أقرأ أيضاً
التاريخ: 15/12/2022
940
التاريخ: 10-7-2019
1472
التاريخ: 16-2-2022
1193
التاريخ: 16-2-2022
1141
|
عمود الموضوعات الإنسانية
نعني بالموضوعات الإنسانية جميع الموضوعات التي يخاطب فيها الكاتب إحساس القراء، ويهدف إلى إمتاعهم من الناحية الشعورية البحتة، وإحساسات القراء لا حصر لها في الواقع، وهي في الوقت نفسه تختلف بين فرد وفرد، كما تختلف بين حالة وحالة عند الفرد.
فشاب ضيق الدخل ذو أسرة كثيرة العيال قد يثير فيك من الإحساسات مالا يثيره الشيخ الهرم، أو المرأة العجوز التي مات زوجها وأولادها منذ زمن بعيد، وبائع متجول لفحت وجهة الشمس، وعليه ثياب ممزقة، وصوته قد بح في الإعلان عن بضاعته اليسيرة قد يحرك فيك من الشعور ما لا يحركه منظر اليتيم في يوم عيد، وهكذا.
ونعني بالموضوعات الإنسانية أيضاً جميع الموضوعات التي يخاطب فيها الكاتب عقول قرائه، والناس في هذا العصر لا يجدون لهم غنى عن المتع العقلية البحتة؛ يلتمسونها من أي طريق، وما دام طابع العصر هو "السرعة" فلا ينتظر من أكثر القراء أن يلتمسوا هذه المتع العقلية الخالصة في "الكتب"، ولكنهم مضطرون في معظم الأحيان إلى التماسها في "الصحف".
من أجل ذلك نرى الصحف كثيراً ما تمد القارئ بأعمدة تخاطب فيها عقله، وربما كانت هذه الاعمدة خلاصة طيبة لمقال قرأه الكاتب، أو لبحث فلسفي أوحى إليه بكتابة العمود الإنساني.
ومن هذا القبيل كثير من الاعمدة التي كان يكتبها "علي أمين" بصحيفة "الاخبار" تحت عنوان "فكرة"، ومنها كذلك بعض الاعمدة التي يكتبها "محمد زكي عبد القادر" في نفس الصحيفة تحت عنوان "نحو النور".
أما الصحف الاجنبية أمريكية كانت أم أوربية فحافلة بهذا اللون من الاعمدة، والذي لا ريب فيه أن هذه الصحف الاجنبية تقدمتنا أشواطاً بعيدة في هذا السبيل. ولئن كانت الاعمدة الإنسانية العاطفية تعتمد على غزارة العواطف عند الكاتب وعلى ثروته في المشاعر، فإن الموضوعات الإنسانية العقلية تعتمد على قدرة الكاتب على التأمل في سلوك الناس، والمهارة في تحليل هذا السلوك تحليلاً فطرياَ حيناً، ومبنياً على قواعد علم النفس الحديث حيناً آخر.
وما أشبه المحرر الصحفي في الحالة الاولى بالأديب.
وما أشبه المحرر الصحفي في الحالة الثانية بالفيلسوف.
وما أشد حاجته في الحالتين معاً إلى قوة البيان، وجمال الاسلوب، وحلاوة التعبير، والقدرة الصحيحة على ربط هذه الإحساسات أو التأملات بعضها ببعض ليخرج منها مادة إنسانية تريح النفس، وتلذ العقل، وتغذي الوجدان.
من أجل هذا كانت الاعمدة الإنسانية أقرب المواد الصحفية كلها على الإطلاق إلى محيط الادب، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها أدب خالص له من القيم الفنية ما يصبح به خليقاً باسم الادب الخالص، ونحن نعلم أن هذه القيم الفنية إنما تتلخص في ثلاثة أشياء، وهي:
عمق التفكير، وغزارة الشعور، وجمال التعبير، وقد رأينا كيف يمكن أن تتوافر هذه الاشياء كلها في الموضوع الإنساني.
ومن ثم وجب أن يكون كاتب هذه الموضوعات أديباً ممتازاً، وإن كان الادب وحده لا يكفي ما لم تسنده التجارب الذاتية الكثيرة، والمعرفة الإنسانية العميقة، والإطلاع الواسع على الكتب والمجلات، والقدرة على التأمل في سلوك الافراد والجماعات.
وقد تقول: وما الفرق بين العمود الإنساني، والمقال الادبي الذي مر ذكره في الفصول السابقة؟
والجواب على ذلك، أن هناك فرقاً مبدئياً بين هاتين المادتين من مواد الصحف من حيث الطول: فالمقال الادبي طويل إلى حد أنه يعتبر فصلاً كاملاً من أي كتاب، أما العمود فيشترط فيه أن يكون قصيراً ما استطاع الكاتب إلى ذلك سبيلاً.
وهناك فرق بينهما كذلك من حيث الشمول: فالمقال الادبي إنما تقصد به في الواقع طبقة معينة من القراء، هي الطبقة التي تفهم الادب، وتعرف شيئاً عن صوره، ووسائله في التعبير، أما العمود الإنساني فإنه موجه إلى عدد أشمل من الناس، ويستطيع أكثر القراء تتبع العمود الإنساني دون حاجة منهم إلى معرفة الادب، أو الوسائل التي يؤدي بها الاديب ما أراد.
وقد تقول: وما الفرق بين العمود الإنساني، والتقرير أو "الريبورتاج؟" والجواب على ذلك، كما يقول الاستاذ "كارل وارين" في كتابه "كيف تصبح صحفياً" (1).
"أن التقرير أو الريبورتاج هو معلومات جديدة تتناول أشخاصاً أو أشياء، أو حوادث لها مغزى معين، والغاية منه أولاً وقبل كل شيء نقل المعلومات إلى القارئ.
أما الموضوع الإنساني فيهدف إلى إمتاع القارئ برواية مكتوبة: ممثلوها حقيقيون، ومواقفها الإنسانية حقيقية، وهدفها الوحيد إثارة إحساساته، ومع هذا وذاك فليس ثمة خط واضح يفصل تماماً بين الموضوع الإنساني، والريبورتاج، فحدودهما تختلط كما تختلط حدود الالوان في قوس قزح".
أما موضوعات العمود الإنساني فكثيرة، ولا نستطيع لها حصراً في الحقيقة، فالأطفال، والشبان، والنساء، والشيوخ، والحيوان الاليف كالقطة، والحيوان المسلي كالقرد، والاشجار، والامكنة التي ارتبطت في الاذهان ببعض الاحداث، والمحكوم عليه بالإعدام، والتاجر، ورجل الاعمال، والسجين، والوزير، والطبيب، والاستاذ، والفلاح، والشهيد في موقعة من مواقع القتال، والقائد في الموقعة، والزعيم في المنفى، كل هذه الموضوعات صالحة للعمود الإنساني الذي تنشره الصحيفة.
غير أن النوع العاطفي الخالص من هذه الموضوعات يكثر في الصحافة عند اشتداد الازمات القومية التي تمر بالبلاد، ومنها أزمات الحروب التي تقوم بها العصابات، وجيوش التحرير الوطني في أي بلد كان، ومنها كذلك أوقات الامراض الفتاكة، كالكوليرا، والطاعون، ونحوهما، ومنها الازمات الاقتصادية الحادة، والحوادث الكبيرة المفزعة، كحادثة زلزال، أو بركان، أو سيل من السيول الجارفة، ونحو ذلك، وكل هذه الموضوعات تصلح لان تكون مادة للعمود الإنساني، كما تصلح في الوقت نفسه أن تكون مادة للتقرير الصحفي أو الريبورتاج".
وأن تنس مصر لا تنسى تلك الاعمدة الفياضة بالمشاعر والوجدانات مما ظهر في الصحف المصرية على أثر المواقع التي اشتبك فيها الفدائيون المصريون بالجنود الإنجليز عند مدينة الإسماعيلية، وذلك في غضون سنة 1951 ، وفي هذه المواقع الحربية سقط في ميدان الشرف كثيرون من شباب الجامعات المصرية .. ورثت الصحافة هؤلاء الشهداء رثاء أثار أعمق العواطف الإنسانية في قلوب القراء.
وهكذا كانت "قناة السويس" منذ نشأتها إلى اليوم مدعاة لازمات قوية هزت الشعور المصري هزاً قوياً، وكان من نتيجة ذلك أن فاض الشعراء والكتاب ورجال الصحف على اختلافهم في الكتابة في هذا الموضوع بين حين وحين .. ولو ذهبت تجمع هذا النتاج الادبي الصحفي العظيم لتألف لك منه ما يمكن أن تطلق عليه اسم "أدب القناة"، وهو جزء من الادب المصري المعاصر.
_________________
(1) راجع الترجمة العربية للكتاب، بقلم عبد الحميد سرايا س 124 و125.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|