أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-06
784
التاريخ: 24-7-2021
2187
التاريخ: 2023-07-17
714
التاريخ: 2023-07-17
800
|
تناول المؤرخ والجغرافي زكريا بن محمد القزويني (توفي 682 هـ /1283 م) في كتابه «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» ظاهرة المد والجزر وعزاها إلى القمر.
قال القزويني: «زعموا أن تأثيراته بواسطة الرطوبة كما أن تأثيرات الشمس بواسطة الحرارة ويدل عليها اعتبار أهل التجارب ومنها أمر البحار، فإن القمر إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المد مُقبلًا مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع إذا صار هناك انتهى المد منتهاه، فإذا انحط القمر من وسط سمائه جزر الماء، ولا يزال كذلك راجعًا إلى أن يبلغ القمر مغربه فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه. فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع، ابتدأ المد مرةً ثانية إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وتد الأرض فحينئذ ينتهي المد منتهاه في المرة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدئ بالجزر والرجوع ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق المشرق ذلك الموضع فيعود المد إلى ما كان عليه أولا، فيكون في كل يوم وليلة بمقدار مسير القمر في ذلك البحر مدان وجزران» 101
ثم انتقل للحديث عن نظرية أصحاب حرارة أشعة القمر التي سبق وقال بها الكندي، ثم حاول تأكيدها بأن أورد حديث الملك المسؤول عن الظاهرة. حيث قال: «وأما بعض مد البحار في وقت طلوع القمر فزعموا أن في قعر البحر صخورًا صلدة وأحجارًا صلبة، وإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح أشعته إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك متراخية فسخنت تلك المياه وحميت ولطفت فطلبت مكانًا أوسع وتموّجت إلى ساحلها ودفع بعضها بعضًا وفاضت على شطوطها وتراجعت المياه التي كانت تنصب إليها إلى خلف فلا تزال كذلك ما دام القمر مرتفعًا إلى وسط سمائه فإذا أخذ ينحطُّ سكن غليان تلك المياه وبردت تلك الأجزاء وغلظت ورجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها، فلا يزال كذلك دائما إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي، ثم يبتدئ المدُّ على مثال عادته في الأفق الشرقي، ولا يزال ذلك إلى أن يبلغ القمر إلى وتد الأرض وينتهي المد، ثم إذا زال القمر عن وتد الأرض أخذ الماء راجعًا إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي. هذا قولهم في مد البحار وجزرها. وأما هيجانها فكهيجان الأخلاط في الأبدان فإن ترى صاحب الدم والصفراء وغيرهما يهتاج به الخلط ثم يسكن قليلا قليلا، وقد عبر النبي صلى الله عليه واله وسلم عن ذلك بعبارة لطيفة فقال: «إن الملك الموكل بالبحر يضع رجله بالبحر فيكون منه المد ثم يرفع فيكون منه الجزر».» 102
فقد أرجع القزويني التأثير إلى تسخين القمر لصخور البحار كما سبق وأن قال بذلك الكندي وأبو معشر. وقد علق المحقق عبد السلام هارون بأن القزويني «فاته أن تسخين الشمس في رابعة النهار أشد وأقوى فهذا غلط ظاهر وليس الأمر مبنيا على التسخين والتبريد وإنما هو نظام الجاذبية الفلكية.» 103
ويرى المؤرخ ديفيد كارتويت D. Cartwright أن تشارلز داروين (توفي 1882 م) Ch. Darwin صاحب نظرية التطور قد اقتبس 104 بشكل كامل فكرة تقديم القمر للحرارة إلى البحر عن القزويني، كما أنه اقتبس أيضًا عن وثيقة آيسلندية قديمة تُشير إلى تسخين الشمس أيضًا مثل القمر، في محاولةٍ مضطربة منه لتفسير المد الربيعي الذي يحدث في حالتي اكتمال القمر (البدر) والقمر الجديد (الهلال). 105 ويبدو أن هذا سبب الاقتباس الكبير هو أن داروين يعتبر ما قدمه القزويني ممثلا للنظرية العربية في تفسير ظاهرة المد والجزر، لكنه بكل تأكيد لم يكن على صواب.
لم يكتف القزويني بما استعرضه من نظريات وإنما استأنس بآراء أصحاب الخبرة من البحارة حيث «قال البحريون: جميع المد والجزر في بحر الهركند (الصين) وما يتصل به كما في بحر فارس، وكيفيته أن القمر إذا بلغ مشرق البحر ابتدأ بالمد، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ القمر وسط سماء ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي المد منتهاه، فإذا انحط القمر عن وسط سمائه خرس الماء ورجع ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر مغرب ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك ابتدر المد هناك مرة ثانية، ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض؛ فحينئذٍ ينتهي المد منتهاه ثانيًا ويبتدئ الجزر مرةً ثانية إلى أن يبلغ القمر أفق ذلك الموضع، فيعود الحال المذكور مرة ثانية.» 106
أيضًا وفي حديثه عن بحر فارس استعان برأي البحارة عن المد والجزر السنوي الذي يحدث فيه، ويبدو أنه تأكد له التطابق بين الجانب النظري والعملي للظاهرة، حيث قال: «هو شعبة من بحر الهند الأعظم، من أعظم شُعبها، وهو بحر مبارك، كثير الخير، لم يزل ظهره مركوبا واضطرابه وهيجانه أقل من سائر البحار، قال محمد بن زكريا سئل عبد الغفار الشامي البحري عن مد البحار وجزرها؟ فقال: لا يكون المد والجزر في البحر الأعظم السنة إلا مرتين مرة يمدُّ في شهور الصيف شرقًا بالشمال ستة أشهر، فإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر وانحسر عن مشارقه. وأما بحر فارس فإنه يكون على مطالع القمر، وكذلك بحر الصين والهند وبحر طرابزندة، فإن القمر إذا صار في أفق من آفاق هذا البحر أخذ المد مقبلًا مع القمر ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك الموضع، فيجزر الماء ولا يزال راجعًا إلى أن يبلغ القمر مغربه، فعند ذلك يكون قد انتهى الجزر إلى منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتداء لماً هناك مرة ثانية، إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا زال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وتد الأرض، فحينئذ انتهى المد إلى منتهاه في المرة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدئ بالجزر والرجوع، ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع، فيعود الماء على مثال ما كان عليه أولا، ولهذا البحر من آخر بحسب امتلاء القمر ونقصانه، فإذا كان أول الشهر أخذ الماء في الزيادة ويزداد كل يوم إلى منتصف الشهر، فعند ذلك بلغ المد منتهاه، ثم يأخذ في النقصان وينقص كل يوم إلى آخر الشهر، فعند ذلك بلغ الجزر منتهاه، ثم يعود إلى ما كان أولا، ويأخذ في المد.» 107
وقد اعتبر الباحث مارتن إيكمان M. Ekman. القزويني أول من حاول تفسير ظاهرة المد والجزر في البحار علميًّا للمرة الأولى في منتصف القرن الثالث عشر. لكن بحسب ما وجدنا سابقًا أنه اعتمد على الكندي وأبي معشر في تفسيره، ولم يكن الأول في ذلك. كما يعتبر إيكمان أن فرضية الكندي فشلت في تفسير لماذا القمر، وليس الشمس، يقوم بدور ريادي في هذه الظاهرة. ويرى أن الصعوبة الكبرى تكمن في فهم كيف القمر والشمس باستطاعتهما أن يكون لديهما تأثير على الأرض بحيث تجعل الناس يبحثون عن تفسيرات جديدة كليًّا عن المد والجزر. تعمل فكرة القمر والشمس بالكامل بطريقة مربكة ما طبقًا لفكرة أحدهم فإن سبب المد والجزر هو مد كبير Malstrommen (دوامات بحرية عظيمة)، بعيدة عن شاطئ نرويج الشمالي، حيث إن المد المنخفض كان عبارة عن سلسلة من ماء البحر تختفي في دوامة، بينما يحدث المد العالي عندما عاود الظهور من الدوامة. اليوم نعرف بأنه يُوجد في الواقع اتصال بين الدوامة والمد، لكنه المد الذي يُسبب الدوامة، ليس بالطريقة الأخرى المحيطة. 108. ويبدو أنه وقع في الفخ نفسه الذي وقع فيه دارون من قبل، بأن اعتبر طرح القزويني ممثلًا وحيدًا عن النظريات العربية في المد والجزر.
________________________________________________
هوامش
(101) القزويني، زكريا بن محمد عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات تحقيق ومراجعة: سعد كريم الفقي وكرم السيد الأزهري، دار ابن خلدون، الإسكندرية، (د.ت)، ص30-29.
(102) المرجع السابق نفسه، ص126-127.
(103) هارون عبد السلام محمد، كناشة النوادر ، ط 1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1985 م، ص52-53.
(104) يوجد هذا الاقتباس في كتابه المخصَّص لظاهرة المد والجزر Darwin, G. H., The tides and kindred phenomena in the solar system. Boston: Houghton, Mifflin and company.1899. p. 77-79
(105) Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 6
(106) القزويني، زكريا بن محمد آثار البلاد وأخبار العباد، ص 129-128.
(107) القزويني، زكريا بن محمد، آثار البلاد وأخبار العباد، ص 138-137.
(108) Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 586-587
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|