المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

Richard Courant
13-6-2017
تذكر وصية أبيه فلم يشرب
3-9-2017
كيف تحصل الحشرات المائية على الاوكسجين؟
7-3-2021
المدينة ظاهرة جغرافية
3-6-2022
نظرة إلى النصوص‏ حول التاويل
27-04-2015
قائمة الدخل وتوضيح أهم بنودهـا المحاسبية
8-3-2022


الغيبة الكبرى للإمام المهدي ( عليه السّلام ) وأسبابها  
  
1707   06:44 صباحاً   التاريخ: 2023-06-16
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 14، ص163-172
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / الغيبة الكبرى / علامات الظهور /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-08-2015 5486
التاريخ: 2023-08-15 1732
التاريخ: 2023-08-18 1325
التاريخ: 3-08-2015 3664

الإطار العام لتحرك الإمام ( عليه السّلام )

إنّ الهدف العام لتحرك الإمام المهدي ( عليه السّلام ) في فترة الغيبة الكبرى ، هو رعاية مسيرة الأمة الإسلامية وتأهيلها لظهوره والقيام بالمهمة الكبرى المتمثلة بإنهاء الظلم والجور وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كل أرجاء الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص كما سنفصل الحديث عن ذلك في الفصل الخاص بسيرته بعد ظهوره ( عليه السّلام ) .

وبعبارة أخرى فإن الإطار العام لسيرته - عجل اللّه فرجه - في هذه الفترة هو التمهيد لظهوره بما يشتمل عليه ذلك من رعاية الوجود الإيماني وحفظه وتسديد نشاطاته وتطويره عبر الأجيال المتعاقبة التي يعاصرها ، وحفظ الرسالة الخاتمة من التحريف إضافة إلى القيام بالميسور من مهام الإمامة الأخرى وإن كان ذلك بأساليب أكثر خفاء مما كان عليه الحال في الغيبة الصغرى ، وبذلك يتحقق الانتفاع من وجوده ( عليه السّلام ) كما ينتفع بالشمس إذا غيّبها السحاب .

وهذا الهدف العام لسيرته في هذه الغيبة الكبرى نلاحظه بوضوح فيما ورد بشأن تحركه في هذه الغيبة .

وقبل التطرق لنماذج من هذا التحرك ، نلقي نظرة عامة على بعض ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة بشأن علة الغيبة وأسرارها ، إذ إن من الواضح أن التمهيد للظهور يكون بإزالة الأسباب التي أدت للغيبة ، لذا فإن التعرف على أسباب الغيبة يلقي الأضواء على طبيعة تحرك الإمام المهدي ( عليه السّلام ) خلالها .

علل الغيبة في الأحاديث الشريفة

لقد تناولت مجموعة من الأحاديث الشريفة علل وقوع الغيبة . نذكر أولا نماذج منها استنادا إلى العلل التي تذكرها : مشيرين إلى أن لكل نموذج نظائر عديدة رواها المحدثون بأسانيد متعددة :

1 - روى سدير عن أبيه عن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) قال : « ان للقائم منّا غيبة يطول أمدها فقلت له : يا بن رسول اللّه ولم ذاك قال : لأن اللّه عز وجل أبى إلّا أن يجعل فيه سنن الأنبياء ( عليهم السّلام ) في غيباتهم ، وانه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم ، قال اللّه تعالى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ، أي سنن من كان قبلكم[1].

وروى عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد ( عليه السّلام ) يقول : « إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها ، يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت له : ولم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدم من حجج اللّه تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر ( عليه السّلام ) إلّا بعد افتراقهما ، يا بن الفضل ان هذا الأمر من أمر اللّه وسرّ من سرّ اللّه ، وغيب من غيب اللّه ، ومتى علمنا أن اللّه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وان كان وجهها غير منكشف »[2].

2 - ومنها ما رواه زرارة عن الإمام الباقر ( عليه السّلام ) قال : « إن للقائم غيبة قبل ظهوره ، قلت : ولم ؟ قال : يخاف - وأومى بيده إلى بطنه ، قال زرارة يعني :

القتل »[3].

ومنها ما روي عن عبد اللّه بن عطا ، عن أبي جعفر ( عليه السّلام ) قال : « قلت له إن شيعتك بالعراق كثيرة واللّه ما في أهل بيتك مثلك ؛ فكيف لا تخرج ؟ قال : فقال :

يا عبد اللّه بن عطاء ! قد اخذت تفرش اذنيك للنوكى ، إي واللّه ما أنا بصاحبكم ، قال : قلت له : فمن صاحبنا ؟ قال : انظروا من عمى على الناس ولادته ؛ فذاك صاحبكم ؛ إنّه ليس منا أحد يشار إليه بالإصبع ويمضغ بالألسن إلّا مات غيظا أو رغم أنفه »[4].

3 - ومنها ما روي عن الحسن بن محبوب بن إبراهيم الكرخي قال :

« قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) أو قال له رجل : أصلحك اللّه ألم يكن علي قويا في دين اللّه ؟ قال : بلى قال : فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يمنعهم وما منعه من ذلك ؟ قال : آية في كتاب اللّه عز وجل منعته ، قال : قلت ؟ وأيّ آية هي ؟ قال :

قول اللّه عز وجل : لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً . انه كان للّه عز وجل ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن عليّ ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع ، فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله ، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتى تظهر ودائع اللّه عز وجل فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقاتله »[5].

4 - ومنها ما روي عن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) قال : « واللّه لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميّزوا وتمحّصوا ، ثم يذهب من كل عشرة شيء ولا يبقى منكم إلّا الأندر ، ثم تلا هذه الآية : أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين »[6].

5 - ومنها ما روي عن الإمام الباقر ( عليه السّلام ) أنّه قال :

« دولتنا آخر الدول ، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلّا ملكوا قبلنا ، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا ، إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول اللّه عز وجل : وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »[7].

6 - ومنها ما روي عن الإمام الرضا ( عليه السّلام ) أنّه قال - في جواب من سأله عن علة الغيبة - : « لئلا يكون في عنقه بيعة إذا قام بالسيف »[8].

وهذا المعنى مروي عن كثير من الأئمة بألفاظ متقاربة ، منها ما روي عن المهدي ( عليه السّلام ) نفسه أنه قال في توقيعه إلى إسحاق بن يعقوب في جواب أسئلته : « . . . وأما علة ما وقع من الغيبة ، فإن اللّه عز وجل يقول : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ . إنه لم يكن أحد من آبائي ( عليهم السّلام ) إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي »[9].

7 - ويقول - عجل اللّه فرجه - في رسالته الأولى للشيخ المفيد : « نحن ، وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أرانا اللّه تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين »[10].

8 - ويقول ( عليه السّلام ) في رسالته الثانية للشيخ المفيد : « ولو أن أشياعنا - وفقهم اللّه لطاعته - على اجتماع من القلوب في الوفاء بالحمد عليهم ، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم . . . »[11].

هذه نماذج لا برز الأحاديث الشريفة المروية بشأن علل الغيبة ، والأسباب التي تذكرها فيها بعض التداخل ، نشير إليها ضمن النقاط الثمانية التالية :

1 - استجماع تجارب الأمم السابقة

إن الحكمة الإلهية في تدبير شؤون خلقه تبارك وتعالى اقتضت غيبة الإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - للحكمة نفسها التي اقتضت غيبات الأنبياء في الأمم السابقة ، لأن ما جرى في هذه الأمم مجتمعة يجري على الأمة الاسلامية صاحبة الشريعة الخاتمة . فمثلما اقتضى تحقيق أهداف الرسالات السماوية غيبة بعض أنبيائها بدليل عدم استعداد الأمم السابقة لتحقق هذه الأهداف ، كذلك الحال مع الأمة الإسلامية فإن تحقق أهداف شريعتها الخاتمة اقتضى غيبة خاتم أوصيائها الإمام المهدي ( عليه السّلام ) حتى تتأهل بشكل كامل لتحقق هذه الأهداف ، وواضح أن هذا السبب مجمل بل إنه يشكل الإطار العام لعلل الغيبة التي تذكرها الطوائف الأخرى من الأحاديث الشريفة .

والملاحظ في هذه الطائفة من الأحاديث أنّها تعتبر أمر الغيبة من الأسرار الإلهية التي لا تتضح إلّا بعد انتهاء الغيبة وظهور الإمام والتي لم يؤذن بكشفها قبل ذلك ، الأمر الذي يشير إلى أن ما تذكره الأحاديث الشريفة لا يمثل كل العلل الموجبة للغيبة بل بعضها وثمة علل أخرى ليس من الصالح كشفها قبل الظهور - للجميع على الأقل - ، ولكن الإيمان بها فرع الإيمان بحكمة اللّه تبارك وتعالى وأنه الحكيم الذي لا يفعل إلّا ما فيه صلاح عباده .

2 - العامل الأمني

مخافة القتل كما جرى مع غيبات أنبياء اللّه موسى وعيسى وغيرهم ( عليهم السّلام ) ، والأمر في غاية الوضوح مع الإمام المهدي ( عليه السّلام ) الذي كانت السلطات العباسية تسعى سعيا حثيثا لقتله كما رأينا سابقا . وهذا السبب يصدق بشكل كامل على أصل وقوع الغيبة وفي الغيبة الصغرى على الأقل .

ومعلوم أن المقصود هو حفظ وجود الإمام لكونه حجة اللّه على خلقه ولكي لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجته وهاد بأمره إليه تبارك وتعالى .

أما ما هو سبب اختصاص الغيبة بالإمام الثاني عشر لحفظ وجوده مع أن أباءه الطاهرين ( عليهم السّلام ) كانوا أيضا حجج اللّه على خلقه وقد تعرّضوا أيضا للمطاردة والاغتيال فلم يمت أي منهم إلّا بالسيف أو السم[12]؟

فالجواب واضح ، فهو - عجل اللّه فرجه - آخر الأئمة المعصومين ( عليهم السّلام ) وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية وعلى يديه يحقق اللّه عز وجل وعده بإظهار الإسلام على الدين كله وتوريث الأرض للصالحين ، فلا بد من حفظ وجوده حتى ينجز هذه المهمة . يضاف إلى ذلك أن السلطات العباسية كانت عازمة على قتله وهو في المهد لعلمها بطبيعة مهمته الإصلاحية العامة .

أما في الغيبة الكبرى فهذه العلة تبقى مؤثرة ما لم تتوفر جميع العوامل اللازمة لإنجاز مهمته مثل توفر الأنصار وغير ذلك ، لأنه سيبقى غرضا لسهام مساعي حكام الجور لإبادته قبل أن ينجز هذه المهمة الإصلاحية الكبرى كما جرى على آبائه ( عليهم السّلام ) . وهذا الأمر واضح للغاية ويفهم من توضيحات الإمام الباقر ( عليه السّلام ) لعبد اللّه بن عطاء في الحديث الثاني من هذه الطائفة .

3 - السماح بوصول الحق للجميع لخروج ودائع اللّه

إنّ إخراج ودائع اللّه ، المؤمنين من أصلاب قوم كافرين يشكّل عاملا آخر ، ولعل المقصود منه إعطاء الفرصة لوصول الدين الحق للجميع كي تتضح لهم أحقية الرسالة الإسلامية التي يحملها الإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - وبالتالي تبني أشخاص ينتمون إلى المدارس الضالة والأخلاف المنحرفين ، للأهداف المهدوية والانتقال بهم إلى صفوف أنصار المهدي المنتظر - عجل اللّه فرجه - .

وواضح أن هذه العلة تفسر تأخير ظهوره ( عليه السّلام ) ، بصورة واضحة ، مباشرة ، وبالتالي تفسّر بصورة غير مباشرة - غيبته إلى حين توفر هذا العامل من العوامل اللازمة لظهوره - عجل اللّه فرجه - ، باعتبار أنّ ظهوره مقترن بالبدء الفوري في تنفيذ مهمته الإصلاحية الكبرى ، التي تتضمن نزول العذاب الأليم على المنحرفين .

4 - التمحيص الاعدادي لجيل الظهور

إنّ التمييز والتمحيص الإعدادي للمؤمنين به ( عليه السّلام ) يتحقّق من خلال الأوضاع الصعبة الملازمة لغيبته ( عليه السّلام ) ، ومعلوم أن الإيمان به وبغيبته هو بحدّ ذاته عامل مهمّ في تمحيص الإيمان وتقوية الثابتين عليه لأنه يمثل مرتبة سامية من مراتب التحرر من أسر التصديق بالمحسوسات المادية فقط . ولذلك كان الإيمان بالغيب أولى صفات المتقين كما تذكره الآيات الأولى من سورة البقرة ، وقد طبقت الأحاديث الشريفة هذه الصفة على الإيمان بالإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - في غيبته باعتباره من أوضح مصاديقها لا سيما إذا لاحظنا طول أمدها[13].

ولذلك نلاحظ في الأحاديث الشريفة مدحا بالغا لمؤمني عصر الغيبة الثابتين على الالتزام بالشريعة السمحاء والنهج المهدوي رغم التشكيكات العقائدية الناتجة عن عدم ظهوره المشهود[14].

واستنادا إلى هذه العلة نفهم أن الغيبة عامل إعداد لأنصار المهدي - عجل اللّه فرجه - من خلال ترسيخ هذا الإيمان بالغيب الذي يتضمن التحرر من أسر الماديات والذي يؤهلهم لنصرة المهدي في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى .

5 - اتضاح عجز المدارس الأخرى

إنّ إثبات عجز المدارس الأخرى عن تحقيق السعادة والكمال المنشود للمجتمع البشري ، فيه تأهيل واضح للمجتمع البشري عموما للتفاعل الإيجابي مع المهمة الإصلاحية الكبرى للإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - ، فهو يزيل العقبات الصادّة عن هذا التفاعل المطلوب لتحقق الأهداف الإلهية خاصة فيما يرتبط بالانخداع بشعارات المدارس الأخرى المادية أو ذات الأصول السماوية والمنحرفة عنها بمرور الزمن .

6 - حفظ روح الرفض للظلم

إنّ الإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - هو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، فيزيل حكام الجور وحاكمية الفساد بالسيف بعد إتمام الحجة كاملة على المنحرفين خلال الغيبة الكبرى وما قبلها كما أشرنا إلى ذلك في النقطة السابقة . فظهوره ( عليه السّلام ) مقترن بالتحرك الجهادي الحاسم ، فلا هدنة مع المنحرفين ، ومن هنا يلزم توفر هذه الصفة في أتباعه أيضا ، ولعل هذا هو المقصود من تعبير الأحاديث الشريفة « لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية » .

وواضح أن هذا الدور الحاسم يجعل تكالب الظالمين عليه أشد إذا كان وجوده ظاهرا قبل تحركه الإصلاحي الشامل وقبل توفر الظروف المناسبة لتحركه والعدد اللازم من الأنصار ، فهو في هذه الحالة إما أن يهادن الظلمة ويجمّد أي نشاط له ولو كان غير حاسم كما كان حال آبائه ( عليهم السّلام ) ، وفي ذلك أخطار كثيرة مثل إضعاف روح الرفض للظلم لدى المؤمنين وهم يرون أن إمامهم المكلف بإزالة الظلم بصورة كاملة صامت تجاهه ، فضلا عن أن هذا الموقف السلبي لن يوقف كيد الظالمين ومساعيهم المستمرة لقتله تخلصا من هاجس دوره المرتقب ؛ وإما أن يتحرك لإنجاز مهمته قبل توفر العوامل اللازمة لنجاحها وهذا الأمر يعني مقتله قبل أن يحقق شيئا من مهمته الكبرى .

لذا فلا بد من تجنب الظهور قبل اكتمال الأوضاع اللازمة لتحركه الإصلاحي الأكبر والاستتار في أسلوب الغيبة بما يمكنه من الاستمرار في نشاطه على صعيد توفير العوامل اللازمة لنجاح مهمته الكبرى عند الظهور .

7 - صلاح أمره وأمر المؤمنين به

إن في الغيبة صلاح أمره ( عليه السّلام ) وأمر المؤمنين به ، وهذه علة مجملة تحدد أحد أوجه الحكمة الإلهية في الأمر بالغيبة بأن في ذلك صلاح أمر الإمامة ؛ ولعله بمعنى أن الغيبة هي أفضل أسلوب ممكن لقيام المهدي - عجل اللّه فرجه - بمهام الإمامة في ظل الأوضاع المضادة لأهداف الثورة المهدوية كما تقدم في الفقرة السادسة ، وبأن فيها صلاح شيعته والمؤمنين به ؛ ولعله بمعنى فتح آفاق التكامل والتمحيص في صفوفهم وأجيالهم المتلاحقة كما تقدم في الفقرة الرابعة حتى يعد الجيل القادر - كما وكيفا - على الاستجابة لمقتضيات الثورة المهدوية الكبرى ، أو أن يكون المقصود صلاحهم في حفظ وجودهم من الإبادة قبل تحقق المهمة الإصلاحية المطلوبة أو عجزهم عن نصرة الإمام بالصورة المطلوبة عند قيامه - دونما غيبة - كما جرى في موقف المسلمين من ثورة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) وقبله من خلافة أخيه الإمام الحسن وأبيه أمير المؤمنين - سلام اللّه عليهم - .

8 - عدم توفّر العدد المطلوب من الأنصار

والعامل الأخير هو عدم توفر العدد اللازم كما والمناسب كيفا من الأنصار له ( عليه السّلام ) في مهمته الإصلاحية الكبرى التي تحتاج إلى عدد كاف من الأنصار وعلى مستويات عالية من الإخلاص للشريعة المحمدية وأهدافها والعلم بها وبمكائد أعدائها بحيث يمتلكون التجربة الجهادية اللازمة لخوض حركة الصراع الحاسمة مع الكفر والشرك والفسق والنفاق . وهذه العلة مكملة للعلة المذكورة في الفقرة الرابعة .

 

[1] اثبات الهداة : 3 / 486 - 487 .

[2] كمال الدين : 481 ، علل الشرائع : 1 / 245 .

[3] علل الشرائع : 1 / 246 ، غيبة النعماني : 176 ، غيبة الطوسي : 201 .

[4] الكافي : 1 / 342 ، غيبة النعماني : 167 - 168 .

[5] علل الشرائع : 147 ، كمال الدين : 641 .

[6] قرب الأسناد للحميري : 162 وعنه في بحار الأنوار : 52 / 113 .

[7] الآية في سورة الأعراف : 128 ، والحديث في غيبة الطوسي : 282 .

[8] علل الشرائع : 1 / 245 ، عيون الأخبار الرضا : 1 / 273 .

[9] كمال الدين : 483 ، غيبة الطوسي : 176 .

[10] معادن الحكمة : 2 / 303 ، بحار الأنوار : 53 / 174 .

[11] الاحتجاج : 2 / 325 وعنه في معادن الحكمة : 2 / 306 وبحار الأنوار : 35 / 176 .

[12] إعتقادات الصدوق : 99 وعنه في إعلام الورى للطبرسي : 2 / 297 ب 5 المسألة الأولى من المسائل السبع في الغيبة ، الفصول المهمة : 272 ، .

[13] كفاية الأثر 56 ، ينابيع المودة : 442 .

[14] راجع مثل ما روي عن الكاظم ( عليه السّلام ) في وصف المؤمنين الثابتين في عصر الغيبة : « أولئك منّا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ثم طوبى لهم وهم واللّه معنا في درجتنا يوم القيامة » . كمال الدين : 361 ، كفاية الأثر : 265 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.