أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-01
1178
التاريخ: 2023-04-02
2516
التاريخ: 2024-10-26
176
التاريخ: 2023-07-08
1200
|
استناداً لما مر في البحث التفسيري فإن جملة: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] تستوعب كل نمط من أنماط الفساد على وجه البسيطة الذي من أبرز مصاديقه الاختلاف والنزاع والتناحر والتجاذبات والصراعات الفردية أو القومية والقبلية. ومثل هذا الاختلاف هو من باب الاختلاف بعد العلم والذي يذمه القرآن الكريم في آيات جمة وقد قال بخصوص بني إسرائيل ما يلي: لقد أسكنا بني إسرائيل في محل صدق (بيت المقدس) وجعلنا رزقهم من الطيبات بيد أنهم غرقوا في الاختلاف والنزاع ولم يختلفوا مع بعضهم إلا من بعد أن نالوا العلم والمعرفة ... الخ؛ {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} [يونس: 93]
ويستعرض القرآن الكريم نوعين من الاختلاف: الأول هو الاختلاف قبل العلم بالحق والحقيقة وذلك من أجل نيلهما، والثاني هو الاختلاف بعد العلم بهما. فالاختلاف قبل نيل الحق والذي يحصل لأجل نيله بإخلاص هو اختلاف ممدوح؛ لأن تجلّي الحق واتضاحه وتنامي الفكر وازدهاره يحصل عن طريق تضارب الأفكار وتبادلها. بالطبع المقصود هنا اختلاف أصحاب الرأي والفكر وليس اختلاف جماعة ليسوا هم من أهل الرأي فإن تدخل هؤلاء في المسائل الفكرية ليس فقط لا يقود إلى نيل الحق، بل سيشكل سبباً للمشاغبة والمشاجرة والمثالبة الباطلة. وقد طرح هذا القسم من الاختلاف في آيات من قبيل الآية 213 من سورة البقرة: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة:213]؛ أي إننا أرسلنا الأنبياء لتنهي الاختلاف بين الناس بواسطة العثور على الحق من خلال تقديم الإيضاحات وتبيين الحق، ونبدل اختلافهم إلى وفاق محمود.
أما الاختلاف بعد العلم فهو الاختلاف المذموم الذي يثيره الطغاة والظالمون بعد تجلي واتضاح الحق وهو ما أشير إليه في تتمة الآية المذكورة أعلاه {...وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة: 213] ؛ أي إن الذين اختلفوا في الكتاب السماوي بعد إنزاله هم أولئك الذين تلقوا الكتاب والحق وبلغتهم البينات الواضحة. ومنشأ مثل هذا الاختلاف المذموم هو الزيغ عن الحق واتباع البغي. إن الاختلاف المذكور يتبعه عقاب أخروي ويكون مدعاة لسلب الهداية الخاصة في الدنيا؛ بينما أولئك الذين قبلوا بحكم الحق والكتاب السماوي، أي أذعنوا للهداية التشريعية والعامة الإلهية، فإنهم يتنعمون أيضاً بفيض الهداية الخاصة التي تمت الإشارة إليها في أثناء الآية نفسها: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة: 213].
كان بنو إسرائيل على مدى التاريخ يثيرون دوماً الاختلافات الحاصلة بعد العلم وكانوا بعد نزول الآيات والبينات الإلهية وتبين الحق، يتمادون الطغيان والفساد. والله سبحانه وتعالى نهاهم في الآية مدار البحث عن مثل هذا الفساد والاختلاف من جهة ولا تعثوا في الأرض مفسدين، وأشار في سورة يونس" إلى اختلافهم بعد العلم من جهة أخرى: {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ} [يونس: 93] ، ونهاهم عن مثل هذا الطغيان في سورة "طه" من جهة ثالثة: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81] ، بل وأشار في أثناء الآية إلى عاقبة مثل هذا الطغيان أيضاً حيث يقول بصورة الشكل الأول من القياس المنطقي: الذي يطغى يحل عليه الغضب الإلهي وكل من يحل عليه غضبي فهو يسقط ويهوي. إذن فالطاغي يهوي وإن نتيجة الطغيان هي السقوط والهلاك {... وَلَا تَطْغَوا فيه فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}. كما ويقول أيضاً في سورة الجاثية بخصوص قضاء الله فيما بينهم من الاختلاف يوم القيامة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الجاثية: 16، 17].
هذا النمط الآيات هو بمثابة إنذار لكافة الجماعات والفئات من العلمية، خاصة طلاب العلوم الدينية، كي يحذروا من الابتلاء بالاختلاف بعد العلم وليعلموا أنه إذا لم يراقب الطالب نفسه في سنين اكتسابه للعلم، ولم تذعن نفسه للحق بعد فهمه في المناقشات والمذاكرات العلمية اليومية، وتفلت من الاعتراف بحقانية قول المقابل فإنّه – بعد الفراغ من التحصيل الدراسي، وترك المراكز التعليمية، والاضطلاع بالمسؤوليات الاجتماعية - سيكون من أعظم المصائب على الإسلام والمسلمين؛ لأن من لم يبن نفسه ولم يمرنها على التسليم والخضوع يصبح مصدراً للاختلاف المذموم والتنازع المؤدي إلى الوهن في المجتمع.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|