أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-23
811
التاريخ: 2023-05-15
925
التاريخ: 2023-04-29
832
التاريخ: 2023-05-20
899
|
لم يتقبل جابر بن حيان نظرية إنبادوقليس 28 وأرسطو في تفسير عملية الاحتراق التي تنال الأجسام، فأدخل عليها بعض التعديل بإعلانه نظرية الزئبق والكبريت البديلة، والتي شُرحَها في الكثير من أعماله، مثل كتاب الإيضاح، وكتاب المائة وغيرهما.29 وهي النظرية التي تميز بها جابر عن أسلافه الهلينستيين، فالزئبق يحوي على عنصري التراب والماء، أما الكبريت فيحوي على النار والهواء، وبذلك بات الزئبق والكبريت يحويان على العناصر الأربعة. 30
ومفاد نظرية الزئبق والكبريت الجابرية. كما يُلخّصها لنا هو لميارد – أنَّ المعادن لها مقوّمان (دخان أرضي) و (بخار مائي)، وتكثيف هذه الأبخرة في جوف الأرض يُنتج الكبريت والزئبق، وباجتماعهما تنتج المعادن، وتنجم الاختلافات بين المعادن الأساسية بسبب الاختلاف في النِّسَب التي يدخُل بها الكبريت والزئبق في تكوينها؛ ففي الذهب تكون نسبة الكبريت إلى الزئبق متساوية، وفي النحاس يكون فيه العنصر الأرضي أكثر من الفضة. ونظرًا لوجود مقوّمات مُشتركة بين المعادن، فإنَّ تحويل بعضها إلى بعض يُصبح أمرًا ممكنًا، وعندما يقوم الكيميائي بهذا التحويل فإنه يؤدي خلال وقت قصير، ما تؤديه الطبيعة في وقتٍ طويل؛ ولذلك يُقال: إنَّ الطبيعة تستغرقُ ألف سنة لصناعة الذهب. لكن يجب التنبه إلى أن جابرًا لم يأخذ نظرية الكبريت والزئبق هذه مأخذا حرفيًّا ظاهريا، وإنما فهمها على أنها صورة تقريبية لما يحدث (أي تشبيه لما هو غائب بما هو معروف)؛ فهو يعلم تمامًا بأن الزئبق والكبريت العاديين إذا تفاعلا مع بعضهما لن يُنتجا سوى الزئبق الأحمر، لذلك فإن المقصود بالكبريت والزئبق عنصران افتراضيان تتكون منهما المعادن ويكون الكبريت والزئبق المألوفان أقرب مادتين إليهما، 31 وإلى الأفهام بشكل عام.
وهكذا فإنَّ «الزئبق الافتراضي» يُمثل العنصر الأصلي في المعادن، والباعث على لمعانها وقابليتها للطرق، أما «الكبريت الافتراضي» فيدلُّ على العنصر المحترق والملون.32
وانطلاقا من تحديده لخصائص الكبريت الافتراضي»، فإن زيادة نسبة الكبريت في المعدن تُكسبه صلابةً أكثر، ويُصبح أخف وزنًا، وهشًا، وأكثر قابلية للصدأ. أما إذا زادت نسبة «الزئبق الافتراضي» في المعدن فإنه يُصبح أثقل وزنًا، وأكثر ليونة، وأقل قابليةً للصدأ. 33
ویری هو لميارد أنَّ نظرية جابر في الاحتراق تُعَدُّ تَقَدُّمًا واضحًا على النظريات العلمية السابقة لليونانيين، وأصحاب مدرسة الإسكندرية. 34 وعلَّق مؤرخ العلوم جورج سارتون على هذه النظرية بقوله: منذ أن شرع المسلمون يتشككون في النظريات الكيميائية القديمة بدأت مرحلة وصولهم إلى مستوى عال من التفكير الكيميائي. ومع أنَّ هذه النظرية عديمة القيمة من الناحية العلمية في كيمياء القرن العشرين، إلا أنَّها تمثل إضافةً علمية، وتطويرًا لنظرية العناصر الأربعة، ومحاولة أخرى لفهم طبيعة المادة، كما تَدلُّ بشكل واضح على معرفة جابر بن حيان والكيميائيين المسلمين من بعده، لخصائص وصفات المعادن من ناحية الصلابة والليونة، ومن ناحية قابليتها للصدأ أو مقاومتها له، كما تُشير إلى نضج رائد في التفكير العلمي والتجريبي. والدلالة على قوة نظرية جابر هو انتشارها والاعتماد عليها حتى القرن 18م. 35
والواقع أنَّ سبب اختيار جابر لهذين العنصرين بالتحديد دون غيرهما ليكونا ركيزة نظريته، هو استخراج معظم المواد المعروفة في عصره من كبريتيداتها عن طريق التحميص (الشي)؛ حيث كان غاز الكبريت ينطلق أثناء عملية التعدين. ونظرًا لوجود الزئبق ملغمًا أكثر العناصر المعروفة أيضًا، فهو يتحد ببعضها كيميائيا عن طريق مع تكون آصرة معدنية، فيُغيّر من خصائص المعادن نفسها، ويُظهرها بمظهر آخر. وقد تحدث جابر نفسه عن ذلك في كتابه (الخواص الكبير). 36
ناقش جابر أيضًا في رسالة كتاب «الإحراق كيفية تأثير النار الخارجية على عمليتي التكليس والتصعيد، وكيف تقوم النار هنا بدور المخلّص للمواد من خلال حرقها للشوائب، فقال: «واعلم أنَّ هذا الحرق يا أخي في علم الصنعة لا بد منه – وحق سيدي – في كل شيء حتمًا ضرورةً منها في الجوانيات والبرانيات، وأنه مخصوص به الأجساد؛ لأنَّ الإحراق ابتداء التكليس، والتكليس لا يكون إلا للأجساد، وقد تقدم القول في كتاب الإحراق من هذه الكتب إنَّ الإحراق يكون حسيًّا وعقليًّا، وإنَّ ما كان منه حسيًّا فهو إحراق الجسد، وما كان عقليًّا فهو إحراق النفس، غير [أن] ابتداء التكليس أخي ليس هو تكليسها، فاعلم ذلك. والنفوس والأرواح لا تحتمل التكليس إذ إن التكليس لا يكون إلا بشدة النار، والأرواح لا تحتمل شدة النار لأنها نافرة عنها هاربة منها، ولأنَّ التكليس أيضًا إنما يُراد به إفساد أوساخ الأجساد وإحراقها كلها ليطهر ويُنقَّى خاليًا صافيًا. والروح ليس فيها مثل علة الجسد، وإنما احتاجت إلى ابتداء التكليس ليكون إذا فعل بها ما يجري مجرى التكليس للجسد.» 37 ويقصد جابر هنا بالأجساد المعادن السبعة (الفضة والذهب والنحاس والحديد والأسرب والرصاص والخارصين ) 38 التي تثبت عند معالجتها بالنار، وتمتاز بأنها منطرقة، أما الأرواح فهي المواد غير الثابتة في النَّار؛ أي التي تتطاير أو تتسامى لدى تعرضها للحرارة، مثل الزاج الأزرق والأسود والشب والنشادر والكبريت والزئبق والزرنيخ. 39
________________________________________
هوامش
28- صبحي، أحمد محمود، وحملها الإنسان: مقالات فلسفية، ط 1، دار النهضة العربية، بيروت، 1997م، ص16
29- الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص 104.
30- هیل، دونالد، العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، ص116.
31- الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص 104.
32- الخالدي، روحي ، الكيمياء عند العرب، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة القاهرة، 2014م، ص52.
33- الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص 105.
34- محمود زكي نجيب جابر بن حيان، ص 225.
35- الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص 105-106.
36- المرجع السابق نفسه، ص 106.
37- جابر بن حيان، كتاب الإحراق، مخطوط محفوظ في مكتبة شستربيتي، إيرلندا، دبلن، مجموع رقم (3231) م. ك، مج 2، ص 19 و.
38- هو نفسه عنصر الزنك أو التوتياء.
39- بربوتي، محمود مهدي المنهج البحثي لدى الكيميائيين العرب الأوائل، ص 44
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|