أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-03
1070
التاريخ: 24-10-2014
2322
التاريخ: 2024-09-02
335
التاريخ: 2023-03-19
1246
|
الدرجة الأعلى من المرافقة
إن مرافقة سالكي الصراط المستقيم مع المنعم عليهم: (وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون) لا تقتصر على الكون معهم في الجنة ومرافقتهم في المضي على الطريق، بل إن السالك على الصراط يستطيع أن يتوق إلى ما هو أعلى من ذلك فينال مقام الصدق والشهادة والصلاح، فيدخل في سلكهم وجمعهم ويرتفع من درجة {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69] أي (معهم) إلى درجة (منهم).
طبعا إن المقام الرفيع للرسالة مغلقة إلى الأبد في وجه السالكين، ومن طمع فيه فهو خائب إلى النهاية، لكن طريق (الصدق والشهادة والصلاح مفتوح دائما أمام السائرين على الصراط المستقيم.
والسالكون على الصراط الذين يواصلون مسيرة سلوكهم، لا يدخلون في جمع الصديقين والشهداء والصالحين فحسب، بل يمكنهم إذا امتثلوا أوامر القرآن بالمسارعة والاستباق أن يصبحوا من الطلائع في هذه المكرمات والفضائل والقيم.
بيان ذلك: إن القرآن في البداية يأمر سالكي الصراط المستقيم بـ (المسارعة)(1): {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133]. وبعد ذلك يأتي الأمر ب(الاستباق). فالأمر الأول يتعلق بالسالك نفسه، والأمر الثاني يرتبط بعلاقة السالك مع الآخرين: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]. فالسالك الذي يسارع في المسير يستطيع أن يسبق الآخرين دون أن يعترض سلوك الآخرين أو يصطدم بهم وأن ينازعهم، لأن الصراط المستقيم طريق" خال من النزاع والزحام. فإذا كان الآخرون علماء وعدولا" وشجعانا فهو يستطيع أن يكون أعلم وأعدل وأشجع منهم.
والذي يحوز على قصب السبق ويتقدم على الآخرين فهو جدير بإمامة الآخرين وقيادتهم. ولهذا فإن دعاء السابقين كما يعلمنا القرآن هو: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] وثمرة هذه الإمامة هي قيادة الآخرين من السائرين على الصراط المستقيم كي يبدأوا أيضا بالمسارعة، ثم يكونوا من أهل الاستباق وبالنتيجة يصلون إلى مقام إمامة المتقين الآخرين. .
وعلى هذا، فالسالكون في الصراط المستقيم يتمكنون من بعد اجتيازهم مرتبة الكون (مع الصديقين والشهداء والصالحين أن يكونوا (منهم). ويبقى طريق الرسالة والنبوة مسدودة في وجه الآخرين، لأنها مقام إلهي يتم بجعل من الله سبحانه لمن يراهم أهلا له: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124] ، لكن طريق الولاية وإمامة المتقين والإيمان والعمل الصالح مفتوح دائما أمام السالكين الصالحين. ولهذا فإن أفرادا (كسلمان الفارسي) قد اجتازوا مرتبة المعنية وبلغوا مقاما شامخا فأصبح يقال في حقهم (منا أهل البيت)(2) ومثل (الخادمة فضة) التي شاركت أهل البيت في فضيلة نزول سورة (هل أتى) في حقهم(3).
والنتيجة هي أن الإنسان بالمعرفة والعمل واجتياز مراحل المسارعة والاستباق والإمامة يتمكن من أن يرتفع من رتبة {مع الذين أنعم الله عليهم} إلى رتبة (من الذين...).
وأهم عامل في رقي السالكين في الصراط المستقيم من المعية والمصاحبة إلى الصيرورة في سلك (المنعم عليهم) هو العلم والعمل، وفي هذا الطريق لا يكفي توفر أحدهما دون الآخر، لكن أيهما أكثر أهمية من الآخر؟ هنا ينبغي أن يقال: إن جميع الناس متساوون في شكل العمل، سواء كانوا من الأولياء أو من متوسطي الإيمان، لكن الذي يرفع قيمة عمل أولياء الله هو المعرفة والمحبة. كما أن في العبادة أيضا یكون شكل العمل وظاهره متساويا بين جميع العابدين، واختلاف درجات العبادة يكون بالمعرفة والنية، لأن البعض يعبدون الله خوفا من عذابه وهي عبادة (العبيد)، والبعض يعبدون الله شوقا إلى جنته وهي عبادة التجار)، وهناك فئة يعبدون الله حبا له لا خوفا من النار ولا شوقا إلى الجنة، وهذه هي عبادة (المشتاقين والمحبين).
فأولئك الذين عرفوا الله بدرجة عالية وأخذت محبة الله بمجامع قلوبهم فعبادتهم ليست خوفا من جهنم ولا شوقا إلى الجنة، حيث إنهم عارفون بكرم الله ويعلمون أنه لا يعذب أحباءه بل يفيض عليهم عطاياه ومواهبه. لكن الذين لم يبلغوا هذا المستوى من المعرفة، ولا يعرفون سوى غضب الله وكرمه فأولئك يعبدون خوفا من النار أو طمعا بدخول الجنة.
إذن فوسيلة العبور من مرحلة {مع الذين أنعم الله عليهم} إلى رتبة (من الذين) هو بلوغ الإنسان درجة المعرفة والعلم الكامل بالله سبحانه وأسمائه الحسنى والعمل الصالح طبقا لتلك المعرفة. طبعا يوجد بين المعرفة والعمل ارتباط وثيق ومتبادل، لأن المعرفة وسيلة للعبادة الخالصة والعبادة الخالصة عامل لزيادة المعرفة وتنميتها، فكل درجة من العلم تتبعها مرتبة من العبادة وكل عبادة ترفع الإنسان درجة في مراتب العلم والمعرفة، إذن فروح وحياة العمل في المعرفة، وعلى هذا الأساس فإن رفع درجة المؤمن يتم في ظل معرفته. فالمؤمن له درجة والمؤمن العالم له درجات كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
607
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. المسارعة أمر مطلوب وهي صفة للحركة، والعجلة أمر غير مرغوب وهي صفة للمتحرك.
2. البحار، ج 22، ص374.
3. مجمع البيان، ج9-10، ص611.
4. سورة المجادلة، الآية 11. في القسم الأول من هذه الآية حين ذكر المؤمن، حذفت
كلمة (درجة) التي هي مفعول أو تمييز، ولكن في القسم الثاني حيث ذكر المؤمن العالم فإنها ذكرت ولم تحذف و تقدير الآية يكون هكذا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11].
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|