال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] ـ أشار السائل إلى أنّه في أسئلته ودعواته ليس ممّن كتم ما أنعمه المنعم وتكدّى في ازدياد النعمة ضمنة وولعاً وإمساكاً وهلعاً، بل اعترف في أوّل الأمر وابتداء الحال بأنّه من المستغرقين في آلائه تعالى، ومن المتخلّعين بخلعه الفاخرة، من الوجود والحياة والقدرة والعلم والعرفان، وغيرها من لواحق الوجود التي دارت معه حيثما دار ... كمن لبس ثياب الخلعة، وقام عند منعمه تعظيماً لإكرامه، وحامداً لأنعامه، قائلاً بلسان حاله الذي هو أفصح من لسان قاله، بل أصدق منه: ربّ (لا اُحصي ثناء عليك، أنتَ كما أثنيتَ علىٰ نفسك) (13).
وبالجملة، ففي أمثال هذا المقام إن أثبت السائلون لنفوسهم الإنسيّة فعلى ضرب من المجاز؛ لأنّه ـ كما حقّق في موضعه ـ شيئيّة الشيء كانت بصورته وتمامه، وتماميتها بفاعله وعلّته، كما قال الحكماء: نسبة الشيء إلى فاعله بالوجوب والوجدان، وإلى قابله بالإمكان والفقدان.
ومن المعلوم أنّ فوق التمام وعلّة العلل وفاعل الفواعل هو الحقّ الأوّل الجاعل تعالى شأنه، فالإشارة إلى النفس في الحقيقة إشارة إلى مقوّمها، سواء كان المشير من ذوي الاستشعار بهذا أم لا...
(أسألك):
السؤال يستعمل في الداني بالنسبة إلى العالي، بخلاف الالتماس فإنّه يستعمل في المساوي، وأمّا في العرف فاشتهر بعكس ذلك.
(بِرَحْمَتِكَ التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ):
المراد بالرحمة هنا: الوجود المطلق الذي هو قسم من مطلق الوجود والمشيئة الفعليّة... والوجود المنبسط والفيض المنبسط الذي فاض علىٰ كلّ الماهيات والأعيان الثابتات المرحومة بها، والفيض المقدس؛ لأنّه بذاته عارٍ عن أحكام الماهيّات، كما أنّ ظهور ذاته تعالى بالأسماء والصفات في المرتبة الواحديّة يسمى بالفيض الأقدس، لا ما هو عبارة عن رقّة القلب؛ لأنَّ استعمالها خاصّ بالممكن، يقال: فلان رحيم، أي رقيق قلبه، يعني: إذا رأى فقيراً مثلاً ـ وهو ذو النعمة والسعة ـ يترحم عليه بالإعطاء.
ومن ألقاب ذلك الوجود المطلق الذي عبّرنا به عن الرحمة: النفس الرحماني، والإبداع، والإرادة الفعلية، والحقيقة المحمدية.
بيان مراتب الوجود:
وتحقيق ذلك: أنّ للوجود مراتب مختلفة بالشدّة والضعف: الوجود الحقّ، والوجود المطلق، والوجود المقيّد.
فالأول: هو الوجود المجرّد عن جميع الأوصاف والألقاب والنعوت.
والثاني: هو صنع الله وفيضه القدس، ومشيئته الفعلية، ورحمته الواسعة، وإبداعه وإرادته الفعلية، والنفس الرحمانيّة، وعرش الرحمن، الماء الذي به حياة كلّ شيء، وكلمة (كن) التي أشار إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (إنّما يقول لما أراد كونه: كن فيكون، لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع) (14) وفعل الله، وبرزح البرازخ، وغير ذلك من الأوصاف والألقاب.
والثالث: أي الوجود المقيّد: وهو أثره تعالى، كوجود العقول والنفوس، والملك والفلك والإنسان والحيوان، وغير ذلك.
أقسام الرحمة:
فإذا عرفت هذا، فاعلم أنَّ الرحمة رحمانيّة ورحيميّة، وهي مختصة بأهل التوحيد، وهم العالمون بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر.
وبالجملة، الذين هداهم الله إلى صراط مستقيم، وعرّفهم توحيده وأنبياءه وأولياءه وما جاء به النبيون.
والرحمة الرحمانية لا تختصّ بشيء دون شيء، بل هي وسعت كلّ شيء، ومرحومة بها جميع الماهيات، من الدرّة البيضاء إلى الذرّة الهباء، حتّى أنّ الكافر والكلب والخنزير وإبليس، وكلّ ما تراه في غاية القذارة والحقارة والملعنة أيضاً مرحومة بها؛ إذ تلك الرحمة أمر الله الذي يأتمر به كلّ موجود، وكلام الله الذي لا خالق ولا مخلوق، وفعل الله الذي اشتمل علىٰ كلّ المفاعيل، وخطاب الله المتخاطب به جميع الأعيان الثابتة، وصنع الله الذي كلٌّ مصنوع بذلك الصنع.
فمن كان له عقل صريح وقريحة مستقيمة بعلم أنَّ الصانع هو الله، والصنع ذلك الوجود، والمصنوع الموجودات، وكذلك الآمر والأمر والمؤتمر، والخالق والخلق المخلوق، والمتكلم والكلام والمخاطب، والرحمن والرحمة والمرحوم، وهكذا، وفي الحديث القدسي قال: (رحمتي تغلب علىٰ غضبي) (15)، يعني: تعلّق إرادته تعالى بإيصال الرحمة أكثر من تعلّقها بإيصال العقوبة، فإنَّ الرحمة من مقتضيات صفة الرحمانيّة والرحيميّة، والغضب ليس كذلك، بل هو باعتبار المعصية.
وفي الحديث: (إنّ الله تعالى مائة رحمة) (16).
أقول: كأنّه (عليه السلام) أراد الكثرة لا تحديد إذ علمت أنَّ رحمته تعالى صفته، وصفات الله كلّها غير متناهية، فإنّه حُقّق في موضعه أنَّ صفاته الحقيقية عين ذاته تعال، وذاته غير متناهية عدّة ومدّة وشدّة، فكذلك صفاته غير متناهية.
ثم إنَّ الشيء في قوله: (كُلَّ شَيء) بمعنى: مشيء وجوده وهو الماهية؛ إذ هي مشيء وجودها.
والباء في قول السائل: (برحمتك ...) إلى آخره، للاستعانة، ويجوز أن تكون للسببية، وفيه إشارة إلى أنّه مرحوم بكلتا الرحمتين.
أمّا بالرحمة الرحمانية، فوجوده ومشاعره وأعضاؤه وجوارحه جميعاً شاهدة علىٰ مرحومتيه ومرزوق يته من الله تعالى، إذ ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام حين سُئل عن الرحمن، قال: (الرحمن هو الذي يرحم ببسطه الرزق علينا، والرحيم هو العاطف علينا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا، وخفّف علينا الدين فجعله سهلاً خفيفاً، وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه) (17).
بيان أرزاق الموجودات:
اعلم أنّ جميع الموجودات مرزوقة من الله تعالى، كلٌّ علىٰ حسب ما تقتضيه العناية الإلهية، فرزق العقول الكلّية هو مشاهدة جمال الله تعالى وجلاله، والالتذاذ بالاستغراق في تجلّياته وإشراقاته.
ورزق النفوس: اكتساب الكمالات، واقتناء العلوم والصناعات.
ورزق الأملاك: التسبيح والتهليل والتقديس، إذ رزق كلّ شيء ما به يتقوّم ذلك الشيء.
ورزق الأفلاك: هو حركاتها الدورية، وتشبيهاتها بالملأ الأعلى الوضعية (18).
ورزق البدن: ما به نشوؤه وكماله، علىٰ نسبته اللائقة به.
ورزق الحواس: إدراك المحسوسات، فرزق الباصرة: المبصرات، والسامعة: المسموعات، والذائقة: المتذوّقات، والشامّة: المشمومات، واللامسة: الملموسات.
ورزق النطاسيان: إدراك جميع المحسوسات الظاهرة والباطنة، غريما يدرك بالوهم.
ورزق الخيال: ما يأتيه من الحسّ المشترك ويحفظه.
ورزق المتخيّلة: درك الصور الجزئية المجرّدة عن المادّة.
ورزق الواهمة: إدراك المعاني الجزئية.
ورزق العاقلة: إدراك المعاني الكلّية.
حتّىٰ أن رزق الماهيات: الوجودات الخاصة.
وأمّا إنّ السائل مرحوم برحمته الرحمية، فأيمانه وأسئلته دالّة عليها دلالة واضحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|