أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-11
918
التاريخ: 2023-03-12
922
التاريخ: 2023-07-03
856
التاريخ: 2023-11-08
927
|
يكاد يجمع مؤرخو العلم على أن العرب خلفوا تراثًا علميًّا قيمًا فيما يخص علم الفلك؛ فالعرب بطبيعة حياتهم المعيشية يتعلقون بالسماء، التي يهتدون بنجومها في مواقيتهم، ورحلاتهم وتنقلاتهم من منطقة لأخرى أو من بلد لآخر عبر الدروب الصحراوية، وانتظارهم الأمطار التي تعد مصدر المياه الرئيسي في بلادهم. ساعدهم على ذلك صفاء سماء أرضيهم الخالية من العواصف والسحب والغيوم، لكن ذلك لم يكن خليقًا بأن يخلفوا هذا التراث الهائل بدون حس علمي، جعلهم يسجلون مشاهداتهم، التي تطورت إلى أبحاث بفتح المجال نحو مناقشة تلك المشاهدات، وتمحيص الآراء التي تختص بها؛ فقد تمتلك الشعوب مهارات خاصة ومعارف كثيرة، لكنها تقتصر على سلوكياتها الحياتية، وانتقالها للأجيال شفاهة، لكنها لا تسجل كتابة، فتضيع مع موت أهلها، وتظل آثارها باهتةً في مخيلات من سمعوا بها. وهذه الشعوب وإن تفوقت علميًّا، إلا أنها لم تكن تمتلك الحس العلمي، الذي يجعلها تحرص على تسجيل الظواهر والمشاهدات، والآراء والمساجلات الخاصة بالظواهر الطبيعية والإنسانية في الكتب والحوليات والوثائق، التي تظل وعاءً يحرس هذا التراث أو ذاك، لتستفيد منه البشرية على مر الزمن، وتطوره بما يضاف إليه من معارف جديدة يكتسبها الإنسان. وهذا ما يميز أمةً – في تاريخ العلم – عن غيرها من الأمم، ويحدّد إسهامها ودورها مقارنة بأمة أخرى. وتسجيل الأحداث لا يخرج بحال من الأحوال عن مدى تطور الأمة؛ إذ يعكس الرخاء الذي تنعم به، نتيجة لنظمها السياسية والإدارية والمالية المتطورة، التي تغرز ذلك المناخ العلمي، الذي يعكس حرصها العام على بقاء ذكرها في التاريخ. وقد تفوق العرب في التسجيل تفوقًا كبيرًا لا ترقى إليه أمة في التاريخ، حتى إن بعض الباحثين يذكر أن حب العرب للتدوين وكثرة كتاباتهم، وما استخدموه من أوراق وأحبار في كتاباتهم التي تفوق الحصر؛ كان وراء تطور وسائل الكتابة بصفة عامة، وكان وراء اختراع ورق الكتابة بشكله الحالي.1
ونالت النيازك حظًّا وفيرا من اهتمام المؤرخين العرب، باعتبارها ظاهرةً طبيعية فريدة تخرق فكرة الكون الثابت التي علقت بالأذهان قديمًا وحديثًا؛ ومن ثم فقد تبارى المؤرخون العرب في تسجيلها ضمن أهم الأحداث التي وقعت في التاريخ. والأهم من ذلك أنهم حرصوا على نقل أخبارها من كتبهم التاريخية. فنرى كاتبًا أو مؤرخًا يسجل حدثًا نيزكيا وقع في أزمنة بعيدة عن زمنه الذي يعيش فيه تماما، شأنها في ذلك شأن أهم الأحداث التاريخية. ومن الأمثلة المبكرة على دراسة موضوعات دقيقة تتعلق بعلم النيازك، في التراث العربي، ما أورده المرزوقي (أحمد بن محمد بن الحسن أبو علي المرزوقي، عالم بالأدب من أهل أصبهان، المتوفى سنة 421 هـ / 1030 م) في كتابه الرائع «الأزمنة والأمكنة»، من مناقشة لقضية من أهم قضايا علم النيازك، وهي تغير معدلات سقوط النيازك على الأرض مع الزمن. وهي قضية تشغل الباحثين في الوقت الحاضر. ففي لمسة طريفة لهذا الموضوع المهم، يذكر في معرض حديثه عن رجم الشياطين بالشهب:2 «فإن قال قائل: كيف يصح أن يكون انقضاض الكواكب رجمًا للشياطين ولا يخلو من أن يكون الذي يُرمى به الشيطان ليحرقه كوكبًا فيجب أن يفارق مكانه وينقص من عدد الكواكب، وقد علمنا منذ عهدت الدنيا لم تنقص ولم تزد؛ أو يكون الذي يُرمى به شعاعًا يحدث من احتكاك الكواكب واصطكاك بعضها ببعض فيفصل ذلك الشعاع من الكواكب ويتصل بالجني حتى يحرقه؛ إذ لو لم يتصل به لم يحترق وهذا أيضًا لا يجوز لأن الكواكب لا تحتك. قيل له: إن كل ما ذكرت غير ممتنع قد يجوز أن يكون هناك كواكب لا تلحقها العين لصغرها، كما قال قوم في المجرة إنها كلها كواكب ولا تبين، فيجوز أن يحتك بخاران عظيمان فيحدث الشعاع ويحترق الجني، وكل ذلك ليس بمستنكر وعلى هذا جاء في القرآن.»
وهذه العبارة، على قصرها تحتوي على عددٍ من الظواهر العلمية، مما لا تسعه مجلدات علمية كاملة. فقول المرزوقي عن المجرة: إنها كلها كواكب ولكن لا تبين لصغرها، هو من الأشياء المنظورة علميًّا الآن، وينصب عليها جانب كبير من اهتمام علماء الفلك، وتطالعنا الأبحاث العلمية بأخبار اكتشاف كواكب تتبع نجوم مجرة درب التبانة. وفي قوله: «قد يجوز أن يكون هناك كواكب لا تلحقها العين لصغرها» إشارة إلى عدد كبير من الأجسام التي تدور بين المريخ والمشتري، فيما يُعرف بحزام الكويكبات، الذي يعد المصدر الرئيسي للنيازك (وهي الأجسام الكبيرة نسبيًّا) التي تتساقط على الأرض، أو الصغيرة التي تحترق في الجو، وينشأ عن احتراقها في طبقات الجو العليا الضوء اللامع الخاطف، فيما يعرف علميًّا بظاهرة «الشهب». وفي قوله: «فيجوز أن يحتك بخاران عظيمان فيحدث الشعاع ويحترق الجني.» إشارة إلى تفسير ظاهرة الشهب؛ فالشهب – كما هو معروف – ظاهرة تحدث من احتكاك الأجسام الدقيقة الحجم بغازات جو الأرض. ومثل هذا الاحتكاك هو الذي يقود إلى احتراقها، وتولد الأضواء التي تنبعث منها أثناء مروقها في الجو. والأكثر من ذلك أن عملية الاحتكاك بين النيازك وغازات جو الأرض، وراء النيران التي تنبعث من هذه الأجسام أثناء اختراقها جو الأرض.
ويلمس الدارس تسجيلات عرضية لظاهرة الشهب وردت في بعض المؤلفات العربية، على سبيل المثال، يورد المؤرخ الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن الذهبي (673-748 / 1274-1348م) في كتابه «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام»، كثيرا من حوادث وقوع الصواعق وانقضاض الكواكب، وعرض الشهب الكثيفة (التي يطلق عليها نجومًا متطايرة مضطربة). ففي معرض تسجيله لأحداث سنة 599هـ يذكر: 3 «أنبأنا ابن البزوري قال في سلخ المحرم ماجت النجوم، وتطايرت كتطاير الجراد، ودام ذلك إلى الفجر، وانزعج الخلق، وخافوا وضجوا بالدعاء الله تعالى. ولم يعهد ذلك إلا عند ظهور رسول الله صل الله عليه واله وسلم.» ثم يضيف في ذات السياق: 4 «وذكر عنه ابن الجوزي مثل ما قدمنا من موج النجوم وتطايرها وقال العز النسابة رئي في السماء نجوم متكاثفة متطايرة شديدة الاضطراب إلى غاية.»
____________________________________
هوامش
(1) توماس جولدشتاين، المقدمات التاريخية للعلم الحديث: من الإغريق القدماء إلى عصر النهضة، ترجمة: الأستاذ أحمد حسان عبد الواحد، عالم المعرفة، الكويت، 2003، عدد 296.
(2) المرزوقي، أحمد بن محمد بن الحسن أبو علي المرزوقي، الأزمنة والأمكنة، ضبطه وخرج آياته خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1996، ص86.
(3) الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1997، ج42، ص48.
(4) الذهبي، مرجع سابق، ص49.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|